عمد السلطان عبد الحميد الثانى منذ أكثر من قرن الى رفع شعار الجامعة الاسلامية واسدال لقب خليفة المسلمين رغم إشكالية الأصل القرشى ، كمحاولة أخيرة منه لمزاحمة الأفكار القومية وتوحيد الشعوب الاسلامية ضد الدول الكبرى والنزعات الانفصالية ، لكن موازين القوى العالمية وحقائق الأرض أطاحت بالأحلام والمحاولات والمشاريع المتأخرة رغم اقترانها بزخم فكرى من دعوات مفكرين محوريين كجمال الدين الأفغانى

يقول كلاوزفيتز مؤلف كتاب “عن الحرب”، أنها – أي الحرب – هي مواصلة للسياسة بوسائل أخرى، وتكمن أزمة أغلب الأنظمة العربية في إعلاناتها المتناثرة عن إستراتيجات أو خطط دون محاولات تأسيس سياسة ناظمة فضلًا عن أن تكون مستدامة.

وتنبع متلازمة المفاجآت السياسية المتلاحقة من طبيعة الفضاء الجغرافي والسياسي والبشري والظرف الزمني الغالب عليه الفوضى والتعقيد، بحيث تكون أي محاولة للتبسيط والاختزال لمجرد سبب ونتيجة أمرًا مضللًا أمام طوفان المعطيات والنتائج المتداخلة، حيث تفضي بالتبعية لهذا المشهد الضبابي (1) .


ظروف إعلان التحالف

بمقارنة بين ظروف إعلان السعودية الأخير بمنتصف ديسمبر عن تحالف عسكري إسلامى لمحاربة الإرهاب -ضم حوالي 34 دولة إسلامية ومرشح للزيادة، يهدف لمحاربة تنظيم داعش وأي منظمة إرهابية أخرى- وبين دعوة سابقة للراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز لتأسيس مركز دولي لمكافحة الإرهاب؛ تبرز اختلافات جوهرية بأولوية السياسات الدولية الحالية والتهديدات الإقليمية الجادة وانكشاف هشاشة دول محورية إثر تقلباتها الداخلية لتخلق فراغ قوة تسعى مجموعات ودول ومحاور لشغره .

وتخرج دعوة التحالف في فضاء متخم بالتحالفات المحاربة للإرهاب، فبعد التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش الذي تقوده الولايات المتحدة برز في إثر حرب اليمن الدعوة لقوة عسكرية بمظلة عربية، وبجانب التحالفات الإقليمية كالتحالف الروسي الإيرانى؛ خرج من نفس الفضاء الخليجي الدعوة لمجلس حكماء المسلمين تقوده الإمارات .

في محاولة لالقاء الضوء على هذه المتناقضات يمكن تلمس ملامح ودوافع التحرك السعودي، وسر توقيته ومن أعلنه ومكان قيادته ومغزى الدول المشاركة والمستبعدة.

maxresdefault

أسباب متداخلة

1. أسباب عسكرية، فبرغم النجاح النوعي لتجربة التحالف العربي فى اليمن فالتكاليف الضخمة التي تجشمتها السعودية في تلك الحملة – حيث أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية عن قيمة الذخائر المباعة وتقدر ب 1.29 مليار دولار أمريكي، لتحل محل المستخدمة – ليكشف حجم الإرهاق والاستنزاف الاقتصادي الذي تعانيه المملكة حاليًا بالاضافة للأزمة المستمرة في انخفاض سعر منتجات الطاقة والوقود والذي اقترب من 30 دولارًا للبرميل ، مما يجعل توسيع إطار التحالفات بتوسيع أهدافه أمرًا ملحًا .

2. دوليًا، وتزامنا مع دعوات أمريكية وغربية بضرورة ظهور دور سني لمحاصرة الإرهاب، وتعزُز هذه الضغوط بعد أحداث باريس لتظهر الدعوة للتحالف كمحاولة قد تبدو لتبرئة الإسلام مما ألحقته الجماعات المتطرفة به، وإعادة تموضع لدور السعودية إقليميًا كصاحبة التحالف ذي المظلة الأوسع بجانب قيادتها للتحالف، دور لا يجوز إغفاله أو تجاوزه فى أي ترتيبات إقليمية قادمة.

