تعددت أوجه معاناة المرأة تحت وطأة تنظيم «داعش»؛ فتمت المتاجرة بها، وتعرضت لمختلف أنواع الاستغلال الجنسي، وتعرضت للتعذيب والإعدام. استمرت هذه الويلات طيلة سنوات سيطرة التنظيم، إلى أن تم طرده من معاقله في العراق، وتحرير العديد من مناطق سيطرته في سوريا.

بدا الأمر وكأنه بداية لمرحلة جديدة، تتنفس النساء فيها الصعداء، بالطبع هي كذلك، لكن الأمر لا يخلو من مأساة جديدة.


مأساة المرأة: من الحروب إلى التنظيمات الإرهابية

في زمن الحروب دائمًا ما يكون الرجال هم الضحايا، ولكن النساء لهن نصيب أيضًا، حيث تتعرض المرأة للتنكيل.تجد نفسها نازحة داخل وطنها ولاجئة على الحدود. ولا يخلو الأمر من عمليات سخرة والاتجار بها، ومع هذا يظل الاغتصاب الشبح الأكبر الذي يطاردها طيلة حياتها وفي كل خطوة تخطوها، فقد عمد مجرمو الحروب إلى اغتصاب نساء المحاربين وانتهاك أجسادهن؛ لتدميرهم معنويًا وصولًا إلى استسلامهم نهائيًا.

ظهر ذلك في الحروب على مر العصور، ففي الحرب العالمية الثانية تم اختطاف النساء، وسجنهن، وإجبارهن على تلبية الاحتياجات الجنسية للجنود. استمر هذا الاتجاه في الحروب الأهلية التي انطلقت بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. ففي سيراليون اغُتصبت نحو 60 ألف امرأة. ووصل الأمر إلى حد اغتصاب مجرمي الحرب لنساء في عمر جداتهم. وفي رواندا اغُتصب ما لا يقل عن 250 ألف امرأة في حرب الإبادة عام 1994. وفي ليبيريا نحو 40 ألف امرأة.

لم تكن المنطقة العربية بمنأى عن ذلك. فنجد الجزائر على سبيل المثال عانت ويلات الاغتصاب الجماعي خلال الفترة بين 1991 و2000، أو كما يطلق عليها «العشرية السوداء». فالجثث والقتلى في كل مكان والرؤوس المذبوحة مُعلقة على الأبواب. في هذه الحالة لا بأس أن يتم الانتصار على المرأة كونها الحلقة الأضعف في منظومة المجتمع.

في السودان، حدث ولا حرج عن عمليات الاغتصاب الجماعي التي قام بها عناصر «الجنجويد» خلال الحرب الأهلية في دارفور. وقد أكدت تقارير لمنظمة العفو الدولية أن هذه العمليات كانت منظمة.

استمرت هذه المعاناة في العديد من الدول كما هو الحال في سجون النظام السوري عقب اندلاع الثورة. وما ذاقته المرأة من تعذيب واغتصاب على أيدي قوات النظام. إلى أن جاءت الصورة الأبشع على يد «داعش». اتبع التنظيم سياسة الاستغلال الجنسي للنساء والفتيات. تناوبت عليهن عناصره بالاغتصاب. عادت تجارة السبايا مرة أخرى. فبيعت القاصرات من رجل إلى آخر. كانت الفتاة التي لم تصل إلى سن البلوغ بعد تتعرض للاغتصاب أكثر من ست مرات في الليلة الواحدة! وعليها أن تتحمل وحدها مآسي العيش تحت وطأة التنظيم. فقد فقدت أهلها وتُركت وحيدة.


بعد رحيل «داعش»

ظلت هذه المعاناة إلى أن بدأ التنظيم يلقى نهايته، فقد تم إعلان النصر النهائي عليه في العراق، وشارف وجوده في سوريا على الانتهاء وتحرر العديد من المناطق من سيطرته، وخاصة الرقة. ولكن هل يعني هذا انتهاء مأساة النساء وتلاشي الضرر الذي أصابهم؟

الإجابة وللأسف «لا». فهزيمة التنظيم لا تعني نهاية مأساتها، وإنما بداية لفصل جديد منها، وإن كان بالطبع أقل حدة من معاناتها تحت سيطرته. فقد تعددت جوانب معاناة المرأة في كل من سوريا والعراق في فترة ما بعد «داعش» ما بين الجوانب المادية والنفسية، الأمر الذي إيجازه في عدد من النقاط كالتالي:

