أطلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي خلال الفترة الماضية سراح عدد من الأسيرات والأسرى الأطفال أو كما يطلق عليها «الأشبال»، خلال فترة الهدنة الإنسانية، عقب سنوات طويلة لبعض منهم في سجون الاحتلال.

نسمع دائمًا الأخبار عن ظلم السجان ووحشية جنوده وتعامله الفظ مع الأسرى سواء نساء، أطفال، أو شيوخ، ولكن كنا نسمع من مسافات بعيدة، ولكن من خلال هذا التقرير سنكون قريبين للحد الذي يجعلنا نعرف ونفهم أدق التفاصيل، وبخاصة عندما تكون الرواية من فم الأسيرات والأطفال الأسرى المفرج عنهم قبل أيام.

صوان دخلت بالكانسر وخرجت بمرض السكر

فقدت أبي وأمي، ولذلك كنت دائمة اللجوء للمسجد الأقصى كصديق وفي وقريب حنون يعوضني عما فقدت، ولكن من دون مقدمات من نور المسجد لظلمة السجن، اعتقلتني قوات الاحتلال ذات مرة وأنا في طريقي لأداء الصلاة في المسجد الأقصى.

بتلك الكلمات بدأت الأسيرة المحررة نهاية صوان (47 عامًا) من مدينة القدس المحتلة، في سرد ما حدث معها بداية من اعتقالها في أغسطس 2021 وحتى خروجها في نوفمبر 2023.

وتضيف صوان خلال حديثها لـ«إضاءات»، قام جندي إسرائيلي بالاعتداء عليّ وتفتيشي، وقمت بالدفاع عن نفسي، فيما قام جندي الاحتلال بتقديم لائحة اتهام ظالمة ضدي، وأصدرت السلطات الإسرائيلية حكمًا ظالمًا بالسجن لمدة 44 شهرًا بتاريخ 22 فبراير 2022، ودخلت بالفعل سجن الدامون شمال فلسطين، وأنا مريضة كانسر، وخرجت منه ومعي مرض السكر، نتيجة إحساس القهر والحسرة».

وتوضح صوان: «المعاملة داخل الأسر كانت أسوأ من السيئ، الاحتلال لا يعرف طفلًا ولا شيخًا ولا شابًا ولا امرأة ولا أي شيء، كل الثقافات والمجتمعات والشعوب أجمعت على أن أضعف فئة في المجتمع هي فئة الأطفال والنساء ولكن الاحتلال لا يعرف هذا، ومن أبشع المشاهد التي شاهدتها داخل الدامون كانت بعد حرب السابع من أكتوبر «طوفان الأقصى».

وأتبعت صوان:

دخل الجنود بأعداد كبيرة ورمونا بالغاز وصادروا جميع الأجهزة الكهربائية، وجميع المقتنيات الشخصية، كما صادروا أواني الطبخ، حتى بعض ملابسنا الشخصية كحالة من تفريغ الغضب علينا.

لم تُكمل صوان حديثها معنا بعدما انقطع الاتصال فجأة، وعندما عاد مرة أخرى تولّت مهمة استكمال الحديث رؤى جبران نجلة شقيقة الأسيرة صوان التي أكملت الحوار نتيجة تدهور حالة خالتها الصحية والنفسية، تقول جبران «خرجت خالتي بحالة نفسية سيئة جدًا، وترفض التحدث لفترات طويلة، وأوقات ترفض التعامل تعاني من صدمة»، متابعة «بأول ليلة عند خروجها لم تستطع النوم، وحكت جملتين وقت أذان الفجر قائلة «يا الله قديش ما سمعت الأذان»، مشيرة إلى أن نومها منذ خروجها متقطع وتعاني من حالة حزن مستمرة، وأغلب حديثها يكون عن المعاناة والمعاملة السيئة التي كانت تتعرض لها مع باقي الأسيرات داخل السجن، هي دخلت الأسر إنسانة وخرجت إنسانة تختلف كليًا عما كانت».

