محتوى مترجم
المصدر
aeon.co
التاريخ
2020/2/16
الكاتب
هيدي هانتر: أستاذة جامعية وكاتبة وصانعة أفلام بجامعة ستوني بروك.
إريكا سيرينو: مصورة صحفية علمية، تغطي قصصًا عن الحياة البرية والبيئة.

في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أشعل حريق وولسي حوالي مئة ألف فدان من مقاطعتي لوس أنجلوس وفينتورا، مدمرًا غابات وحقولاً وأكثر من 1500 مبنى ومجبرًا على إخلاء 300 ألف شخص من منازلهم خلال 14 يومًا. اشتعلت الحرائق بشدة لدرجة أنها حفرت ندبًا غائرًا في الأرض تمكن رؤيته من الفضاء. قدر المحققون أن حريق وولسي بدأ من مختبرات حقل سانت سوزانا، منشأة بحثية نووية ملوثة بسبب انصهار جزئي حدث عام 1959 جراء تجربة فاشلة لمفاعل الصوديوم، بالإضافة لاختبارات الصواريخ وانبعاثات منتظمة من الإشعاع.

أعلنت إدارة مكافحة المواد السمية التابعة لولاية كاليفورنيا أن الاختبارات التي أجرتها على عينات من الهواء والرماد والتربة بعد الحريق أظهرت عدم وجود انبعاثات إشعاعية أبعد من حدود الموقع الملوث. لكن تقرير الإدارة يفتقر لمعلومات كافية، وفقًا لمجلة Bulletin of Atomic Scientists، ويتضمن مقاييس حقيقية قليلة للدخان من الحريق.

أظهر بحث من مدينة تشيرنوبل في أوكرانيا يتابع حرائق الغابات في 2015 انبعاثات واضحة من محطة طاقة المفاعل القديمة، ما يستدعي سؤالاً عن جودة اختبارات الإدارة. علاوة على هذا، فإن علماء مثل نيكولاس إيفانجيلو، الذي يدرس الانبعاثات المشعة الناتجة عن حرائق الغابات في المعهد النرويجي لبحوث الهواء، يشير إلى أن نفس الظروف الحارة الجافة والعاصفة التي فاقمت حريق وولسي (كلها متعلقة بالاحتباس الحراري الذي صنعه البشر) كلها دلائل على انبعاثات لأنشطة إشعاعية متعلقة بالمناخ مستقبلاً.

في عالمنا المتضرر مناخيًا والأكثر عرضة الآن للحرائق، والعواصف العنيفة، وارتفاع مستوى سطح البحر، يُنظر للطاقة النووية بمثابة بديل متاح عن حرق الوقود الأحفوري للحصول على الطاقة والذي يعد السبب الرئيسي للتغير المناخي. يمكن للطاقة النووية أن تقلل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ومع هذا فما زالت الأدلة العلمية والكوارث الحديثة تدعو للتساؤل إن كان بمقدور الطاقة النووية أن تعمل بشكل آمن في عالمنا متزايد الحرارة. المناخ المتطرف، الحرائق، ارتفاع مستويات أسطح البحار، الزلازل وارتفاع درجة حرارة المياه، كل هذا يزيد من خطورة الحوادث النووية، بينما تبقى قلة أمان تخزين النفايات المشعة خطرًا ماثلاً.

حظيت منطقة معمل سانتا سوزانا الميداني بتربة ومياه جوفية ملوثة لفترة طويلة. في الواقع، أعدت لجنة استشارية في عام 2006 تقريرًا يفيد بأن العاملين بالمعمل وكذلك المقيمين بالقرب منه تعرضوا لكميات غير اعتيادية من الإشعاع والكيماويات الصناعية المرتبطة بحوادث متزايدة من الإصابة ببعض السرطانات. حث اكتشاف التلوث إدارة مكافحة المواد السمية التابعة لولاية كاليفورنيا أن تطلب من مالكه الحالي –شركة بوينج- تنظيف الموقع بمساعدة من ناسا وإدارة الطاقة الأمريكية، لكن التنظيف المطلوب تمت إعاقته عن طريق نزاع بوينج القضائي.

