ما نعيشه في مناطق عام 48، صعب لدرجة لا توصف، منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر الماضي

بهذه الكلمات بدأ أمير بويرات شاب فلسطيني من المثلث الشمالي وتحديدًا وادي عارة، في سرد الواقع الحالي الذي يعاني منه أهالي الـ48.

قال بويرات في حديثه مع إضاءات، إنهم يتعرضون لحملة اعتقالات واسعة لأسباب واهية، منها بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، نشر آيات من القرآن الكريم أو من الإنجيل التي تتحدث عن السلام وعن وقف الحرب، أو اعتقالات لشباب وفتيات وضعوا «لايك» على منشور أو على صورة وأيضًا كانت هناك اعتقالات لشباب لأنهم يتابعون صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن بين هذه الصفحات صفحة «عين على فلسطين».

ويؤكد بويرات لـ«إضاءات»، أن سياسة تكميم الأفواه والملاحقة لا توصف في مناطق الـ 48. فمنذ بداية الحرب اعتُقل أكثر من 200 فلسطيني من مناطق الـ 48، مؤكدًا أنهم كأهالي هم بالواجهة خلال فترات الصراع فعادة ما تكون الاعتداءات العنصرية والمضايقات ضدهم.

ويحكي:

مئات العمال والعاملات فصلوا من عملهم بسبب منشورات وهناك من فصل من عمله فقط لأنه عربي فلسطيني، إضافة إلى ذلك المضايقات والملاحقات السياسية للنشطاء الفلسطينيين في الداخل، هناك العشرات منهم الآن قيد الاعتقال بسبب أنهم نشطاء سياسيون.

وحول ما يحدث في غزة وموقفهم الحالي منه، قال بويرات نظمت مجموعة من المظاهرات في مناطق الـ48 في مدينة الطيبة، وحيفا وأم الفحم وبلدات أخرى، ولكن كل المظاهرات والوقفات التي تدعي لوقف الحرب وقتل الأبرياء تم قمعها واعتقال المشاركين بها، وآخر هذه المظاهرات كانت مسيرة في مدينة أم الفحم يوم 19 أكتوبر الماضي، واعتقل خلالها 12 شخصًا من بينهم صحفي ونشطاء سياسيون لا يزال عدد منهم قيد الاعتقال حتى يومنا هذا، ومن بين هؤلاء تم تقديم لوائح اتهام بحقهم بسبب المشاركة في المظاهرة.

ولفت الناشط الفلسطيني النظر إلى أن عشرات الطلاب في الجامعات فصلوا منها إضافة إلى مئات العمال بسبب رفضهم للحرب، وهذا جزء من سياسة تكميم الأفواه.

وحول إمكانية وقوع أعمال الشغب واشتباكات مع اليهود مثلما جرى على هامش العملية العسكرية السابقة، أكد بويرات أنه يتوقع ألا يحدث سيناريو مثلما جرى في هبة الكرامة عام 2021 التي قمعتها سُلطات الاحتلال بقسوة شديدة ولّدت خوفًا كبيرًا عند الناس، المئات من المعتقلين تم الحكم عليهم بأحكام عالية بين الـ5 إلى 15 عامًا، وهذا أدى إلى تشكيل خوف لدى الفلسطينيين في الداخل.

ويؤكد بويرات على أن مساعدة أهل غزة بأي وسيلة صعب جدًا لأن كل من حاول وسيحاول سيسجن وبالتالي صعب جدًا أن يساعد.

جعفر فرح: نعيش أوضاعًا استثنائية

من حيفا يقول جعفر فرح جعفر فرح، مدير مركز مساواة الحقوقي، إن عرب النقب تعرضوا للقصف الصاروخي في اليوم الأول للحرب، واستشهد 20 مواطنًا فلسطينيًا في النقب بسبب غياب الملاجئ، بجانب وجود 6 مخطوفين وعشرات المصابين.

