عادة ما يميل لاعبو كرة القدم إلى البُعد عن السياسة خلال فترات تألقهم وعدم الإفصاح عن آرائهم في تلك المنطقة المليئة بالصراعات؛ لأنهم بكل بساطة ليسوا في حاجة إلى خسارة جزء ولو قليل من شعبيتهم الجارفة أحيانًا و المحدودة أحيانًا أُخرى، فهم حققوا ما يُرضي رغبتهم من المال والشهرة وتسليط الأضواء عليهم من خلال هوايتهم المفضلة، ولكن الأمر يختلف حتمًا بعد الاعتزال لا طمعًا في مزيد من الثروة أو الشهرة ولكن عادة ما يكون الأمر من قبيل الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الحياة والجاه والسلطة‏، قاعدة اعتدنا عليها من نجوم كرة القدم خاصة في وطننا العربي؛ لذلك عندما نجد لاعبًا أو مدربًا يخالف تلك القاعدة و يتبنى رأيًا سياسيًا بشكل مُعلن خلال فترة تواجده بالملاعب يصبح ذلك الإعلان محطّ أنظار الجميع وخاصة وسائل الإعلام لفترة ليست بالقليلة، فترة قد تمتد لقرن من الزمان أو تزيد عن ذلك.


باولو دي كانيو وواين روني: الفرقُ ليس كبيرًا

في عام 2005 وبعد فوز لاتسيو على فريق روما في ديربي العاصمة الإيطالية المجنون بثلاثة أهداف مقابل هدف، توجه “باولو دي كانيو” لاعب فريق لاتسيو الشهير إلى جماهير فريقه وأشار لهم بالتحية الفاشية بيده اليمنى وعلى وجهه ملامح السعادة البالغة، خاصة بعد أن قدم مباراة قوية وأحرز أحد أهداف فريقه الثلاثة، تصرف يعكس تهور لاعب ومشاعر غير مُحتملة من الكراهية بين جماهير فريقين وصلت درجة العنف بينهما قبل موسم واحد من تلك المباراة إلى إخلاء الملعب قبل نهاية المباراة خوفًا من احتلال الملعب من جماهير الفريقين وإراقة دماء.

حادثة لم تكن غريبة على لاعب صرّح قبل تلك الواقعة بأربع سنوات أنه من أبناء اليمين المتطرف في إيطاليا وأن الفاشية في نظره بعيدة كل البُعد عن العنصرية، حادثة لم تكن غريبة أيضًا على فريق عُرفت أغلب جماهيره أنهم من اليمينيين المتطرفين ويميلون للفاشية الإيطالية بل ويُطلق عليهم «فريق موسوليني».

فرانك لامبارد أيضًا قائد تشيلسي الإنجليزي لم يسلك مسلكًا بعيدًا عن زميله السابق في ويستهام يونايتد باولو دي كانيو وأعلن في 2007 عن انتمائه إلى حزب المحافظين اليميني البريطاني بعد مقابلة مع ديفيد كاميرون، تصريح لم يعقبه الكثير من الجدل من الصحافة الإنجليزية لعدة أسباب؛ أهمها توضيح فرانك بعدها بأن ما يهمه هو تقدم البلاد للأمام دون التجريح في أي تيارات سياسية أخرى.

كلاعب كرة قدم، لا أود أن أخوض في حملات سياسيًا ولكني يميني وأحببت ديفيد كاميرون بعد حوار قصير معه.

فرانك لامبارد داعمًا ديفيد كاميرون لرئاسة وزراء المملكة المتحدة.

http://gty.im/494273595

أما واين روني قائد المانيونايتد فقد أعلن عام 2012 عن دعمه الكامل للرئيس الأمريكي باراك أوباما في الانتخابات الأمريكية، تصريح كان توقيته أغرب ما يميزه، إذ جاء ذلك التصريح بعد مباراة مانشستر يونايتد وبراجا البرتغالي في بطولة دوري أبطال أوروبا مباشرة، وأرجع البعض ذلك الدعم غير المتوقع إلى انحدار روني من أصول ليست بالغنية؛ لذلك تأثر بوعود باراك أوباما البارزة في تلك الجولة لدعم الفقراء.

