لم ندخل المباراة بشكلٍ جيّد، النتيجة تعكس ما حدث خلال المباراة
لويس إنريكي

فجَّر فريق باريس سان جيرمان مفاجآت مُدويّة فوق عُشب حديقة الأمراء، حين استطاع أن يُمني مرمى برشلونة بأربعة أهداف مُذلة في ليلة عودة أنغام دوري الأبطال إلى المسامع بعد غياب. وذلك في ذهاب دور الستة عشر من بطولة دوري أبطال أوروبا لعام 2017.

توقع كافة المُتابعين أن يُكمل البرسا سلسلة تفوقه على العملاق الباريسي كفريق بشكلٍ عام، وعلى مدربه الجديد «أوناي إيمري» بشكلٍ خاص. حيث فشل الأخير – قبل هذا اللقاء – في الفوز على برشلونة في كافة اللقاءات عدا واحد فقط؛ وبالتالي، كان المُنتظر إما فوز البرسا، إما نتيجة إيجابية للكتلان خارج الديار تسهل من مهمة عبوره إلى الأدوار المقبلة كالمعتاد، لكن ما حدث كان مُغايرًا لهذا تمامًا.


الشوط الأول: البرسا لم يصل فرنسا بعد

بدأ الضيوف اللقاء بالخطة المُعتادة 4-3-3 بشراكة – ضعيفة – في خط الوسط مُكونة من كل من بوسكيتس، إنييستا وأندريا جوميس. وفي الأمام الثلاثي ميسي، سواريز ونيمار. في حين كوَّن خط الدفاع الرباعي – من اليمين إلى اليسار: سيرجيو روبيرتو، بيكيه، أومتيتي وجوردي ألبا.

تشكيل الفريقين، المصدر: www.whoscored.com
تشكيل الفريقين، المصدر: www.whoscored.com

بينما تكونت النسخة المعدلة من الشكل الخططي لـ4-3-3 خاصة « إيمري » مع الباريسيين، من الشاب كيمبيمبه الذي تشارك مع ماركينوس في خط الدفاع، بمعاونة على طرفي الملعب من توماس ميونيير جهة اليمين وكورزاوا جهة اليسار. وخط الوسط من الثلاثي ماركو فيراتي، رابيو وماتويدي، مُدعم بجناحين في الحالات الدفاعية ووقت الحاجة هما أنخيل دي ماريا وجوليان دراكسلر تحت رأس الحربة الوحيد والأكثر تحركًا، إدينسون كافاني.

السؤال التكتيكي الأهم دائمًا ما يكون هو أين وكيف يكون الضغط؟ والدروس السابقة لإيمري في مواجهاته ضد برشلونة وكذلك الدراسة الجيّدة التي قام بها الإسباني للنسخة الأسوأ من البرسا منذ أكثر من 5 مواسم، أوضحت أن الكتلان يعانون من نقطة ضعف كبيرة جهة اليمين المتواجد فيها روبيرتو. وبالتالي كان التركيز الهجومي كُله من هذه الجهة والتي استغل فراغها الألماني دراكسلر أفضل استغلال.

دراكسلر وبمعاونة دائمة من كورزاوا كانا دائما التواجد في الفراغ المتروك من قبل سيرجيو نتيجة تقدمه غير المحسوب لوسط ملعب الخصم. وفي ظل غياب شبه تام من قبل بوسكيتس الذي قدم واحدة من أسوأ لقاءاته رفقة البرسا، على هذه الجهة، أصبح هُناك متاع لتحرك فريق باريس سان جيرمان في هذا الجُزء من الملعب. وهو ما جعل هُناك تواجدًا مستمرًا من قبل ماتويدي في هذا الجانب لاستغلال المساحات التي تُترك خلف جوميس وبينه وبين الظهير الأيمن للبرسا.

لكن كيف لإيمري أن يضمن أن يظل روبيرتو وحيداً في هذه الجهة دون تدعيم من وسط الملعب؟ أو بطريقة أخرى، ما الذي يضمن نجاح الدور المطلوب من دراكسلر جهة اليسار؟ هُنا يأتي دور دي ماريا السحري في اللقاء. الأرجنتيني أجاد تمامًا في جهة اليمين، لكن الامتياز الأكبر كان حين يصل إلى عمق الملعب وهو ما يُشغل بوسكيتس عن الذهاب جهة اليمين. وكذلك تحرك كافاني الدائم والشاغل لقلبي دفاع الفريق الإسباني.


