محتوى مترجم
المصدر
Politico
التاريخ
2017/04/24
الكاتب
جوش ماير

يكشف هذا التحقيق المطول الذي أجرته مجلة بوليتيكو الأمريكية عن التنازلات الخفية للإدارة الأمريكية السابقة فيما يتعلق بالاتفاق النووي المبرم مع الحكومة الإيرانية. ويوضح التحقيق أن الرئيس الأمريكي السابق أوباما قد خرج العام الماضي ليعلن الإفراج عن سجناء إيرانيي المولد لم تُوجه إليهم اتهامات بالإرهاب أو أي أعمال عنف، وقالت الإدارة وقتها إن تلك الخطوة جاءت كمقايضة للاتفاق النووي الإيراني وتعهد طهران بإطلاق سراح 5 أمريكيين.ويلفت التحقيق إلى أن أوباما ومسئولين آخرين بالإدارة لم يقولوا الحقيقة كاملة في 17 من يناير/كانون الثاني العام الماضي في طرحهم لمسألة تبادل السجناء والتطبيق الفوري للاتفاق النووي.وتشير المجلة إلى أن أوباما خرج صباح ذلك اليوم متحدثًا للشعب الأمريكي وصوّر الرجال السبع الذين تم إطلاق سراحهم أنهم مدنيون، في حين وصفهم مسئول كبير أنهم رجال أعمال مدانون أو ينتظرون المحاكمة بتهم متعلقة بالعقوبات وانتهاكات الحظر التجاري.في حقيقة الأمر، فإن البعض منهم كانوا متهمين من قبل وزارة العدل بفرض تهديدات على الأمن القومي، ويُزعم أيضا أنهم كانوا جزءًا من شبكة مشتريات غير قانونية تزود إيران بالإلكترونيات الأمريكية الدقيقة، التي يمكن استخدامها في الصواريخ الأرض جو والكروز، مثل الذي اختبرته طهران مؤخرًا، ما تسبب في تصعيد التهديدات مع إدارة ترامب.وتوضح أن شخصًا آخر كان يقضي حكمًا بالسجن 8 أعوام بتهمة التآمر لإمداد إيران بتقنية وأجهزة أقمار صناعية، وفي إطار الاتفاق أسقط المسئولون الأمريكيون حكمًا بمصادرة مبلغ عشرة ملايين دولار تلقاها مهندس المحركات الجوية بشكل غير قانوني من طهران.أيضًا، أسقطت وزارة العدل الأمريكية اتهامات ومذكرات اعتقال دولية ضد 14 شخصًا آخرين جميعهم هاربون ولم تكشف الإدارة الأمريكية عن هويتهم أو سبب توجيه الاتهامات، مكتفيةً بالقول – في بيان من 152 كلمة عن عملية المبادلة – إن الولايات المتحدة قامت بإلغاء إشعارات الإنتربول وإسقاط أية اتهامات ضد 14 إيرانيًا يُعتقد أن طلبات ترحيلهم إلى الولايات المتحدة لن تكون ناجحة.ويُزعم أن 3 من الهاربين قد سعوا لتأجير طائرة بوينج لشركة طيران إيرانية تزعم السلطات أنها تدعم تنظيم حزب الله اللبناني المدرج من قبل الإدارة الأمريكية على قائمة الجماعات الإرهابية. أما الشخص الرابع ويُدعى «بهروز دولت زادة» فمتهم بالتآمر لشراء آلاف من البنادق الهجومية أمريكية الصنع ونقلها بشكل غير شرعي إلى إيران.وهناك شخص خامس أيضًا وهو «أمين رافان» وهو متهم بتهريب هوائيات خاصة بالجيش الأمريكي إلى هونج كونج وسنغافورة لاستخدامها في إيران، وتعتقد السلطات الأمريكية أن ذلك الرجل كان جزءًا ضمن شبكة مشتريات تزود إيران بمكونات تستخدم لتصنيع العبوات الناسفة التي كانت تستخدمها الميليشيات الشيعية لقتل مئات من القوات الأمريكية في العراق.أما الصيد الأكبر، بحسب تحقيق بوليتيكو، فهو سيد أبو الفضل شهاب جميلي، والذي أدين بكونه جزءًا من مؤامرة في الفترة من عام 2005 إلى 2012 والتي قامت بشراء الآلاف من أجزاء التطبيقات النووية لإيران عبر الصين. وشمل ذلك مئات أجهزة الاستشعار الأمريكية من أجل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم في إيران، والتي أدى تقدمها إلى مفاوضات الاتفاق النووي في المقام الأول.ووفقًا لما خلصت إليه بوليتيكو، فإنه في إطار عزم إدارة أوباما على أن تحظى بدعم للاتفاق النووي وعملية تبادل السجناء من طهران والكونجرس والشعب الأمريكي، فقد فعلت ما هو أكثر من مجرد التقليل من التهديدات التي يفرضها المفرج عنهم.