وأضافت جبران: «حتى الآن أجد صعوبة في التعامل معها صعوبة بالغة، وعلى الرغم من حالتها الجسدية والنفسية الصعبة، فإن إحساسها بالحرية يجعلها ترسم ابتسامة خجولة، ولكن حالتها الآن أفضل من أنها كانت تظل داخل السجن، لأن كل دقيقة كانت تقضيها داخله تعادل عامًا كاملًا خارجه، متابعة: «أحد الجمل التي أخبرتني فيها أنها عند مرضها داخل السجن كان سلطات الاحتلال تكتفي بإعطائها دواء مسكنًا للصداع وآلام الرأس، ولم يكن هناك رعاية صحية، حتى في العيادات الداخلية في السجن كانت صعبة المنال على الأسيرات وكنّ يدخلنها عقب إلحاح قد يصل لشهور، ويأخذن الأسيرات وهن مقيدات الأيدي والأرجل، لك أن تتخيلي خالتي مريضة الكانسر والسكر كيف كان حالها داخل السجن، وكيف سيكون وضعها النفسي الآن».

وتوضح جبران «لما خرجت خالتي كان فرحنا ممزوجًا بألم وبوجع فنحن من المستحيل أن ننسى دم الشهداء، يعني الفرحة أبدًا لن تكون كاملة وأبدًا ما كانت من قلوبنا بالعكس كانت قلوبنا تبكي ألمًا على شهداء غزة، هذا الاحتلال لا يعرف معنى الرحمة أو الإنسانية».

جبران طالبة جامعية قررت الانتقال من الضفة الغربية المحتلة إلى القدس فقط لرعاية حالة خالتها الصحية، مؤكدة أنها بدأت في عرضها على أطباء نفسيين وإجراء فحوصات طبية لمعرفة آخر تطورات حالتها الصحية، وتؤكد أنها ستظل معها حتى تعود إنسانة طبيعية.

دويات: قذفونا بالقنابل وسحبوا الطعام والماء

فيما تقول شروق دويات من بلدة صور باهر في القدس المحتلة، وهي الأسيرة الأطول حكمًا بين الأسيرات الفلسطينيات، حيث صدر بحقها حكم بالسجن 16 عامًا:

الحمد لله على هذا الفرج، وهذا عبارة عن عرس وطني مؤجل لحين انتهاء الحرب في غزة، والرحمة على أرواح شهدائنا الأبرار.

وتضيف دويات لـ«إضاءات»، أنها دخلت السجن وكانت مصابة برصاص أحد المستوطنين، الذي حاول نزع حجابها، وخضعت آنذاك لعمليات نقل جلد وشرايين لإزالة التهتك الذي وقع في كتفها ورقبتها، ودخلت السجن وهي مصابة ولم تستكمل علاجها، وكانت عندما تتألم كانت سلطات الاحتلال تعطيها أدوية مسكنة، موضحة أن المعاملة داخل السجن كانت صعبة للغاية وممارسات جنود الاحتلال كانت عنصرية، والأمر ازداد صعوبة عقب عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي، وأصبحت المعاملة وحشية بطريقة ممنهجة.

وتتبع الأسيرة الفلسطينية المحررة: «مارسوا معنا سياسة التجويع والتعطيش، والقمع والعزل الجماعي داخل القسم الواحد، هذا بجانب الاكتظاظ بالغرف كمحاولة للضغط علينا، كانت المعاملة معنا بطريقة وحشية وغير إنسانية بالمرة»، متابعة «لكن الحمد لله كانت معنوياتنا عالية جدًا وثباتنا كان غير طبيعي، واستمرت الوحشية والمعاملة السيئة حتى يوم الإفراج عنا».

ووجهت دويات رسالة لأهل غزة بالثبات والصبر والنصر القريب والرحمة للشهداء والشفاء العاجل للجرحى والمصابين.