مثل معمل سانتا سوزانا الميداني، تبقى منطقة تشيرنوبيل غير معالجة بشكل كبير منذ انصهار قلب المفاعل عام 1986. مع كل عام يمر تتراكم المواد النباتية الميتة وترتفع درجة الحرارة جاعلة إياه خصوصًا عرضة للحرائق في عصر التغير المناخي. الانبعاثات المشعة من الأراضي والحرائق الملوثة يمكن أن تنتقل آلاف الكيلومترات نحو مراكز التجمعات السكانية وفقًا لإيفانجيلو.

كايت براون، مؤرخة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا ومؤلفة كتاب كتالوج النجاة؛ دليل تشيرنوبيل للمستقبل (2019)، وتيم موزوو، عالم الأحياء التطورية بجامعة ساوث كارولاينا، أبدوا قلقهم بشأن حرائق الغابات أيضًا:

«تشير السجلات أنه كانت هناك حرائق بمنطقة تشرنوبيل والتي أدت لارتفاع مستويات الإشعاع من سبعة إلى عشرة أضعاف منذ 1990» تقول براون. «وبعيدًا ناحية الشمال، تحتوي الأنهار الجليدية الذائبة على تسريبات إشعاعية ناتجة عن الاختبارات النووية والحوادث النووية حول العالم بمستويات أعلى عشرة أضعاف من أي مكان آخر». «بذوبان الجليد، تُمتَص المياه المشعة المتدفقة نحو المحيط في الغلاف الجوي وتسقط على هيئة أمطار حمضية. وعلى هيئة الحرائق والجليد الذائب نسدد ما علينا من دين في شكل حطام مشع جلبناه على أنفسنا خلال الإنتاج المسعور للمنتجات الثانوية النووية خلال القرن العشرين». تستنتج براون.

الفيضان هو عرض آخر لعالمنا الدافئ والذي يمكن أن يتسبب في كارثة نووية. العديد من المحطات النووية مبنية على السواحل حيث تستخدم مياه البحر كمبردات بسهولة. ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل الشاطئ والعواصف الساحلية والموجات الحارة كلها ظواهر كارثية محتملة مرتبطة بالتغير المناخي، يحتمل أن يزداد حدوثها إذا استمرت الأرض في أن تصبح أدفأ، مهددة بأضرار أعظم لمحطات الطاقة النووية الساحلية. «مجرد غياب انبعاثات الغازات الدفيئة ليس كافيًا لمساعدة الطاقة النووية كمسكن للتغير المناخي»، تستنتج ناتالي كوبيتكو وجون بيركنز في ورقتهما البحثية (التغير المناخي والطاقة النووية ومعضلة التكيف-التسكين) المنشورة عام 2009 في مجلة إينرجي بوليسي.

المؤيدون لاستخدام الطاقة النووية يقولون إن فاعلية وقدرة المحطات النسبية تجعلان منها خيارًا أنظف من مصادر طاقة الوقود غير الأحفوري مثل الرياح والشمس والتي أحيانًا تتوقف عن العمل بسبب تقلبات متعلقة بتوفر المصدر الطبيعي. ومع هذا، لا أحد ينكر أن المحطات النووية الأقدم ذات البنية التحتية الشائخة والتي عادة تخطت عمرها الافتراضي غير فعالة بالمرة وتحمل خطرًا أكبر.

«المصدر الأولي للطاقة النووية الآن هو الأسطول الحالي من المحطات القديمة» يقول جوزيف لاسيتر خبير بالطاقة ومناصر لاستخدام الطاقة النووية، متقاعد من جامعة هارفارد. «لكن حتى بوجود الدعم الشعبي لبناء محطات نووية جديدة، يبقى محل نظر إن كانت هذه المفاعلات المبنية حديثًا ستحدث مساهمة فعالة في خفض الانبعاثات الأحفورية نظرًا للكلفة وتنظيم التجاوزات التي ابتليت بها الصناعة».

