يوم معركة أُحُد بين قريش وبين النبي ومن معه من الأنصار والمهاجرين، والتي انتهت بهزيمة المسلمين، نادَى زعيم قريش أبو سفيان بن حرب في معسكر المسلمين سائلاً عن النبي وأبي بكر وعمر بن الخطاب، فأمر النبي بألا يجيبه أحد، فاعتقد أبو سفيان أنهم قد ماتوا في المعركة، ففرح وقال: «اعلُ هُبَل.. اعل هبل (من آلهة قريش)»، فأمر النبي أصحابه أن يردوا: «الله أعلى وأجل». فأجابهم أبو سفيان: «ألا لنا العُزَّى ولا عزى لكم»، فأمر النبي المسلمين أن يردوا: «الله مولانا ولا مولى لكم».

وثَّقت تلك الرواية المنقولة عن ابن إسحاق وابن حبان وغيرهما من مُؤرِّخي الإسلام واحدة من أشكال «الصراع بالكلمات» بين أهل مكة والمدينة، والتي بلغت أوج نضجها عقب معركتي «بدر» و«أحد»، واستمرت لفترةٍ طويلة حتى بعد وفاة النبي.

نقلت لنا كتب التاريخ الإسلامي أن النبي كان يُحرِّض حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، شاعري يثرب (المدينة المنورة)، اللذين صارا من الأنصار، ليردا على أهل مكة القرشيين بالشعر وينابذانهم به، وبلغ من اهتمام الرسول بهذا الأمر أنه كان يتدخَّل به في بعض الأحيان ويُجري تعديلات على الشعر ليضمن خروجه في أحسن حال وأقوى تعبير.

فحينما ألقى كعب بن مالك بعض الأبيات ردًّا على هبيرة بن أبي وهب، الذي ألَّف شعرًا يهجو فيه المسلمين، ردَّ عليه كعب:

مجالدنا عن جذمنا كل فخمة … مدرَّبة فيها القوانس تلمع

هنا، اقترح عليه النبي تعديلاً طفيفًا في الأبيات، فقال له: «أيصلح أن تقول ‏(مجالدنا عن ديننا‏‏؟)» لتكون بدلاً من «مجالدنا عن جذمنا»، وهو الاقتراح الذي أقرَّه كعب وأخرج قصيدته مُعدَّلة وفقًا لتعليمات النبي، حسبما يروي ابن إسحاق في سيرته، ونقل عنه ابن هشام.

وبالرغم من أن الصراع مفترض أنه «عقائدي» بين فريقين أحدهما يؤمن بالإسلام والآخر يكفر به، إلا أن هذه الأشعار لم تخلُ كلماتها من عصبية قبلية عند كلا الطرفين، ومنها ما قاله القرشي ضرار بن الخطاب، وكان من معسكر الكفار، حين هجا جيش النبي ووصفهم في شعره بأنهم من أهل الخزرج، قبيلة يثرب المعروفة، يقول:

لما أتت من بني كعب مزينة … والخزرجية فيها البيض تأتلق

وهو ذات النهج الذي سار عليه حسان بن ثابت حين أراد معايرة أهل مكة بهزيمة بدر، فقال:

تركنا في قريش عورة … يوم بدر وأحاديث المثل

لا نتلمَّس في هذه البيتين صراعًا كلاميًّا بين إسلام وكُفر، وإنما بين مدينتين هما مكة والمدينة أو بين قبيلتين هما قريش من جهة والأوس والخزرج من جهة أخرى.

فضحت هذا الاتجاه، أكثر من غيرها، الأشعار التي تبادلها الفريقان يوم أُحد، والتي وثق ابن هشام منها مئات الأبيات في سيرته، وهو ما يُمكننا تفهمه بحداثة عهد الإسلام في نفوس أهل المدينة، وحالة العداء التام بين المعسكرين قبل فتح مكة، ولكن المثير للدهشة أن هذا الخط استمرَّ حتى بعد فتح مكة ودخول قريش في الإسلام، وخاصة بعد رحيل النبي، وازداد توهجًا مع حكم بني أمية.

