سؤال ربما لم يكن ليخطر على بالك، أنت تتابع بشكل يومي وزنك، ربما سألت يومًا ما عن وزن الأرض، وفي كتب العلوم قد قرأت ذات مرة عن كتلة الشمس، لكن، هل خطر ببالك أن أحدهم مهتم بوزن المجرة بأكملها؟ احتمال بعيد، أليس كذلك؟

حسنًا، هناك من يهتم بالتأكيد، علماء الفيزياء الفلكية يعتبرون كتلة مجرتنا «درب التبانة» من الأمور الحيوية والأسئلة التي يجب أن نبحث لها عن إجابة دقيقة قدر المستطاع.

يقول «راي فيلارد» الباحث بمعهد تلسكوب الفضاء للعلوم بميريلاند في تصريح لـ«إضاءات»:

تطور المجرات أمر معقد، ويختلف حسب كتلة المجرة، ولكي نفهم بدقة تاريخ نشأة وتطور درب التبانة يجب أن نعلم كتلتها بأدق قياس ممكن.

لهذا، اجتمعت فرق بحثية من وكالة ناسا الفضائية، ووكالة الفضاء الأوروبية لتحليل بيانات معقدة من «تلسكوب هابل الفضائي – NASA’s Hubble Space Telescope» وتلسكوب جايا «European Space Agency’s Gaia satellite» ليقيسوا بدقة كتلة مجرتنا.


1.5 تريليون شمس

هذا هو الرقم الذي أعلن عنه في الورقة البحثية التي صدرت عن الفريق، والتي تقول إن مجرتنا تزن ما مقداره 1.5 تريليون مرة مثل شمس نهارنا، وهو ما جاء رقمًا متوسطًا بين التقديرات السابقة التي قالت، إن كتلة المجرة تتراوح بين 500 مليار وحتى 3 تريليونات كتلة شمسية تقع في نصف قطر يبلع 129 ألف سنة ضوئية.

هذا يعني أن مجرتنا تعتبر مجرة متوسطة الكتلة مقارنة بالمجرات في الكون القريب منا كما يقول راي أيضًا:

قولنا إنها مجرة متوسطة الكتلة ينطبق على الكون المحلي، بمدة تصل لبضعة مليارات سنوات ضوئية فقط. هذا المدى يتجاوز مجموعة المجرات المحلية والتي في أغلبها مجرد مجرات قزمة

وتتراوح كتلة المجرات التي نتحدث عنها هنا بين مليار كتلة شمسية وحتى 30 تريليون كتلة شمسية، تقع مجرتنا في وسط كل هذا.


هابل وجايا يتعاونان

تختلف طريقة عمل تلسكوبي هابل وجايا تمامًا، فتلسكوب هابل يمتلك مجال رؤية ضيقة للغاية، لكن يمتاز بالدقة والقدرة على اختراق أعماق الكون، بينما تكمن مهمة جايا في رسم خريطة ثلاثية الأبعاد لمجرتنا تجمع كل النجوم والتجمعات النجمية، وتقيس حركتها بدقة كبيرة.

شكل مجرتنا، تتكون من مركز غني بالنجوم، وهالة مليئة بالتجمعات النجمية العتيقة

قام فريق العمل بتتبع حركات بعض العناقيد النجمية المغلقة بالتلسكوبين باستخدام قياسات من هابل لمدة عشر سنوات بجانب الخريطة التي أنتجها جايا لقياس سرعة حركتها الجانبية (والتي تتأثر بكتلة المجرة) حول مركز المجرة بدقة شديدة أمكن من خلالها استنتاج كتلة المجرة.

وتعتبر العناقيد النجمية المغلقة من أقدم نجوم المجرة والكون على الإطلاق وتكونت بعد الانفجار الكبير بملايين السنوات، وقبل أن تكتسب المجرة شكلها الحلزوني الحالي. وبسبب بعدها عن مركز المجرة حيث تقع أغلبها في هالة المجرة الخارجية، فإن سرعتها تتأثر بكتلة المجرة مما يجعل قياس سرعتها أدق طريقة ممكنة لمعرفة الكتلة، والتي – وهذا ما سيثير دهشتك- لا تقع أغلبها في نطاق الكتلة المرئية!


المادة المظلمة تسيطر

درب التبانة، المجرة، هابل، جايا، كتلة المجرة
درب التبانة، المجرة، هابل، جايا، كتلة المجرة
لا نستطيع رؤيةالمادة المظلمة مباشرة، وبسبب ذلك نتجت قياسات غير دقيقة عن كتلة المجرة، فنحن لا نستطيع قياس ما لا نراه.

لورا واتكين في البيان الصحفي

200 مليار نجم هو تقريبًا عدد النجوم التي تسكن مجرتنا، بجانب ثقب أسود عملاق في مركزها بكتلة 4 ملايين شمس، فأين تقع باقي الكتلة؟

يأتي هنا دور «المادة المظلمة – Dark Matter»، المادة الغامضة الخفية كما يصفها فريق البحث، والتي تمتلك أغلب كتلة مجرتنا، تربط نجومها بقبضة من حديد، رغم ذلك لا تتفاعل مع أي شيء ولم نستطع رصدها حتى الآن، فلا يظهر لنا منها سوى أثرها الجذبوي العظيم.

وكلما زادت المادة المظلمة في المجرة، زادت سرعة دوران العناقيد النجمية حول مركز المجرة، وذلك لارتباطها بكتلة عملاقة وإن كانت خفية.

وعند سؤالنا لراي عن دور الطاقة المظلمة أيضًا رد قائلًا:

الجاذبية بداخل المجرة تسطير بقوة أكبر بكثير من تأثير الطاقة المظلمة، لهذا نتحدث فقط عن المادة المظلمة، أما الطاقة المظلمة فيظهر تأثيرها على نطاق مسافات كونية عملاقة للغاية بين المجرات.

أكثر من 90 % من كتلة مجرتنا (والكون بأكمله) ما زلنا لا نعلم عنه أي شيء رغم قدرتنا على قياس تأثيره، فهل سيستطيع العلم يومًا ما أن يحل ألغاز المادة والطاقة المظلمة؟! هذا ما نتمنى أن نراه في حياتنا يومًا ما.