لقد خلص التحقيق أيضًا إلى أن مسئولي وزارة العدالة والخارجية الأمريكيتين قد نفوا أو أجّلوا طلبات الادعاء العام والوكلاء لجذب بعض الهاربين الإيرانيين الرئيسيين إلى الدول الصديقة حتى يتمكنوا من اعتقالهم. بالمثل، قامت الوزارتان، إبان التشاور مع البيت الأبيض، بإبطاء وتيرة الجهود من أجل ترحيل بعض المشتبه بهم المحتجزين في الخارج، وذلك بحسب مسئولين سابقين وآخرين ضالعين في جهود مكافحة انتشار الأسلحة النووية.وفسرت المجلة بالقول إن مسئولي إدارة أوباما قد بدأوا في إبطاء بعض التحقيقات والملاحقات الجنائية المهمة حول شبكات مشتريات إيرانية تعمل داخل الولايات المتحدة.الإدارة الحالية من جانبها، أعلنت على لسان وزير الخارجية ريكس تيلرسون عن مراجعة الحكومة للسياسة الأمريكية تجاه إيران في مواجهة «الاستفزازات المقلقة والمستمرة الصادرة من الدولة التي تصدّر الإرهاب والعنف وتزعزع استقرار أكثر من دولة». ويوم الخميس الماضي أعلن الرئيس دونالد ترامب أنه حتى ولو أوفت إيران ببنود اتفاقها مع إدارة أوباما والقوى العالمية، فإنها لا ترقى لروح الاتفاق، وإننا نقوم بتحليل ذلك الاتفاق بحرص شديد وسوف يكون لدينا ما نقوله عنه في المستقبل القريب.وألمحت المجلة إلى أن مثل تلك المراجعات من المرجح أن تسلط الضوء على جانب من الاتفاق النووي ومبادلة السجناء التي أثارت غضب هيئات إنفاذ القانون الفيدرالية عن الضرر الخفي الذي تسبب فيه ذلك الاتفاق تجاه التحقيقات والملاحقات تجاه مجموعة واسعة من شبكات التهريب الإيرانية التي تحظى بصلات مع أمريكا.وترى فاليري لينسي، المدير التنفيذي لمشروع ويسكونسن لمراقبة الأسلحة النووية، أن إسقاط الاتهامات وأوامر الاعتقال الدولية عن هؤلاء المفرج عنهم، لاسيما الـ 14 هاربًا، يجعلهم قادرين على الاستمرار في أنشطتهم التي تعتبرها أمريكا تهديدات خطيرة على أمنها القومية.ووفقًا لمقابلات أجريت مع أكثر من 12 مسئولاً حاليين وسابقين، فإن غالبية، إن لم يكن كل محاميي وزارة العدل وممثلي الادعاء العام الضالعين في مبادرة منع الانتشار النووي، ظلوا في الخفاء ولم يكونوا على دراية بأن قضاياهم تُستغل من أجل عقد صفقات.كما أن عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارتي الأمن الداخلي والتجارة ظلوا يعملون على الصعيد الدولي في كثير من الأحيان بشكل سري للقبض على مهربي الأسلحة والأسلحة الإيرانية.وأوضحت المجلة أن التحقيقات التي كانت تُجرى في ذلك الصدد كانت تقدم للمسئولين الأمريكيين خارطة طريق عن الكيفية التي تقوم من خلالها إيران ببناء برامجها النووية والخاصة بالصواريخ الباليستية والحفاظ على المساعدات المقدمة للجيش الإيراني من أمريكا، كما كانت تلك القضايا تقدم تفاصيل أساسية عن كيفية عمل شبكات المشتريات الإيرانية.وفي سلسلة من المقابلات مع مسئولين كبار من البيت الأبيض في عصر أوباما ووزارتي العدل والخارجية، قالوا إن مبادلة السجناء كانت صفقة أمريكية جاءت بعد الإفراج عن مراسل صحيفة واشنطن بوست جيسون رزايان والبحار السابق أمير حكمتي و3 آخرين.كما أن إيران وعدت بالتعاون في قضية العميل السابق بمكتب التحقيقات الفيدرالية روبرت ليفنسون والذي اختفى في إيران قبل 10 أعوام تقريبًا ويُعتقد أنه إما قد سُجن أو قد مات.وأكد 3 مسئولين كبار بأن ممثلين عن وزارة العدل ومكتب التحقيقات الفيدرالية قد ساعدوا في فحص الإيرانيين الـ21، وأن النائب العام وقتها، لوريتا لينش، شاركت في حجب بعض الأفراد الآخرين الذين طالبت طهران بإدراجهم في الاتفاقات المحتملة للسجناء.