حماس كبير يتملك «عبد الرحمن الحسيني»، قبيل انطلاق الدورة الـ53 من معرض القاهرة الدولي للكتاب في منطقة التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، صباح الأربعاء؛ حيث يتجهز لليوم الذي يعتبره بمثابة عيد، لاعتياده ملاقاة أصدقائه ومعارفه الذين تعرف عليهم للمرة الأولى في المعرض الذي كان يُقام في مدينة نصر، على مدار عقود خلت؛ إذ لا تزال ذكرياته في ذاك المكان لا تبرح ذهنه.

وتنطلق فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب بدورته الـ الـ53، والذي يعقد في مركز مصر للمعارض الدولية، خلال الفترة من 26 يناير الحالي حتى 7 فبراير المُقبل، غدًا الأربعاء؛ حيث يتواجد الشاب العشريني على مدار تلك الأيام؛ كمسؤول توزيع لإحدى دور النشر الشهيرة، غير أنه ما زال يخالجه مشاعر مختلطة تجاه مكان المعرض القديم الذي ولجه لشراء كتبه ورواياته للمرة الأولى بينما لم يكن تخطى الـ16 ربيعًا من عمره.

بنبدّل الكتب مع بعض

قبل سبع سنوات، اتخذ «الحسيني» قراره رفقة بعض من أصدقائه المقربين في مسقط رأسه بمدينة «ميت غمر» التابعة لمحافظة الدقهلية، لزيارة معرض الكتاب في مدينة نصر، وذلك لاقتناء بعض الكتب التي دونوا عناوينها بالقائمة الخاصة بهم، قبل الحدث الأهم بالنسبة لهم بأشهر عدة «كنا بنحوش من قبلها بفترة، ونحدد الروايات والكتب اللي هنشتريها»، متبعين قواعدهم في الشراء «بنشتري كتب مختلفة، ونبدل مع بعض، عشان الفلوس تكفي».

حاملين حقائبهم التي تشي بقدومهم من إحدى محافظات الأقاليم، يتوجه الحسيني وأصدقاؤه إلى «مدينة نصر»، في رحلة مفعمة بالأحداث والأحاديث المُضحكة التي ما زالت تفاصيلها عالقة في ذهنه «كنا اتنين من شلتي بس اللي بنحب الكتب، والباقين يضطروا يروحوا معانا متكدرين، بس مكناش نبطل هزار وضحك»، وذلك حتى يصلوا إلى مقصدهم الذي يتذكر كل ركن وزاوية بها «المكان مكنش منظم زي دلوقتي، وكان فيه خيم، وزحمة محببة».

من ركن إلى آخر، يظل الشاب العشريني يتنقل رفقة صديقه، متطلعين إلى الكتب الجديدة التي تتراص على أَرفُف دور النشر الكبرى، حتى تتعب أقدامهم، فيتوجهوا لمكانهم المناسب «كنا نشتري من هيئة قصور الثقافة وسور الأزبكية في المعرض.. الكتاب كان لما يبقى غالي بـ15 جنيه»، حتى تمتلئ حقائبهم، لتأتي المرحلة الثانية من جولتهم والمُتمثلة في تناولهم أكلة بعينها «الكشري كان الأكلة المعتادة لينا هناك، ووقتها بنتعرف على ناس من أماكن مختلفة».

في إحدى الزيارات السنوية، قادت الصدفة مسؤول توزيع الكتب، للتعرف على صديق يكبره بسبع سنوات تصادف أنه يسكن مدينته، فجلسا يتحدثان حول الكتب وبعض كُتابهما المفضلين، وزيارات معرض الكتاب. وجدا الكثير ليتشاركاه سويًا «الكتب والقراءة قربت بينا، لحد ما بقينا صحاب مقربين جدًا»، فاستمرت صداقتهما حتى الآن» بعد كام سنة رشحني للشغل في دار النشر اللي بشتغل فيها حاليًا»، فأصبحا زميلين بمكان العمل أيضًا.