بوسكيتس وبداية النهاية

استطاع إيمري أن يعزل خط وسط ودفاع برشلونة عن خط هجومه، عن طريق تطبيق ضغط دائم ومتواصل على مواطن بناء الهجمة في فريق البرسا؛ فكان ذلك سببًا في انكشاف الثغرة التي يُعاني منها برشلونة طوّال هذا الموسم، ولكنها تختفي حينما تُترك الحرية للثلاثي الهجومي لإنقاذ الفريق – إجمالًا – من الهاوية التكتيكية. يظهر ذلك جليًّا حينما تعلم أن ثلاثي البرسا الهجومي لم يسدد كُرة واحدة بين الثلاث خشبات لمرمى تراب طوال ما يزيد على 90 دقيقة.

الخريطة الحرارية لسيرجيو بروسكيتس، المصدر : www.bein.com
الخريطة الحرارية لسيرجيو بروسكيتس، المصدر : www.bein.com

وتأكيدًا للشكوك التي أُثيرت في الفترات الأخيرة حول انخفاض ملحوظ في أداء بوسكيتس، جاء إيمري الليلة ليقطع الشك باليقين، بوسكيتس أصبح غير قادر بدنيًا على تحمل كافة الضغوط التي توضع عليه من الفرق التي تتمكن من تطبيق ضغط عال على برشلونة. والنعمة التي كان يُحسد عليها البرسا من قبل الجميع، بجودة الإسباني في بناء الهجمة، أصبحت نقمة.

تركيز بوسكيتس على النواحي الهجومية بشكلٍ زائد عن الحد المطلوب، كشف لوسط ملعب باريس الهجومي، خط دفاع البرسا بشكلٍ كامل. فباتت كُل الطُرق إلى مرمى تير شتيجن، ممهدة. وإذا تمت المقارنة بين تحركات بوسكيتس ونظيره في الفريق الفرنسي فيراتي نجد أن تحركات فيراتي على حدود مناطق جزاء فريقه ساعدت كثيرًا في حماية مرمى تراب وقضت تمامًا على الخطورة المفترض حدوثها من قبل ليو ميسي.

الخريطة الحرارية للإيطالي ماركو فيراتي أثناء المباراة، المصدر : www.bein.com
الخريطة الحرارية للإيطالي ماركو فيراتي أثناء المباراة، المصدر : www.bein.com

وفي ظل غياب للدور الدفاعي من قبل أجنحة البرسا، ميسي ونيمار، وضعف معلوم في النواحي الدفاعية عند جوميس وإنييستا؛ أصبح هناك – وللمرة الأولى تقريبًا – مساحات شاسعة في المسافة بين خط وسط ودفاع برشلونة. وبالتالي حالة من الانعزال شبه الكامل في خطوط الفريق الإسباني تجعلنا نؤكد أن البرسا في شوط اللقاء الأول لم يصل إلى فرنسا من الأساس.


الشوط الثاني: لا جديد يُذكر ولا قديم يُعاد

المتوقع في الشوط الثاني، كان انخفاض في الحالة البدنية للاعبي باريس سان جيرمان نتيجة المجهود الكبير المبذول في الـ45 دقيقة الأولى. لكن الواقع أثبت غير ذلك تمامًا. فلقد استمر أداء الفريق على حالته كما هيّ نتيجة اتباع كافة اللاعبين للمنظومة الموضوعة من قبل المدرب الإسباني، حتى البدلاء الذين أبلوّا بشكلٍ حسن يُناسب تمامًا ما هو مطلوب في الدقائق المتبقية من النصف الأول للرواية.

الدعم بلوكاس مورا وباستوري كان الهدف منه زيادة الفترة التي يحتفظ بها الفريق الفرنسي بالكرة ومن ثم إجهاض أي محاولة للنهوض من قبل الخصم وفرصة لأخذ الأنفاس لصالح الزملاء من أجل الاستمرار بذات القوة البدنية التي استمرت طوال دقائق اللقاء.

