إن نحو ستة ملايين امرأة وفتاة مغربية تعرضن للعنف، بما يمثل 62% من مجموع نساء البلاد. كما أن أكثر من نصف المُعنَفات المغربيات متزوجات، ويصل عددهن إلى 3.7 مليون امرأة.
«ليلى رحيوي»، ممثلة هيئة الأمم المتحدة للمرأة بالمغرب.

لم تتقبل زوجها الذي كان يكبرها في العمر، ولم تتحمل أعباء العيش كسيدة منزل وهي ابنة الخامسة عشرة. هربت «سعاد» من منزل الزوجية. كان قرارها من رأسها. لم تكن عائلتها لتعلم عنه شيئًا. توجهت من مدينة «الناظور» إلى «طنجة» بالمغرب ومكثت فيها فترة تزيد على ستة أشهر. لم تعد إلى بلدتها حتى ضمن لها أهلها القيام بإجراءات الطلاق. خرجت «سعاد» منتصرة لحسن حظها، إذ بمساعدة أهلها تمكنت من استكمال دراستها بأحد المعاهد الخاصة.

لكن ليس هذا حظ الكثيرات في المغرب. فهناك سيدات كُثر يعانين من العنف والإيذاء بكل أشكاله الجسدي والنفسي من قبل الزوج والأهل والمارة في الطرقات. قد تظل المرأة المُعنَفة طيلة حياتها حبيسة مشاعر سلبية وخوف من كل من يمثل لها خطرًا. تتخبط بين أشكاله ومنفذيه. فإن سلمت في بيتها ومع زوجها فهي على الأغلب لن تسلم في الشارع. قد لا تمنح الحياة المرأة المُعنَفة فرصة أخرى لفتح صفحة جديدة وعيش حياةٍ سوية.

لعل ظاهرة تعنيف وتهميش المرأة هي بالأساس ظاهرة مجتمعية تضرب بجذورها أغلب البلدان العربية والإسلامية. وفي المغرب بالتحديد تزداد وتيرة العنف ضد المرأة. قصص ومآسٍ عايشتها نساء مغربيات طيلة السنوات الماضية. ولهذا السبب قامت وزارة «التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية» بتفعيل آلية «المرصد الوطني للعنف ضد النساء» وهي المبادرة التي تم إطلاقها منذ 2007 دون أن ترى النور. صدر عن المرصد تقريران سنويان حتى الآن، كان آخرهما التقرير الذي أُعلنت نتائجه في 15 ديسمبر/كانون الأول 2017.


أرقام وإحصائيات

كشفت وزارة «التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية» عن أرقام صادمة أثناء تقديمها لنتائج التقرير السنوي الثاني الصادر عن المرصد الوطني للعنف ضد النساء في يوم الجمعة الموافق 15 ديسمبر/كانون الأول 2017. ووفق التقرير:

1. العنف الزوجي يتصدر القائمة

بحسب التقرير، فالأزواج يحتلون الصدارة من بين مرتكبي العنف بنسبة 58%، الأمر الذي يشير إلى تفشي ظاهرة العنف الزوجي في عام 2015 و2016. وإن كانت قد شهدت انخفاضًا طفيفًا مقارنة بعامي 2013 و2014. وقد أشار التقرير إلى أن عدد الحالات التي رصدتها الخلايا المختصة انخفض من 10455 حالة عام 2015 إلى 8717 حالة عام 2016. بينما شهدت أشكال العنف الأخرى ارتفاعًا طفيفًا من 6046 حالة عام 2015 إلى 6295 عام 2016.

2. عاهات مستديمة وقتل

وفق التقرير السنوي الثاني للمرصد، فإن عدد القضايا المعروضة على المحاكم في المغرب لعام 2016 والمرتبطة بالقتل العمد بلغت 45 قضية مقابل 32 حالة عام 2015، بينما بلغ عدد قضايا القتل بغير عمد المرتبطة بالضرب والجرح 36 قضية مقابل 60 حالة عام 2015، أما حالات العنف المفضية إلى عجز أكثر من 20 يومًا فبلغت عدد الحالات المعروضة على المحاكم 2119 حالة في 2016، مقابل 2582 حالة في 2015.