وبعد 15 شهرًا، تستمر التداعيات الناجمة عن الاتفاق النووي وتبادل الأسرى في وزارة العدل والوحدات المتخصصة في مكتب التحقيقات الفيدرالي التابع لوزارة الأمن الداخلي والتجارة، والتي أنشئت لتحييد التهديدات التي تشكلها طموحات إيران النووية والعسكرية.وقال الكثير من المشاركين إن جهود الإنفاذ الرئيسية في طريقها للنسيان نتيجة تعثر أو توقف التحقيقات والملاحقات الجنائية وتجمد مسار الأهداف «عالية القيمة». وسارع محققون فيدراليون قبل إبرام الاتفاق النووي من أجل الحصول على موافقة وزارتي العدل والخارجية لإغراء إيرانيين بالسفر للخارج بغية اعتقالهم لاحقًا، بحسب مسئول كبير في الإدارة ومسئول آخر في العدل ومشاركين آخرين.لكن تلك الطلبات لم تتم الموافقة عليها لذا فقد اختفت الأهداف المطلوبة، ما حرم الولايات المتحدة من أفضل فرصها لمعرفة طريقة عمل البرامج العسكرية والنووية والصاروخية لطهران، بحسب المصادر.ورفض وزير الخارجية السابق جون كيري التعليق من خلال مسئول كبير سابق بالخارجية، والذي قال إن الطلبات ربما قد تم تأخيرها مؤقتًا لأن توقيتاتها كانت حساسة أثناء المفاوضات، لكن ذلك كان يتم بموافقة البيت الأبيض ووزارة العدل.وقال ديفيد لوك هول المدعي العام السابق لمكافحة الانتشار النووي بوزارة العدل الأمريكية إن عملية تبادل الأسرى قد نسفت حرفيًا أعوامًا من العمل الجاد وإقامة القضايا ضد أشخاص كبار ضالعين في برامج الأسلحة التقليدية والنووية الإيرانية.أما عن تداعيات عملية تبادل السجناء، فيشير التحقيق إلى أنها كانت قوية خاصة في مدينة بوسطن حيث عملت السلطات طيلة أعوام لإقامة قضية ضد «جميلي»، عميل المشتريات النووية الإيراني المشتبه به وشريكه الصيني، سيهاي تشنج. وقد تم اتهام الاثنين سرًا في عام 2013 إلى جانب شركتين إيرانيتين، وأقر تشنج بـ 4 اتهامات في منتصف ديسمبر/كانون الأول عام 2015 واعترف بالتآمر مع جميلي من أجل توفير أكثر من 1000 من محولات الضغط إلى إيران والتي تقول السلطات إنها طورت قدرات الأسلحة النووية الإيرانية.وبعد أقل من شهر، تم الكشف عن عملية تبادل السجناء، حيث تلقى المدّعون في بوسطن أوامر من واشنطن بتقديم أوراق للمحكمة لإلغاء الاتهامات ضد جميلي وإسقاط مذكرة اعتقال الإنتربول الخاصة به.وينتقل التحقيق للحديث عن «لعبة القط والفأر» بين إيران وأمريكا، فبالعودة إلى عام 1979 حيث أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر أن إيران تشكل تهديدًا استثنائيًا للأمن الأمريكي بعد استيلاء الثوار الإسلاميين على السفارة الأمريكية بطهران واحتجاز 52 أمريكيًا.من جانبها، بدأت إيران وصف أمريكا بـالشيطان الأكبر وتعهدت بتدميرها جزئيًا من خلال استخدام وكلائها في منطقة الشرق الأوسط مثل حزب الله اللبناني.كما شرعت واشنطن في فرض عقوبات ضد إيران وكيانات إيرانية وفرضت حظرًا على تصدير تقنياتها التي تحتاجها إيران لأغراض عسكرية مثل طائرات إف – 16 المقاتلة.ويلفت التحقيق أيضًا إلى أن أمريكا تعقبت العملاء الإيرانيين، كما قامت بوضع مخبرين واستخدمت أسلحة سيبرانية لتخريب برنامج إيران النووي، كما قام الجيش الأمريكي باعتراض شحنات الأسلحة غير الشرعية المتجهة لإيران.وينوه مسئول كبير سابق بوزارة الأمن الداخلي الأمريكية إلى أن قضايا تعقب المهربين الإيرانيين في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، كانت دائمًا تستغرق أعوامًا لإجراء تحقيقات بشأنها.