أمس الأحد، 23 أبريل/نيسان توجه قرابة 37 مليون ناخب من أصل 47 مليونًا لصناديق الاقتراع لاختيار رئيسهم المقبل في انتخاباتٍ هي الأهم من نوعها منذ العام 1981، نظرًا للظروف التي تجري فيها والتغيرات الكبيرة التي يمكن أن تشهدها فرنسا، والقارة الأوربية ككل، أيًا كان الفائز.

هذه الانتخابات التي أرادها مؤسس الجمهورية الخامسة لتكون موعد رجل مع شعب فوق كل الأحزاب خاضها أحد عشر مرشحًا. ولئن كان المرشحون تنافسوا فيما بينهم على خطب ود الناخبين بالوعود والبرامج الانتخابية، فإن العامل الشخصي (شخصية المرشح) كان له الحظ الأوفر في اختيار الناخبين، الذي ما لبث أن جعل الجولة الثانية بين زعيمة الجبهة الوطنية، مارين لوبان، وجهًا لوجه مع إيمانويل ماكرون، الوافد الجديد على الساحة السياسية، بعدما تصدر ماكرون بما نسبته 23.8% تقريبًا، وتبعته لوبان بفارق 2%.


الرابحون

إيمانويل ماكرون

إيمانويل ماكرون

قطعًا هو الرابح الأكبر من هذه الجولة، حيث استطاع أن يحتل المرتبة الأولى عكس كل التوقعات التي وضعته في المرتبة الثانية. وهذا يضعه في وضعية مريحة قبل جولة الإعادة.

استطاع هذا المرشح الشاب الذين كان مجهولًا لدى عامة الشعب قبل سنتين توطيد كتلته الانتخابية التي ظنها الخبراء رخوة. و أعاد بعث تقليد فرنسي قديم ظنه الجميع قد اندثر، وهو الخط الوسطي الذي مثله تاريخيًا الرئيس السابق جيسكار ديستان وبعده ريمون بار، وفي الدورتين الماضيتين فرانسوا بايرو (كان من أقوى الداعمين لماكرون في هذه الدورة). هذه الكتلة كانت دائما تمثل حوالي 15-20 بالمائة بصورة مستمرة من الناخبين أحيانًا تميل نحو اليمين أو اليسار بفعل (التصويت المفيد) لكنها ثابتة نسبيًا على مر الدورات.

اقرأ أيضًا:ماكرون «الحصان الأبيض» القادر على هزيمة لوبان

دعم هذه الكتلة – ما يمكن تسميته – الجناح (الإصلاحي) في الحزب الاشتراكي ممثلًا فيمن تبقى وفيًا للرئيس هولاند والجناح الموالي لرئيس الوزراء السابق مانويل فالس.

فرانسوا هولاند

الرابح الثاني في هذه الليلة الانتخابية هو الرئيس فرنسوا هولاند، الذي وضع ولي عهده في أحسن الظروف لخلافته عبر ثلاث مراحل؛ الأولى، كانت في الإطاحة بخصمه ورئيس وزرائه السابق مانويل فالس في الانتخابات التمهيدية للحزب الاشتراكي.

والثانية، كانت في إشعال التحقيقات القضائية ضد فيون وإدارة التسريبات في الصحافة بصورة كادت تطيح به ومنعته من تحقيق أي ديناميكية خلال الحملة وحشرته في زاوية الدفاع المستمر. أما الثاثة، فتمثلت في تنظيم هجرة الوزراء في حكومته إلى ماكرون وحرمان بونوا آمون المرشح الاشتراكي من أي دعم رسمي ذي بال.

الانتصار الثاني، الذي لا يقل أهمية لفرانسوا هولاند، هو تأديب الجناح الراديكالي داخل الحزب الاشتراكي، بونوا آمون، الذي عكر عليه صفو فترته وجعله يحكم بأغلبية هشة منعته من تحقيق أهدافه وفي الأخير منعته من الترشح بل وصل الأمر إلى هؤلاء بالتصويت مرتين بحجب الثقة عن الحكومة في البرلمان.

وفوق هذا أعطاه فرصة في تحقيق فكرة كان يطمح إليها من زمان وهي بناء حزب ديمقراطي/تقدمي وتحقيق القطيعة الكاملة مع التراث الاشتراكي الثقيل.

نيكولا دوبون إنيان

نيكولا دوبون إنيان

هذا المرشح اليميني الصغير المنشق عن الحزب الجمهوري الذي سمع عنه الكثيرون لأول مرة هذه الليلة استطاع تخطي عتبة الـ5%، التي ستسمح له بتسديد مصاريف حملته الانتخابية والأهم من هذا أنه بتحقيقه هذه النتيجة يتحمل مسؤولية كبيرة في إقصاء مرشح الحزب الجمهوري فرانسوا فيون، كما تسمح له بأن يحتل موقع حكم لا يمكن تجاوزه سواء في الدورة الثانية أو في التشريعيات القادمة.