ولكن قبل أن نتعرَّض لهذه الأشعار، سيكون لِزامًا علينا توضيح العوامل السياسية والقبلية التي أشعلت جذوة هذه الأشعار وأبقتها حية لأطول فترة ممكنة.

صراع على ميراث الرسول

اعتقد القرشيون دائمًا أنهم الأولَى بميراث الرسول (دولته ودينه) بِاعتبارهم أهله الأقربين وأصحاب الشرف عند العرب حتى لو تأخر دخولهم في الإسلام، وهو ما رفضه الأنصار الذين رأوا أنهم الأحقُّ بلعب الدور الرئيسي في دولة الإسلام الجديدة، فهم مَن آزروا النبي ونصروا دعوته في مهدها.

وبالرغم من الجهود التي بذلها النبي في حياته للمؤاخاة بين المهاجرين من قريش والأنصار من المدينة، وهو ما أنبأتنا به المرويات المتعددة التي نُقلت لنا عنه النهي عن التمييز بين إنسان وآخر إلا بدينه، وأنه لا فرق بين أعجمي ولا عربي إلا بالتقوى والعمل الصالح (رواه أحمد)، وبرغم ذلك حضرت العصبية القبلية بين صفوف المسلمين فور وفاته حتى كادت تُنهي دولة الإسلام في مهدها.

وهو المشهد الذي تجلَّى في أنصع صوره في الصراع الذي دار بين المهاجرين والأنصار على خلافة النبي فور موته، بعدما رغب كل طرفٍ في أن يظفر بالحُكم حتى اقترح أحدهم أن يكون هناك خليفتان، أحدهما من قريش والآخر من يثرب، وهو الأمر الذي كاد أن يُحدث انشقاقًا كبيرًا في صفوف المسلمين لولا حزم عمر بن الخطاب الذي دعَّم أبا بكر لتولي الخلافة، باعتبار أنه كان أقرب أصحاب النبي إليه، وأمره بإمامة المصلين بدلًا منه وهو مريض.

بايع الجميع أبا بكر خليفة للنبي إلا الصحابي سعد بن عبادة “الأنصاري”، زعيم قبيلة الخزرج، الذي كان الأنصار يرغبون في توليته الخلافة، بحسب الشائع والمتواتر في المصادر، بعد ذلك قُتِل سعد في ظروف غامضة، بداية عهد عمر بن الخطاب، وحسبما تذكر بعض الروايات، التي نقلها الحاكم والطبراني وابن سيرين، لم يُتَّهم أحدٌ في قتله وأشيع أن الجن هو الذي قتله وليس أحدًا من البشر!

ولكن بعض الروايات -غير الشائعة- دلت صراحة على أن عمر بن الخطاب هو الذي أمر بقتله، لأنه (سعد) يرفض مبايعة أحدٍ من قريش بالخلافة، حسبما ذكر ابن عبد ربه في «العقد الفريد».

قد يكون هذا الموقف هو الأبرز في الصراع بين الطائفتين، لكنه لم يكن الأول الذي أوضح هوَّة الخلاف بين المهاجرين والأنصار، مثل الحادثة التي رواها ابن إسحاق ووثقها ابن هشام في سيرته وجرت في حياة الرسول، عن مشاجرة عنيفة وقعت بين جهجاه بن مسعود (أجير لعمر بن الخطاب)، وسنان بن وبر الجهني (من أهل المدينة) بسبب تزاحمهما على الماء ليسقيا فرسيهما، حينها صرخ الجهني‏:‏«يا معشر الأنصار»، وفي المقابل صرخ جهجاه مستدعيًا أبناء جلدته: «يا معشر المهاجرين»، وتقاتل الطرفان.

وهي الواقعة التي أغضبت عبد الله بن أُبي ابن سلول، وخطب في عددٍ من أهل المدينة كانوا في بيته عند وقوع الواقعة: «قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا، والله ما أعدنا وجلابيب قريش إلا كما قال الأول: سمِّن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل»، ثم استكمل كلامه التحريضي: «هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم».

