الكوميديا السوداء التي عمّت حياة المصريين، امتدت في الأفق مخترقةً البهو الفرعوني، فمن الجلسة الأولى للبرلمان حتى اليوم والمواطنون يشاهدون عرضًا مستمرًا لفضائح «بالجملة»؛ بدايةً من «الحلفان» بالطلاق بدلًا من قسم المجلس، مرورًا بـ «بيض وفول» مكان المستندات والوثائق، إلى قضايا جنسية، وفساد مالي وتربُّح، وتَعَدٍّ صارخ على القانون.

لم يقتصر الأمر عند ذلك، بل وصل إلى صعود «الجزمة» في الهواء لتتهاوى على أحد النواب المسقط عضويته. كل ذلك دفع «إضاءات» لرصد تاريخ السقطات في المجلس الموقر.


أول القصيدة: طلاق

شهدت الجلسة الإجرائية الأولى لمجلس النواب، 10 يناير/كانون الثاني 2016، المُخصصة لحلف اليمين الدستوري، عددًا من الوقائع المثيرة على مدار 17 ساعة بدأت من التاسعة صباحًا إلى ما بعد منتصف الليل، وصفها الإعلامي إبراهيم عيسى بـ «سوق الأربع»، إثر خروج المجلس بحالة من الهرج والمرج.

وتسببت الميكروفونات المفتوحة أثناء الجلسة البرلمانية في فضائح شكّلت صدمة للمتابعين، منها نائب يسأل زميله «ماجبتش معاك كراميل ولا حاجة نتسلى؟»، وآخر «العملية ناشفة هنا وسيادة الأمين بيقولك مفيش فلوس»، فيما نُسب إلى نائب يحمل رتبة لواء سابق في الشرطة سبّ لائحة المجلس بلفظ خارج قائلاً «كل واحد حافظ له مادتين في اللايحة يجي يطلع… أبونا».

وفي سابقة هي الأولى في تاريخه، أخطأ أربعة أعضاء في أداء اليمين الدستوري، فيما رفض مرتضى منصور أن يؤدي اليمين الدستورية، وحلف بـ«الطلاق» بألا ينطق بالقسم كما هو، رافضًا ديباجة الدستور.


عربية مخجلة

في يناير/كانون الثاني 2016، وفي خطاب وجهه الدكتور علي عبد العال للرئيس عبد الفتاح السيسي، ظهر الضعف اللغوي لرئيس البرلمان، من خلال أخطاء لغوية ونحوية لا تكاد تحصى.

ووصل الأمر إلى تخطي الأخطاء اللغوية إلى 165 خطأً خلال خطابه في احتفالية مرور 150 عامًا على تأسيس البرلمان.


«الحذاء» بطل الجلسات

في جلسة صباحية في فبراير/شباط 2016،ضرب النائب كمال أحمد نظيره توفيق عكاشة، الذي أُسقطت عضويته لاحقًا، بـ «الحذاء»؛ بعد استضافة الأخير للسفير الإسرائيلي في منزله.

وكان الحذاء بطل عدة جلسات برلمانية سابقة، ففي 2005 قام النائب «علي لبن» برفع الحذاء في وجه رئيس المجلس فتحي سرور الذي طالب بتحويله للجنة القيم. وفي 2006، قام النائب الراحل طلعت السادات برفع الحذاء في وجه أمين السياسات بالحزب الوطني المُنحَل المهندس أحمد عز، واتهمه أنه سبب في التلاعب بالبورصة المصرية والاستيلاء على 2 مليار جنيه مصري.


برلمان «سميحة»

في مايو/أيار 2016 تم الكشف عن فضيحة جنسية للنائب محمد عبده، والذي حاول استغلال مواطنة تطلب علاجًا لنجلها المريض، وطلب ممارسة الرذيلة معها، مقابل مساعدتها في إنجاز طلب العلاج على نفقة الدولة.

وفي واقعة أخرى، يونيو/حزيران 2016، قام النائب أسامة شرشر عضو لجنة الثقافة بالبرلمان، بنشر فيديو إباحي للبرلماني خالد يوسف على مجموعة التواصل «الواتس آب» الخاصة بالنواب، فيما وصفت جريدة «المونيتور» الواقعة بالقول: «هذه الفضيحة ستضر بسمعة البرلمان ولن تُنسى قريبًا».

