عبر تحالف قبلي ديني بين الإمام محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبدالوهاب في عام 1744م/ 1157هـ تأسست الدولة السعودية الأولى في مدينة الدرعية بمنطقة نجد التي تقع وسط شبه الجزيرة العربية.

طبيعة الأدوار المتشابكة بين الأمير والشيخ، وبين الديني والسياسي، وبين الدعوة الوهابية والدولة السعودية، مسائل تاريخية شائكة، ما يزال الجدل حولها مستمرًا حتى الآن، ويحتاج استيعابها منا العودة إلى الوراء لقرنين من الزمان من تاريخ شبه الجزيرة العربية، لفهم كيف تشكلت الحدود الفاصلة بين كل منهما، ودور كل من الطرفين في رسم ملامح الدولة السعودية في أطوارها المتعددة وصولا للحظة الراهنة.


كيف نشأت الدولة السعودية الأولى؟

يمكننا أن نؤرخ لميلاد الدولة السعودية الأولى بدءًا من السنة التي انتقل فيها الشيخ محمد بن عبدالوهاب من بلدة العيينة إلى بلدة الدرعية في نجد في عام 1744م/ 1157هـ ، التي نزل في أول أمره عند تلاميذه فيها، ومنهم الشيخ أحمد بن سويلم الذي غمر بيته بأنصار الشيخ ومريديه.[1]

كان من بين هؤلاء المريدين أخوا الأمير محمد بن سعود ثنيان ومشاري اللذان حاولا إقناع أخيهما بمقابلة الشيخ الذي تردد في بادئ الأمر، فلجأ الأخوان إلى زوجته موضي بنت محمد بن سويلم، التي ارتاحت نفسها لما سمعت من أخبار الشيخ بن عبدالوهاب، فتحدثت إلى زوجها وأقنعته بالعدول عن تردده ونصرته.[2]

بعد اقتناعه بنصيحة زوجته سار الأمير محمد بن سعود إلى بيت أحمد بن سويلم، وهناك رحب بمحمد بن عبد الوهاب وبشره النصرة والتأييد، وتم بينهما اتفاق عرف تاريخيًا بـ«ميثاق الدرعية» ، وقد نصت شروط الاتفاق غير المكتوب كما جرى خلال هذا الحديث الشفهي الآتي بين الطرفين على ما يلي:

الأمير محمد بن سعود: يا شيخ إن هذا دين الله ورسوله الذي لا شك فيه، وأبشر بالنصرة لك ولما أمرت به والجهاد لمن خالف التوحيد، ولكن أريد أن أشرط عليك شرطين اثنين: الأول: نحن إذا قمنا بنصرتك والجهاد في سبيل الله وفتح الله لنا ولك البلدان، أخاف أن ترحل عنا وتستبدل بنا غيرنا، الثاني: إن لي على الدرعية قانونًا (أي ضرائب ومكوس) آخذه منهم في وقت الثمار، وأخاف أن تقول لا تأخذ منهم شيئًا. الشيخ محمد بن عبدالوهاب: أيها الأمير أما الأول فابسط يدك الدم بالدم والهدم بالهدم، وأما الثاني فلعل الله أن يفتح لك الفتوحات، فيعوضك الله من الغنائم ما هو خير منها. ثم بسط محمد بن سعود يده، وبايع محمد بن عبدالوهاب على نصرة دين الله ورسوله، والجهاد في سبيل الله، وإقامة شرائع الإسلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[3]

الديني والسياسي في توسعات الدولة الأولى

أثارت معتقدات أهل نجد الدينية حفيظة الشيخ محمد بن عبدالوهاب، حيث كان يتناثر في وادي حنيفة كثير من قبور الصحابة الذين قضوا في معارك الردة، وقد بنى الناس عليها القباب والمشاهد، واستغاثوا بها لقضاء حاجياتهم وبخاصة قبر الصحابي زيد في بلدة الجبيلة، هذا فضلًا عن التبرك بالنخل وغير ذلك من الأمور كغار الدرعية الذي كان الناس يرسلون إليه الهدايا والنذور.[4]

قامت دعوة محمد بن عبدالوهاب بالأساس ضد هذه الممارسات، واجتذبت دعوته العديد من الأنصار في منطقة نجد في وسط شبه الجزيرة العربية، الذين سمعوا بما لقاه شيخهم من دعم وتأييد في الدرعية، فتوجهوا إليها وتكاثروا بها، وقدر لهذه المدينة الصغيرة البسيطة خلال نصف قرن من الزمان أن تكون عاصمة شبه الجزيرة العربية.[5]

بعد أن تحولت الدرعية لمركز ثقل ديني وسياسي كبير على إثر اتفاق بن عبدالوهاب وابن سعود، بدأت تخرج الحملات العسكرية السلفية ضد من أعلنوا عداءهم للدعوة والدولة، وأخذت تنعقد فيها حلقات الدروس الدينية الدينية، ومنها كذلك بدأت تخرج البعثات الدينية إلى أنحاء شبه الجزيرة لنشر الدعوة السلفية.[6]