طالعين رحلة مدرسية

من مقر عملها كانت تنطلق «هدى السلاموني» رفقة زملائها من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية، صوب المعرض المقام في «مدينة نصر» قبل عشر سنوات، عقب أيام من التحضيرات للحدث الذي كان بمثابة رحلة ترفيهية جماعية إلى العاصمة «كنا في الشغل بنتفق على يوم ونروح فيه سوا»، مقسمين أنفسهم على سيارات بعضهم بعض «كنا بناخد سندوتشات وسناكس معانا كأننا طالعين رحلة مدرسية»، تقول المهندسة الشابة ضاحكة.

يُعيد ذهن «هدى» عليها تلك الأيام التي اعتادت مرافقة صديقتها وزميلتها في العمل في تلك الرحلة التي لا تشبه أيّ رحلة خاضتها في حياتها بأكملها «كانت اهتماماتنا شبه بعض قوي»، للحد الذي لا تنقطع مناقشاتهما حول الكتب والأعمال الأدبية بالإضافة إلى أساليب كُتابهما المفضلين «من كتر حلاوة المناقشات مكنتش بحس بطول الطريق».

تعزو المهندسة الثلاثينية سبب مواظبتها على الذهاب إلى معرض «مدينة نصر» إلى اعتيادها على مرافقة صديقتها في السفر «كنا زملاء عادي، لكن رحلات المعرض قربتنا من بعض وبقينا صحاب مقربين»، حتى تزوجتْ صديقتها خارج المنصورة، فبدأت تقل رحلاتها رويدًا رويدًا إلى المعرض لا سيما بعد انتقاله إلى مكانه الجديد «آخر مرة روحت في التجمع الأسعار كانت غالية جدًا، فمشترتش حاجة».

المعرض الجديد: فيه حاجة ناقصة

في عام 2019، انتقل معرض القاهرة الدولي من مدينة نصر الذي بدأت فعالياته بها منذ 1984، إلى مركز مصر للمعارض الدولية في التجمع الخامس، آخذًا معه ذكريات «رنا الجميعي»، التي ما زالت تفتش عنها ما إن تطأ قدماها أرض المعرض في مكانه الجديد، غير أنها تفشل في العثور عليها «صحيح المعرض حاليًا منظم ومفهوش زحمة المعرض القديم، بس فيه شيء ناقص».

منذ 2008 اعتادت رنا التردد على معرض الكتاب رفقة صديقتها، فكانتا تنتظرانه من العام إلى العام، لشراء الكتب والروايات الجديدة التي يعلن عنها أصحابها «ولا مرة فوت معرض الكتاب غير في 2012 عشان ظروف البلد وقتها»، حتى باتت زيارته تقليدًا سنويًا بالنسبة لها؛ تلتقي فيه العديد من الأصدقاء والمعارف الذين لا تسمح ظروف عملهم وحياتهم باللقاء سوى هناك «خاصة إني بنزل أيام المعرض كلها، لظروف الشغل».

ترتبط ذكريات رنا في المعرض دومًا بالأغاني، إذ درجت على الغناء رفقة أصدقائها في جولاتهم بين الكتب، وبين الصمت الذي يباغت أحاديثهم عن القراءة أحيانًا «مرة قابلت صديقة ليا كانت بتحب أغاني سبيس تون اللي اتربينا عليها، ففضلنا نغنيها طول وجودنا مع بعض في المعرض»، بالإضافة إلى الحفلات الغنائية التي نُظمت هناك وقتها «فاكرة مرة جات فرقة بتغني أغاني الشيخ إمام قعدنا نغني معاها».