وعندما علم النبي بما فعله ابن سلول غضب بشدَّة، ولما واجهه أنكر، وكاد عمر بن الخطاب أن يقتله لولا أن نهاه الرسول عن ذلك بقوله «لا يتحدَّث الناس أن رسول الله يقتل أصحابه».

ابن سلول الذي يُشار إليه دائمًا بالنفاق في التاريخ الإسلامي يبدو تعبيرًا حيًّا عن جذور الصراع بين المهاجرين والأنصار، فهو لم يحاول تأليب المدينة على النبي والمهاجرين من فراغ أو من حقدٍ أعمى، فقد كان الرجل سيدًا في قومه، بل نصَّبه الأوس والخزرج حاكمًا على يثرب قبيل هجرة النبي، لكنه لم يهنأ بذلك إذ دخل النبي المدينة وأصبحت له السيادة والسلطان السياسي والديني معًا.

 ولا يمكن أن نغفل دور هذا الرجل وفريقه وأطماعهم السلطوية في تغذية الصراع مع قريش.

عُمر يحظر «حروب الشعر»

يحكي أبو الفرج الأصفهاني في كتابه «الأغاني»، أنه خلال فترة خلافة عُمر بن الخطَّاب قَدِمَ إلى المدينة عبد الله بن الزبعرى، وضرار بن الخطاب (من شعراء قريش)، وطلبا لقاء حسان بن ثابت ومبارزته في الشعر، فبدأ شاعرا قريش في تلاوة شعر مما كانت قريش تهجو به الأنصار يوم أُحُد.

لم تكن هذه الأبيات الأمر الوحيد الذي أغضب ابن ثابت، وإنما الانصراف السريع لكلا الرجلين قبل أن يتمكَّن من الرد عليهما، ولمَّا غلى الدم في عروقه غضبًا اشتكى لعمر بن الخطاب، الذي أمر بإرجاع الشاعرين إلى المدينة مُجددًا حيث أنشدهما حسَّان ردَّه عليهما ليشفي غليله.

بعد هذا الموقف، استشعر عُمر خطورة هذه الصراعات الصغيرة، فنهَى عن تداول الشعر الذي أخذ القرشيون والأنصار يتهاجون به قبل فتح مكة وإسلام قريش، لما لاحظه من خطورة شيوع هذا الأمر على الجبهة الداخلية في وقتٍ كانت جيوش المسلمين تحارب فيه الفرس والروم.

وبعد وفاة عُمر، وعلو شأن قريش في الدولة الإسلامية، سواءً في عهد خلفه عثمان بن عفان أو حتى حين استقرَّ الأمر لمعاوية بن أبي سفيان وأقام الدولة الأموية، ظلَّ القرشيون في موقع الصدارة فيما عانَى الأنصار من التهميش والإهمال، لم يتوقف هذا التناقض عن نكأ الجروح واستجلاب العداوات والتي كان الشعر، كعادته عند العرب، خير مُعبِّرٍ عنها، ولهذا كثرت المواقف التي اشتبك فيها القرشيون والأنصار شعريًّا بسبب منافسة كل طرف على نيل الأفضلية على الآخر، خاصة في ظِل حالة الانفتاح الاجتماعي التي شابت عهد عثمان بعد التشديدات التي نصبها عُمر على سلوك وألسنة أهل دولته.

بنت معاوية وابن حسان بن ثابت

في أحد الأيام، تغَزَّل عبد الرحمن بن حسان بن ثابت، في رملة بنت خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان، فقال:

رمل هل تَذْكُرِينَ يومَ غزالِ … إذْ قَطَعْنا مَسِيرنَا بالتَّمَني
إذْ تقولين عَمْرك اللهُ هل شيءٌ … وإنْ جَلَّ سوف يُسَلِّيك عَنِّي
أمْ هلْ أُطْمِعْتُ منكمْ يا ابنَ حَسان … كما قد أراكَ أُطْمِعْتَ مِنِّي

يحكي الأصفهاني أن الأمر بلغ أخاها يزيد، فغار عليها، وقال لأبيه:

«يا أمير المؤمنين، ألا ترى إلى هذا العلج من أهل يثرب، يتهكم بأعراضنا، ويُشبِّب بنسائنا؟» فقال: «ومن هو؟» قال: «عبد الرحمن بن حسان». وأنشده ما قال.