قضت الدولة السعودية الأولى أكثر من نصف قرن وهي تعمل من أجل توحيد نجد تحت الحكم الوهابي – السعودي، وخاضت الدولة حروبًا طويلة مع البلدان المجاورة للدرعية في نجد،[7]مثل العيينة وأميرها عثمان بن معمر الذي أخرج محمد بن عبدالوهاب من بلدته في بادئ الأمر بعد قضائه على امرأة بحد الزنا، وهو ما أثار ضده كما يقول المؤرخ والأديب اللبناني أمين الريحاني أهل الأحساء الذين تمتعوا منذ زمن طويل بالإباحات القرمطية الشيعية.[8]

استغلت الدولة السعودية الأولى في تلك الأثناء، ضعف تواجد الدولة العثمانية في منطقة الأحساء، التي استطاعوا أن يمدوا نفوذهم إليها ويخضعوها تحت سلطانهم رغم الانتشار الكبير للمذهب الشيعي بين سكانها.

بعد الاحتكاك بين أشراف الحجاز والدولة السعودية الأولى بسبب منع أنصار الشيخ محمد بن عبدالوهاب من أداء فريضة الحج، وعلى إثر ازدياد التوتر المتصاعد مع مرور الوقت بين الطرفين أرسل أشراف الحجاز حملة عسكرية قوامها 10 آلاف رجل إلى الدرعية مُنيت بالفشل، ليستمر بعدها الصراع على أشده بين الطرفين، وينتهي بضم الدولة السعودية الأولى لمنطقة الحجاز.

وبذلك امتدت حدود الدولة السعودية إلى البحر الأحمر، مما أعطاها نفوذًا جيوسياسي كبيرًا، ونفوذًا دينيًا بالغًا بسيطرتها على الأراضي المقدسة والحرمين الشريفين في مكة والمدينة المنورة، إلا أنها لم تكتف بذلك فتوسعت بعد ضمها للحجاز لتضم أيضًا كلًا من عسير وجازان ونجران.

امتدت الدولة السعودية كذلك إلى منطقة الخليج العربي شرقًا ، فبعد ضمها الأحساء المطلة على الخليج استطاعت أن تضم أيضًا معظم بلدات قطر كاليوسفية وفريحة والرويضة والحويلة ، ولم يكلف الدولة السعودية دخول قطر الشيء الكثير، ويرجع ذلك جزئيًا إلى التوافق في المذهب بينهم وبين الدعوة الوهابية، حيث كان المذهب الحنبلي هو المذهب السائد في قطر.[9]

استفادت الدولة السعودية من وصولها لمنطقة الخليج العربي حصولها على منفذ بحري متميز، يتأتى منه موارد اقتصادية كبيرة للدولة ناجمة عن التجارة البحرية و صيد الأسماك وصيد اللؤلؤ المستخرج من قاع مياه الخليج العربي، إضافة لهذا ما كانت تأخذه الدولة من زكاة من سكان المنطقة.[10]


ملامح نظام الحكم وإدارة الدولة في إمارة الدرعية

كان للدولة السعودية الأولى بيت مال موارده تأتي من الزكاة، كزكاة الزروع والثمار ومقدارها عشرة في المائة. وزكاة النقدين أي الذهب والفضة وهي ربع العشر، وزكاة السائمة من البقر والأغنام والإبل، وزكاة عروض التجارة.[11]

يقول الرحالة والمؤرخ السويسري يوهان لودفيك بوكهارت، إن زكاة الدولة السعودية الأولى كانت تصل في الإجمال إلى حوالي مليوني ريال، وبحسب المؤرخ عثمان بن بشر الذي عاصر الدولة السعودية الأولى كان الذي يحصل من بيت مال الأحساء يقسم ثلاثًا، ثلث يدخر للثغور والرباط، وثلث لرجال الدولة السعودية من نواب الإمام وبيوت بنيه وبيوت آل الشيخ وغيرهم في الدرعية، وثلث للعمال والولاة.[12]

كان نظام الحكم في الدولة السعودية الأولى يرأسه الأمام الذي تكون له السلطة السياسية و الدينية العليا، يلي موقع الإمام الذي يمثل قمة النظام السياسي، عدد من المناصب الأخرى ألا وهي ولي العهد وولاة المناطق والقضاة، وكان الإمام يستشير الشيخ محمد بن عبدالوهاب في كل الأمور، واستمر هذا حتى عهد الإمام عبد العزيز بن محمد الذي فوضه الشيخ بحسب الرواية السائدة في جميع الأمور السياسية، ثم تفرغ هو للشئون الدينية، وعلى هذا النحو تكرس توزيع السلطة بعد ذلك بين أسرتي آل سعود وآل الشيخ.


نهاية الدولة السعودية الأولى

في سبيل توحيد منطقة نجد خاضت الدولة السعودية أيضًا حروبًا مع دهام بن دواس أمير الرياض، واستطاعت بعد ذلك أن تضم إليها العديد من المناطق النجدية الأخرى كمنطقة الوشم والخرج وسدير والقصيم وجبل شمر.

