في مدينة ووهان الصينية حيث أسواق اللحوم والمأكولات المختلفة، ظهر فيروس كورونا لأول مرة. سرعان ما وصل فيروس كورونا إلى العديد من الدول حول العالم، وسط ذعر وخوف من انتشار الوباء وتهديده حياة الآلاف بل الملايين من الناس.

لذا، حفز الوباء الجديد شركات الأدوية والمؤسسات البحثية كالمعاهد الوطنية للصحة على تطوير لقاحات جديدة بغرض الوصول إلى علاج باتّ لذلك الفيروس التاجي.

في يناير/كانون الثاني 2020، أعلن تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة عن نيته توفير نحو 11 مليون دولار لتمويل تطوير لقاحات ضد فيروس كورونا، ومن المقرر إجراء فحص لثلاثين علاجًا محتملاً لذلك الفيروس وعلى رأسهم عقار ريمسفير.

لكن، تُرى هل صناعة الأدوية والتمويل الضخم المبذول فيها، مُجز إلى تلك الدرجة في أوقات الوباء، أم أن الأمر محض إنقاذ للبشرية بدون عائد ربحي يذكر؟

حجم أرباح صناعة الأدوية

تعد صناعة الأدوية، ما يشمل تطوير وإنتاج وتسويق الأدوية، واحدة من أكبر الصناعات وأكثرها ربحية على مستوى العالم.

وتتربع أمريكا الشمالية على عرش الرابحين الأكبر من تلك العائدات، نظرًا للدور الرائد لصناعة الأدوية الأمريكية والتي تتميز بتسجيل عدد كبير من براءات الاختراع، مما يمكّن تلك الشركات من امتلاك أكبر حصة من عائدات الأدوية.

ومع ذلك، بسبب حجم الاستهلاك المحلي الضخم الذي يقارب نصف الاستهلاك العالمي، تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثالثة بين أكبر مصدري الأدوية في العالم بنحو 49.7 مليار دولار، بعد ألمانيا التي تصدر أدوية بقيمة 84.7 مليار دولار، وسويسرا التي تبلغ قيمة صادراتها الدوائية نحو 71.7 مليار دولار.

ووفقًا لإحصائيات موقع استاتيستا عن حجم أرباح أكبر شركات الأدوية لعام 2018، فإن شركة فيزار العالمية وهي شركة الأدوية الأكبر في مدينة نيويورك قد جنت أرباحًا صافية قدرها 15 مليار دولار من إجمالي عائدات تجاوز 53 مليار دولار، قرابة 5 مليار منها تعود إلى عقار ليركا وحده.

تأتي شركة جونسون آند جونسون الأمريكية في المرتبة التالية بنحو 12 مليار دولار من الأرباح، وهو الرقم ذاته الذي حققته شركة روش السويسرية تقريبًا، بينما جنت شقيقتها السويسرية نوفارتيس قرابة 6.76 مليار دولار.

ليس هذا مستغربًا، فدواء واحد يمكنه أن يعود بعشرات المليارات من الدولارات في التجارة الدولية كل عام، ففي عام 2018 على سبيل المثال، حقق عقار هوميرا، وهو دواء مضاد للالتهابات الروماتيزمية، حوالي 20 مليار دولار من مبيعات الأدوية على مستوى العالم في عام 2018.

كما حققت أدوية السرطان وعلاجات الأورام ما يقرب من 100 مليار دولار من إجمالي الإيرادات في العام ذاته.

ومن المتوقع أن تنمو مبيعات الأدوية العالمية للعقاقير الطبية وحدها، بمعدل نمو سنوي مركب من 1.7% في الفترة بين 2011-2018، إلى معدل نمو قدره 6.9% ليصل إلى 1.18 تريليون دولار بحلول عام 2024.

ترويج شركات الأدوية للأوبئة

يـجب أن تكون منظمة الصحة العالمية شفافة، لأن هناك تشويهًا لأولويات خدمات الصحة العامة في جميع أنحاء أوروبا، وإهدارًا لمبالغ ضخمة من المال العام واستفزازًا للخوف غير مبرر.
بول فلين، نائب عمالي في لجنة الصحة بالمجلس الأوروبي.

وفق تحقيق كشفت عنه صحيفة الجارديان وأجرته المجلة الطبية البريطانية ومكتب الصحافة الاستقصائية، فإن إرشادات الصحة العالمية الصادرة في عام 2004 بخصوص التعامل مع الإنفلونزا، قام بكتابتها ثلاثة علماء تلقوا أموالاً من قبل بعض شركات الأدوية، وعلى رأسهم شركة روش المصنعة لعقار «تاميفلو»، وجلاكسو سميث كلين البريطانية المصنعة لـلمضاد الفيروسي «ريلينزا».

إذ صاغ أولئك العلماء المبادئ التوجيهية الرئيسية للمنظمة، بما يصب في مصلحة تلك الشركات، من خلال نصح الحكومات بتخزين الأدوية في حال تفشي وباء الإنفلونزا. وبحسب محللين، فإن شركات الأدوية جنت أكثر من 7 مليارات دولار، حينما استجابت الحكومات لفكرة تخزين أدوية الإنفلونزا، عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تفشي وبائي إنفلونزا الطيور والخنازير.