لو كان لي حق التصويت لاخترت باراك أوباما دون تفكير.

واين روني في تغريدة له على موقع تويتر قبل الانتخابات الأمريكية في 2012.


ريال مدريد النبلاء واستقلال إقليم كتالونيا

يُولد الطفل في أسبانيا مؤمنًا ببعض الأشياء؛ كحب أبويه له، وعظمة بلاده أسبانيا، … وأن ريال مدريد هو نادي الحكومة المُدلل!. منذ أن نال نادي مدريد لكرة القدم لقب “ريال” في عام 1920 على يد ألفونسو الثالث عشر وأصبح معروفًا لدى الجميع أن النادي الأبيض يتلقى معاملة خاصة من حكام إسبانيا. وبالرغم من إسقاط لقب «الملكي» عن النادي من قِبل الجبهة الشعبية التي حكمت أسبانيا بعد انتخابات عام 1936 بعد ثورة استمرت لمدة ست سنوات في أسبانيا، إلا أن «فرانسيسكو فرانكو» قد أعاد اللقب مرة أخرى للملكي بعد الانقلاب الذي قاده على الجبهة الشعبية في نفس العام و راح ضحيته نصف مليون مواطن، ومن هنا جاء حصر ريال مدريد في دور نادي الحكومة وبرشلونة في دور النادي الساعي دائمًا للحرية و الاستقلال؛ لما رأوه من تعسف واضح للجميع في تلك الحقبة السوداء من تاريخ أسبانيا والتي استمرت قرابة الأربعين عامًا نتيجة مطالبتهم بالاستقلال بإقليم كتالونيا أو على الأقل الظفر بمزايا الحكم الذاتي.

تجددت تلك الدعوات المطالبة بالاستقلال منذ قرابة العشرة أعوام مستغلين قوة وسائل الإعلام في الإقليم وشهرة الإقليم سياحيًا والتفوق الواضح لفريق كرة القدم عالميًا، كل تلك العوامل ساعدت الكتلان على إيصال صوتهم للعالم أجمع، خاصة عندما يشير الوقت إلى الدقيقة 17 و 14 ثانية تقوم الجماهير بهتاف الاستقلال بصوت موحّد ومميز في إشارة منهم إلى عام 1714 و هو العام الذي ضمت فيه أسبانيا إقليم كتالونيا.

http://gty.im/455361648

لم يتردد بيب جوارديولا المدير الفني السابق لبرشلونة في الإفصاح عن رغبة كتالونيا في الانفصال والاستقلال عندما كان في زيارة إلى نيويورك، كمحاولة منه مثل عدد آخر من الكتالونيين لنشر هذه الرغبة بشكل أكبر في المحافل الدولية والعالمية، دعم كان له صدى واسع على المستوى العالمي عام 2012 وزاد من ارتباط الجماهير في مدينة برشلونة بفريق كرة القدم.

أثارت تلك التصريحات بعض الانتقادات ضد جوارديولا خاصة من قبل بعض زملائه السابقين بالمنتخب الأسباني لكرة القدم، مثل راؤول جونزاليس وفرناندو هييرا، بينما دافع عنه وقتها زميله الراحل تيتو فيلانوفا.

دعوا جوارديولا يعبر عن رأيه بحرية طالما لم يسبب ضررًا لأحد. لنا الحق في التعبير عن رأينا كيفما نشاء فإذا نزل إلى الشارع مليون ونصف المليون مواطن فهذا يعني أن شيئًا ما لا يسعدهم ويجب وضع هذا في الاعتبار.
تيتو فيلانوفا داعمًا صديقه بيب جوارديولا وإقليم كتالونيا.

