استدعاني رئيس الجراحين للذهاب إلى غرفة بالقرب من ساحة تنفيذ الإعدامات لنزع كبد وكليتين من جسد سجين أُعدم، ولكن ما اتضح بعد ذلك أن السجين لم يمت بشكل كامل. فقط تعمدت فرقة الإعدام إطلاق الرصاص عليه في الجانب الأيمن من الصدر لإفقاده وعيه، دون قتله، لكي يكون لديَّ وقت لانتزاع أعضائه، خلال العملية طلب رئيس الجراحين تنفيذها دون تخدير السجين، وبمجرد أن أمسكت المشرط وبدأت في استخراج كليتيه وكبده اكتشفت أن المريض ما زال حيًّا، قلبه ينبض، كان يحاول منعي، لكنه كان ضعيفًا للغاية.

على هذا النحو يروي «إنفر توهتي» وهو جراح صيني، المأساة المُروعة التي شهدها خلال عمله بمستشفيات السجون الصينية، حيث استهداف المساجين السياسيين ومعتقلي الرأي بطرق بشعة وفريدة من نوعها. ورغم أن تلك الرواية تكشف أحد جوانب المأساة، إلا أن الواقع الذي يتعرض له المعتقلون داخل هذه السجون يكشف عن جوانب أخرى أكثر فظاظة ووحشية. فهؤلا المعتقلون لم ترحمهم الصين وهم أحياء، وتاجرت بهم وهم أموات.


تاريخ مُروع من الاتجار بالسجناء

شأنها شأن العديد من الدول،مارست الصين أساليب تعذيب وحشية للحصول على الاعترافات. تنوعت تلك الأساليب بين الضرب، والتجويع، والكسر الُمتعمد للأطراف، والصعق بالكهرباء، وغيرها الكثير. لكنها انفردت عن بقية دول العالم بعدم الاكتفاء بتلك الوحشية، إذ عمدت إلى التربح من هؤلاء المساجين المعذبين حتى بعد موتهم.

فعلى مدى سنوات طويلة، وتحديدًا منذ سبعينيات القرن الـ 20، تاجرت الصين بأعضاء معتقلي الرأي الذين صدرت بحقهم أحكام الإعدام. فلجأت إلى انتزاع أعضائهم قسريًّا. وسنَّت في سبيل هذا العديد من القوانين، التي كان أولها مرسوم الحزب الشيوعي عام 1984 بشأن «استخدام جسم أو أجهزة المجرمين الذين أُعدموا».

نصَّ المرسوم على «إمكانية استخدام جسد المجرم المُدان بعد موافقة أسرته»، إلا أنه أرفق به شرطًا يعوق من خلاله أي فرصة لاستئذان عائلة المتوفى، إذ أكد «سرية استخدام جثث وأجهزة المجرمين المُدانين». ومن خلال هذا الشرط دأبت السجون على انتزاع أعضاء معتقلي الرأي المُعدمين، وحرق جثثهم مباشرة، ما ألغى أي فرصة للتعرف على الجثة أو المطالبة بها. كما عمدت في هذا الشأن إلى التأكيد أن السجين أعطاهم الموافقة قبل إعدامه، عملاً بمبدأ «إذا لم يكن هناك دليل يدعم هذا الادعاء، فلا يوجد دليل على الطعن فيه».

حرصت الصين أيضًا على أن تكون عمليات نزع الأعضاء سرية، فاتخذت إجراءات احتياطية من قبيل دخول السيارات التابعة للمؤسسات الطبية إلى أماكن عمليات إزالة الأعضاء، لكن دون استخدام شعار المؤسسات الطبية، بجانب عدم ارتداء الأطباء الملابس البيضاء، وحماية أرض التنفيذ، وحرق الجثث مباشرة بعد انتزاع مختلف الأعضاء اللازمة من كلى وكبد وقرنية وقلب، وأخيرا إبلاغ أسرة المتوفى بتنفيذ حكم الإعدام وحرق الجثة دون أي تفاصيل.


سرقتْ أعضاءهم وأحرقتْهم أحياءً

رغم هذه الإجراءات خرجت إلى العلن بعض جوانب الواقع المؤلم في تلك السجون، عبر روايات عدد من الناشطين ومعتقلي الرأي الناجين من الإعدام، وخاصة من جماعة «فالون كونج»،تلك الجماعة الروحية القائمة على التأمل، والتي رأى فيها الحزب الشيوعي خطرًا وتهديدًا لوجوده.

