محتوى مترجم
المصدر
Foreign Policy
التاريخ
2016/10/10
الكاتب
EMILE SIMPSON

/كمثل «الطفل الذي صرخ الذئب» (حدوتة يونانية، صارت مضرب مثل للإنذار الكاذب – إضاءات)، يُعتبر العام 2016م، عام منظمة الدول المنتجة للنفط التي صرخت من خفض الإنتاج. وفي حال كان ذلك صحيحا، وأصبحت صناعة النفط الصخري هي المنتج الرئيسي في سوق النفط، فستدخل الدول البترولية الشرق أوسطية وعلى رأسها السعودية في مرحلة السنوات العجاف الصعبة لاحقًا.

في فبراير/شباط الماضي، دعت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) لتجميد إنتاج النفط من أجل زيادة أسعار النفط الخام بالتنسيق مع روسيا. لكن تلك الجهود انهارت خلال اجتماع في العاصمة القطرية، الدوحة، في إبريل/نيسان عندما رفضت إيران الانضمام لأي جهود لتجميد إنتاج النفط من أجل استرجاع مستويات إنتاجها لما قبل عام 2012م بما يقارب 4 ملايين برميل يوميًا، التي كانت تتمتع بهم قبل أن يتم فرض عقوبات نووية عليها من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، وذلك في أعقاب رفع بعض العقوبات عنها بعد الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015م.

فشل مقترح آخر خلال اجتماع للأوبك في يونيو/حزيران الماضي، بسبب رفض إيران مجددًا على الرغم من تواصل القطريين معهم. ومع تبدد الآمال في السوق و أسعار النفط الخام في فبراير/شباط وإبريل/نيسان ويونيو/حزيران، دعت أوبك لوضع شكل من أشكال خفض الإنتاج في 28 من سبتمبر/أيلول الماضي خلال اجتماع (غير عادي) للمنظمة في الجزائر. ومع تجاوب الأسواق مع تلك الأنباء، ارتفعت أسعار خام برنت بنسبة 15% في الأسبوع التالي من القرار، ليرتفع سعره من 46 دولار للبرميل إلى 52 دولار.

لذا، هل ينبغي على الأسواق الآن أخذ منظمة الأوبك على محمل الجد؟ هل يمكن أن تتخذ المنظمة إجراء من شأنه الحفاظ على ارتفاع أسعار النفط الخام على المدى الطويل؟ على الأرجح لا، فصورة إحياء الأوبك تختفي عندما تقترب، مثلها مثل السراب.

إن مرونة صناعة النفط الصخري الأمريكي تجعل الحجاج عن أن الأوبك عاشت حالة من الإنعاش بمثابة ادعاء هش

الأوبك، التي لطالما سيطرت عليها السعودية، دخلت في فترة سبات في صيف عام 2014م. فالانهيار الكبير في أسعار النفط من 100 دولار للبرميل في أوائل 2014م إلى أقل من 30 دولار بحلول يناير/كانون الثاني عام 2016م، تسببت به في المقام الأول استراتيجية وزير البترول السعودي آنذاك علي النعيمي للحصول على حصة المملكة من السوق والإضرار بصناعة النفط الصخري الأمريكي عن طريق السماح للسوق، وليس تدخلات الأوبك، بتحديد الأسعار.

النتائج كانت متفاوتة. في الوقت الذي قامت فيه الرياض بزيادة إنتاجها بداية من منتصف عام 2014م وحتى يومنا هذا لأكثر من مليون برميل يوميا (ليصل الإنتاج في أغسطس/آب من العام نفسه إلى 10.7 ملايين برميل)، تلقى مركزها المالي ضربة قاصمة بارتفاع عجز الموازنة من 3% من الناتج المحلي الإجمالي إلى 16% في 2015، نظرا لأن 90% من إيرادات الحكومة تأتي من النفط.

أما بالنسبة لصناعة النفط الصخري في أمريكا، فقد أصبحت أكثر مرونة مقارنة بما توقعته السعودية، كما سبق وأن اقترحت في توقعاتي للعام الجديد. انخفض معدل الحفر للتنقيب عن النفط، وتمكنت الآبار الجديدة الأكثر ربحية فقط، مثل تلك الموجودة في الحوض البرمي بولاية تكساس، من تحقيق أرباح لا تقل عن 35 دولار للبرميل.

على الرغم من ذلك، فإن إنتاج النفط الأمريكي، الذي يمثل النفط الصخري نسبة النصف منه، كان في المسار الصحيح لينتج ما متوسطه 8.7 مليون برميل يوميا خلال ذلك العام؛ أقل من أعلى إنتاج مسجل وهو (9.5 مليون برميل يوميا في 2015م).

إن مرونة صناعة النفط الصخري الأمريكي تجعل الحجاج عن أن الأوبك عاشت حالة من الانعاش بمثابة ادعاء هش. من المحتمل أن ترفع المنظمة الأسعار على المدى القصير من خلال خفض الإنتاج، لكن لن يمر وقت طويل، ربما بحلول منتصف 2017م، قبل أن تنتعش صناعة النفط الصخري وتحصل على أية حصة في السوق تقرها الأوبك. وفي نهاية الأمر، سيجعل ذلك الأسعار تنخفض مجددًا.

يصبح بعث الأوبك ادعاء أضعف بشكل أكبر، عندما يتم النظر إلى إعلان الجزائر، الذي لا يعدو كونه «اتفاق على التوافق» بهدف خفض إنتاج النفط في الاجتماع المقبل للمنظمة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل. الشيء المبشر هو أن خفض الأسعار، الذي ينبغي على أعضاء بأعينهم داخل المنظمة اتخاذه، لم يتم الاتفاق بشأنه، لكنه يؤخر المناقشات من قبل اللجنة رفيعة المستوى للمنظمة على أمل حل تلك المشكلة.

