في 1960 وضعت عالمة النفس «ديانا بوميراند» – وهي حاصلة على دكتوراه في علم النفس في جامعة كاليفورنيا، فضلًا عن أنها من أكثر الباحثين المعروفين في الأنماط التربوية نظرية تربط أنماط التربية التي يتبعها الآباء مع أطفالهم بسلوك هؤلاء الأطفال، وكيف أن نمطهم في التعامل مع الأبناء يؤثر في تكوين شخصياتهم بعمق طوال حياتهم، نظريتها هذه قد استندت على محورين بالغي الأهمية: الأول هو «استجابة الوالدين» وهو يقيس إلى أي مدى يستجيب الآباء لاحتياجات أطفالهم، والثاني هو «مطالبة الوالدين» وهو يقيس مدى توقعات الوالدين لسلوك أكثر نضجًا ومسؤولية من أطفالهم.

وبناء على هذين المحورين قسمت الأنماط التربوية لثلاثة أنماط

  • النمط الصارم: يكون الوالدان فيه استجابتهما قليلة ومطالبتهما عالية.
  • النمط المتساهل: يكون الوالدان فيه استجابتهما عالية ومطالبتهما قليلة.
  • النمط القياسي: يكون الوالدان فيه استجابتهما عالية ومطالبتهما عالية أيضا.

ثم أضيف لهم لاحقًا نمط رابع وهو

  • النمط المتجاهل: يكون فيه الوالدان استجابتهما قليلة ومطالبتهما قليلة.

المربي الصارم

  • هل دائمًا ما تبحث وتسأل عن أساليب فعالة لعقاب الأطفال عندما يخطئون ؟
  • هل لديك دائمًا توقعات محددة من أطفالك وإذا لم يحققوها بشكل كلي أو جزئي تشعر بالإحباط والفشل؟
  • هل تلاحق طفلك بالاعتراض على تصرفاته التي لا تنال رضاك، وتوجهه دائمًا بالأوامر؟
  • هل القواعد التي تضعها وتفرضها على الأطفال صارمة جدًا ويجب اتباعها تحت أي ظرف فلا بديل للطاعة؟
  • هل القرار الأخير فيما يخص اختيارات أطفالك دائمًا ما يجب أن يكون قرارك أنت وليس لهم هم؟

التربية الصارمة هي أكثر الأنماط التربوية شيوعًا بين المربين وخصوصًا في الأجيال السابقة، نظرًا لأن نتائجها سريعة وفعالة وقتيًا، فما أسهل أن تستخدم سلطتك وصلاحياتك الجسدية والنفسية والمادية على كائن بصلاحيات أقل من كل الجوانب، فهو حتمًا في أغلب صراعات القوة سيرضخ، وصراعات القوة في الأسر التي تتبع هذا النمط ليست بالقليلة.

يبدو هذا جيدًا، ففي النهاية قد اتفقت معظم التوجهات التربوية على أن القواعد أمر صحي لتربية الأطفال، وطفل يخشى العقاب ويتبع هذه القواعد الصارمة لشيء يوحي بحسن التربية والأدب، ولكن لأن لكل فعل رد فعل، ففي كل مرة يخسر الطفل صراع قوة يفقد جزءًا مهمًا من تكوين شخصيته، فالطفل هنا لا يفهم لما تصرفاته دائمًا غير كافية لك، ولا يدرك أصلًا لما عليه أن يتبع القواعد المفروضة عليه.

يظن الطفل أنه يجب عليه فعل هذا لأن «ماما» أو «بابا» يريد هذا، ولأن الالتزام يجنبه خسائر مادية ومعنوية هو في غنى عنها، ولكن في حال رفع الرقابة من عليه أو إذا أمن العقوبة المعتاد عليها فإن هذا الطفل غالبًا ما يسيء السلوك بشكل مبالغ لأنه فقد أهم مكون في التربية الصحية وهو (الدافع الذاتي)، أيضًا الطفل الذي يربى بهذا النمط من التربية الصارمة أكثر عرضة لمشاكل التواصل الاجتماعي من قلة لتقدير الذات أو الخجل الزائد أو الرهاب الاجتماعي.