3. العنف الجسدي يضرب المسنات

إذ وفق تقرير المرصد، هناك 883 سيدة مسنة يتجاوز أعمارهن 61 عامًا تعرضن للعنف الجسدي في عام 2015، ونحو 792 مسنة عام 2016، أي بنسبة 5% من مجموع الحالات المسجلة.

4. الشارع والفضاءات العامة

وفق التقرير، بلغت نسب حالات الاعتداءات الجسدية في الشوارع العامة 55% مقارنة بباقي الفضاءات الأخرى عام 2016. كما أن الشارع يُعد أكثر الأماكن التي تتعرض فيه النساء لاعتداءات جنسية. إذ خلال عامي 2015 و2016 وصلت نسب الحالات التي تعرضت لاعتداءات جنسية في الشارع إلى 68%. وهو مؤشر خطير ومخيف يعكس حالة انعدام الأمان التي تجتاح الشارع المغربي.

5. الاغتصاب يتصدر أنواع العنف الجنسي

تشير النسب وفق تقرير المرصد إلى أن الاغتصاب يُعد أكثر أشكال الاعتداء الجنسي شيوعًا وانتشارًا. إذ بلغت نسبته 67.1% عام 2016 في مقابل 58.1% في 2015 من مجموع قضايا الاعتداءات الجنسية المسجلة. ويتضح أن حالات العنف المُسجلة في مصالح وزارة العدل ارتكبها بشكل أساسي رجال راشدون بنسبة تصل إلى 96% من إجمالي الحالات.

6. النساء من دون عمل أكثر عرضة للعنف

وفق الإحصاءات ذات العلاقة بالاعتداءات الجسدية لعام 2016. فإن من لا يعملن من النساء هن الأكثر عرضة لهذا الشكل من العنف بنسبة تصل إلى 56%، ثم المستخدمات بنسبة 15%، ثم العاملات في القطاع غير المنظم بنسبة 12 %، وأخيراً النساء الموظفات بنسبة 5%.


لماذا يتفاقم العنف ضد المرأة في المغرب؟

خلُصت دراسة حديثة نسبيًا،قدمتها المندوبة السامية للتخطيط حول العنف ضد المرأة في عدد من مناطق المغرب عام 2009، إلى أن «الهشاشة الاجتماعية والبطالة وراء ارتفاع حالات العنف ضد النساء في المغرب. وأن العنف ضد النساء يتفاقم مع المشاكل الاجتماعية والاقتصادية. ولعل ذلك يكمن بصورة أكثر وضوحًا في:

1- ثقاقة المجتمع المغربي:

يشير أستاذ علم الاجتماع، «فؤاد بلمير»، إلى أن الأسباب مرتبطة إلى حد كبير بطبيعة المجتمع المغربي وما يسود فيه من ثقافة. فهو مجتمع «رجولي» بامتياز والتربية في رأيه هي المسئولة عن تكريس هذا الفكر. إذ يغرس الآباء في أبنائهم منذ الصغر الشعور بالتميز على أخواتهم الإناث. ويكبر ذلك الشعور معهم حتى يرسخ في عقيدتهم أن الكلمة الأولى والأخيرة تعود إليهم وأن من حقهم،الذي لا نزاع فيه، أن يُضربن ويُعنفن «الجنس الضعيف»، لمَ لا وهم «الرجال»؟!وعلى الرغم من التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي، فإن «بلمير» يرى أنه ليس بإمكانها تغيير ما يحدث على أرض الواقع؛ لأن العنف بحق المرأة جزء لا يتجزأ من الثقافة المغربية.

2- الطبيعة التناقضية داخل المجتمع المغربي:

يطرح الباحث الاجتماعي المغربي «نور الدين الزاهي» فكرة الطبيعة المركبة للمجتمع في المغرب. فيقول «بالقدر الذي يحضر صوت الرفض والمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة، بالقدر الذي تحضر فيه التجاوزات في حقها، وهذا ما يجعل العلاقة مع النصف الآخر من المجتمع يشوبها التردد، فالاعتراف بالمساواة يصاحبه سمو وتعالي الرجل». وفي هذا السياق يشير «الزاهي» إلى أن هذا التناقض متوغل في القانون والأسرة والوعي الثقافي العام. الأمر الذي يجعله يحبط أي جهود من قبل المجتمع المدني للمساهمة في توعية المجتمع.

