مع استمرار شن الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة، تساءل عديد من المحللين الإسرائيليين والكُتاب عن كيفية العلاقة الجديدة التي ستكون بين غزة وإسرائيل بعد 7 أكتوبر!

من جانبه صرّح «مئير بن شبات»، الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي، قبل عدة أيام بأنه «في ظل الظروف الحالية، «فإن الثمن الرهيب الذي دفعناه لدخولنا هذه الحرب يجب أن يؤدي إلى تغيير جذري في الواقع، حتى لا تهددنا حماس ولا قدراتها العسكرية».

في هذا الشأن تبارت عديد من المنصات الإعلامية العبرية للحديث عن مستقبل القطاع في ظل الأوضاع الجديدة.

لا «حماس» في غزة

كتبت الصحفية «شيريت كوهين» أمس، في جريدة «إسرائيل هايوم» الإلكترونية، بعد حرب غزة: كيف سيبدو الواقع بالنسبة لإسرائيل؟ أوضحت أن خلال اجتماع مجلس الوزراء الحربي الجديد، تم اتخاذ القرار «بالإطاحة بحماس»، لكن الوزراء قرروا عدم التطرق إلى مسألة ما سيحدث بعد ذلك، ومن سيحكم قطاع غزة؟ وكيف سيبدو هذا؟ وما هو دور إسرائيل بعد ذلك؟ ولكن سردت «شيريت كوهين» عديدًا من السيناريوهات التي من الممكن أن تحدث بعد الحرب أو بمعنى صحيح إسقاط حماس من غزة بشكلٍ جذريٍ.

فكانت من ضمن ما عرضته:

  1. الاحتلال وحكم أكثر من مليوني مدني فلسطيني، ولكنها تحلل هذا الطرح؛ فعلى الرغم من أن إسرائيل فعلت ذلك في الماضي، فإن ذلك سيأتي بتكلفة اقتصادية باهظة، إضافة إلى ذلك، هناك اعتبارات دولية قد لا تسمح لإسرائيل بتعزيز سيطرتها العسكرية على تلك المنطقة.
  2. تطهير المنطقة من حماس وعودة السلطة الفلسطينية إليها، ومن خلال القيام بذلك، ستوقف إسرائيل الانقسام بين الضفة الغربية والقطاع القائم منذ عام 2007، الذي أضعف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهذا من شأنه أن يمنح السلطة الفلسطينية بعض النفوذ الدبلوماسي من خلال منحها الفرصة للمضي قدمًا بحل الدولتين.
  3. السيناريو الثالث يتمثل في قيام قوة دولية بإدارة قطاع غزة بدعم مالي عربي، على غرار المساعدات القطرية لحماس التي كانت قائمة حتى اندلاع الأعمال القتالية. وبهذه الطريقة، لن تحتاج إسرائيل إلى التعامل مع إعادة إعمار المنطقة بعد الحرب أو إدارتها.

أوضحت شيريت أنه اتفق كل الوزراء في مجلس الحرب على أن إسرائيل ستقوم بـ«تطهير» المنطقة وتغادرها، وسترد بالطريقة التي تراها مناسبة على أي تهديد عسكري جديد عبر الحدود، دون التدخل في شؤون الحكم الداخلية.

تفكيك القطاع نهائيًا

من جانبه، قدم الدكتور مردخاي كيدار، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، اقتراحًا مختلفًا يعرف باسم «القطاع» حتى قبل الحرب الحالية، وبحسب خطته، سيتم تقسيم القطاع إلى مناطق أو «إمارات»، تحكم كل منها عشيرة مدنية محلية، وإذا ظلت مسألة الحكم مفتوحة، وسُمح بإجراء انتخابات جديدة في قطاع غزة، يحذر كيدار من احتمال ظهور كيان إسلامي جديد، ودخوله الانتخابات، والفوز بها بالأغلبية، وهكذا، في غضون سنوات قليلة، قد نواجه حماس مرة أخرى بثوب مختلف على حدودنا.

وكان رئيس الوزراء نتنياهو قد صرّح في مناسبات عديدة بأن سيناريو الاحتلال غير مطروح على الطاولة، فيما كشف أحد أعضاء مجلس الوزراء الحربي لصحيفة «يسرائيل هيوم» أن إسرائيل «لن تحصي دجاجها قبل أن يفقس»، مشددًا على ضرورة التركيز على كسب الحرب أولًا.

وتجدر الإشارة إلى أن وزيرًا واحدًا على الأقل قد وصف واقع ما بعد الحرب في غزة من الناحية العملية، «جدعون ساعر»، الوزير الجديد في حكومة الحرب، صرح في مقابلة مع القناة 12 قبل أيام قليلة بأن على إسرائيل أن تدفع ثمنًا إقليميًا من غزة، ورغم أن الموضوع لم يُحسم بعد، إلا أن «ساعر» طرح موقفًا واضحًا بضرورة قيام إسرائيل بإنشاء منطقة أمنية عازلة إضافية تواجه حدود غزة، قائلًا: «في نهاية الحملة، نحتاج إلى انتزاع ثمن إقليمي»، من غزة، منطقة عازلة أمنية للتأكد من أن الجانب الآخر يدرك أن بدء الحرب يعني خسارة الأراضي».