صورة من محادثة جروب «الواتس آب» لمجلس النواب
صورة من محادثة جروب «الواتس آب» لمجلس النواب

تاريخ المجلس الموقر يحمل عدة فضائح من هذا النوع، كان أشهرها ما عُرف إعلاميًا باسم «نواب سميحة»، في 2005، والتي فصل على إثرها الحزب الوطني ثلاثة من نوابه، بعدما أقاموا علاقة غير شرعية مع إحدى فتيات الليل، تدعى «سميحة»، مقابل مبلغ 200 جنيه لكل منهم، وتصاعدت الأزمة بعدما رفض أحد النواب دفع المبلغ المتفق عليه لفتاة الليل، فيما أصرت الفتاة على فضحهم.


تصريحات «عجينة»

أثارت تصريحات النائب إلهامي عجينة، داخل قبة البرلمان عاصفة من الغضب، حيث طالب، في أكتوبر/تشرين الأول 2016، بتوقيع كشوف عذرية على الطالبات داخل الجامعات بشكل دوري، فضلًا عن مطالبته بإلزام الفتيات على الختان.

ووصل الأمر إلى تدخل النائب عن محافظة الدقهلية في أمور شديدة الحساسية، حيث قال إن «الرجال في مصر مصابون بالعجز الجنسي»، بجانب تصريحه بضرورة احتشام النائبات داخل البرلمان وارتداء زي لائق، الأمر الذي أغضب عددًا من النائبات وتقدمن بشكوى لرئيس المجلس.


جلسة «تيران وصنافير» العاصفة

في يونيو/حزيران 2017 تداول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لنائبة برلمانية ظهرت غاضبة ومنفعلة وتقوم بـ «الردح» أمام النائب خالد يوسف عضو ائتلاف 25-30 تحت قبة المجلس، أثناء مناقشة اتفاقية تيران وصنافير، والتي شهدت مشاهدات ومناقشات ساخنة.

وفي خطوة غير مسبوقة في تاريخ الجلسات البرلمانية، عقدت اللجنة التشريعية والدستورية للبرلمان ثلاث جلسات من 11 إلى 12 يونيو لمناقشة الاتفاقية، ولم ترسل لجنة الإعلام البرلمانية جدول أعمال اجتماع اللجنة الأسبوعية إلى وسائل الإعلام، وأرسلت فقط جدول الجلسات العامة.

وحاول أعضاء البرلمان من كتلة 25-30 تأخير التصويت على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية في الجلسة العامة للمجلس، وهو ما قوبل بالرفض من رئيس البرلمان، واعتبر البرلمانيون المعارضون أن هذا تحيز غير مقبول من جانبه.

وفي مفارقة مشابهة، فإن مسألة ترسيم الحدود مع دول الجوار عالميًا تحوز على اهتمام بالغ من قبل ممثلي الشعب ولا تمر مرور الكرام خلال عدد من الجلسات تقل عن أصابع اليد الواحدة، الأمر الذي ظهر واضحًا حينما اضطر برلمان إقليم كوسوفو – التي أعلنت استقلالها عن صربيا عام 2008 – رفع جلسته في أغسطس/آب 2016، بعدما رشق مجهولون المبنى بالحجارة، كما قام النائب عن حركة «حق تقرير المصير» دريتون تشاوشي، بإلقاء عبوة غاز مسيل للدموع أثناء الاجتماع.

وجاءت الاضطرابات في الوقت الذي كان النواب يبحثون فيه مسألة المصادقة على اتفاقية ترسيم الحدود مع الجبل الأسود، وما زالت المعارضة في كوسوفو ترفض هذه الاتفاقية التي تم التوقيع عليها في 2015، باعتبار أنها تؤدي إلى تخلي كوسوفو عن قرابة 8 آلاف متر مربع من أراضيها.

إلقاء قنبلة غاز أثناء مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود في برلمان كوسوفو

اقرأ أيضًا:الرايات المنكسة: جلسة البرلمان الثانية لمناقشة تيران وصنافير


أزمة المعلمين

في سبتمبر/أيلول الماضي،هاجمت النائبة نعمت قمر، المعلمين، وقالت إنه يجب تطبيق كشف تحليل المخدرات لتحديد مستوى التركيز والثبات لديهم، وهو ما أغضب المعلمين ودعا مجلس النقابة إلى عقد اجتماع طارئ، لمناقشة ما أثارته خلال تصريحاتها لوسائل الإعلام.