أما فيما يتعلق بالمدانين الإيرانيين، فقد سرد التحقيق بعضًا من أسمائهم وقضاياهم وأولهم هو أمين رافان، الذي كان يعمل عام 2008 مع شركة سنغافورية للحصول على الهوائيات ومجموعة واسعة من المعدات الأخرى ليتم لاحقًا إيصالها للمستخدمين في إيران.وهناك أيضًا بهروز دولت زادة، والذي يُشتبه أنه أحد مشتري الأسلحة لصالح طهران، وتقول السلطات إنه كان نشطًا منذ عام 1995 في تهريب الأسلحة غير القانونية وأنشطة غير قانونية أخرى متعلقة بإمبراطورية أعمال خاصة بالمرشد الأعلى لإيران علي خامنئي.وبفضل عمل وكالات الاستخبارات ووزارة الخارجية الأمريكية، أغرت واشنطن العديد من النشطاء الإيرانيين بالخروج من إيران والصين لاعتقالهم في أماكن أخرى.وأدين دولت زادة في أريزونا عام 2012 وتم إغراؤه بالذهاب لجمهورية التشيك للتفتيش على شحنة أسلحة كانت في طريقها إلى إيران ليتم اعتقاله.أما رافان فقد كان على صلة بشبكة لتصنيع العبوات الناسفة، وأدين سرًا داخل واشنطن في نوفمبر عام 2012 وتم اعتقاله لاحقًا في ماليزيا.أيضًا، ذكر التحقيق اسم بارفيز كاكي، والذي أغرته السلطات الأمريكية بالسفر للفلبين في مايو عام 2012 واعتقلته ووجهت إليها اتهامات بالتآمر لتهريب معدات أمريكية نووية إلى إيران.ويوضح التحقيق أنه قد تم إطلاق سراح دولت زادة ورافان من قبل محاكم خارجية، كما توفي كاكي في محبسه، وكل ما سبق قبل أن تتمكن السلطات الأمريكية من ترحيلهم.أيضًا يكشف التحقيق عن بعض الشركات الأمريكية التي ساعدت في إمداد إيران بالأسلحة من بينها شركة «إيفاز تكنيك»، وهي شركة إيرانية ضالعة في تطوير وشراء قطع غيار لأسلحة نووية إيرانية وبرامج صواريخ باليستية.كما يبرز التحقيق الدور الذي لعبه تشنج وسيد جميلي في تزويد المنشآت النووية مثل ناتانز وفوردو بمحولات الضغط العالي والتي أسهمت في تشغيل أجهزة الطرد المركزي لاحقا. وينوه عن أن مذكرتي اعتقال صدرتا بشكل سري بحق تشنج وجميلي واستطاعت السلطات اعتقال الأول عندما كان مسافرًا إلى لندن في فبراير عام 2014 لمشاهدة إحدى مباريات كرة القدم، وتم ترحيله لاحقًا إلى بوسطن في ديسمبر من العام نفسه.لكن سرعان ما أدركت السلطات الأمريكية أهمية جميلي في برنامج إيران النووي، فهو من جنّد تشنج لخدمة مصالحه واستخدم شركته أيضًا بشكل سري لتجنيد عملاء مشتريات آخرين ليذهبوا في رحلات إلى الصين وربما إلى دول أخرى.ويلفت إلى أن إعلان أوباما رغبته أوائل عام 2015 في تأمين الاتفاق النووي مع إيران عمل على تسييس التحقيقات الجارية بحق المتورطين.و قالت وزارة العدل للمجلة إنها وجهت اتهامات لـ 90 شخصًا وكيانًا لارتكابهم انتهاكات لضوابط التصدير والعقوبات على إيران في الفترة من عام 2014 إلى 2016، إلا أن الكثير من تلك القضايا كان سريًا. ولم تقدم الوزارة مزيدًا من المعلومات حول تلك القضايا السرية خلال هذه الأعوام، ما يجعل مسألة وضع تلك الأرقام السالف ذكرها في سياقها السليم، أمرًا مستحيلًا.ومنذ عملية التبادل، علمت السلطات الفيدرالية الكثير حول جميلي خاصة العمليات الاستخباراتية التي تربطه مباشرة بمصطفى أحمد روشان، أحد كبار المسئولين في المشروع النووي الإيراني والمشرف على الشئون التجارية في منشأة ناتانز لتخصيب اليورانيوم.وتعتقد السلطات أيضًا أن اتصالاً هاتفيًا دار بين جميلي وروشان في يناير/كانون الثاني عام 2012، وهو الشهر الذي شهد اغتياله عن طريق قنبلة لاصقة بسيارته. وعللت وزارة العدل إسقاط الاتهامات عن جميلي و 13 آخرين بأن واشنطن كان من المرجح ألا تنجح في القبض عليهم أو ترحيلهم