لاعب كرة قدم فرنسي يلعب كمهاجم لفريق أرسنال الانجليزي ومنتخب فرنسا. عُرفت عنه مهارته التقنية، ورأسياته، وتسديداته القوية، والثنائيات من لمسة واحدة، بالإضافة لمعدل تهديفي يُعتمد عليه. واقترن اسمه بالتحركات الذكية السريعة في العمق التي كثيرًا ما تربك مدافعي الخصم.

هكذا تُعرِّف موسوعة ويكيبيديا أوليفييه.

وحتى يقرر مسئولو الت«ويكيبيديا» البدء في مشاهدة مباريات كرة القدم عمومًا، ومباريات أرسنال وفرنسا تحديدًا، ولاعتبارات بديهية عامة، وجب التصدِّي السريع لمحاولات محلِّلي اللعبة ومتابعيها الجادة لتفسير ظاهرة كتلك، خاصة بعد أن فوجىء به الجميع مهاجمًا أساسيًا في اليورو رغمًا عن أنف بنزيما وجرييزمان. تلك المحاولات التحليلية التي أضافت للفرنسي ولم تأخذ منه للأسف، لتقف أسطورته متحدية وسط الانتقادات تخرج لسانها للجميع.


ميلاد تاريخي

2

المشكلة الأولى التي تواجه كل من يحاول الدخول في عالم أوليفييه هي الجديّة، جديّة لا يتحلى بها هو شخصيًا عندما يتحدث عن نفسه أو كرة القدم بصفة عامة؛ عالم جيرو عالم هزلي تمامًا، خزعبلي لا يخضع لأي منطق، والتحلي بالجديّة أثناء اقتحامه أشبه بارتداء ربطة عنق للسيرك.

فحتى حلَّ أوليفييه كالإعصار على انجلترا كان مسيرته – للغرابة – أشبه ما تكون بتلك الخاصة بـ«جيمي فاردي» نجم الموسم الكروي العالمي المنصرم؛ سنين طويلة في الدرجة الثانية ما بين ناديي «جرينوبل» و«تور»، عقبها انتقاله لـ «مونبلييه» ليكتفي بـ 12 هدفًا لفريقه في الموسم الأول، قبل أن يقوده لنهائي الكأس وأول بطولة دوري في تاريخه بـ25 هدفًا في 42 مباراة من الموسم التالي.


أحسن من بندتنر والشماخ

ولحسن حظ الفرنسي أنه أتى بعد فترة تاريخية في عمر النادي اللندني، احتل فيها «نيكلاس بندتنر» و«مروان الشماخ» موقع المهاجم الأساسي للمدفعجية، ما أقنع جمهور الجانرز أن اللعب بعشرة لاعبين قد لا يكون أسوأ شيء في العالم، فالأول حظي بمسيرة حافلة انتزع خلالها 77 هدفًا كاملًا ليحتل المركز الأول بين مدافعي القارة العجوز متقدمًا على كل من «جون تيري» و«سيرجيو راموس» بـ72 و71 هدفًا على الترتيب، بينما حافظ الثاني على معدل أقل بقليل من نصف معدل تهديف «أوليفييه» عبر مسيرته كاملة ليقترن اسمه بـ100 هدف في 437 مباراة، كان هذا بقيادة مدرب حظي بشرف العمل مع «تييري هنري»، «دينيس بيركامب» و«نوانكو كانو»، لكن ذلك لم يمنعه من التصريح في يناير الماضي أنه لن يتعاقد مع مهاجم لأنه لن يجد أفضل من «داني ويلبيك» في السوق.


الأوبتا مابتكدبش

82 هدف في 187 مباراة؛ يقولون أن الأرقام لا تكذب وحساب الدقائق يؤكد أن أوليفييه يسجل كل 159 دقيقة للمدفعجية أي بمعدل هدف كل مباراتين أو يزيد، ما لا يعد معدلًا كارثيًا بأي حال من الأحوال.

