الخميس، العشرين من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أفردت مجلة «فورين أفيرز» مقالًا للحديث عن ما وصفته بـ «مفاجأة أكتوبر الروسية»، والتي حاولت خلالها روسيا إفساد الانتخابات الأمريكية بعرقلة الحملة الانتخابية لمرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، مبرزة أسباب فشل المخطط الروسي وتداعياته اللاحقة على موسكو.فشهر أكتوبر/تشرين الأول نادرًا ما يمر بهدوء هناك في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث الانتخابات الرئاسية تنتطلق فاعلياتها في نوفمبر/تشرين الثاني، لكن هذه المرة شابت مرحلة ما قبل الانتخابات «مناوشات» إليكترونية خطيرة بين واشنطن وموسكو.إذ ذكرت الصحيفة أنه «خلال الصيف الحالي، وبقصد عرقلة حملة المرشحة الديمقراطية للرئاسة هيلاري كلينتون، كشفت روسيا النقاب عن قدر هائل من رسائل البريد الإليكتروني للجنة الديمقراطية الوطنية ما أدى لاستقالة رئيسة اللجنة ديبي واسرمان شولتز، وعلى أمل إحداث ضجة أكبر، قامت روسيا بتسليم مجموعة من رسائل كلينتون إلى موقع ويكيليكس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري».


المجلة عادت لتشير إلى أن واشنطن نجحت في إبطال «عنصر المفاجأة» من قبل موسكو وتفسد على الأخيرة مفاجأة أكتوبر، ما زاد من استيائها.
إن فشل مفاجأة أكتوبر، التي خططت لها روسيا طويلًا، لقلب الانتخابات الأمريكية يبدو أنه أغضب موسكو، التي خططت لتلك العملية بشكل جيد في وقت سابق

وقبل تداول تسريبات ويكيليكس الخاصة بكلينتون، أصدر البيت الأبيض بيانًا اتهم فيه روسيا بشكل مباشر للمرة الأولى باختراق البريد الإليكتروني للجنة الديمقراطية وأعضاء الحزب، وتصدر الأمر «غير المتوقع» و«غير المسبوق» عناوين الصحف الأمريكية.وفي اليوم نفسه، خرجت للنور تسريبات لمرشح الحزب الجمهوري للرئاسة دونالد ترامب ظهر خلالها وهو يصرح بتصريحات جنسية سوقية تجاه النساء، ما جعل تلك الفضيحة تطغى بشكل كامل على تسريبات ويكليكس وأصبحت بؤرة الاهتمام في المناظرة الرئاسية الثانية، ما نجح في إبعاد الاهتمام عن تسريبات كلينتون.وخلال المناظرة الرئاسية الثانية، سيطر الحديث عن تسريبات ترامب على المناظرة واستغرق ذلك 23 دقيقة، بينما استغرقت تسريبات ويكيليكس عن كلينتون دقائق قليلة، حيث أنكرت كلينتون جميع تلك التسريبات بقصة عن إبراهام لينكولن، ويمكننا القول إن إحدى مفاجأت أكتوبر تفوقت على الأخرى.إن فشل مفاجأة أكتوبر، التي خططت لها روسيا طويلًا، لقلب الانتخابات الأمريكية يبدو أنه أغضب موسكو، التي خططت لتلك العملية بشكل جيد في وقت سابق، على أمل التأثير على فرصة كلينتون في الفوز برئاسة الولايات المتحدة. وبينما يظهر أن عملية اختراق البريد الإليكتروني للجنة الديمقراطية ظهرت على السطح في يونيو الماضي، تفيد تقارير أنها حدثت قبل أشهر وأنه تم الكشف عن رسائل البريد تلك عمدًا في يوليو/تموز الماضي قبيل انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.في 27 من يوليو/تموز الماضي، رحب ترامب صراحةً بكشف روسيا عن رسائل البريد الإليكتروني المخترقة قائلا: «روسيا، إذا كنت تصغين إليّ، فآمل أن تكوني قادرة على العثور على 30 ألفًا من رسائل البريد الإلكتروني المفقودة من بريد هيلاري، أعتقد أنه من المحتمل أن تتم مكافأة روسيا بقوة من قبل صحافتنا».