ماذا بعد «حماس»؟

كتب البروفسور ميخائيل ميلشطايين، رئيس منتدى الدراسات الفلسطينية في مركز ديان في جامعة تل أبيب وباحث خبير في معهد السياسات والاستراتيجية في جامعة رايخمان، مقالًا مُحللًا به تتداعيات الوضع الحالي على غزة، في جريدة «يديعوت أحرونوت» الإلكترونية، من سيحكم غزة؟ تلك هي الخيارات، وكلها سيئة،  تساءل به أولًا؛ لنفترض أن انهيار حماس أمر ممكن، فماذا بعد ذلك؟ احتلال طويل الأمد وتحرك عسكري سريع وخروج سيترك فراغًا، أم دخول السلطة الفلسطينية وربما نظام حكم محلي بمساعدة مصر!

العبارة الأكثر تداولاً في الخطاب الإسرائيلي منذ مجزرة 7 أكتوبر هي «מיטוט חמאס – الإطاحة بحماس»، إن تحديد مثل هذا الهدف ـ على افتراض أنه ممكن عسكريًا ـ يتطلب تحليلاً استراتيجيًا متعمقًا، ووضوحاً فيما يتعلق بالسيناريو الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه، وفوق كل شيء نهجًا رزينًا، ربما لم يكن موجوداً قبل هجوم حماس في يوم سمحات توراة – Simchat Torah وهو يوم احتفال باختتام الدورة السنوية لقراءات التوراة العامة، وبداية دورة جديدة.

وكتب البروفسور «ميخائيل» أن حماس حكمت القطاع بطريقة دكتاتورية منذ عام 2007، وهي في الواقع متجذرة بعمق في جميع مستويات المجتمع الغزاوي لأكثر من 70 عامًا، حتى عندما كانت تعمل في التشكيل المبكر لجماعة الإخوان المسلمين، وإن الضربة القاتلة للمنظمة تعني تحييد جميع أُطرها القيادية، والتصفية الواسعة النطاق لكبار مسؤوليها، والتدمير المادي لمؤسساتها، لا سيما المدنية منها «مؤسسة الدعوة» التي تشكل وسيلة الاتصال مع الجمهور، وحرمان مصادرها الاقتصادية واعتقالات جماعية لعشرات الآلاف من نشطائها.

أعطى البروفسور مثال منظمة «داعش» التي هزمها التحالف الدولي، فإن الحرب لن تكون قادرة على استئصال فكرة حماس المتجذرة بعمق في الوعي الجماعي الفلسطيني، إن الهدف الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه يختلف عن «اجتثاث النازية» الذي مرت به ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو أشبه بعملية «اجتثاث البعث» (يقصد حزب البعث) التي حاول الأميركيون غرسها في العراق بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، النظام، ولم يتم استقباله بالتعاطف أبدًا.

وبحسب ميخائيل فإنه إلى جانب خيبة الأمل من أن فكرة حماس لا يمكن استئصالها بسهولة وبسرعة، لا بد من الاعتراف بندرة البدائل وضعفها – بعضها سيئ والبعض الآخر أسوأ، سيستمر الجميع تقريبًا في تحديد التحديات، حتى لو كان بعضها أقل من الحالي، إلا أنها ستصاحبها حالة من عدم اليقين العميق بشأن المستقبل.

واعتبر الخبير الإسرائيلي أن هناك بديلين سيئين للغاية يجب تجنبهما، الأول: هو إعادة احتلال القطاع والحكم الإسرائيلي المطول عليه، وهو السيناريو الذي رفضه الرئيس جو بايدن علنًا قبل بضعة أيام، وسيكون لذلك ثمناً باهظًا أمنياً واقتصادياً وسياسياً على إسرائيل قد يغرقها في النموذج المحلي للعراق أو أفغانستان، والبديل الثاني: هو انهيار حكم حماس والخروج السريع من القطاع، بما يخلق فراغاً ستستنزف فيه الفوضى والعناصر الجهادية من كل أنحاء الشرق الأوسط والعالم، التي ستحاول تحويل غزة إلى ساحة صراع ضد إسرائيل.

هناك بديلان آخران، احتمالات تحقيقهما غير واضحة، وقد يكونان أقل سوءًا بعض الشيء من وجهة النظر الإسرائيلية، الأول هو محاولة استعادة سيطرة السلطة الفلسطينية على القطاع، وهذا يتطلب، في المرحلة الأولى، تحرر الحكومة الإسرائيلية من الفكرة البعيدة المنال بأن السلطة الفلسطينية هي عدو أسوء من حماس، وعلى أي حال، ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كانت السلطة الفلسطينية – التي بالكاد تسيطر على يهودا والسامرة – مهتمة بمثل هذه المهمة المعقدة، وحتى لو تم الضغط على أبو مازن لكي يقبل المهمة، فليس من الواضح مدى نجاحه فيها.

البديل الثاني هو تشكيل نظام حكم سياسي بديل يعتمد على الأحزاب المحلية في قطاع غزة (رؤساء البلديات والعشائر والشخصيات العامة البارزة)، بمشاركة مسؤولي السلطة الفلسطينية ودعم خارجي واسع النطاق، بخاصة من مصر، وفي هذه الحالة أيضًا، فهو هدف ليس من الواضح مدى معقوليته، بعد سنوات قامت فيها حماس بقمع أي قوة شعبية أو سياسية تهددها، ومن المرجح أنها ستستمر في محاولة إحباطها، سيكون من الضروري إنشاء نظام تفتيش مخصص على طول الخط الحدودي بين مصر وغزة (محور فيلادلفيا)، بما في ذلك معبر رفح، الذي يشكل شريان تهريب استراتيجي لحماس.