تشافي هيرنانديز حاول أن يكون متزنًا في تصريحاته في تلك الآونة ولكنه لم يخفِ دعمه أيضًا لشعب كتالونيا، كذلك الحال مع رفيقيه ليونيل ميسي و اندريس انييستا اللذين اكتفيا بالابتسامة وتوضيح أنهما لن يخذلا شعب كتالونيا في مواقفهم مهما كانت.

لا أعتقد أن الرياضة ستنغمس في السياسة، نعلم الموقف الذي يعيشه إقليم كتالونيا في هذه اللحظات ولن نتغاضى عنه بالتأكيد ولكننا نركز في لعب الكرة.
تشافي هيرنانديز.

الفيل الإيفواري والحرب الأهلية التي دقّت الأبواب

لم تكن كرة القدم مجرد وسيلة ترفيه أو وسيلة لجلب المال فقط بالنسبة للأسطورة الإفريقية «ديدييه دروجبا»، فقد لعب الفيل الإيفواري دورًا بارزًا في محاولات إنهاء الحرب الأهلية بين أهل الشمال والجنوب في بلاده والتي كادت أن تعصف بساحل العاج.

تركت ساحل العاج في سن مبكر وقد كانت البلاد جميلة والشوارع خضراء والناس سعداء، ولكن عندما عدت وجدت تغييرًا مُرعبًا.
ديدييه دروجبا في لقاء صحفي عام 2005.

http://gty.im/74480476

بعد وصول كوت ديفوار لكأس العالم 2006 في ألمانيا سادت حالة من الفرح في جميع ربوع ساحل العاج، وبعد مباراة التأهل مباشرة اجتمع ديدييه دروجبا مع اللاعبين في غرفة خلع الملابس وتوجه بخطاب من خلال التليفزيون الرسمي للدولة لأهل الشمال والجنوب ودعاهم للتوحد وترك السلاح، وبالفعل بعد أسبوع واحد من الدعوة توجّه الفيل الإيفواري إلى شمال البلاد واُستقبل استقبال الفاتحين ونجح في تنظيم مباراة ضد منتخب مدغشقر في مدينة «بواكي» شمال البلاد.

ديدييه دروجبا بعد مباراة المنتخب الإيفواري مع مدغشقر في شمال البلاد.

و منذ ذلك اليوم لم يعد دروجبا مجرد أسطورة رياضية في ساحل العاج فحسب، بل أصبح رمزًا للحوار الوسطي بين أطراف النزاع في البلاد ، ذلك الرمز الذي يستمع إليه الشعب الإيفواري بكل طوائفه بشيء من الإنصات والاهتمام لثقتهم به، ثقة عززها عدم رغبة دروجبا في الحديث عن دوره العظيم في بلاده في الصحافة الإنجليزية والاكتفاء بالدعوة لزيارة بلاده بغرض السياحة.


أبو تريكة وصلاح والتشابُه الذي تلاشى في زيارة الاتحادية

اعتاد اللاعبون المصريون في العقود الأخيرة التودد لأفراد الحكم في البلاد والتقرب لهم حالهم حال أغلب لاعبي المنتخبات العربية كالجزائر والسعودية والمغرب وغيرهم، ولعل أبرز ما يبرهن كلامي هو اللقطة الشهيرة لحسام حسن كابتن منتخب مصر في كأس الأمم الإفريقية عام 2006 وهو يقبّل رأس الرئيس المعزول حسني مبارك، وكذلك تقبيل يد الشخص ذاته من قِبل اللاعب محمد زيدان.