على النقيض تمامًا، فشل إنريكي في تعديل الأمور في الشوط الثاني، بل زادها سوءًا بتدخله لسحب أندريا جوميس لصالح رافينها ألكانتارا وليس لصالح راكيتيتش الذي تأخر وصوله كثيرًا لأرض الميدان. التغيير الأول للويس إنريكي زاد الأمور سوءًا على الجهة اليُمنى من ملعب البرسا، لأن الغرض من ذلك التغيير كان محاولة الضغط للحصول على هدف يُسهل من مهمة البرسا في العودة، لكن ذلك الاندفاع كلف البرسا استقبال هدفين أخيرين أوديا بعمر هذه الرحلة إكلينيكيًا. وزاد من المساحات في وسط الملعب والتي أحسن استغلالها أظهره طرف البي إس جي كثيرًا.


أدريان رابيو: الأهداف وحدها لا تكفي

المعتاد من جمهور كرة القدم في هذه المباريات أن ينهال بالمديح على اللاعبين أصحاب الأهداف أو التمريرات الحاسمة فقط. لكن في الحقيقة أفضل لاعب -في رأيّ- يستحق المديح اليوم هو أدريان رابيو.

تركيبة باريس التكتيكية التي يعتمد عليها إيمري تختلف تمامًا عن نظيرتها في ظل ولاية لوران بلان حتى لو اتفقا في الرقمية. الأخيرة كانت تعتمد على كثرة التمريرات العرضية الباحثة عن ثغرة عفوية في خط وسط ودفاع الخصم وكذلك محاولة الارتداد السريع وقت المرتدات لإيجاد منفذ للوصول إلى مرمى الخصوم. الإسباني لا يفعل ذلك تمامًا، بل يُوقن في قرارة نفسه أن عليه وفريقه خلق المساحة اللازمة لبناء اللعب ومن ثم تحقيق الأهداف. التحرك السريع، الديناميكية في تموّج لاعبي خط الوسط والهجوم، الانضباط التكتيكي والضغط العالي المطبق على المنافسين. كُلها أمور جديدة على شخصية الفريق الفرنسي وأغلبها برعاية الشاب الفرنسي الرائع، رابيو.

الخريطة الحرارية لأدريان رابيو خلال اللقاء، المصدر: www.bein.com

النقطة التكتيكية الأبرز في فريق إيمري -بجانب الضغط الممتاز وخنق بناء اللعب- كانت الخروج السلس بالكرة من الدفاع إلى الوسط ثم إلى الهجوم. وبالعودة إلى الخريطة الحرارية، نجد أن رابيو هو أكثر لاعبي خط الوسط تواجدًا بالقرب من قلبي الدفاع وأكثر لاعبي فريقه لمسًا للكرة بـ79 لمسة خلال دقائق اللقاء. ولقدرته العالية على الاحتفاظ الجيّد بالكرة تحت ضغط لحين تحرك الفريق واتخاذ الوضعية الأمثل هجوميّاً، وهو ما كان سببًا بارزًا في الظهور الممتاز الذي بدا على ظهيري الطرف ميونيير وكورزاوا.

كذلك ظهر رابيو بشكلٍ ممتاز على الجانب الدفاعي، حيث استطاع النجاح في 100% من تدخلاته الدفاعية وقام بـ4 اعتراضات ناجحة، ذلك بالإضافة لصناعته لفرصة واحدة محققة للتسجيل.


ارقد في سلام يا إنريكي

الخريطة الحرارية لأدريان رابيو خلال اللقاء، المصدر: www.bein.com
الخريطة الحرارية لأدريان رابيو خلال اللقاء، المصدر: www.bein.com

مؤكد أن الجميع يتفق على أن هذه النتيجة ستُنهي رحلة برشلونة في دوري الأبطال سريعًا، بعدما بات التعويض داخل معقل الكامب نو، مهمة شبه مُستحيلة. ولأن الفريق يؤدي بشكلٍ باهت على المستوى المحليّ، فأظن أن الوقت قد حان لتوديع لويس إنريكي واستبداله بأحدٍ ما يُمكنه إيجاد حلول تكتيكية غير فردية في فريق البرسا. الفريق يعاني تمامًا حينما يوضع تحت ضغط، وهو ما وضح للجميع خلال كافة لقاءات هذا الموسم عدا المدير الفني للفريق. أو الأكيد أنه وضح له لكنه لا يملك الحلول اللازمة لدرأ خطورة هذا الشيء. ولأن فريق بحجم البرسا لا يمكن أن يظل قائمًا على أكتاف ثلاثة لاعبيين فقط. فيجب على إدارة الفريق الكتالوني أن تقول للويس إنريكي: ارقد في سلام.