فبمجرد أن انطلقت الجماعة في بداية التسعينيات، سرعان ما جذبت الكثير من المؤيدين حتى وصل عددها إلى ما يقرب من الـ 70 مليون صيني، وهو ما رآه الحزب تهديدًا أمنيًّا له، باعتبار أنها جماعة منظمة تقدم وجهة نظر بديلة له، فعمل على مواجهتها عبر تقييد ممارساتها وحظرها عام 1999.

خلال تلك الفترة تعرضت الجماعة للاضطهاد والقتل والحبس في «السجون السوداء» – وهي شبكة من معسكرات العمل ومراكز الاحتجاز الخارجة عن القانون التي أنشأها الحزب الشيوعي لاحتجاز المواطنين دون تهمة – وبحلول عام 2001، كان أكثر من مليون من أعضاء الجماعة المحتجزين يخضعون للاختبارات والفحوصات الطبية اللازمة لانتزاع أعضائهم.

في هذا الصدد،يروي «ليو»، أحد أعضاء الجماعة، والذي قُبض عليه عام 2006 دون تهمة أو إدانة، وسُجن لأكثر من عامين بسبب معتقداته الروحية:

كنت في حيرة من أمري عندما أجرت سلطات السجن فحوصات طبية لي وللمحتجزين معي، فكرت كثيرًا بشأن هذا الاهتمام الطبي، ولكني عرفت السبب فيما بعد عقب تعرضي للضرب على يد السجناء معي، حيث حذرهم أحد السجناء القدامى من الإضرار بأعضائي … في ذلك الوقت أدركت أن هناك شيئًا أكبر مما كنت أتصور … فالاهتمام لم يكن بشخصي بل كان بأعضائي فقط … حينها تأكدت مما سمعته داخل السجن من انتزاع أعضاء السجناء قسريًّا والاتجار بها … وازداد يقيني بعد استدعاء أصدقائي من السجناء السياسيين ولم يعودوا بعد ذلك.

كذلك تشير «جينيفر زنج»، وهي ناشطة من الجماعة، سُجنت لمدة عام بأحد معسكرات العمل النسائية، إلى تلك العمليات فتقول:

في اليوم الذي نُقلنا فيه إلى معسكر العمل توجهنا إلى منشأة طبية خضعنا فيها للفحص البدني … اُستُجوِبنا حول الأمراض التي عانينا منها، وأخبرتهم أنني مصابة بالتهاب الكبد … وفي المرة الثانية، بعد حوالي شهر، كُبِّل الجميع ووُضعوا في سيارة ونُقلوا إلى مستشفى ضخم … كان ذلك لفحص بدني أكثر شمولًا، وهو الأمر الذي تكرر بعد ذلك مرة ثالثة … لكن بعدها لم يُسمح لنا بالاتصال ببعضنا البعض، لم نتمكن من معرفة ماذا يحدث، اختفى العديد من الأشخاص، لكن لم نتمكن من معرفة أين اختفوا، كنا نفترض أنه أُطلق سراحهم … ولم يكن هناك وسيلة لأتتبع الآخرين بعد الإفراج عني … أخشى أنهم ربما نُقلوا إلى المستشفى، وأُجريت عمليات نقل أعضائهم دون موافقتهم.

أما «وانغ كوكي»، الطبيب العسكري الصيني، والذي شارك في عمليات انتزاع الأعضاء، فقد أكد تلك الوقائع خلال شهادته أمام الكونجرس الأمريكي، حيث روي أن:


مليار دولار سنويًّا: أرباح الصين من جثث السجناء

على هذا النحو، عمدت الصين إلى إعدام السجناء السياسيين الذين اُعتُقِلوا بسبب معتقداتهم السياسية والدينية. لكن الأمر لم يقتصر على فالون كونج فقط، إذ ارتكبت الصين تلك الجرائم بحق مختلف سجناء الرأي والأقليات الدينية، بما في ذلك البوذيون والتبتيون والمسيحيون ومسلمو الإيغور. وتمكنت بذلك من التخلص منهم، وفي الوقت نفسه الاستفادة من الأرباح الطائلة الناجمة عن الاتجار بهم، والتي بلغت مليار دولار سنويًّا.