فاللاعب العربي لا يلبث أن يبزغ نجمه حتى يبدأ تحسس الطريق للسلطة الحاكمة لضمان دعمه مستقبلاً لعدم ثقته التامة في قدرة موهبته والتزامه على مساعدته في دخول قلوب الملايين لفترة كبيرة، لكن أبو تريكة خالف تلك القاعدة فرأيناه بعد حادثة بورسعيد الشهيرة يرفض لقاء المشير طنطاوي ومصافحته في مطار ألماظة في إشارة واضحة إلى مسؤولية الأخير عن تلك المجزرة البشعة، موقف لم نعتده من أي لاعب مصري قبل ذلك فجنّ جنون الإعلام آنذاك ولم يصدقوا ما حدث، فقرر أبو تريكة الاستمرار في ضرب المثل الذي يجب أن يُحتذى به للرياضي الحامل لهموم وطنه فهتف مع الشباب أمام بوابة النادي مطالبًا برجوع حق الشهداء، وكذلك رفض التملق للسلطة الحالية المعتادة على ذلك مما كلفه الكثير من هجوم شرس ممن يسمون أنفسهم إعلاميين، وكذلك التحفظ على أمواله تعسفيًا بقرار من النيابة العامة وتعنّت الحكومة في إرجاع تلك الأموال بعد قرار القضاء الإداري ببطلان القرار.

http://gty.im/138083876

رأى الكثيرون من المصريين في محمد صلاح شيئًا من أبو تريكة، الالتزام والمهارة والعزوف عن الظهور الإعلامي المتكرر بلا طائل، فكثيرًا ما ارتبط الاسمان معًا وهو ما أكّده صلاح في أكثر من مناسبة، حتى طلّ علينا محمد صلاح بصورة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت عنوان كبير في كل الصحف التابعة للنظام مفاده هو تبرع اللاعب بخمسة ملايين جنيه لصالح صندوق تحيا مصر، ذلك الصندوق الغامض الذي يشبه إلى حد كبير الصندوق الأسود للطائرات المفقودة فلا أحد يعلم أين ذهب و ما فحواه!. تصرف رآه الكثيرون من متابعي النجم المصري غير مبرر ولا يمت للصورة التي رسموها لمستقبل النجم المصري كخليفة للماجيكو محمد أبو تريكة بصلة، بينما رآها آخرون بمثابة النهاية لحالة الانبهار بمحمد صلاح مع أغلب متابعيه.


اللاعب مُسيّر أم مُخيّر؟!

شيء مدهش أن نرى قادة البلاد يجلسون جنبًا إلى جنب يشاهدون مباراة منتخبهم الوطني الذي نجح في الوصول لكأس العالم، اليوم وُلدت ساحل العاج من جديد.

و السؤال الآن هو: هل اللاعبون يكونون مجبرين على المشاركة و إبداء رأيهم سياسيًا نظرًا لقوة تأثيرهم في السواد الأعظم من الناس، أم أن الأمر برمته يرجع للاعب ذاته وحبه للظهور في العمل المجتمعي؟، وإذا كان الأمر هكذا فلماذا تجذب السياسة نجوم الرياضة‏ على وجه التحديد؟

سؤال مهم حاول تقرير لصحيفة‏ إنترناشيونال هيرالد تريبيون‏ الإجابة عنه‏ فقالت‏: «الرياضي في معظم الأحيان يجد نفسه قد بدأ محاولة البحث عن مهنة أخرى بعد سن الثلاثين‏، خاصة أن هذه هي السن التي لا يكون فيها السياسي قد حقق شيئًا‏ مشهودًا،‏ بل يكون عادة ما زال في بداية مشواره السياسي‏، كما أن الرياضيين يكونون في تلك السن قد امتلكوا نفس المواصفات التي تلزم السياسيين للنجاح في مهنتهم وهي المال والشهرة والسمعة الجيدة‏، فهذه هي المواصفات الأساسية الواجب توافرها في السياسي‏ والتي لا يحظى بها إلا بعد سنوات من العمل المضني‏».

المراجع
  1. صحيفة الميرور البريطانية
  2. صحيفة التليجراف البريطانية