وتابعت دويات «تم تحريري من سجن الدامون، وبعدها تم نقلنا إلى سجن المسكوبية في القدس المحتلة وتم تحريري من هناك، وقد تم تحريرنا في ساعة متأخرة جدًا، والشرطة لم تفارقني حتى مدخل بيتى، وكان الاحتلال يريد أن ينقص فرحتنا وظل يتلاعب بأعصابنا حتى اللحظات الأخيرة وخاصة أننا لم نكن نعرف أي تفاصيل أو موعد الخروج لآخر لحظة، ولكن الحمد لله لم ينقصها علينا هذه الفرحة، وتمت الحمد لله، وأسأل الله أن يتم الحرية والفرج القريب لباقي الأسرى والأسيرات في سجون الاحتلال، لأن طعم الحرية من أجمل اللحظات بالعمر».

الطفل خزيمية: خرجت مصابًا بورم بالقدم

من الأشبال كما يطلق عليهم، كان لنا لقاء مع الأسير الطفل المحرر مروح ياسر خزيمية ابن بلدة قباطية في جنين.

يقول خزيمية لـ«إضاءات»، تعرضت للاعتقال على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال اقتحامهم منزلنا في يناير الماضي، واعتقلتني قوات الاحتلال بسبب مشاركتي بانتفاضة الحجارة، ووجهت سلطات الاحتلال لي تهمة تصنيع عبوات ناسفة.

ويضيف خزيمية:

تم تقييدي وتحويلي إلى مركز التحقيق الجلمي، وهو من أصعب مراكز التحقيق في إسرائيل، وتعرضت لمعاملة سيئة وتحقيق سيئ، وضغط نفس، وكانت معاناتي داخل السجن بعد سبعة أكتوبر، حيث تم سحب كل شيء حتى الطعام والشراب، والاستحمام لمرة واحدة وبمدة محددة، وكانت الاستراحة أو الخروج لفناء السجن لمدة عشر دقائق بينها مدة الاستحمام، وكانت المعاملة سيئة جدًا لأقصى درجة، كل أسير له غيار واحد فقط من الملابس، حتى المياه قطعوه.

ويضيف ياسر خزيمية والد الطفل الأسير أن الاحتلال تعامل بوحشية مع نجله، وخرج مصابًا بأورام في قدميه، إذ كانت قوات الاحتلال تزحفهم على القدمين والركبتين واليدين وهم مكبلون، مما تسبب له بالإصابة بالأورام في قدميه ويديه، هذا بجانب ضرب الأطفال وكبار السن داخل السجن، وكان الضرب على الرأس بمراكز التحكم في الأطراف، وأفقد الكثير من الشبان التحكم بأطرافهم، هذا بجانب الضرب على أطراف اليد والرجل والتعرض للكسر، وكانت السجون قبل 7 أكتوبر، مختلفة تمامًا عن بعد سبعة أكتوبر تغيرت المعاملة كلها، وكانت الرعاية الصحية سيئة، وعندما يمرض أحد المعتقلين يذهب إلى عيادة الطبيب، ويعتدي عليه الطبيب ومن معه من الجيش مما أدى إلى استشهاد ستة أسرى داخل السجن.

وحول لحظة خروجه، قال خزيمية «عندما خرج مروح كنت في استقباله في رام الله، وكان وضعه مزريًا، ولم أتعرف عليه بالبداية نظرًا لهيئته وشكله، فكان يرتدي ملابس خفيفة جدًا وكان حافي القدمين، كنت متفاجئًا من منظره فاحتضنته، وكان البكاء سيد الموقف، وكنت سعيدًا لعودة ابني، لكنها سعادة ممزوجة بدماء الشهداء وأشلاء الأطفال والنساء وكبار السن من الأشقاء في غزة رحمهم الله.

ويوضح خزيمية الأب أن عائلته كانت تضم العديد من الأسرى، فكان أسيرًا لمدة خمس سنوات ونصف في انتفاضة الأقصى، وكان في الانتفاضة الأولى عام 1987 أسيرًا ومصابًا بسبع رصاصات، وكان والده أسيرًا عام 1969، وكان شقيقه أسيرًا وخرج في يوليو الماضي، بعد قضاء ثلاث سنوات وشهر.