3. سؤال التحالف الهام: هل هو إسلامي أم سني؟

رغم نفى الجبير وزير الخارجية السعودية اتهام التحالف بالطائفية،إلا أن الصيغة التي أعلن بها ولون الدول المشاركة فيه تتحدث بدون مواربة عن محاولة صنع توازن عسكري في المنطقة بعد توسع واضح للمعسكر الشيعي، هدف توازن من الطرفين حيث شعارهم الحرب على الإرهاب ،فمحور إيران وحلفائها فى سوريا كمثال؛ وإن ادعى أن حربه ضد الإرهاب؛ فإن خطر داعش يمثل له تهديدًا أقل من تهديد الجماعات المسلحة السنية الأخرى، وهو في نفس الوقت يبنى شرعية سياسية محلية، وفي نفس الوقت فالتحالف الجديد المعلن عنه بقيادة دول سنية ضخمة مثل السعودية وتركيا يكون أيضا تهديد داعش أقل من التهديد الشيعي لمليشيات أو قوات نظامية حليفة لإيران، في صراع يحول البلاد لساحات اقتتال ونفوذ يحاول وضع قدم وتأمين مصالح وحدود عند وضع أوزار الحرب.

فكرة التحالفات غير بعيدة عن الفكر الخليجي الذى تسوده فكرة دوائر الأمن المتعددة، الذاتي والجماعي والعربي ثم الأحلاف، ومن هذه الرؤية المتمحورة حول الذات تبرز إشكالية دائمة لأزمة الأمن القومي العربي، حيث أنها تعني أولوية أمن الأنظمة السياسية المتباينة قبل المصلحة الجماعية للشعوب، لتشكل الأنظمة في أوقات عدة أكبر مهدد للأمن القومي

4. يلعب عامل الأشخاص في إطار الدعوة للتحالف التي أطلقها محمد بن سلمان،فالحديث الكثير في الدوائر الغربية عن “طموح ” ولي العهد في تولي مقاليد الحكم، قد يكون بالتخطي الصعب لرجل الشئون الأمنية المهم لأمريكا في المملكة محمد بن نايف، ويعزز داخليا هذا الاتجاه بالترويج له كمجدد للاقتصاد السعودي عبر برنامج “التحول الوطني”.


عوامل القوة للتحالف

مع تشكك روسي في جدية التحالف و هجوم من المحور الإيراني؛ ما زال شعار محاربة الإرهاب يعطي شرعية دولية لأي تحرك عسكري باسمه، فسارعت الولايات المتحدة والدول الغربية للترحيب به.

كما أن صبغته الإسلامية جلبت له دعم دول عديدة، وهيئات إسلامية ك منظمة التعاون الإسلامي وترحيب شيخ الأزهر حيث وصفه بنواة وحدة حقيقة بين الدول العربية والإسلامية .

كما أن مشاركة جيوش قوية مثل تركيا وباكستان ومصر بجانب تبادل المعلومات الاستخبارية والمعدات والتدريب تمثل ثقل للتحالف وإمكانيته، ويبقى السؤال عن مدى وحجم ونوعية مشاركة الدول ليحدد مدى جدية هذا التحالف.


قوة إسلامية أم عربية؟:الصراع على دور شرطى المنطقة

1. خلاف على المبادرة:

بعد دعوة القاهرة والجامعة العربية لضرورة تشكيل قوة عربية مشتركة لمواجهة خطر الجماعات المتطرفة المتناثرة في الوطن العربي في محاولة بدت لإحياء معاهدة الدفاع المشترك، وبدأت اجتماعات قادة الأركان في الجيوش العربية، وكان الوصول بعد شهور لبروتوكول تشكيل القوة والذي من ضمن نصوصه أن يكون مقر هيئة التخطيط للقوة في دولة المقر للجامعة وهي مصر.

بعد نشر البروتوكول نقلت تقارير عن باحثين وعسكريين عن عدم رضا الخليج بخصوص البروتوكول المنشور؛ حيث شابه غموض بخصوص مهمة القوات وعددها ومقر قيادتها ونوع تسليحها، ثم دعت السعودية في اجتماع لاحق لتأجيل اجتماع مجلس الدفاع الدفاع المشكل وأيد هذا الطلب دول الكويت والبحرين وقطر والعراق.

بمزامنة إعلان دعوة المملكة للتحالف الإسلامي تم الاتفاق على زيادة الاستثمارات السعودية في مصر لحوالي 30 مليار ريال وتغطية احتياجات مصر النفطية لـ 5 سنوات قادمة لتبرز الشكوك عن علاقة تحويل القيادة من القاهرة كمتزعمة لقوة عربية لصالح الرياض ومن الجامعة العربية لمنظمة التعاون الإسلامي، مقابل انتعاش اقتصادي وشرعية إنجازية يحتاجها النظام في مصر.