وعندما لم تنجح رسائل البريد الإليكتروني المسربة في كسب الاهتمام الكافي، أصيب أنصار ترامب بخيبة أمل شديدة، حيث قال أحد مساعديه وهو روجر ستون في تغريدة في الأول من أكتوبر الجاري: «لقد انتهت هيلاري كلينتون #ويكيليكس». فهناك أسباب جمة تبرر الاعتقاد بأن القراصنة الروس ورعاتهم شعروا بنفس شعور خيبة الأمل الشديدة عندما زاد الدعم الذي تحظى به هيلاري كلينتون بعد ظهور التسريبات، فيما بلغت حملة دونالد ترامب القاع.ربما يكون غضب روسيا حيال فشل تسريبات ويكيليكس في عرقلة كلينتون هو السبب وراء تغيير موقفها وتصعيد هجماتها الكلامية ضد الولايات المتحدة على خلفية الصراع في سوريا، فبعد أيام قليلة من التسريبات أطلقت روسيا وابلًا من التهديدات القاسية للغاية عندما انسحبت الولايات المتحدة من مفاوضات وقف إطلاق النار داخل سوريا.في 10 من أكتوبر/تشرين الأول الجاري على سبيل المثال، قال ديمتري كيسيليوف الذي يُعد من أشرس المدافعين عن سياسات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «إن سلوك الولايات المتحدة الوقح تجاه روسيا قد تكون له تداعيات نووية وأن هناك تغييرًا جذريًا في العلاقات الأمريكية–الروسية في الأسابيع الأخيرة».

مع تزايد الوعي بأن روسيا تلعب الألعاب نفسها في أوروبا كما تفعل مع الولايات المتحدة، بدأت الدول الأوروبية في الرد على حرب المعلومات الروسية.

فلاديمير جرينيوفسكي رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي توجه بالنصيحة للأمريكيين بالتصويت لترامب أو أن يواجهوا خطر الانزلاق إلى حرب نووية. في الوقت نفسه قامت روسيا بوضع صواريخ ذات قدرة نووية في ولاية كالينينغراد، والتي تقع على الحدود مع بولندا وليتوانيا، وقامت بإطلاق 3 صواريخ باليستية في أماكن أخرى، ما يوضح أن حربها الكلامية تتم بالتنسيق مع التهديد بإجراء عسكري.ربما كانت روسيا تعتقد أن سلوكها العنيف سيرهب الرأي العام الأمريكي ويحوله لدعم ترامب، الذي يتبنى علاقات أكثر ودية مع روسيا، لكن في حقيقة الأمر فإن جهود موسكو يبدو وأنها أتت بنتائج عكسية.فالتراجع المستمر لترامب في استطلاعات الرأي خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري يوضح أن استعراض القوة الروسي لم يكن له أي تأثير انتخابي واضح، بمعنى أن الشئون الدولية ليست محورية لأغلبية الناخبين في الانتخابات الأمريكية. هناك حقيقة يصعب أيضًا على الروس فهمهما، إذ تبقيهم الدعاية التليفزيونية في حالة تأهب قصوى لاحتمالية حدوث غزو من قبل الغرب. ونتيجةً لذلك، يميل الروس لتصديق أن الأمريكيين يركزون بشكل محوري على روسيا، وهو الأمر غير الصحيح بالمرة، فضلًا عن أن سلوك روسيا العدواني في قصفها المستمر لمدينة حلب السورية، أضر بشدة بسمعتها داخل أوروبا. وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون والرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند والحكومة الإسبانية جاءوا في مقدمة من أدانوا القصف الروسي للمدنيين في حلب.