ففي عام 2005، قالت الحكومة البريطانية إنها بدأت بشراء عقار «تاميفلو» بكميات كبيرة، حيث طلبت في البداية 14.6 مليون جرعة بعد أن تسببت إنفلونزا الطيور في وفاة 40 شخصًا في آسيا، وقد أنفقت المملكة المتحدة ما يقدر بنحو مليار جنيه إسترليني لتخزين الأدوية واللقاحات.

غير أن ما تم توقعه لم يتحقق، مما تسبب في خسارة تلك الدول في ظل تراجع المرض وعدم استفادتها بما قامت بتخزينه من دواء، ولذلك سعت تلك الدول إلى إلغاء عقود الأدوية واللقاحات باهظة الثمن مع شركات الأدوية.

تصريف قليل من الماء كيلا ينهار السد

منذ عشرين عامًا، كان يموت يوميًا الآلاف من الأفارقة بسبب إصابتهم بمرض الإيدز وعدم توفر العلاج الكافي، في الوقت الذي ادعت فيه شركات الأدوية عدم قدرتها على تحمل تكاليف خفض أسعار أدوية الإيدز.

لذا، أقر برلمان جنوب أفريقيا في عام 1998 قانونًا يمنح فيه وزيرة الصحة في الدولة، صلاحية تجاوز حقوق الملكية الفكرية عبر منح الإجازات وإنتاج نسخ بديلة لأدوية الإيدز بأسعار مخفضة. الأمر الذي رفضته رابطة الصناعات الدوائية بجنوب أفريقيا وشركات الأدوية العالمية وقامت برفع دعوى قضائية ضد حكومة جنوب أفريقيا، باعتبار أن ذلك القرار يضر بمواردهم ويمنعهم من إنتاج أدوية جديدة.

غير أن شركات الدواء العالمية أعلنت عن تنازلها عن الدعوى القضائية، بعد مرور ثلاث سنوات. ومنذ ذلك الحين وخلال العقدين الماضيين، اتجهت شركات الأدوية الكبرى إلى توزيع الأدوية الفعالة بأسعار مخفضة في الدول الفقيرة من العالم، والتي دعمت جنوب أفريقيا في قرارها.

تسبب هذا في إنقاذ ملايين الأرواح كل عام، إذ باتت الأدوية الضرورية الخاصة بالملاريا والسل والتهاب الكبد الوبائي وبعض أنواع السرطانات، تُباع بأسعار منخفضة في البلدان الفقيرة.

لكن تُرى، لماذا قررت شركات الأدوية أن تكون إنسانية إلى هذه الدرجة؟

الجواب، أن ما فعلته شركات الأدوية العالمية، بجانب اعتباره إسهامات خيرية تتباهى بها الشركات وتساهم في خفض ضرائبها، حال دون انهيار حقوق الملكية الفكرية الحصرية الخاصة بها والتي تدر عليها مليارات الدولارات.

الأكثر من ذلك أن عددًا من هذه الشركات أصبح يتعاون مع شركات الأدوية هندية الجنسية، التي لطالما وصفوها قبل ذلك بـ«القرصنة»، من خلال منحهم تراخيص لاستخدام براءات الاختراع تمكنهم من إنتاج أدوية رخيصة الثمن لشعوب أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية.

كيف تعظم شركات الأدوية من أرباحها في أوقات الأوبئة

وفقًا لبيانات منظمة الصحة العالية، فإنه في عام 2003، أسفر تفشي مرض السارس، الذي انطلق من الصين، عن إصابة نحو 8100 شخص بالمرض، ووفاة 774 شخصًا.

وخلال فترة انتشار المرض، عكفت شركات الأدوية على إنتاج عقارات مناسبة لمواجهة الوباء، وقد تم استخدام عقار زاداكسين، الذي صنع أساسًا لعلاج التهاب الكبد الوبائي، كدواء يساعد على مواجهة السارس. تسببت صادرات الدواء إلى الصين وحدها في زيادة مبيعات زاداكسين إلى أكثر من 15 مليون دولار أمريكي في الربع الثاني من عام 2003، مقارنة بعائدات قدرها 5 ملايين دولار أمريكي للربع الأول من عام 2003.

تكرر الأمر مع إنفلونزا الخنازير ، التي أثار انتشارها من جنوب شرق آسيا إلى أوروبا، مخاوف من انتشار الوباء على مستوى العالم، مما قد يودي بحياة 50 مليون شخص.

تمكنت شركة روش للأدوية، بفضل التسويق الناجح لعقار تاميفلو، من تحقيق مبيعات تجاوزت 770 مليون دولار خلال النصف الأول من عام 2006. خلال السنوات اللاحقة، استمرت مبيعات تاميفلو في الزيادة حتى تجاوزت، خلال التسعة أشهر الأولى من عام 2009، المليار دولار أمريكي.

بيد أن شركات الأدوية ليست فقط المستفيد الأوحد، فخلال الفترة بين 2003-2009، التي شهدت ظهور ثلاثة أوبئة خطيرة وهم السارس وإنفلونزا الطيور وإنفلونزا الخنازير، سجلت مبيعات المطهرات اليدويّة ارتفاعًا مطردًا وتضاعفت معها مبيعات شركة جونسون آند جونسون إلى ما يقرب من 42 مليون دولار من إجمالي 90.3 مليون دولار في سوق المطهرات.