الخاسرون

فرانسوا فيون

بلا شك فإنه الخاسر الأكبر في هذه الليلة إذا استحضرنا أن استطلاعات الرأي في بداية السنة كانت تضعه على رأس هذه الجولة بفارق كبير، ثم بعدها في الإعادة كان الأوفر حظًا في الفوز. كل هذا انهار تدريجيًا على وقع التحقيقات القضائية والتسريبات الصحفية.

استطاع فيون لفترة وقف النزيف بين صفوف مؤيديه لكنه لم يستطع أن يتجاوز قوقعة الـ20% التي تمثل أنصاره المتحمسين له «كتلته الصلبة».

اقرأ أيضًا:فرانسوا فيون والعودة المبكرة إلى الظل

هذه الهزيمة الكبيرة ستضع الحزب الجمهوري بأكمله في مهب الريح على ضوء الصراع الذي بدأ مباشرة بعد إعلان النتائج بين المنحازين دون شروط إلى ماكرون وبين من يريدون الحفاظ على هوية الحزب. أي مصداقية ستبقى لمرشحي الحزب لو انحازوا كلهم في الدور الثاني لماكرون ثم نافسوا مرشحي ماكرون في التشريعات!

الحزب الاشتراكي

بعدم وصول مرشحه الدور الثاني وتحقيقه نسبة أقل من 7% من الناخبين تم الليلة توقيع شهادة وفاة الحزب الاشتراكي الفرنسي الذي أسسه فرانسوا ميتيران في مؤتمر إيبيناي سنة 1971 الذي وحد خلاله مختلف الأحزاب والتجمعات الاشتراكية.

عدة أسباب تضافرت لتحقيق هذا الإخفاق التاريخي أهمها تطبيق توجهات مركز أبحاث (تيرا نوفا) التي أوصت بالقطيعة مع الطبقة العاملة والتركيز على الأقليات.

سبب آخر لهذا الفشل هو الحملة الفاشلة التي خاضها المرشح الفائز في التمهيديات إذ ضيع أسابيع عديدة يحاول إقناع مرشح الخضر ومرشح اليسار الراديكالي جون لوكم لنشون بالانسحاب لصالحه عوض المضي قدمًا في الحملة. مما سمح لملونشون بتعميق الفارق معه وامتصاص كل ناخبيه تقريبًا الذين لم يذهبوا لماكرون بداية.

مارين لوبان

رغم تأهلها لجولة الإعادة وتمكنها من رفع عدد الأصوات التي حصل عليها حزبها مقارنة بآخر انتخابات، إلا أن حلولها في المركز الثاني عكس التوقعات وهو هزيمة لها إذ سيحرمها من نصر رمزي ويحرمها كذلك من ديناميكية حقيقية بين الجولتين.

من المبكر الجزم بسبب هذه الانتكاسة، لكن الكثير من المؤشرات تذهب إلى خوف الناخبين الفرنسيين من فكرة الخروج من اليورو. هذا ما ينبئ بمستقبل عاصف داخل الحزب بين جناحه اليساري المعادي للاتحاد الأوروبي والجناح المحافظ الأكثر حساسية لمواضيع الهوية والهجرة والقيم التقليدية.

لا شك أن وضعها يختلف كثيرًا عن وضع والدها عشية انتخابات 2002، فهي تعلم أن الجبهة الجمهورية، أي تحالف كل الأحزاب ضدها، قد طالها الكثير من التصدع وأنه بإمكانها أن تجلب الكثير من ناخبي فرانسوا فيون وحتى ميلونشون، لكن لا يزال من الصعب أن يكون هذا كافيًا لتحقيقها الفوز.

جون لوك ميلونشون «هزيمة بطعم الفوز»

فشل جون لوك ميلونشون مرشح (فرنسا المتمردة) في العبور إلى الدور الثاني رغم الديناميكية التي حققتها حملته في الأسابيع الأخيرة قبل الانتخابات. لكنه في المقابل عزز من تموقعه على ضوء إعادة رسم الخارطة السياسية كالممثل الأكثر جاذبية في المعسكر اليساري. كما سيحصل على حصة الأسد من تركة الرجل المريض (الحزب الاشتراكي).

كما ستتيح النتيجة المحترمة -التي حققها ميلونشون- له الحصول على تمويل لتجمُّعه (الحكومة تمول الأحزاب حسب نتائجها الانتخابية) ما سيسمح له بتقديم قوائم في التشريعيات القادمة في كامل فرنسا ويحرره من التبعية المثقلة للحزب الشيوعي.