وفي ظل هذه السياسة المُمنهجة،أصدرت محكمة الصين، (لجنة حقوقية دولية مستقلة شُكِّلت عام 2018) حكمها النهائي بشأن تحقيق «حصاد الأعضاء بالإكراه من السجناء الصينيين»، مؤكدة أن هناك أدلة دامغة على قيام الصين بعمليات استخراج قسرية للأعضاء البشرية، لقي خلالها أكثر من 1.5 مليون من الضحايا حتفهم، وذلك على امتداد 20 عامًا مضت على الأقل.

ودعم حكم المحكمة – الصادر في 17 يونيو/حزيران الجاري – العديد من التقارير والدراسات الدولية منها تقرير «الحصاد الدامي» الذي نُشر في يونيو/حزيران 2016 خلال جلسات استماع لجنة الشئون الخارجية في البرلمان البريطاني. حيث وضَّح التقرير أن حجم حصاد الأعضاء في الصين أكبر من المحدد في الإحصاءات الرسمية، فبينما تشير إحصائيات الحكومة الرسمية إلى إجراء حوالي 10 آلاف عملية زراعة أعضاء في السنة، إلا أن الأرقام قد تصل إلى ما بين 60 و100 ألف عملية في السنة.

كذلك أشار التقرير إلى أن السرعة التي يحصل بها المريض على العضو اللازم لعملية الذرع تُثير الشكوك، فبينما قد يستغرق الأمر شهورًا أو حتى سنوات خارج الصين، نجده لا يتعدى فيها عدة أسابيع، إن لم يكن أيام، ما يشير إلى وجود نظام يمكن من خلاله تنفيذ عمليات الإعدام عند الطلب للحصول سريعًا على العضو طازجًا.

وفي السياق نفسه، جاء تقرير لمنظمة العفو الدولية ليؤكد أن رفض الصين الدائم إعادة النظر في إلغاء عقوبة الإعدام، يرجع إلى المكاسب المادية التي تحققها جراء المتاجرة بأعضاء السجناء المحكوم عليهم بالإعدام.


الحكومة الصينية: من الإنكار إلى الاعتراف فالمماطلة

السجناء الذين يُختارون يُعدمون بطلقة واحدة في مؤخرة الرأس؛ لكي لا يتلف القلب والكبد والكليتين أو الجلد، وكثيرًا ما يُحقن مساجين «فالون كونج» بحقن تسبب فشل القلب، ثم يؤخذون إلى غرف العمليات ليُستأصل الكبد والكلى، وبعد ذلك يستأصل الجلد والقرنية، بعض المساجين كانوا لا يزالون يلتقطون أنفاسهم حتى بعد إزالة أعضاء منهم، لكنهم يزج بهم إلى محرقة المستشفى على أي حال.
مثل هذه القصص حول حصاد الأعضاء بالإكراه في الصين خيالية ولا أساس لها من الصحة، الصين لديها قوانين ولوائح صارمة بشأن هذه القضية.
«هوا تشون» المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية عام 2015

رغم هذه الأدلة وغيرها الكثير، دأبت الحكومة الصينية ولسنوات طويلة على نفي حدوث مثل هذه العمليات، وأكدت دائمًا أنها تتبع المبادئ التوجيهية لمنظمة الصحة العالمية بشأن زراعة الأعضاء، وأنها عزَّزت إدارتها في زراعة الأعضاء عبر عدد من القوانين واللوائح؛ من بينها اللائحة التنفيذية التي سنَّها مجلس الدولة الصيني عام 2007، والتي اشترطت أن تكون عملية التبرع بالأعضاء طواعية ودون مقابل.

وأمام تزايد الضغوط والمطالبات الدولية بفتح تحقيق في عمليات زراعة الأعضاء، لجأت الصين إلى المماطلة واتباع الطرق الملتوية عبر الاعتراف بحدوث هذه الممارسات والوعد بإصلاحها،والتأكيد أنها انتهت بشكل كامل عام 2015، عبر برنامج زراعة أعضاء شرعي بالكامل يشمل المانحين المتطوعين فقط.

وبالرغم من هذه التأكيدات الرسمية، فإن الواقع والدراسات المتاحة اليوم تشير إلى استمرار مثل هذه العمليات. ويكفي في هذا الصدد الإشارة إلى نتائج إحدى الدراسات الدولية التي أكدت أنه خلال فترة 10 أيام في عام 2016، زُرع 640 عضوًا، على الرغم من أن 30 متبرعًا فقط كانوا مدرجين رسميًّا، مما يشير إلى أن كل متبرع كان سيتخلى عن أكثر من 21 جزءًا من الجسم في المتوسط. فهل يُعقل هذا؟