تضرر المواطنون بشدة من الإصلاحات الاقتصادية، بما في ذلك تحرير سعر صرف الجنيه المصري والتحركات الرامية إلى القضاء على إعانات المياه والكهرباء والوقود. والآن يترقب المواطنون موجة جديدة من ارتفاع أسعار السلع والخدمات مع بداية العام المالي الجديد في الأول من يوليو/تموز المقبل، وذلك تزامنًا مع حلول الموعد النهائي لإلغاء الدعم عن الوقود وتعويم الأسعار وفقًا لأسعار النفط العالمية.

وبرغم ضرورة الإصلاحات الاقتصادية الرامية إلى محاولة تقييد العجز في الموازنة -الناتج عن ارتفاع المصروفات في ظل محدودية الإيرادات- إلا أن الإجراءات التي تم انتهاجها لتنفيذ تلك الإصلاحات وما تبعها من انخفاض ملحوظ في قيمة الجنيه مقابل جميع العملات الأجنبية، تسببت في ارتفاع أسعار السلع، حيث تضاعفت أسعار المواد الغذائية بمقدار ثلاثة أضعاف تقريبًا منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2016 حتى الآن، وذلك على الرغم من وجود نمو -وإن كان ضئيلاً- في الأجور، وهو ما جعل الكثير من المصريين يعملون في وظائف إضافية ليكونوا قادرين على تغطية احتياجاتهم الأساسية للمعيشة.


15 يونيو/حزيران: الموعد المُرتقب

تُخطِّط الحكومة -بحلول 15 يونيو/حزيران المقبل-لإلغاء الدعم عن معظم منتجات الطاقة، التي تباع الآن للمستهلكين بنسبة تتراوح بين 85% و90% من سعر السوق العالمي؛ أي أنه مع اقتراب استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي، ستصبح أسعار الوقود في مصر على وشك أن تماثل نظيراتها على المستويات الدولية، وهو ما يُعد عبئًا جديدًا وشديدًا على المواطن المصري.

كذلك سيكون المواطن على موعد مع ارتفاع جديد في أسعار الكهرباء في يوليو/تموز المقبل، مع بدء تطبيق الزيادة السادسة على التوالي في أسعار الكهرباء حسب السنة المالية للحكومة 2019/2020، وفقًا لما هو متبع مطلع يوليو من كل عام بداية من 2014، حتى يحين موعد الزيادة الثامنة والأخيرة في السنة المالية 2021/2020، تزامنًا مع رفع الدعم بالكامل عن الكهرباء.

وإلغاء الدعم عن منتجات الطاقة حتمًا سيقلل الضغط على الموازنة، لكنه سيؤدي أيضًا إلى ارتفاع أسعار السلع، بما يزيد أيضًا من معاناة الأشخاص العاديين، وخاصةً الأكثر فقرًا؛ ذلك لأن رفع الدعم سيرفع أسعار البنزين والديزل والكيروسين وزيت الوقود، وهذا سيؤثر بدوره على أسعار السلع المحلية.

وبصرف النظر عن العجز في الموازنة، الذي سيتم سداده عن طريق الاقتراض، أمام الحكومة تحدٍ آخر متمثل في وجوب سداد 21.6 مليار دولار من أقساط القروض والفوائد للدائنين الدوليين. وقالت الحكومة إنها ستقترض 47 مليار دولار لتلبية احتياجات الإنفاق في السنة المالية الجديدة، وهو ما يعني مزيدًا من تخفيض قيمة الجنيه أمام الدولار، ومن ثَمَّ ارتفاع آخر في أسعار السلع والخدمات، وهو ما يزيد الضغط على المواطنين محدودي ومتوسطي الدخل.


لماذا رُفع الدعم؟

من المعروف أن مصر اقترضت بمعدلات مرتفعة من صندوق النقد الدولي في السنوات الأخيرة لدعم الاقتصاد المتعثر، وفي المقابل وعدت بخفض الدعم من أجل مواصلة تلقي الدعم المالي الدولي. ومع ذلك، فإن إلغاء دعم الوقود يعني أن العديد من المصريين سيعانون من ارتفاع أسعار البنزين والديزل وأنواع الوقود الأخرى فضلاً عن ارتفاع أسعار السلع الأخرى، ولا يمكنهم تحمل الكثير من الضروريات وسط ارتفاع التضخم.