ويضيف فرح لـ«إضاءات»، نواجه حالة خاصة حيث نعمل على حماية حياتنا خلال فترة حرب شرسة ولكننا نعمل بنفس الوقت على حماية مجتمعنا من حملة تحريض عنصرية تستهدف علاقتنا مع باقي أجزاء الشعب الفلسطيني، نتعرض لملاحقات واعتداءات عنصرية.

ويوضح: هناك ملاحقات ضد الطلاب الجامعيين أكثر من 100 طالب و300 عامل، تحريض على المحامين والقيادات السياسية والطواقم الطبية، تشمل الملاحقات فصل طلاب ومحاضرين من قبل الجامعات والكليات، ملاحقة وتشهير بوسائل الإعلام، ملاحقة أطباء وممرضات من قبل مستشفيات وصناديق المرضى، اعتقالات شملت أكثر من 150 شابًا وصبية وتقديم لوائح اتهام بحق 48 شخصًا بتهم دعم الإرهاب بأعقاب نشر مضامين ضد الحرب، نواجه حملة تحريض عنصرية منظمة من قبل جمعيات وأحزاب اليمين العنصري.

ويؤكد فرح أن المجتمع الفلسطيني في الداخل يعارض الحرب على غزة وقد تم قمع كل المظاهرات والاجتماعات الشعبية التي تم تنظيمها حتى الآن في مدن حيفا وأم الفحم والطيبة، ثم يضيف «نُمنع من التعبير عن موقف معارض للعملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة، فيما يحرّض علينا الإعلام الإسرائيلي في البرامج التلفزيونية والمقالات، ويتم يوميًا اعتقال من ينشر مواقف ضد الحرب».

ويوضح فرح أن المجتمع اليهودي لا يستوعب حجم الفشل الأمني والعسكري الإسرائيلي ويبحث عن متهمين ليفرغ غضبه عليه، مشددًا على أن هناك توتر بغالبية أماكن اللقاء بين المجتمع الفلسطيني والمجتمع اليهودي خصوصًا في المدن المختلطة وأماكن العمل والجامعات.

وبرّر الناشط الفلسطيني ضعف المعونات المقدمة إلى غزة من جانبهم بأن جميع الجهات إلى غزة باتت مغلقة أمام جميع الحملات التي أقيمت لإرسال معونات إغاثية.

العقوبات تطال الجميع

ومن الناصرة في الجليل، قالت (ل. ز) «فضلت عدم الكشف عن هويتها»، إن هناك اضطهادًا كبيرًا وعقوبات فردية وجماعية تطال المجتمع العربي في الداخل منذ السابع من أكتوبر الماضي، كما أن الكنيست يستعد لإجراء تشريعات تعاقب أي شخص لا يلتزم بالرواية الإسرائيلية في الحرب أو يخل بما يسمونه النظام العام وأمن الدولة.

وتؤكد المواطنة الفلسطينية لـ«إضاءات»، أن هذه الممارسات تعاني منها كل شرائح شعبنا، إن كان عضو كنيست عربي أو طبيبًا في مستشفى أو عاملًا بسيطًا، والأكثر من انتهاك حرية التعبير وممارسة العقوبات التي من ضمنها الاعتقالات الكثيرة، والعقوبات الاقتصادية من شركات ومؤسسات رسمية، هو ممارسة العنف الفعلي أي الضرب والتنكيل من جهات عديدة منها المستوطنون في الضفة ومواطنون عاديون في الحيز العام، من بينها فيديو تم تصويره لسيدة إسرائيلية تنهال بالضرب على عربية في الشارع فقط بمجرد سماعها تقول كلمة فلسطين في محادثة لها.

وتضيف أن المسؤول العربي لو كرّر مقولة قالها قبله الرئيس الأمريكي أو أية وسيلة إعلامية أخرى يجد نفسه يخضع للمحاكمة، وهو ما جعلها تدعو لدراسة كيفية التعامل معه في المستقبل، مقترحة تقوية المؤسسات الحقوقية والعمل على إقامة منظومة فعلية وإعلامية رادعة لأن الموجود غير كاف.