2. الخلاف على زعامة الفضاء الخليجي:

رغم الخلافات السعودية الإماراتية حول ملفات عدة أغلبها خليجي محاولة طرح نفسها البديل “التقدمي” مكان السعودية رحبت الإمارات بدعوة السعودية للتحالف الإسلامي.

والخلافات الإماراتية السعودية تتمحور حول محاولة الإمارات اللعب منفردة خليجيا بالاقتراب من إيران، فبرغم استمرار احتلال الثلاثة جزر الإماراتية من قبل إيران؛ إلا أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين متميزة للغاية، كما أن الملف اليمني والذي تدعم الإمارات فيه السعودية عسكريا “على استحياء”، وفي نفس الوقت تدعم أحمد عبد الله صالح لقيادة اليمن في ملف يشكل أحد أكثر ملفات الأمن القومي السعودي حساسية. كما تحاول الإمارات تقديم الدعم للجنرال حفتر في ليبيا رغم تفضيل السعودية الحل السياسي، كما موقفها من تركيا.

تتحدث وثيقة لويكليكس عن بن زايد حيث أعرب عن تخوّفه من الجيش الإماراتي فيقول أنَّ الجيش يبلغ 60 ألفًا، من بينهم 50% إلى 80% قد يستجيبون لنداء يطلقه أحد مشايخ مكة، مما قد يفسر أسباب الدعوة لتحالف”إسلامي”، لكن يطرح تساؤلات عن مدى انسجام ومن ثم التنسيق بين عناصر هذا التحالف!

يقول أمين هويدي:

كان مؤتمر القمة العربي الوحيد الذي نجح في إصدار قرارات هامة وخطيرة هو مؤتمر القمة الذي دعى له جمال عبد الناصر في يناير 1964 إذ أصدر الملوك والرؤساء قرارات تتعلق بتكوين هيئة لتحويل مجرى مياه الأردن وإنشاء القيادة العربية الموحدة لتعزيز الدفاع العربي، إلا أن الصعاب بدأت تظهر في الأفق بعد ذلك لتحول دون قيام القيادة الوليدة بمسئولياتها، أهم العقبات وضعت أمام ضرورة مركزة القوات العربية في أراضي أشقائها المطلوب تدعيمها حتى تستكمل وسائل دفاعها برا وجوا! وانتهى الوضع بالقضاء على القيادة العربية للوحدة وأصبح مجلس الدفاع العربي المشترك على الورق. كانت القيادات السياسية تخشى تمركز قوات عربية داخل أراضيها خوفا من أن تقوم القوات بتغييرات سياسية يحسن تجنبها! (2)


إشكاليات التحالف

أدى التسرع في إعلان السعودية للتحالف بدون خطط أو تنسيقات واسعة إلى خروج الدعوة بشكل ضبابي جعل الاستجابة لها من الدول المعلن أساميها متفاوتة للغاية؛ ففي حين أعلن أحمد داوود أوغلو ترحيبا كبيرا بالتحالف، أعلنت مصر على لسان وزير خارجيتها في لقاء تلفزيوني اتساق أهداف مصر مع هذا التحالف وأن مصر ستقدر حجم المشاركة الذي يحدده المصلحة المصرية، وأعلنت باكستان مشاركتها ونظرها في حجم المشاركة بعد تصريحات سابقة بعدم إبلاغها بهذا التحالف، وفي لبنان ورغم ترحيب رئيس الوزراء صائب سلام إلا أنه صرح أن أي مشاركة ستكون وفقا للأطر الدستورية والقانونية اللبنانية مع هجوم من حزب الله وبعض التيارات السياسية اللبنانية.

1. تنافر وحدات التحالف؛ فبعيدا عن الخلافات السياسية بين بعضهم وتفاوت الأحجام العسكرية للجيوش وإمكانية تعاونهم استخبارتيا من عدمه كمثال بين مصر وتركيا، ومصر وقطر، وبين تركيا والإمارات، فرؤيتهم تجاه تحديد مفهوم الإرهاب وتصنيف الجماعات؛ هل إرهابية أو معارضة مسلحة وبقاء أو زوال اﻷسد من رئاسة سوريا وحتى الموقف تجاه موسكو وطهران؛ متباينة للغاية.