الحقيقة أن الأرقام لا تكذب فعلًا ولكنها عمياء لا ترى كذلك. الأرقام ضرورية لكن غير كافية، مفيدة فقط إن أضيف لها ما لا تملكه .. العقل .. بدونه ستظل مجرد أداة مثلها مثل الفيديو؛ قليل من الاجتزاء وسوء النية سيصنعا من جيرو شهيدًا والكثير منهما قد يجعله من أفضل مهاجمي العالم، وبجوار جيرو يقبع اثنان ممن يدينوا بفضل ظهورهم وتألقهم للأرقام كذلك، فلولا تطور الإحصائيات للشكل الحالي لما علم أحد عن لاعب وسط «كان» الذي قطع أكبر عدد من الكرات في أوروبا، ولشابت شعور الفرنسيين في انتظار هدف الحسم أمام ألبانيا ورومانيا لأن أحدًا لم يحصي عدد الفرص القياسي التي صنعها باييه مع مارسيليا. جيرد مولر سجل أكثر من ضعف ما سجله مارادونا، لامبارد صنع عبر مسيرته ضعف ما صنعه زيدان وسجل ضعف ما سجله كذلك، داني ألفيش صنع ضعف ما صنعه ديل بييرو من أهداف، وروبن كاسترو مهاجم بيتيس ذي الـ34 ربيعًا سجل 19 هدفًا في الموسم الماضي بالتساوي مع أغلى لاعبي العالم جاريث بيل، بل وجلبت أهدافه أكبر عدد من النقاط في الليجا متفوقًا على ميسي وسواريز .. الأرقام وحدها قد تقودك للجنون.

ما إن يتلقى أوليفييه الكرة حتى تشعر وكأنك تشاهد إعادة بطيئة للقطة سابقة، انطباع عام بالخَرَق يؤكده سوء تصرف الفرنسي في كل لقطة تقريبًا، رعونة دائمة حتى وهو في أفضل حالاته؛ لعبة قاسية يمارسها جيرو مع الكرة وجماهيرها دون وعي منه، فكلما فاض الكيل أتى الإنقاذ الرقمي في صورة هدف بالصدفة في بايرن ميونيخ أو تسديدة رديئة تجد طريقها لشباك هارت لأنه لم يغلق ساقيه، جيرو لن يقنعك حتى وهو يسجل لأنه أدرك أن كرته عانقت شباك رومانيا بعد ربع ساعة من ارتطامها برأسه. وحتى تطور الإحصائيات لتوضح الجانب السلبي من اللعبة فهي لن تنصفه أبدًا لأنها تظهر ما يفعله فقط دون إشارة لما لا يفعله.

الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالوحيد الذي لا يدرك مدى سوء جيرو هو جيرو نفسه، في الواقع جيرو لا يُصدق كم هو رائع ولا يبدو أن أي كمية من السخط والصافرات قادرة على تغيير ذلك حتى وإن لاحقت الكوابيس أوزيل كل ليلة؛ تنتشر الأخبار عن قرب أرسنال من فاردي فيؤكد جيرو للمراسل أن خطة اللعب ستتحول لـ4-4-2 لتفسح مكانًا لمهاجم إضافي، يتحدث هنري عن ضرورة التعاقد مع مهاجم عالمي فلا يجد أوليفييه تفسيرًا سوى غيرة الغزال لأنه سبقه في تسجيل 50 هدف مع المدفعجية، مرة أخرى يلجأ الفرنسي للعبة الأرقام لنجد أنفسنا أمام مهاجم يمتلك ثقة إبراهيموفيتش وإمكانيات سمير عبد المحسن ويلعب في أرسنال ويتقاضي ضعف ما يتقاضاه نيمار مع برشلونة..من قال أن الجريمة الكاملة مستحيلة لم يتعرف على جيرو بعد.

فقط رجل واحد نجا من فخ الفرنسي، رجل واحد استمع للتصريحات السابقة وعلى وجهه ضحكة خبيثة هو البوسني محمد بازداريفيتش مدربه السابق في جرينوبل الذي تخلص منه بعد فترة إعارة بدت ناجحة في إيستر، مبررًا قراره بأنه «لا يمتلك الحد الأدني من الإمكانيات اللازمة للعب في المستوى الأول»، بازداريفيتش لا يمتلك نظرة ثاقبة، لم يخرج نجومًا عالمية للساحة، لم يفز بأية بطولات ولم يدرب أي فريق تعرفه، وهو أمر طبيعي لأن أي طفل في الخامسة من عمره يمكنه قول نفس الشيء دون تفكير.