عبدالقادر عبدالحليم: نعيش حُكمًا عسكريًا

يقول عبدالقادر عبدالحليم صحفي من منطقة الناصرة بالداخل الفلسطيني المحتل: ربما جيلنا لم يعش فترة الحكم العسكري، ولكننا سمعنا عنها من آبائنا وأجدادنا، أنا في الثامنة والعشرين من عمري، لذلك لم أعِش تلك الفترة، ولكن اختبرت بفترة الانتفاضة الثانية والهبات في مايو 2021 وفترات أخرى تضمنت الملاحقة وغيرها، متابعًا الوضع الحالي بإجماع عام يشبه حقًا حالة حكم عسكري غير معلن.

ويضيف: «لم يتم الإعلان عن أية فعاليات احتجاجية تنادي بوقف الحرب وتطالب بالتوصل إلى وقف إطلاق النار حتى هذه المظاهرات لم يتم منحها أي تصريحات، وقد تمت في بلدة عربية واحدة فقط وهي أم الفحم، وتقع في منطقة المثلث، وحاول المتظاهرون المشاركة في الشوارع الداخلية والأزقة الداخلية للمدينة، ربما كان هناك حوالي مائتين إلى ثلاثمائة متظاهر، ومع ذلك، قامت الشرطة الإسرائيلية بتفريق المظاهرة بقوة وعنف، على الرغم من وجود أطفال ونساء».

ويضيف عبدالحليم لـ«إضاءات»، أنه كان هناك محاولة أخرى للتظاهر في حيفا، ولكنها لم تنجح، ولم يتمكن الناس من التجمع حيث يتم تفريقهم هذه هي الحالات الموجودة. بالطبع الوضع متوتر جدًا، الوزراء في حكومة الاحتلال وقائد الشرطة الإسرائيلية حرّضوا بشكل واضح على الجمهور العربي، ومن الممكن أن ينزلق الوضع لمستويات أكثر تعقيدًا من ذلك.

جبارين: الإسرائيليون يعاملوننا بعداءٍ شديد

من حيفا، يقول إيهاب جبارين، إن إسرائيل اتبعت إجراءات احترازية ضدنا بعدما قامت بالقبض التعسفي وفصل العاملين، جميع هذه الأمور تناسب فترة الحكم العسكري، بل يمكننا القول إنها خرجت عن السيطرة، يقوم المستوطنون اليهود بتنفيذ عمليات بشكل عنيف، ويعني هنا أنهم ميليشيات وعصابات، يقوم المدنيون بالتصدي لكل من يتعاطف مع غزة والقصف.

ويوضح جبارين أن سكان القدس يعيشون هذه الأوضاع يوميًا طوال العام وحتى المدنيين الذين يهاجمون العرب لا يُحاكمون، مضيفًا «إذا خرج جيش الاحتلال مهزومًا يا ويل، وإذا خرج منتصرًا يا ويلتين»، مبررًا ذلك بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تهيمن عليها خطابات التحريض ضد الفلسطينيين، وباتت قصة الولاء الكامل لإسرائيل تطلب في العلن وباتت المعادلة أنت معنا أم ضدنا.

وأشار جبارين إلى أن إسرائيل لا تريد جبهة في الداخل لأنها فعليًا لا تستطيع التعامل حاليًا مع توترات أمنية داخلية، مؤكدًا أن المجتمع اليهودي حاليًا يعاملنا بعداء شديد جدًا هذه الفترة، وهناك بعض المبادرات التي تسعى إلى التوصل إلى نوع من التوافق والتعايش المشترك.

رواق: كل شيء ممنوع

فيما يقول أنس موسي رواق، صحفي من الداخل المحتل إنه تم اعتقاله والاعتداء عليه من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي، خلال مظاهرة انضم إليها في مدينة أم الفحم، التي تقع في المثلث الداخلي الفلسطيني.