3- انتشار ظاهرة البطالة:

بطالة الرجال جعلتهم غير قادرين على الانفاق وتلبية احتياجات أسرهم، ومن ثَمَّ يطلبون المساعدة من زوجاتهم أو أمهاتهم أو أخواتهم بل يجبرونهن على ذلك، وإن أبين فالعنف الجسدي والإيذاء النفسي هو الحل. وغالبًا ما ترضخ النساء في المغرب. حينها لا يجدن أي غضاضة في قبول أي عمل مهما كان مستواه، فنجد مأساة النساء اللواتي يحملن أكياسًا ثقيلة، على ظهورهن يوميًا، من بضائع تجارة التهريب بين المغرب وإسبانيا لتلبية احتياجات الأسرة، وغيرها من الأعمال التي لا تحفظ كرامة المرأة بل تنال منها.

والقصص في هذا السياق عديدة. إذ تحكي «فتحية»، عما تعرضت له من ضرب وتجريح من قبل طليقها، قائلة: «كانت حياتي الزوجية في البداية مستقرة إلى حد ما، إلى أن رُزقت بطفل، لتنقلب رأسًا على عقب. حيث بدأ زوجي السابق بالتذمر بذريعة كثرة المصاريف، وهو الذي كان يعمل كبائع متجول، حيث بدأ يطالبني بالخروج للعمل كخادمة في المنازل، وأحيانًا للتسول في شوارع العاصمة، لكي أؤمّن مصروف البيت». خضعت «فتحية» كغيرها من آلاف النساء اللاوتي ليس بوسعهن الوقوف في وجه أزواجهن، الأمر الذي جعلهن أكثر عرضة للعنف في الفضاءات العامة والشوارع بحثًا عن لقمة العيش.


صرخات تتعالى ومجتمع يندد

باتت جهود المجتمع المدني في مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة محل جدل حول جدواها من عدمه. فبينما تعتبر منظمات المجتمع المدني وبالتحديد المنظمات النسائية أن بفضل جهودها أُطلقت الحملات الوطنية «التي تلعب دورًا مهمًا في توعية المجتمع والشباب والأجيال الناشئة حول ضرورة احترام المرأة وحفظ كرامتها وحمايتها من كل أشكال العنف». فإن البعض الآخر يرى أن تلك الجهود من تنديد وشجب ومظاهرات واحتجاجات لم تحد فعليًا من الظاهرة. مستندين إلى لغة الأرقام التي تثبت عكس ذلك.

فضلاً عن ذلك، فإن ما تفجره وسائل التواصل الاجتماعي من قضايا عنف ضد النساء يوميًا هو مؤشر قوي على استمرار تفاقم الظاهرة وضعف تأثير جهود المجتمع المدني في الحد منها.

ففي مدينة «أكادير» بالمغرب، في صيف 2014، أثارت قضية فتاتي «التنورة» جدلاً واسعًا في الشارع المغربي بين مدافعين عن الفتاتين، ومؤيدين لاعتقالهما وملاحقتهما ممن يتبعون المعسكر المحافظ. إذ تعرضت فتاتات كانتا ترتديان «التنورة» في سوق خاص للتبضع إلى تهكم على لباسهما من قبل شخصين معروفين بأفكارهما المتشددة. وتطور الأمر إلى «عراك بالأيدي مع الفتاتين».

وفي مدينة «الجديدة» اغتصبت «فوزية» التي تعاني الإعاقة الذهنية من قبل ابن شقيقتها، وهو ما نتج عنه حمل وولادة. كانت تلك القضية مسار تعاطف شديد مع الفتاة.اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي موجة غضب عارمة، وتم تشكيل وقفة احتجاجية للتضامن معها في العاصمة «الرباط»، وفي نهاية المطاف تم اعتقال المتهم.