1- فقدان الأهل:

تواجه المرأة في المناطق المحررة من التنظيم مأساة فقدان الأهل من الآباء والأمهات والأبناء. تروي إحدى النساء أنها كانت تعيش مع عائلتها الصغيرة المكونة من زوجها وابنتها، قبل أن يقتلهما التنظيم ويغتصب ابنتها. تروي أخرى أنه قتل شقيقاتها وأباها وتُركت وحيدة تعاني من الضياع. وتتعدد القصص على هذا المسار.

فعلى مدى سنوات ارتكب التنظيم العديد من المجازر وعمليات الإبادة الجماعية بحق أبناء القرى والمدن التي استولى عليها. لم يفرق بين الكبار والأطفال. عانت النساء ويلات فقدان الأهل خلال هذه المجازر، ولم يتبقَ لهن الآن سوى الآلام والأحزان ليعشن وسطها.

2- اضطرابات ما بعد الصدمة ومحاولات الانتحار:

تحدث هذه الاضطرابات بشكل كبير بين النساء والفتيات اللاتي تعرضن للاغتصاب المتكرر. فلا ينتهي الإحساس بالخوف.وتدخل الفتيات في حالات من الاكتئاب، وإذا كان علاج حالات الاغتصاب العادية يستغرق سنوات، فكيف سيكون الوضع مع تجربة الأسر والاغتصاب المتكرر من فرد لآخر لمدة ثلاث سنوات؟

تروي إحدى الأخصائيات الاجتماعيات قصة فتاة في الثانية عشرة من عمرها كان مالكها «الداعشي» يضع لها منومًا كل ليلة في الحليب ويغتصبها، وهي لما تصل بعد إلى سن البلوغ، لتستيقظ وتجد نفسها مضرجة بدمائها. بقيت هذه الفتاة بعد رجوعها إلى المخيم صامتة دون أن تنطق بكلمة واحدة. ويؤكد الأطباء في مخيمات اللجوء أن هذه الحالة وغيرها كانت أمرًا سهلًا مقارنة بحالة الفتيات والنساء بعد تحرير الموصل من التنظيم.

ما يزيد الأمر صعوبة نظرة الاتهام لهن من قبل المجتمع. تقول إحدى الفتيات الناجيات من التنظيم: كلما خرجت لاحقتني العيون، وجميع من يعترضون طريقي يسألونني: هل تعرضت للاغتصاب؟ كما أن الشبان يشيرون إليَّ بأصابعهم قائلين: «هذه التي تم الاعتداء عليها من قبل داعش».

هذه النظرات المتشككة والتلميحات جعلت العديد من الفتيات يشعرن بالحاجة إلى القيام بعمليات استعادة غشاء البكارة، في محاولة لاستعادة شرف انتُهك رغمًا عنهن. كما جعلت العديد منهن يقدمن على الانتحار. الأمر الذي تفاقمت حدته مع النساء والفتيات اللاتي يحملن أطفالًا نتيجة هذا الاغتصاب. فكيف لهن أن يتعايشن مع هؤلاء الأطفال الذين يذكّرونهن دائمًا بمأساتهن، وكيف يتحملن عبئهم وهم ليس لهم أوراق ثبوتية تمكنهم من الحصول على حقوقهم؟

3- موجات انتقام:

بدأت هذه الموجات بشكل واضح في العراق وبصفة خاصة في الموصل. فبعد هزيمة التنظيم، بدأ المدنيون النازحون العودة إلى ديارهم لمواصلة حياتهم، لكن هذا الأمر لم يكن ممكنًا بالنسبة لعائلات التنظيم، خاصة النساء، خوفًا من الأعمال الانتقامية.

فقد ظهرت موجة من الانتقام في المناطق التي تم تحريرها من قبضته. فمن عانوا سنوات من العنف المفرط تحت حكم التنظيم يؤكدون الآن أنه لا مكان لأقاربه بينهم، ويتوعدونهم بالقتل. يأتي ذلك في الوقت الذي ضمت فيه عائلات التنظيم العديد من النساء اللاتي أجبرن على العيش معه دون رضاهن ولم يرتكبن أي جرائم. بل كن هن من ارتكبت الجرائم بحقهن. فقد عشن حياة قاسية تحت وطأة رجال التنظيم. والآن بعد رحيله يواجهن موجة جديد من المعاناة تحت شعار الانتقام.