ويتبع إنه في ظل التشديدات الإسرائيلية نظّمت مجموعة من الشباب هذه المسيرة التي ذهب لتغطيتها لإعداد تقرير مصور عنها، حين هجمت عليهم قوات عسكرية إسرائيلية اعتدت على المتظاهرين، وتم رمي قنابل الصوت واعتقال عدد منهم، بما في ذلك أنا.

ويضيف رواق لـ«إضاءات»: «عندما اعتقلوني، لم أكن أحاول الهرب، كنت أقف بجانب زميلي، وفجأة هاجموني وأسقطوني أرضًا، وقاموا باعتقالي، وأبلغتهم أنا صحفي، لكن عبثًا لم يرغبوا في الاستماع لي». أخذونا إلى مركز شرطة عيران هناك، اجتمعنا مع المعتقلين الآخرين».

بعد 9 ساعات من الاحتجاز تم الإفراج عنه في حين تم تحويل المعتقلين الآخرين إلى المحكمة، وتم الإفراج عن جميعهم في اليوم التالي، باستثناء شخصين لا يزالان محتجزين حتى الآن.

ويضيف الصحفي الفلسطيني لـ«إضاءات»، أن تجربة الاعتقال كانت سيئة جدًا بعدما تعرض للضرب والإهانة وتعمدوا رفع علم إسرائيل في الخلفية وتداول الصور على مواقع التواصل الاجتماعي وكأنهم يبحثون عن إنجاز، وكأنهم «اعتقلوا السنوار»، على حدِّ تعبيره.

وتابع إن تهديدات واضحة من قِبَل رجال الشرطة فور اندلاع الحرب أن مَن يتعاطف مع الحرب سيُوضع في أتوبيس ويُرسل إلى غزة، كما تم توقيف المئات واحتجازهم، بما في ذلك الموظفون والعمال في المؤسسات الحكومية الرسمية، على سبيل المثال، تم فصل أولئك الذين كتبوا عن الحرب أو عبروا عن التعاطف أو نشروا تعابير سابقة عن تأييدهم للقضية الفلسطينية أو انتمائهم.

تسعى الشرطة بكل قوتها لمنع تكرار هبة الكرامة التي جرت في 2021 حين حدثت مواجهات في أراضي الـ48، وهو ما دفع الشرطة لاتخاذ إجراءات صارمة عبر اعتقال العديد من النشطاء ومنع التظاهرات نهائيًا.

وعندما حاولت بعض الجهات السياسية تنظيم تظاهرات تدعو لوقف الحرب رفضت المحكمة الطلبات المقدمة من حزب الجبهة ومركز المساواة.

ويتبع رواق: الناس أصبح عندها قلق وخوف هم حتى غير قادرين على كتابة «لا حول ولا قوة إلا بالله»، وهناك بعض الناس تمت محاسبتهم على آيَّة قرآنية أو أدعية يقومون بنشرها خلال هذه الأيام؛ حيث يُفسر ذلك بأنه معارضة لإسرائيل أو دعم لحماس وما إلى ذلك، وكمثال، لدينا فنانة شهيرة تُدعى دلال أبو أمنة، قد نشرت آية قرآنية في الأيام الأولى من الحرب، وضعت عبارة «لا غالب إلا الله»، وتم اعتقالها لمدة يومين بسبب هذه العبارة، وهناك أشخاص آخرون يشاركونها نفس الموقف.

ويضيف، أن هناك فتاة جامعية كانت كتبت منشورًا تقول فيه «وانتصرت الشكشوكة»، والشكشوكة هو طبق طعام يعني أنها استمتعت بتناول وجبة شكشوكة ونجحت في إعدادها، وصادف المنشور أول يوم بالحرب، وفوجئت تلك الفتاة باعتقالها وخضعت للتحقيقات، تخيل كيف يمكن تفسير كل شيء بصلة بالحرب، لذلك، حدث قلق وخوف كبير بشأن التعبير عن الرأي، بخاصة في ظل المحاكم التي تسعى لفرض عقوبات عالية جدًا نتيجة لأحداث عام 2021.