لم يكن الغناء وحده الذي ما زال متواجدًا في ذهن الشابة الثلاثينية، وإنما كان للأكل أيضًا نصيب كبير من ذكرياتها في معرض الكتاب «بعد ما كنا نتعب من اللف وشرا الكتب، نروح ناكل كشري»، وذلك بالقرب من الجناح الخاص بـ «صوت القاهرة للصوتيات»، الذي تصدح منه أغاني «كوكب الشرق» عالية، ليشرعوا في ترديدها؛ بينما تقبض أياديهم على أطباق الكشري «جو مصري قوي فيه بهجة وعشوائية بس كان يشبهنا جدًا».

تُفضل الشابة الصحفية دائمًا معرض الكتاب في مدينة نصر على المعرض الحالي في حلته الجديدة، للفرصة التي منحها إياها للقاء كُتابها المُفضلين الذين ظلت تقرأ لهم لسنوات من بعيد، حتى أصبحوا أمام ناظريها فجأة «اليوم اللي جه محمد المنسي قنديل كان حدث مهم بالنسبالي». تتذكر تفاصيله بدقة واضحة، فتسردها بخفة «اتفقت مع زمايلي في الشغل نروح سوا، وخلصنا متأخر وطلعنا نجري عشان نشوفه ونسلم عليه»، فظفرت بخمس دقائق فقط مع كاتبها المُفضل «روحنا في آخر الندوة ووقعلي على الرواية»، غير أنها تظل من أفضل ذكرياتها في مدينة نصر.

مدينة نصر: أرض الذكريات الحلوة

بينما تظل الذكرى الأفضل «لعبد الباسط كمال» في معرض الكتاب بمدينة نصر، لحظة أن وجد المخرج الكبير علي بدرخان وجهًا لوجه أثناء إقباله لشراء كتاب مُتعلق بالإخراج السينمائي «بالصدفة كان فيه ندوة له، بيتكلم عن فيلم شفيقة ومتولي، فروحت أحضرها وسلمت عليه وإتصورنا سوا»، سعادة غامرة تُصيب الشاب العشريني كلما تذكر تلك الواقعة التي حدثت في 2018.

لم يتمكن «عبد الباسط» لسنوات طويلة منذ أن استقر به المقام في القاهرة من زيارة معرض القاهرة للكتاب، وذلك بسب سفره لأسرته في إحدى محافظات الصعيد بجنوب مصر، سوى في 2016؛ حين اصطحبه صديقه المُحب للقراءة والترجمة في رحلة؛ لمدة يوم واحد بين أروقة المعرض «صاحبي عرفني على كل شبر في المعرض»، وذلك بالإضافة إلى لقائه بمعارف صديقه الذين لا يتذكر عددهم، إلاّ أنه يتذكر الكم الهائل من الموضوعات والقضايا التي قاموا بمناقشتها وسط أرفف الكتب وفي ساحات المعرض «يومها عرفت إن فيه ناس كتير عندها نفس اهتماماتي».

مشدوهًا يتذكر «عبد الباسط» المرة الأولى التي بدأ يتحدث خلالها مع مسؤولي التوزيع العرب في دور النشر العربية التي كانت تشارك في فعاليات المعرض «ناس منهم لاقيتهم مهتمين بنوع الكتب اللي بحبها»، فامتدت بينهم الأحاديث حولها، حتى باتوا أصدقاءً له، لا زال على تواصل معهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي «المعرض كان له فضل إني أتعرف على ناس من بلاد عربية ونفضل على تواصل لحد النهاردة».

يدين الشاب العشريني بالكثير لدورات معرض الكتاب التي أقيمت في مدينة نصر، لما مكنته من التعرف على أصدقاء جدد توطدت علاقته بهم بعد ذلك، بالإضافة إلى جلسات السمر والضحك التي اعتادوها هناك، والتي لم يجدها حتى الآن في المعرض الجديد «لأن زي أي حاجة قديمة بيكون ليها معزة خاصة، رغم أن تجهيزات المعرض الجديد عظيمة جدًا، بس ذكرياتنا الحلوة في مدينة نصر».