نستعرض في هذه السلسلة تجارب لفتيات ونساء محجبات اقتحمن مجالات كانت في السابق محرمة أو خارج قاموس أصحاب السمت الإسلامي ممن تميزن وسعين لمزيد من التميز والعالمية في مجالاتهن، وهذه التجارب تؤكد وبشدة أن الحجاب ليس عائقًا للنجاح في كثير من المجالات التي كانت مهجورة إما أمام جدل فقهي أو أمام عادات الشرق الذكورية والنفسية، والتي شكلت عوائق، وما تزال، أمام من يسعيْن إلى التغيير والتواجد الطبيعي في ذاته، والمتميز فيما يقدمه، بين المجتمع، وتقديمهن التطبيق العملي لحركة المرأة المسلمة أو الحركة النسوية الإسلامية في المجتمع بعيدًا عن «القولبة» القديمة التي كان الشرع على خلافها.

تؤكد التجارب التي سنعرضها أن الحجاب ليس عائقًا للنجاح في كثير من المجالات التي كانت مهجورة إما أمام جدل فقهي أو أمام عادات الشرق الذكورية والنفسية.

ففي الوقت الذي كنا نقرأ فيه عن فقه عائشة أم المؤمنين -رضى الله عنها- وفتياها للصحابة، وعن جهاد أم عمارة بالسيف في حضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحسبة الشفاء بنت الحارث في السوق في عهد عمر بن الخطاب، وإقرار النبي لإجارة أم هانئ (فأخته بنت أبي طالب) لرجلين من أحمائها كافرين يوم الفتح بوّب له الإمام البخاري بابًا سماه: «باب أمان النساء وجوارهن»، كان الواقع يكتب بقلم غليظ مداده الحسرة، أمرًا مخالفًا من إهانة للمرأة والحجر عليها وتسفيه دورها حتى النابهات منهن، وخروج فتاوى تحرم تعلم المرأة سدًا للذريعة وتمنع قيادتها للسيارة سدًا للذريعة رغم أن «أم حرام بنت ملحان ماتت بعد أن سقطت من بغلتها في قبرص».

وتغاضى المجتمع وسكت كثير من دعاته عن هذا التحول حتى تغوّل الرجل ضد المرأة وانحرف دورهما في البيت والمجتمع، فظهرت دعوات التغريب التي أخذت شيئًا من الدين ومزجته بكثير من الهوى للمرأة المسلمة المظلومة، فانحرف المجتمع ومعه المرأة بدعوتهم ثم خرجت من بعد ذلك دعوات خالصة تحث الجميع، المرأة والمجتمع، على العودة إلى النبع الصافي للدين قبل أن تعكره الفتاوى المشوهة أو الاستحسانات الهوائية، ولكن دعوات الإصلاح غالبًا ما تقابل بالرفض والاستهجان حتى تفهم أو تقود، ودعاة التغيير أشبه بمن ينحت بظفره في الصخر ليبني قصرًا، مثل بعضهم في وقتنا الحاضر بطلاتنا في هذه السلسلة والتي نتحدث فيها اليوم عن «نور الإسلام».

اسم لمع قريبًا بعد حملة ناجحة قامت بها بعدستها الرائعة لتغيير التصور النمطي للناس حول المنتقبات وطريقة حياتهن وتواصلهن أو تفاعلهن مع محيطهن، وفي بعض الأحيان للرد على حملات التغريب بحملات التوعية بنفس الأدوات والطريقة ألا وهي التصوير الفوتوغرافي، وهذا لا يعني أن نور تقوم بتصوير ما يخص الحجاب وفقط أو الحملات الدعوية بل كل ما تؤمن بأنه يكمل رسالة الإحسان التي تؤمن بها، وكغيرها من محترفي التصوير تغطي وتصور «نور» كافة المجالات كمصورة محترفة طالما لم يخالف الموضوع الدين أو يضاده بالشكل أو المضمون.

بحجابها السابغ تتحرك نور مع كاميرتها التي تعشقها منذ الصغر بشدة لتضيف البهجة والمرح مع «إحسان» على محيطها ومتابعيها.