ولم تتوقف النائبة عند هذا الحد من استعداء المعلمين، حيث قالت إنهم فئة تستحق «الذبح»، وسار على خطاها زميلها في المجلس هاني أباظة وكيل لجنة التعليم، والذي قال «المعلمون يستحقون الاعتداء عليهم بالسلاح».


مرتضى منصور: زكي بدر برلمان 2016

صراعات مجلس النواب الحالي تبلغ ذروتها عند الحديث عن النائب مرتضى منصور وتهديده لزملائه في المجلس، حيث توعد المستشار السابق – أحد أكثر النواب إثارة للجدل – بضرب النواب بـ «الشلوت» في حال وصول الدكتور عمرو الشوبكي للبرلمان على حساب نجله أحمد مرتضى منصور، كما يظهر في عدة جلسات سبه وإهانته لزملائه وزميلاته في المجلس.

وكانت اللجنة التشريعية بمجلس النواب، رفضت 6 طلبات من النائب العام، لرفع الحصانة عن النائب مرتضى منصور رئيس نادي الزمالك، ولم تعرض اللجنة الطلبات ولم تُوضح أسباب الرفض.

وهو ما يُذكرنا بحوداث وزير الداخلية الأسبق زكي بدر، الذي كان قد سبق وأن ضرب وسب أعضاء مجلس الشعب بحماية من رئيسه، خاصة خلال تلك الجلسة التي وقعت في 20 فبراير/شباط 1987، وهو اليوم الذي «صُفِعَ وزير الداخلية على وجهه تحت قبة البرلمان».

حينما تقدم 4 من نواب المعارضة في ذلك الوقت هم: (الشيخ صلاح أبو إسماعيل، والصحفي مجدي أحمد حسين، ومختار نوح، والنائب الوفدي على سلامة)، بـ 4 استجوابات لوزير الداخلية زكي بدر حول التجاوزات التي ترتكبها الأجهزة الأمنية، تحت ستار استخدام قانون الطوارئ.

كان زكي بدر يعتلي منصة الحديث للرد على استجوابات النواب، إلا أن وزير الداخلية صعد على المنصة وبدأ في قراءة تفريغ لتسجيلات تمس أعضاء مجلس الشعب من حزب الوفد ورئيس الحزب فؤاد سراج الدين، كما طعن علنًا في شرف زوجة أحد الأعضاء، وانتهت الجلسة بتجديد الثقة في وزير الداخلية وتصفيق حاد من أعضاء الحزب الوطني.


في «برلمان عبد العال»: لا تناقش أو تجادل

إلقاء قنبلة غاز أثناء مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود في برلمان كوسوفو
إلقاء قنبلة غاز أثناء مناقشة اتفاقية ترسيم الحدود في برلمان كوسوفو

في برلمان 2016، أُسكتت الأصوات المنتقدة للحكومة، وحُذِّر المُشرعون من تقديم شكوى في وسائل الإعلام حول سياسات الدولة، ومُنع بعض النواب من حضور الجلسات وأُحيل آخرون إلى لجنة الأخلاقيات، مع التلويح الدائم لتحويل منتقدي سياسات البنك المركزي للجنة القيم.

وترأس علي عبد العال القرارات الرامية إلى قطع البث التلفزيوني المباشر للجلسات البرلمانية في 11 يناير/كانون الثاني، وصدر لاحقًا قرار آخر بمنع 20 صحافيًا من تغطية جلسات البرلمان، وأيد تصويت النواب بإحالة الصحفي البارز إبراهيم عيسى إلى المدعي العام لانتقاده أداء البرلمان.

وفي مخالفة واضحة لأحكام القضاء، أدرج المجلس،في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أحمد مرتضى منصور عضواً بلجنة الشباب والرياضة بالبرلمان رغم حكم استبعاده من البرلمان لصالح الدكتور عمرو الشوبكي.

وفي ذات السياق، أشرف رئيس البرلمان على طرد اثنين من أعضاء البرلمان البارزين في 11 شهرًا وهما «عكاشة» و«السادات»، كما أدت سياساته إلى مجموعة من الاستقالات بدأت بالنائب كمال أحمد، ثم البرلماني سرى صيام، ولحق النائب عمرو الأشقر بالركب.