وفي بلدة «سبع عيون» القريبة من مدينة «مكناس». في يوم الأربعاء 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، تعرضت «طامو» السيدة الستينية،التي اعتادت أن تذهب إلى «الموقف» مكان أكل عيشها يوميًا طلبًا للرزق، إلى اعتداء من جانب أحد ضباط الأمن، شمل ذلك محاولة اغتصاب ابنتها من قبل شقيق الضابط،نتج عن ذلك الاعتداء الإصابة بكسور في أربعة من أضلعها، وإصابات بالغة في أماكن متفرقة من جسدها.

وأخيرًا الحدث المؤلم الذي وقع مؤخرًا قرب مدينة «الصويرة» والذي توفيت على إثره 15 امرأة وأصيبت نساء أخريات بجروح، بعد تدافع شديد أثناء توزيع بعض المساعدات الخيرية من المواد الغذائية.


جدل حول القانون الجديد

إن هذه إحدى اللحظات البارزة في مسلسل بناء دولة الحق والقانون، وإنها لحظة فاصلة في تاريخ تعاطينا المؤسساتي مع قضية محاربة العنف ضد النساء.

«بسيمة الحقاوي»، وزيرة «التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية».

ظل قانون «محاربة العنف ضد المرأة» مدرجًا على أجندة المغرب نحو 15 عامًا. وأخيرًا رأى النور. ففي يوم 14 فبراير/شباط 2018، صادق مجلس النواب المغربي بأغلبية الأصوات، في جلسته العادية، على مشروع قانون رقم 13-103. ليصبح هذا القانون هو التشريع الأول من نوعه في المغرب. حيث يحدد عدة أنواع من أعمال العنف التي تُرتكب بحق المرأة، ويجرّم بعضًا منها، مثل الاعتداءات والتحرش والاستغلال وسوء المعاملة الجنسية.

على الرغم من أن القانون وجد ترحيبًا من بعض الحركات النسوية والجمعيات الحقوقية واعتبرته خطوة إلى الأمام في الطريق للمساواة بين الجنسين. إلا بعض التيارات ذات التوجه العلماني نظرت إليه بمثابة انتصار صغير لم ينصف المرأة. إذ لم يُطرح فيه بشكل أعمق مسألة المساواة بين الجنسين ولم تأخذ تلك المسألة حقها في النقاش بين منظمات المجتمع المدني.بينما عبرت «فيدرالية رابطة حقوق النساء» في بيان لها أنه على الرغم من إيجابية القانون، إلا أنه «لم يرق إلى مستوى قانون مستقل، ولم يشمل أركانًا مهمة وأساسية في مجالات التعريف بالعنف باعتباره تمييزًا ضد النساء وانتهاكًا لحقوقهن، وفي كونه يظل قاصرًا في جوانب الحماية والوقاية وجبر الأضرار».

وقد أشار الباحث المغربي في علم الاجتماع «محسن زردان» إلى أن القانون به ثغرات قانونية. إذ يقدم القانون في بابه الأول تعريفًا لمسألة العنف ضد المرأة على أنه «كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة». الأمر الذي يطرح إشكالية صعوبة ضبطه وتنفيذ مقتضاياته في الواقع. ورأى في الآليات التي حددها القانون من أجل استقبال ودعم ومرافقة ضحايا العنف «أمورًا بعيدة التحقق» على حد قوله. ويتوقع زردان ألا يلقى القانون ترحيبًا من قبل التيارات المحافظة التي لا تزال ترفض الموجة الحقوقية النسائية. وترى في ظاهرة العنف ضد المرأة أمرًا هينًا لا يستدعي حله إلى قانون.

وفي رأي الخبير في القانون الإلكتروني «فؤاد بنصغير»، فإن هذا القانون «فوّت على نفسه فرصة تجريم وعقاب مجموعة من الجرائم الرقمية التي أصبحت متفشية في المجتمع المغربي، والتي تمثل عنفًا رقميًا يُمارس على المرأة كل يوم».

وعمومًا فالنتائج والتنفيذ الفعلي على أرض الواقع هي ما ستحدد ما إذا كان القانون نقلة نوعية حقًا في التشريعات المغربية، أم أن مثله كمثل القوانين الأخرى بلا جدوى في الحد من ظاهرة العنف ضد النساء؟

المراجع
  1. ورقة تعريفية بالمرصد الوطني للعنف ضد النساء، وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الاجتماعية