اللاجئات حول العالم: مزيد من المآسي

لم تتوقف مأساة المرأة عند حدود وطنها في العراق وسوريا. بل امتدت إلى ما هو أبعد من ذلك. فقد أجبرتها تلك الأوضاع على النزوح خارج البلاد. وظهر وجه جديد للمعاناة، سواء رحلة النزوح وما بعدها.

فخلال مسيرة اللجوء تعرضت اللاجئات السوريات والعراقيات إلى التحرش الجنسي والاعتداءات من مسئولين ورجال شرطة يساومونهن على أعراضهن مقابل تسهيل قبولهن. الأمر الذي أشارت إليه دراسة أجرتها «منظمة العفو الدولية» مؤكدة أنهن يتعرضن خلال انتقالهن إلى أوروبا لاعتداءات جنسية. كما يواجهن ضغوطًا لمضاجعة مهربي البشر، وغير ذلك الكثير من أوجه الاستغلال.

توضح إحدى السوريات أنها اضطرت لسداد ديون زوجها للمهربين الذين يتولون تهريبها وعائلتها إلى ألمانيا، عبر إتاحة جسدها لممارسة الجنس على طول طريق التهريب ولمدة ثلاثة شهور، وذلك بعدما نفد مال زوجها أثناء الرحلة، ولم يتبق معه ما يكفي ليدفع للمهربين.

أما بعد الوصول إلى الدول مقصد رحلتهم، لم تختفِ تلك المأساة، حيث وجدوا أنفسهم عرضة للاستغلال الجنسي الذي هربوا منه. ظهر الاستغلال من قبل أصحاب أو أرباب العمل، وصولًا إلى التحرش اللفظي أو الجنسي في الشارع، واستخدام لغة مهينة للنساء تسعى إلى تسليعهن. ظلت اللاجئات غير قادرات على طلب المساعدة من السلطات لأنهن يفتقرن للأوراق الثبوتية من إقامة وإذن عمل. كان هذا واضحًا بشكل خاص في لبنان نظرًا لتراجع المساعدات من الجهات المانحة وتشدد السلطات اللبنانية. وفي نهاية المطاف اضطر العديد منهن إلى ممارسة «الجنس مقابل العيش» بسبب عدم وجود أي مورد أو معيل.

كذلك ظهر هذا الاستغلال في شكل عروض زواج أشبه بالاتجار بالسوريات والقاصرات منهن بصفة خاصة، حيث تضطر العائلة في ظل صعوبة أوضاعها المادية وفقرها إلى تزويج بناتها القاصرات من الأثرياء، معتبرة ذلك أسوأ الخيارات في ظل معيشتهم الصعبة.

أكدت إحصائية رسمية في الأردن أن عدد حالات زواج السوريات القاصرات بالأردن واللواتي تقل أعمارهن عن 18 عامًا،بلغت 1059 حالة خلال النصف الأول من عام 2017. كما تكرر الأمر ذاته في مصر. فقد رصد «المجلس القومي للمرأة» حالات الزواج بين مصريين وسوريات. وصنفها في خانة استغلال السوريات في ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية وعدم القدرة على توفير المستلزمات المادية اللازمة للزواج من المصريات.

الآن وبعدما شارفت هزيمة «داعش» على الانتهاء من غير المتوقع أن نشهد عودة قريبة للاجئات السوريات. فمازالت الأسباب التي كانت وراء خروجهن من ديارهن من ملاحقة واعتقال وتدمير مستمرة، وبالتالي ستستمر مأساتهن في الخارج. وسيبقى معها عجزهن عن تأمين الحد الأدنى من ضرورات الحياة، وستظل الضغوط السياسية والأمنية، التي تمارس ضدهن. أما اللاجئات العراقيات فالوضع أفضل مقارنة بنظيرتهن السوريات. فهن يمتلكن فرصًا للعودة، خاصة مع بدء مرحلة إعادة الإعمار وعودة آلاف اللاجئين إلى ديارهم في الموصل ومعظم مدن العراق.