حاول معاوية احتواء الأمر بحكمة، ولكن غضب يزيد كان شديدًا، فطلب من الأخطل (الشاعر الشهير) أن يهجو عبد الرحمن والأنصار عمومًا، فأنشد الأخطل:

ذهبت قريش بالمَكارِمِ وَالعُلا     وَاللومُ تحتَ عَمائِمِ الأَنصارِ
فَذَروا المكارِمَ لَستُمُ مِن أَهلِها      وَخُذوا مَساحِيكُم بَني النَجَّارِ
إن الفَوارِسَ يَعرِفون ظُهورَكُم     أَولادَ كُلِّ مُفَسَّحٍ أَكَّارِ
وَإِذا نَسَبتَ ابنَ الفُرَيعَةِ خِلتَهُ    الجَحش بَينَ حِمارَةٍ وَحِمارِ
لعَنَ الإِلَه من اليهودِ عصابةً   بالجزع بين صليصل وصدار

و«ابن الفريعة» هي كنية حسان بن ثابت، نسبةً إلى أمِّه فريعة بنت خالد بن خنيس بن لوذان، وأصل معنى الفريعة هي القملة، أما كلمتا «صليل» و«صدار» فهما موضعان حول يثرب.

ونلاحظ هنا أن الأخطل جمع بين سَب عبد الرحمن بجدته، وبين التلميح بأن أهل يثرب ملعونين لأنها بلد اليهود، على العكس من قريش التي يرى الشاعر أن بها كل المكارم.

فلما بلغ عبد الرحمن بن حسان ما قاله الأخطل، ردَّ هاجيًا قريشًا، فقال:

أحياؤكم عار على موتاكم … والميتون خزاية للعار

وكذلك، غضب الصحابي النعمان بن بشير من شعر الأخطل، رغم أنه كان من «الأنصار» المنحازين لمعاوية في صراعه مع علي بن أبي طالب، فردَّ عليه بأبياتٍ ثائرة هدَّد فيها معاوية بن أبي سفيان بثورة من الأوس والخزرج عليه إن لم يقطع لسان الأخطل، ومن هذه الأبيات:

أيَشتُمنا عبد الأراقم ضلة … وماذا الذي تُجدي عليك الأراقم
فما لي ثأر دون قطع لسانه … فدونك من ترضيه عنك الدراهم
وراع رويدًا لا تَسُمْنا دَنِيَّة … لعلك في غِبِّ الحوادث نادم
متى تلقَ منا عصبة خزرجية … أو الأوس يومًا تخترمك المخارم

واللافت للنظر في أبياتٍ أخرى للنعمان أنه عيَّر قُريشًا بهزيمتهم أمام الأنصار في معركة بدر، وكأنه يعتبرها موقعة لا تختلف كثيرًا عن أيام حروب القبائل التي عرفها العرب قبل الإسلام، فهو هنا يرى «بدرًا» معركة انتصر فيها أهل المدينة على القرشيين من أهل مكة، وليس المسلمين على الكفار. يقول النعمان:

فإن كنت لم تشهد ببدر وقيعةً … أذلت قريشًا والأنوف رواغم
فسائل بنا حي لؤي بن غالب … وأنت بما يخفى من الأمر عالم
ألم تتبدر يوم بدر سيوفنا … وليلك عما ناب قومك قاتم

عمرو بن العاص يتلقى درسًا قاسيًا

يروي الأصفهاني أن وفدًا من الأنصار قدم إلى قصر الخليفة معاوية بن أبي سفيان، وكان معه الصحابي القرشي عمرو بن العاص، فطُلِب من معاوية أن يأذن لـ «الأنصار» بالدخول عليه، فقال عمرو مبديًا امتعاضه من كلمة «الأنصار»، بقوله: «ما هذا اللقب؟! ارددهم لأسمائهم، (أي يُنادَى كل منهم باسم أبيه وقبيلته)».