ومع تزايد الوعي بأن روسيا تلعب الألعاب نفسها في أوروبا كما تفعل مع الولايات المتحدة، وتستخدم طرقًا سرية للتأثير على انتخابات ديمقراطية من خلال اختراق رسائل البريد الإليكتروني وتمويل أحزاب سياسية متطرفة، بدأت الدول الأوروبية في الرد على حرب المعلومات الروسية.في الـ 17 من أكتوبر/تشرين الأول، أعلن أحد البنوك البريطانية إغلاق الحسابات البنكية لقناة روسيا اليوم، إحدى القنوات الإعلامية الموالية للكرملين داخل بريطانيا، وعلى الرغم من أن ذلك الإجراء لن يمنع البث المباشر للقناة داخل أوروبا، فإنه سيصعّب من عمل القناة داخل بريطانيا. وهذه هي المرة الأولى التي تتدخل خلالها حكومة غربية بوضوح وبشكل مباشر في وسائل الإعلام من أجل إيقاف بث قنوات روسية ناطقة بالإنجليزية.وتأتي تلك الخطوة قبل انتخابات تحظى بأهمية كبيرة في كل من فرنسا وألمانيا العام المقبل، حيث يشتبه أيضًا قيام القراصنة الروس بسرقة رسائل بريد إليكتروني من برلمانيين بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الألماني، الذين يواجهون تحديًا من قبل المتشددين اليمينيين الموالين لروسيا. ومن المحتمل أن يتم الكشف عن رسائل بريد إليكتروني خاصة بمن هم مسئولين عن الحكم في ألمانيا مع اقتراب الانتخابات.في ذات السياق أيضًا، ينبغي قراءة القرار الإكوادوري بمنع دخول مؤسس ويكيليكس جوليان أسانج إلى شبكة الإنترنت. فعلى الرغم من أن ملابسات قرار الإكوادور لا تزال مجهولة، فهناك أسباب جمة تدعو للشك في أنها استستلمت لضغوط الحكومات الغربية لحساسية التوقيت لتدخل أسانج في الحملات الانتخابية الأمريكية.لكن جميع تلك الجهود الخارجية لتقويض إجراء انتخابات ديمقراطية كان له صدى مؤسف داخل أمريكا اللاتينية، ويبدو أيضا أنه تم إفساد مفاجأة شهر أكتوبر الروسية والسؤال الذي يجب طرحه هنا ما الذي ستسعى موسكو لفعله لاحقًا؟ بالنظر إلى ميل بوتين لإطلاق قنابل مجازية أو حرفية، فسيكون المزيد من التصعيد أحد المعطيات الموجودة.على المسئولين الغربيين أن يتخذوا المزيد من التدابير الوقائية ضد الدعاية الروسية سواءً على شاشة التلفاز أو وسائل التواصل الاجتماعي والوقوف أمام الجهود الروسية للتأثير على الانتخابات في الولايات المتحدة (كما هو الأمر في فرنسا وألمانيا) وإرسال إشارات واضحة بأن الهجمات الإلكترونية على العملية السياسية الأمريكية ستثير رد فعل مضاد كما سبق وأن أشار نائب الرئيس الحالي جو بايدن خلال مقابلة مع برنامج «واجِه الصحافة» الأمريكي في وقت سابق من أكتوبر/تشرين الأول الجاري.ٍفي الوقت نفسه، على صانعي السياسات داخل الولايات المتحدة أن يحتفظوا بهدوئهم حتى لا يقعوا في فخ المبالغة في ردة الفعل مع التصعيد الروسي خلال الحملات الانتخابي، فروسيا تحاول خلق إحساس بالفوضى في الشئون العالمية وإذا اضطرها ذلك على سبيل المثال لإسقاط طائرة أمريكية داخل سوريا أو اتخاذ إجراء استفزازي آخر مماثل لمحاولتها إفساد الانتخابات الأمريكية خلال أكتوبر الجاري، فعلى واشنطن أن تتجنب تأجيج هيستيريا قد تؤثر على نتائج الانتخابات.على مسئولي الولايات المتحدة أيضًا التجاوب بأسلوب وخطاب محسوبين من أجل الحفاظ على سلامة العملية الانتخابية وتقوم بالرد على تلك الاستفزازات الروسية عقب انتهاء الانتخابات.