نظرت الدولة العثمانية للدعوة الوهابية والدولة السعودية الأولى في البداية كانتفاضة بدوية كعادة القبائل في منطقة نجد، التي تعد في نظر الدولة العثمانية إقليمًا بعيدًا عن مراكزها الاستراتجية الاقتصادية والعسكرية في جزيرة العرب وخارجها.[13]

بعد أن امتدت الدعوة والدولة إلى جبل شمر والأحساء، بدأت الدولة العثمانية بالشعور بالخطر والنظر إلى الدولة السعودية كتحد ديني وسياسي، وشرعت في ضرب الدولة السعودية عبر عدة قوى محلية تابعة لها في المنطقة العربية، حيث بدأت تتجمع العديد من عوامل الاحتكاك بين العراق العثماني آنذاك وبين الدولة السعودية، ومن ثم تحول العراق إلى المركز الرئيس الذي تخرج منه الحملات العسكرية العثمانية ضد الدولة السعودية.[14]

بعد فشل ولاية العراق في القضاء على الدعوة والدولة السعودية، وبعد أن جربت الدولة العثمانية ردود الفعل المضادة للسعوديين القادمة من الشام ومن أشراف الحجاز، قرر العثمانيون تكليف والي مصر محمد علي باشا مهمة القضاء على الدولة السعودية، نظرًا لما تتمتع به ولايتها في مصر وقتئذ من إمكانيات مادية كبيرة، فضلًا عن تجربتها السياسية والإدارية والعسكرية والاقتصادية مع الشطر الغربي من الجزيرة العربية، ولاسيما منطقة الحجاز.[15]

بدأت أولى حملات محمد علي ضد الدولة السعودية في 19 رجب 1811م/ 1226 هـ وكان على رأس تلك الحملة ابنه أحمد طوسون، وكانت تتألف من 8000 جندي، وتعرضت للهزيمة في البداية منطقة وادي الصفراء بالحجاز، على يد قوات الدولة السعودية التي تمركزت في القمم الجبلية على أطراف الوادي.[16]

بعد إمداده بقوات إضافية وقيامه بإعادة تنظيم صفوف قواته، تقدمت قوات طوسون من جديد وسيطرت على المدينة المنورة ثم مكة المكرمة، إلا أنها تعرضت بشكل مستمر للهجمات المتكررة من قبل القوات السعودية، وتطلب الأمر بنهاية المطاف مجيء محمد علي بنفسه إلى الحجاز ليقود المعارك ويشرف على الخطط العسكرية بنفسه.[17]

استمرت المواجهات بين الطرفين لفترة طويلة من الكر والفر، ولم تفلح محاولات محمد علي في القضاء التام على الدولة السعودية، وبعد عودة ابنه طوسون إلى مصر، أرسل محمد علي ابنه الآخر إبراهيم باشا في حملة عسكرية تم تنظيمها والإعداد لها بعناية كبيرة.

تقدمت قوات إبراهيم باشا في وسط شبه الجزيرة وحققت انتصارات متتالية، حتى وصلت إلى الدرعية عاصمة السعودية الأولى، التي كانت محصنة بالقلاع والأبواب والأبراج والأسوار، فحاصرها وأقام حولها الخنادق والمتاريس لمدة خمسة أشهر، وهو ما أدى إلى قلة المؤن فيها مما أضعف الجبهة الداخلية للمدينة، واضطر الإمام عبدالله بن سعود الكبير حاكم الدولة السعودية بنهاية المطاف إلى تسليم المدينة، والسفر إلى الآستانة حيث أعدم هناك.[18]

المراجع
  1. عبد الرحيم عبد الرحمن عبد الرحيم، الدولة السعودية الأولي 1745 – 1818 واثرها على مجتمع شبه الجزيرة العربية، مجلة دراسات الخليج والجزيرة العربية، ، الكويت، السنة السابعة، العدد 25، يناير، 1981
  2. المصدر السابق
  3. عبد الفتاح حسن أبو عليه، محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، الطبعة الثانية، دار المريخ، الرياض، 1991، ص20 ،21
  4. محمد مرسي عبد الله،إمارات الساحل وعمان والدولة السعودية الأولي، المكتب المصري الحديث، الجزء الأول، القاهرة، 1978، ص111
  5. المصدر السابق ص 113
  6. محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، مرجع سابق، ص23
  7. المصدر السابق
  8. أمين الريحاني، تاريخ نجد الحديث وملحقاته، بيروت، الطبعة الثانية، 1954، ص39
  9. محاضرات في تاريخ الدولة السعودية الأولى، مرجع سابق، ص85
  10. المصدر السابق ص 84
  11. المصدر السابق ص 117
  12. المصدر السابق ص 118
  13. المصدر السابق ص 45
  14. المصدر السابق ص 48
  15. المصدر السابق ص 65
  16. المصدر السابق ص 68
  17. المصدر السابق ص 70
  18. المصدر السابق ص 78