المربي المتساهل

  • هل تعتبر نفسك صديق لأطفالك أكثر من كونك والد لهم؟
  • هل القواعد التي تحاول فرضها تكون هشة جدًا وتحاول تطويعها دائمًا لتتناسب مع الحالة المزاجية لأطفالك، فتارة تلتزمون بها وتارة لا؟
  • هل تنتابك حالة من التأنيب ولوم الذات إذا لم تحقق يومًا رغبة ما لطفلك؟
  • هل أنت متجاوب دائمًا كرد فعل لأطفالك، ولكنك أبدًا لا تطالبهم بشيء ولا تبادر بالفعل؟

يعتقد أن سبب شيوع التربية المتساهلة في الأجيال الحديثة هو ناتج من النتائج السلبية للتربية الصارمة المسيطرة التي خضع لها المربون الحاليون من أهلهم سابقًا، فهم يريدون أن يعوضوا أطفالهم عما عانوه من فقدان حرية اختياراتهم من قبل، المربي المتساهل مسترخ في علاقته بأبنائه ومتقبل لجميع تصرفاتهم بصدر رحب سواء كانت سلبية أم إيجابية فهو يجد لهم مبررًا، فهو في غالب الأوقات يتجنب المواجهات والصراعات خوفًا من اهتزاز صورة (المربي اللطيف)!

المربي المتساهل يكون محبًا بشكل كبير لأطفاله ولا يتوانى في إظهار هذا لهم وعلاقته معهم عاطفية ويقدم لهم رعاية عالية الجودة، وأيضًا يستخدم الحوافز والمكافآت حتى يؤثر فيهم إن احتاج إلى ذلك، ولكن الأطفال الذين ينشئون في كنف هذا النمط المتساهل يفتقدون بشدة للأمان ولشعورهم بالانتماء والأهمية وأيضًا يفتقدون إلى الكثير من الانضباط والتهذيب وضعف المهارات الاجتماعية نظرًا لخلو هذا النمط تقريبًا من القواعد وزيادة جرعات «التدليل والمركزية حول الطفل»، بالطبع طفل مدلل رغباته فوق الجميع لن تنمو شخصيته بشكل سوي.


المربي القياسي

  • هل يومك ويوم أطفالك له قواعد تحدده وإيقاع يومي ثابت؟ هل طفلك يتبع هذه القواعد بأريحية وسلاسة لأنه يعلم لمَ هو متوقع منه كذلك، وهل هناك عواقب منطقية عند مخالفة هذه القواعد؟
  • هل تتعامل مع طفلك أنه إنسان كامل له حقوق عليك وعليه واجبات تجاهك؟
  • هل تتواصل بجودة مع أطفالك، وسلوكهم في وجودك لا يختلف كثيرًا عن غيابك فهم يعلمون ألا داعي للخداع في علاقتكم؟

النمط القياسي أو المثالي هو النمط المتوازن والأكثر فاعلية، الوالدان اللذان يتبعان هذا النمط لديهما بالفعل توقعات عالية لسلوكيات أطفالهما ولكنهما يعرفان كيف يهذبونها بفهمهما العميق لاحتياجات أطفالهما، مما يجعل علاقة الآباء مع أطفالهم علاقة صحية مثمرة مغلفة بالعاطفة والود مع التفاهم والاحترام جنبًا إلى جنب.

المربي القياسي لا يتجنب المواجهات والسلوكيات السلبية، ولكنه أحيانًا يتغافل ليعمل على تلك السلوكيات بوعي ودون نقد أو أحكام وتوبيخ، هو أيضًا يضع القواعد ويلزم الأطفال بتنفيذها بحزم، ولكن باحترام وبمشاركتهم لتنمية الدافع الداخلي لهم للسلوك الحسن مع بعض من المرونة اللازمة. الطفل الذي يتبع أهله معه هذا النمط التربوي ليس بحاجة لمحفزات ولا مكافآت ولا عقاب نفسي أو بدني حتى يستقيم، فهو بالفعل لديه فهم أعمق للعالم من حوله ولعلاقاته بالآخرين!

قبل أن تحاول تحديد نمطك التربوي في التعامل مع أبنائك، عليك أن تعرف جيدًا أن هذه النظرية فقط استرشادية كبوصلة لضبط الاتجاه، وعليك دائمًا أن تعلم إلى أين تشير بوصلتك بالوعي الكافي الذي يجعلك مدرك تمامًا ما عليك فعله للعودة للمسار المستقيم المتوازن.

كل الآباء يتأرجحون بين كل هذه الأنماط، قد تكون في فترة ما من حياتك (المربي الصارم) بشدة وفي ظروف أخرى (مرب متساهل) بل و(مرب متجاهل) حتى، هناك أيضًا عوامل محيطة قد تجعلك (المربي القلق الهستيري) وعوامل أخرى تساعدك على أن تكون الأكثر توازنًا فتستجيب لتلبية احتياجات أطفالك في أسرع وقت ممكن بلا تجاهل، ولكن بشكل يمهد الطريق لتحقيق نمو صحي على المدى الطويل لشخصيتهم التي تتكون على يديك، وتطالبهم بالقواعد ولكن بتراحم وود وتواصل!