2. الطابع الأيدلوجي للتحالف وإن كان تسميته إسلاميا فباستبعاد إيران والعراق وسوريا أصبح له شكل طائفي واضح مما يزيد التنافر ويضعف الدعم الداخلي للدول المشاركة خاصة التي تحمل في نسيجها الأساسي مكونات غير سنية، مما يطرح تساؤلات عن مدى استمرارية التحالف وبقائه.

3. من الناحية العسكرية يلوح التساؤل عن إمكانية التحريك الواسع والبعيد للقوات في ظل أزمة انخفاض أسعار الوقود مع الأخذ في الحسبان استمرار القوات المشاركة في الحرب في اليمن والتحالف الدولي على الإرهاب والتحالف الإسلامي.


هل يقاتل التحالف الإسلامي الدولة الاسلامية؟

في أول رد على التحالف ضمن رسالة أخيرة لأمير تنظيم داعش تحت عنوان “فتربصوا إّنا معكم متربصون” حرض البغدادي أهل الحرمين بالثورة على النظام واصفا إياهم بآل سلول، والتحالف الإسلامي بالتحالف السلولي. ومتحدثاً لأنصاره عن التحالف بأنها معركة أحزاب جديدة شادا من أزرهم .

وتتمحور قدرة التحالف في الحرب على التنظيم في محاور:

1. سياسيا: بمحاولة الضغط والتسريع واستغلال نتائج مفاوضات المعارضة في الرياض والزخم الدولي الغربي الراغب في حل سياسي نهائي للدفع في المفاوضات الدولية القادمة لتشكيل ملامح عهد جديد، تكون بدايته توحيد الجهود ضد تنظيم داعش.

2. عسكريا: فبعد تحالف دولي كان الحماس له فى البداية سرعان ما انطفأ -هذا التحالف بقيادة عربية/ إسلامية- يبعث الدماء مرة أخرى في حرب ضد التنظيم ويسحب منه بساط شعارات الطائفية، شريطة ألا ينجرف التحالف هو أيضا في صراع طائفي من جهة أخرى.

3. ماليا، فعمليات تحويل الأموال عبر مؤسسات في دول إسلامية كقطر والكويت يتطلب مراجعة جادة لأنشطة المؤسسات وعمليات تحويل الأموال بين المؤسسات والمتلقين لضمان عدم وصولها للمتطرفين.

4. إعلاميا، فبرغم اﻵلة الاعلامية الهائلة للتنظيم وإنشائه لمراكز إعلامية وإنتاج مرئي محترف دعائي ومجلات دورية بلغات متعددة، ووصولا لأفكار بث قناة على الإنترنت يهدف فيها لبث الرعب والتعريف بالتنظيم ومنهجه الفكري، فإمكانيات التحالف والمتصلة بالعمليات على الأرض قد تمكنه من المواجهة الإعلامية بإظهاره هزائم التنظيم حيث كسر أسطورة النصر المتواصل.


الخلاصة

1. ستفتح دعوة التحالف الإسلامي الجدل ثانية حول تعريفات وتحديد مفهوم الإرهاب؛ هل هو إرهاب الميليشيات المسلحة أم إرهاب الدولة؟ وتصنيف الجماعات؛ هل جماعة الإخوان حليف في اليمن أم جماعة إرهابية في مصر؟ وما نوع الإسلام الذي يتحالف تحت لوائه ال 34 دولة، هل هو إسلامى وفقط أم إسلام سني؟ هل سني وهابي أم أزهري؟

2. كشفت الدعوة للتحالف عن هشاشة إقليمية حقيقية ووجود فراغ أمني متسع، فضلا عن عدم وجود تحديد لمفهوم الأمن القومي العربي، ففي حين يرتبط شرط الدول للعمل العربي الجماعي بعدم انتقاص الإرادة السياسية القطرية كان هناك غياب تام للرأي العام الشعبي عن هذه التحالفات وما سبقها وقد ما يليها، رجوعا لعهد ارتبطت فيه السياسات الخارجية بالزعامات المؤقتة.

3. يضع التحالف مع دعوته للحرب على الإرهاب عينه على احتواء المد الشيعي، مما قد يؤدي لانفجار إقليمي حتى داخل الدول المشاركة نفسها أو حرب معسكرات تكون فيه القوى الغربية والولايات المتحدة – مرة أخرى – حافظة التوازن بينهم.


هوامش:

1. الإستراتيجية ومحترفو الأمن القومى، هاري آر يارجر.

2. أزمة الأمن القومي العربي، لمن تدق الأجراس، أمين هويدي.