ولمَّا سمع النعمان بن بشير، وهو من الأنصار، كما ذكرنا، مقالة ابن العاص، ردَّ عليه بقوله:

نسب تخيره الإله لقومنا    …  أثقل به نسبًا على الكفار
إن الذين ثووا ببدر منكم    …   يوم القليب هم وقود النار

في هذه الأبيات يتباهَى النعمان بأهله «الأنصار»، معتبرًا أن اسمهم في حد ذاته بمثابة نسب اختاره الله لهم، ومن يضيقون به هم الكفار، الذين مات منهم كثيرون في يوم معركة بدر على أيادي الأنصار، ليموتوا على كفرهم ويصبحوا وقودًا للنار يوم القيامة.

هنا شَعَر معاوية بالإهانة جراء كلمات النعمان، واعتبر أن ابن العاص خلق له مُشكلة من العدم، فقال لعمرو لائمًا: «قد كنا لأغنياء عن هذا».

يزيد بن معاوية يثأر لقريش من أهل بدر

تعرَّضت كتابات العديد من كبار الباحثين في التاريخ الإسلامي، منهم طه حسين في مُؤلَّفه «في الشعر الجاهلي» وعباس محمود العقاد في كتابه «معاوية بن أبي سفيان»، إلى سيرة يزيد بن معاوية، واعتبروا أن السلطة كانت تشغله قبل أي شيءٍ آخر، وأنه أعلَى من شأن بني أمية على أي فئة أخرى في دولته، وهو ما يتناقض مع ثوابت الإسلام التي تدعو للعدل والمساواة.

وهو يُفسِّر ما نُسِبَ إلى يزيد من أشعار عقب انتصاره في «واقعة الحرة»، فبعدما قرَّر أهل المدينة نقض بيعتهم ليزيد عام 63هـ وطردوا عامله عثمان بن أبي سفيان من المدينة وبايعوا عبد الله بن حنظلة أميرًا عليهم وعبد الله بن الزبير خليفةً. أرسل لهم يزيد جيشًا جرَّارًا من الشام اجتاح المدينة وقتل من أهلها الكثير من أهلها وأغلبهم من الأنصار، وبعضهم حارب في معركة بدر مثل عبد الله بن زيد النجاري، وعبد الله بن كعب بن عمرو. 

اعتبر يزيد هذا الانتصار ثأرًا لأجداده الذين قُتلوا على يد أهل المدينة في معركة بدر، ووفقًا لابن كثير في كتابه «البداية والنهاية» أنشد يزيد:

ليت أشياخي ببدر شهدوا     …  جزع الخزرج من وقع الأسل
حين حكت بقباء بركها        …  واستحر القتل في عبد الأشل
قد قتلنا الضعف من أشرافهم … وعدلنا ميل بدر فاعتدل

وأغلب الظن أن هذه الأبيات ليست من إبداع يزيد، ولكن أنشدها الشاعر الجاهلي عبد الله بن الزبعرى حين انتصرت قريش في معركة أحد، وأعاد يزيد ترديدها يوم الحرة، وكأن كلا المعركتين تستويان في نظره!

ويُرجح أن هذه الأشعار استمرت ساخنة ومتداولة بكثرة بين العرب حتى نهايات الدولة الأموية عام 132 هـ، وبداية العصر العباسي، بدليل أن من وثقها هو ابن إسحاق المدني، (توفي في 150هـ) وهو الذي كتب السيرة في بدايات العصر العباسي بطلب من أبي جعفر المنصور ،وعُرفت فيما عرف بكتاب المغازي، الذي نقل عنه ابن هشام صاحب السيرة المعروف كل أشعار يوم أُحد.

وبشكلٍ عام، كفلت أجواء الصراعات القبلية التي عاشتها الدولة الأموية بين العرب أنفسهم (القيسية واليمنية)، والصراعات السياسية بين الهاشميين والأمويين على السلطة، أجواءً مثالية لظهور هذه الأشعار العدائية المتبادلة بعد أن ازدهرت بشدة في عهد عثمان بن عفان (العصر الذي شهد تمكينًا لبني أمية في الدولة الإسلامية).