يؤيد لاسيتر وخبراء طاقة آخرون الجيل الجديد من محطات الطاقة النووية والتي يفترض أن تصمم بحيث تصل لمستويات عالية من الطاقة النووية بأقل تكلفة وأبسط مخاطر أمان. لكن يقول خبراء آخرون إنه حتى في ظل هذا الوضع تبقى الفوائد العائدة علينا غير واضحة. أكبر انتقاد يوجه للمفاعلات النووية جيل IV أنها ما زالت في مرحلة التصميم وأننا لا نملك الوقت لانتظار تفعيلهم، نحتاج للحد من التغير المناخي في الحال.

«ظاهريًا تقدم منشآت الطاقة النووية الجديدة فرصة لحل مشكلة الاحترار العالمي، وتلوث الهواء، وأمن الطاقة، لكن ليست له فائدة من ناحية الاقتصاد أو الطاقة» يقول مارك جاكوبسون، مدير مشروع جامعة ستانفورد للطاقة والغلاف الجوي. «كل دولار ننفقه على الطاقة النووية ينتج لنا خمس الطاقة التي قد نحصل عليها من الرياح أو الشمس (بنفس التكلفة)، كما أن الطاقة النووية تستغرق من خمس إلى سبع عشرة سنة أكثر حتى تصبح متاحة. والحال كذلك من المستحيل أن تساعد الطاقة النووية في الأهداف المناخية المتعلقة بخفض الانبعاثات بنسبة 80% بحلول عام 2030. بينما ننتظر احتراق الطاقة النووية والفحم والبترول وتلويثهم الهواء أيضًا. بالإضافة لذلك، تحظى الطاقة النووية بمخاطر أمنية لا تسببها التقنيات الأخرى مثل: التعرض للهجوم، والانصهار ومخاطر إصابة العمال المعالجين لليورانيوم أو المخلفات بسرطان الرئة».

تمتلك إحدى وثلاثون دولة حول العالم محطات طاقة نووية فاعلة طبقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وعلى العكس، سعت أربع دول فقط للتخلص تدريجيًا من محطات الطاقة النووية بعد كارثة فوكوشيما عام 2011، وبقيت خمس عشرة دولة معارضة لها.

تزداد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من كل الدول تقريبًا -وتتصدر الصين والهند والولايات المتحدة القائمة- وتشذ الدولة الاسكندنافية الصغيرة الدنمارك عن القاعدة؛ إذ تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منها مع أنها لا تنتج الطاقة النووية بأي شكل. تستورد الدنمارك بالفعل بعض الطاقة النووية المصنعة من قبل جاراتها السويد وألمانيا، لكن في فبراير نشر أكثر أحزابها اليسارية تشددًا، إنهدلشتين أو تحالف الخضر والحمر، خطة مناخية جديدة ترسم طريقًا كي تبدأ الدولة بالاعتماد مئة بالمئة على طاقتها المتجددة غير النووية لإنتاج الطاقة والحرارة بحلول 2030. ستتطلب الخطة استثمارات في مصادر الطاقة المتجددة مثل طاقتي الشمس والرياح وشبكة ذكية وسيارات كهربية يمكن أن تعمل كذلك كبطاريات متحركة ويمكنها إعادة شحن الشبكة خلال أوقات الذروة.

جريجوري جاكزو، الرئيس السابق لمفوضية الولايات المتحدة لتنظيم الطاقة النووية ومؤلف كتاب اعترافات منظم طاقة نووية منشق الصادر عام 2019، يعتقد أن التقنية لم تعد وسيلة فعالة للتعامل مع التغير المناخي: «إنها خطيرة ومكلفة ولا يمكن الاعتماد عليها، والتخلي عنها لن يسبب كارثة مناخية».

Aeon counter – do not remove