وفي منتصف العام الماضي 2018، رفعت الحكومة أسعار البنزين بنسبة تصل إلى 50%، في مسعى لتلبية متطلبات الإصلاح الاقتصادي المفروضة من قبل صندوق النقد الدولي، وهو ما زاد من إجراءات التقشف التي أضافت المزيد من العبء إلى المشاكل المالية التي يعاني منها ملايين المصريين ممن يعيشون تحت خط الفقر.

وفي 6 إبريل الجاري 2019، أصدر صندوق النقد الدولي مراجعته الرابعة للاقتصاد المصري كجزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم تنفيذه كشرط لقرض ممتد بقيمة 12 مليار دولار، تم الحصول على 10 مليارات دولار منه حتى الآن. وتعتمد الشرائح على تطبيق مصر لمتطلبات صندوق النقد الدولي المتفق عليها، بما في ذلك تعويم الجنيه ورفع الدعم تدريجيًا.

وفي وقت المراجعة الثالثة لصندوق النقد الدولي، كشفت الحكومة عن عزمها رفع جميع الدعم على جميع منتجات الوقود في يونيو/حزيران 2019، حسبما جاء في أحدث تقرير لصندوق النقد الدولي. وقالت «إن الحكومة المصرية ملتزمة بالوصول إلى استرداد التكاليف بالكامل بحلول نهاية العام المالي 2018/2019 لجميع منتجات الوقود، باستثناء الغاز الطبيعي المسال وزيت الوقود المستخدم في المخابز وتوليد الكهرباء».

وذكر تقرير صندوق النقد الدولي أن «إصلاح إعانات الكهرباء سيستمر كما هو مخطط لتحقيق هدف الإزالة الكاملة بحلول عام 2020/2021». ومع ذلك، حذر الصندوق من أن تدهور الوضع المالي الدولي قد يجعل مصر عرضة لارتفاع غير متوقع في السعر الدولي للوقود.


تسلسل رفع الدعم

ويُذكر أن الحكومة بدأت خطة رفع الدعم عن الوقود اعتبارًا من الثالث من نوفمبر/تشرين الثاني 2016، حيث اتخذ البنك المركزي قرارًا بتعويم الجنيه مُقابل العملات الأجنبية، تلاه اتخاذ الحكومة قرارًا برفع أسعار الوقود، ليرتفع سعر بنزين (80) من 1.6 إلى 2.35 جنيه بزيادة نحو 46.8%، وارتفع سعر بنزين (92) من 2.6 إلى 3.5 جنيه للتر بزيادة 34.6%. وقبل نهاية يونيو/حزيران 2017، قررت الحكومة تحريك أسعار الوقود للمرة الثانية بعد التعويم بنسب تراوحت بين 43% و55%.

وفي 16 يونيو/حزيران 2018، رفعت الحكومة أسعار الوقود للمرة الثالثة منذ التعويم بنسب تجاوزت 50%، ليرتفع سعر بنزين (80) إلى 5.5 جنيه للتر الواحد، وارتفع سعر بنزين (92) إلى 6.75 جنيه، في حين ارتفع سعر بنزين (95) الأقل استخدامًا من 6.6 جنيه إلى 7.75 جنيه.

ومن المتوقع أن ترتفع أسعار البنزين بوتيرة سريعة اعتبارًا من منتصف يونيو/حزيران المقبل، وسط ارتفاع أسعار النفط عالميًا بالقرب من 75 دولارًا للبرميل، علمًا بأنه بنهاية مارس الماضي 2019، حددت الحكومة سعر برميل النفط عند 68 دولارًا في ميزانية 2019/2020؛ أي أقل من السعر العالمي بنحو 7 دولارات، بالتالي ستلجأ الحكومة لرفع الأسعار على وجه السرعة لتتناسب مع المُعدلات العالمية.


ماذا يعني تحرير الأسعار؟

كان من المقرر أن تبدأ الحكومة في تنفيذ آلية التسعير التلقائي لبنزين 95، البالغ 7.75 جنيه للتر حاليًا، وربطه بسعر خام برنت في السوق العالمية ابتداءً من الأول من إبريل/نيسان الجاري، وذلك تماشيًا مع قرار تعويم سعره الصادر في نهاية عام 2018.