أكثر من مجرد جيرو

3

برغم أن أوليفييه لا يملك الكثير من المناصرين ولن يجد من يدافع عنه أو يكتب مقالًا في ميزاته، إلا أنه أكثر من مجرد ظاهرة غريبة من ظواهر اللعبة، الرجل يتحول مع الوقت لأيقونة حقيقية للنظرة الجماهيرية السطحية ثنائية الأبعاد التي تستخدم الأرقام والإحصائيات كدرع تحتمي فيه من المنطق والموضوعية، لتخبرنا أننا لا نشاهد ما نشاهده حقًا، وأننا لا ندرك ما ندركه حقًا، والأمر يمتد لإفساد الأجيال القادمة كذلك، فدائمًا يطل الاجتزاء برأسه ليخبرنا بحماس أن ميسي الجديد قد ظهر في فيديو على اليوتيوب، وسيصنع ثنائيًا رهيبًا مع بيرلو الجديد الذي مرر 4750 تمريرة سليمة بعد أن شارك بديلًا لعشر دقائق، قبل أن يوقفهما مالديني الجديد أفضل قلب دفاع تحت 20 عامًا في إياب دور الثمانية من بطولة دانون الودية للشباب، المحظوظون من هؤلاء سيتخذون مقاعدهم على دكك احتياط أوروبا مستقبلًا بينما ستعجّ المقاهي بالباقين، جنبًا إلى جنب مع دييجو كوشتا الجديد الذي التهم ثلاثة من زملائه وهو لم يبلغ السابعة عشر بعد.

النتيجة أن جيرو أصبح مقياسًا في حد ذاته ومعبرًا عن حالة فجّة من تناقض الواقع مع الإحصائيات، يُقاس عليه ولا يُقاس به، فإذا راوغ 22 لاعبًا ثم أحرز هدفًا بكعبه من الوضع راقدًا فسيتأكد الجميع أن اللاعبين والمدربين والجمهور والمخرج متآمرون قبل أن يصدقوا أن جيرو فعلها حقًا، لذا لم يعد جمهور الجانرز يملك سوى قانون الاحتمالات لتفسير حصيلته الرقمية، فمهما بلغ سوء مستواه فهو يشغل حيزًا من الفراغ في منطقة الجزاء بطبيعة الحال لذا من البديهي أن يسجل حتى لو عن طريق الصدفة، ولو اشترك فينجر نفسه بدلًا من جيرو فسيسجل عاجلًا أو آجلًا لأن المنطق الحسابي البسيط يمنع أن تفشل 100% من محاولاته.

4

لو كان بالعالم ذرة من العدل لنال جيرو مزيدًا من الاهتمام والأضواء، ولأصبح اسم «جيرو» وصفًا لانعدام الكفاءة في كرة القدم. ولفسّر حينها مدرب ألبانيا إضاعة الفرص بكون مهاجمهم «جيرو» للغاية. ولسال الكثير من الحبر في تحليل الحد المسموح به من الـ «جيرو» في أي لاعب، ولنال آرون رامزي جائزة الـ «جيرو» الذهبي ولفرض الألمان غرامات على الفرق التي تمتلك أكثر من ثلاثة «جيرو» بين صفوفها.

رغم كل ذلك وحتى وقت قريب كان أوليفييه يستحق التعاطف لما يُكال له من سُباب، فالرجل في واقع الأمر ليس أكثر من قطعة بازل يصر الجميع على اقحامها في غير مكانها، ولكن الأمر تطلب أكثر من مدرب أحمق واحد لنصل للنتيجة الحالية؛ فبينما لن يجد آرسين فينجر سوى نفسه ليلومها بعد تصريح أوليفييه الأخير عن غيرة هنري منه، لن نجد كذلك سوى ديشان لنلومه على صنع أسطورة من المهاجم الفرنسي البائس؛ أسطورة يُستدل بها ولا يُدلّل عليها، تصف حالة فريدة نادرة التكرار كمرض لو جاريج وأضواء سينت لو وظاهرة رونالدو دي ليما.

مقالات الرأي والتدوينات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر هيئة التحرير.