بحجابها السابغ تتحرك نور مع كاميرتها التي تعشقها منذ الصغر بشدة لتضيف البهجة والمرح مع «إحسان» على محيطها ومتابعيها، وإحسان هو اسم كاميرتها الملازمة لها لأنها تؤمن أن التصوير وسيلة مهمة لإضافة البسمة أو البهجة للناس وهذا من الإحسان؛ ولهذا أسمت «نور» كاميرتها بـ إحسان، تلك الرفيقة التي تصحبها أينما حلت ولسانها المصور إذا أرادت التعبير.

ترى نور نفسها بعد خمس سنوات كأشهر مصورة فوتوغرافية عربية على الأقل، رغم الصعوبات التي تواجهها في مجتمعنا الذي لا يفهم حتى الآن معنى أن تحمل «منتقبة» كاميرا وتعمل كمصورة محترفة بين الناس، ناهيك عن التضييق الأمني فكثيرًا ما يتم توقيف نور أثناء قيامها بالتصوير من قبل الأمن لسؤالها عن سبب تواجدها ولماذا تجمع حولها هذا العدد من البنات بل لماذا تقوم بالتصوير من أساسه.

وأحيانًا تكون الصعوبات في التوضيح لبعض المتابعين والأصدقاء بشرعية ما تقوم به، فـــ «نور» لم تتوقف كثيرًا أمام الجدل الفقهي بشأن التصوير بل حسمت أمرها (فقهيًا) سريعًا، فترى أن مقصود حديث المنع من التصوير هو نحت وصناعة الأصنام.

ناهيك عن أن بعض الأهل يحدث نور عن ضرورة توجهها لتعلم أمور المنزل من أجل الزواج الذي تنظر إليه نور كشراكة لا يمكنها أن تكون سببًا في إعاقة تقدمها فنيًا، والبعض الآخر يرى أن مكان نور الوحيد هو مراكز تحفيظ القرآن، فما شأن المنتقبة باحتراف التصوير؟.

تؤمن نور بعالمية الكاميرا كرسالة شأنها شأن كل فن، كما تبدي رغبة واستعدادًا في تغطية أي حدث إنساني أو عالمي يعلي من قيمة الإنسان ويساعده في النهوض والحركة الصحيحة من جديد.

وحول إلى أي مدى يشكل التصوير إرهاقًا أو إمتاعًا بالنسبة لنور، قالت بثقة يملؤها الحب:

طالما أحبه سيظل ممتعًا. لكن العمل مع أشخاص لا تقدّر أو تفهم التصوير ومتطلباته والمجهود المبذول فيه الذي يصل بنور في بعض الأحيان أن تظل واقفة لمدة أربع ساعات أو يزيد وتصل إلى يوم كامل من أجل لقطة تخيلتها أو تريدها، أو من يظنون أنهم امتلكوا الشخص إذا دفعوا له مقابلاً ماديًا يمثل إرهاقًا شديدًا يصل بك إلى اتخاذ قرار بعدم التعامل معهم مرة أخرى.

وترى نور أن الزواج هو داعم حقيقي لصاحب المشروع أو الفنان رغم الحديث السلبي في مجتمعاتنا حول الزواج وقلة التجارب الناجحة بهذا الشأن، ولكنها ترى أنه طالما كان الزوج متفهمًا لطبيعة العمل ويفخر بنجاح زوجته ويعتبره نجاحًا شخصيًا له فسوف ينجح الزواج ويستمر ولن يشكل عائقًا في التوازن بين متطلبات المنزل والعمل المحترف، فقط يحتاج الأمر إلى تنظيم للوقت وترتيب للأولويات. كذلك ترى نور التي تتطلع وبشدة ويقين في الله كبير للعالمية التي ستصل إليها يومًا على حد تعبيرها بأنها لا يمكنها تأجيل مشاريعها الكبيرة من أجل الزواج فالزواج رزق وليس حلمًا.

تركنا نور (عصامية البدء والتعلم) مع خطتها الجديدة وهي إنشاء ستوديو خاص بها بأفكار جديدة وتدريبها لجيل جديد من الفتيات على فن التصوير المحترف، وغيرها من المشاريع ومخططات المستقبل التي سوف توصلها، رغم الصعوبات التي تواجهها كمنتقبة أولاً وكصاحبة مبادئ ثانيًا، للعالمية يومًا ما بإذن الله.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.