الأكثر من ذلك، فمن أجل التوصل إلى اتفاق مؤقت في الجزائر، كان يجب على وزير الطاقة السعودي خالد الفالح (الذي خلف النعيمي)،استثناء إيران وليبيا ونيجيريا من أية مشاركة في مسألة خفض إنتاج النفط. يمثل ذلك تنازلًا جيوسياسيًا كبيرًا من الرياض إلى طهران، بوساطة روسية، الموقف الذي لن يكون سهلًا الحفاظ عليه، نظرا للعداء السعودي – الإيراني.

إن إعلان الجزائر يضع الحمل كله على عاتق السعودية. ففي الوقت الذي سينخفض فيه إنتاج المملكة من 10.7 مليون برميل يوميًا بحوالي 300 ألف برميل، ستحتاج السعودية لخفض أكبر بكثير من أجل تحقيق التوازن للسوق. فالإنتاج المستهدف من الأوبك، الذي تم الاتفاق عليه في الجزائر، يتضمن خفضًا للإنتاج بمعدل 700 ألف برميل على الأقل. (بينما تهدف الأوبك، رسميًا، إلى خفض الإنتاج من 33.2 برميل يوميًا في أغسطس/آب 2015، إلى ما يتراوح ما بين 32.5 إلى 33 مليون برميل يوميا، تشير بيانات غير رسمية إلى أن الإنتاج الفعلي للأوبك في سبتمبر/أيلول الماضي كان 33.6 مليون برميل يوميًا).

ستواجه المملكة العربية السعودية سنوات مقبلة صعبة، حيث سيتجه سوق النفط بشكل متزايد للوقود الصخري الأمريكي وليس لمنظمة الأوبك

وإذ كانت بعض دول الأوبك، وتحديدا الكويت والإمارات، مستعدة للقيام بخفض بنسب قليلة في إنتاجهما من النفط، فإن منتجين رئيسيين مثل العراق وفنزويلا سيصبحون في موقف مالي شديد الصعوبة حال إقرار أي خفض كبير في الإنتاج. على الأرجح ستوافق الدولتان على تجميد الإنتاج، نظرا لأنهما قريبتان فعليًا من الحد الأقصى للإنتاج (4.4 مليون برميل يوميا و 2.1 مليون برميل يوميا على التوالي).

أما عن الدول خارج المنظمة، فروسيا قد وصلت لتسجيل إنتاج قياسي بمعدل 11.1 مليون برميل يوميًا في أغسطس/آب الماضي، متفوقة على مستويات إنتاج النفط في الاتحاد السوفيتي. ومع اقترابها الشديد من الحد الأقصى بكل الأحوال، ليس لدى روسيا الكثير لتخسره من دعم مسألة خفض الإنتاج لمنظمة الأوبك والموافقة على عدم زيادة الإنتاج أيضًا. على الرغم من ذلك، فمن غير المرجح أن يفرض الكرملين تخفضيات فعلية في الإنتاج على مجموعة شركات النفط التي تعمل في البلاد.

لذلك، لماذا يغض صانعو السياسات في السعودية الطرف عن ذلك، ويلزمون أنفسهم: إما برعاية اتفاق آخر فاشل للأوبك، أو تكبد النسبة الأكبر من خفض الإنتاج الفعلي من أجل تفعيل الاتفاق؟

على المدى القصير، يبدو أن الوضع المالي للرياض يخضع لضغوط نتيجة لانخفاض أسعار النفط ما يضطرها لاتخاذ إجراء. وبينما تقوم المملكة بتقليل الضغوط المالية بالبدء في إصدار سندات سيادية، فإن معدل إنفاقها النقدي شهريًا من الاحتياطيات الأجنبية كبير للغاية (من حوالي 740 مليار دولار في منتصف 2014، إلى 550 مليار دولار حاليًا)، حيث تحاول الدفاع عن العملة في مواجهة الهروب الكبير لرؤوس الأموال من البلاد منذ انهيار أسعار النفط في عام 2014.

أما على المدى الطويل، فيبدو أن محمد بن سلمان ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية النشيط الطموح يدرك ما وراء التهديد المباشر الذي تشكله صناعة النفط الصخري الأمريكي على صناعة النفط السعودية. بمعنى، أن محمد بن سلمان يركز على الحاجة الأكبر لإصلاح رئيسي للاقتصاد السعودي.

وكما قال السكرتير أول أمين عام للأوبك أحمد زكي يماني في عام 1970: «لم ينته العصر الحجري بعد، لأن الأرض نفدت من الحجارة»، وذلك في تشبيهه لعصر البترول بالعصر الحجري. إن التغير المناخي سيكون مشكلة رئيسية في القرن 21، وسيتحرك العالم بعيدًا عن الوقود الأحفوري؛ بمعنى: إن اللعبة تنتهي بالنسبة للسعودية مع عدم إقرارها للإصلاحات.

إن اجتماع الجزائر لم يكن إشارة حياة لمنظمة الأوبك، بل كان إشارة لليأس. في حقيقة الأمر، ليس هناك الكثير أمام المنظمة لتفعله على المدى البعيد من أجل تحقيق ارتفاع دائم في الأسعار من منظور العرض.

ستواجه المملكة العربية السعودية سنوات مقبلة صعبة، حيث سيتجه سوق النفط بشكل متزايد للوقود الصخري الأمريكي وليس لمنظمة الأوبك، كوسيلة دعم أسعار النفط على مستوى العرض. على الرغم من ذلك، ربما تكون تلك هي الصدمة التي يحتاجها سلمان من أجل إقرار إصلاحات مؤلمة لكنها ضرورية لبلاده.