ووفقًا لآلية التسعير التلقائي التي تعتزم الحكومة تطبيقها بدءًا من العام المالي الجديد، سيتم عمل دراسة دورية كل 3 شهور، تتضمن النظر في أسعار خام برنت العالمي وسعر الصرف وتكلفة الإنتاج والتوزيع، وعلى أساسها يتم التعديل هبوطًا أو صعودًا.

وتقوم فكرة آلية التسعير التلقائي للمواد البترولية على وضع معادلة سعرية، تشمل أسعار البترول العالمية، وسعر صرف الجنيه أمام الدولار، بالإضافة إلى أعباء التشغيل داخل مصر، بحيث تسمح بزيادة وتقليص سعر لتر البنزين، بحسب التغير في عناصر التكلفة، بما يسهم في خفض تكلفة دعم الطاقة في الموازنة العامة للدولة.


نتائج متوقعة!

حتمًا يمكن أن تثير الجولة القادمة من إلغاء دعم الوقود مزيدًا من الاحتجاجات في بلد لديه الكثير من احتياطيات النفط والغاز غير المُستغلة حتى الآن. ناهيك عن معدلات التضخم المرتفعة أصلاً منذ تعويم الجنيه المصري عام 2016. أضف إلى ذلك أن وزارة المالية قد أعلنت عام 2018 عن تخطيطها لزيادة عائدات الضرائب العامة بنسبة 131% بحلول عام 2022.

ومن المُترقب أن يُسهم تحرير أسعار الوقود في يونيو/حزيران المقبل في ارتفاع معدلات التضخم، خاصة أن هذه الزيادة سيصاحبها زيادة في أجور موظفي القطاع العام وأصحاب المعاشات، بعد أن أعلنت الحكومة، نهاية مارس الماضي،زيادة الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة من 1200 إلى 2000 جنيه بزيادة قدرها نحو 66%، اعتبارًا من مطلع العام المالي الجديد الذي يبدأ في أول يوليو/تموز المقبل، وقرر الرئيس عبد الفتاح السيسي منح العلاوة الدورية 7% للعاملين في الدولة، كما رفع الحد الأدنى للمعاشات ليصل 900 جنيه، مع زيادة العلاوة السنوية إلى 15% بحد أدنى 150 جنيهًا.

وتلك الحزم المالية، وإن لم تكن بنفس معدلات الزيادة في أسعار الوقود، فسيصاحبها أيضًا زيادة مُركبة في معدلات التضخم التي ستنتج عن تطبيق هذه القرارات، والمتوقع أن تقترب من مستوى الـ 30% الذي شهدته مصر فور اتخاذ قرار التعويم في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، وذلك لأن أي زيادة في أسعار الوقود تؤثر بالتبعية على كافة أسعار السلع الأخرى.


تأثيرات سلبية على القطاع العقاري

وتزامنًا مع بدء تطبيق الزيادة في أسعار الوقود والكهرباء، يتنبأ المطورون العقاريون، بارتفاع أسعار الشقق السكنية خلال الأسابيع القليلة المقبلة وحتى نهاية العام الجاري 2019، بنسب تتراوح بين 5% إلى 20% مقارنة بعام 2018، ذلك لأن أسعار الكهرباء والوقود تؤثر على كل مدخلات صناعة العقارات، بجانب زيادة أسعار الأراضي التي تطرحها وزارة الإسكان بنسبة تقترب من 20% عن طروحات العام الماضي 2018.

وخلال العام الماضي،ارتفعت أسعار العقارات أكثر من مرة، حيث ارتفعت بنسبة 5% بسبب توابع القرارات الاقتصادية التي تم تنفيذها في عامي 2016 و2017، تبعها زيادة تراوحت بين 10% وحتى 15% بسبب زيادة أسعار الوقود والكهرباء في منتصف العام 2018.

وبالرغم من أن نسبة الزيادة في أسعار الوحدات السكنية لا يتم تحديدها طبقًا لأسعار الوقود والكهرباء فقط، لكن بالتبعية تحدث زيادة في مدخلات الصناعة ككل، بداية من النقل ومواد البناء، ومواد التشطيبات، والخامات، وكذلك العمالة.