عادة ما تتحفَّظ الأسرة المصرية، وأغلبها أسر متدينة، إذا ما أعلن أحد أبنائها رغبته في الاقتران بامرأة سبق لها الزواج من قبل، باعتبار أنه نقيصة تسلب من صاحب التجربة السابقة الحق في خوضها مجددًا بلا همز أو لمز، وهو ما يتناقض تمامًا مع سيرة النبي الذي لم يكتفِ بالزواج من مطلقات وأرامل فقط، وإنما اتسعت حياته لنواحٍ تعامل فيها مع الأزواج السابقين لزوجاته دون أن يثيروا حساسية لديه، بل فتح بعضهم البلاد ونشروا الإسلام وبذلوا أرواحهم دفاعًا عن الإسلام ونبيه.

لم يتزوج النبي بِكرًا إلا عائشة بنت أبي بكر، أما غيرها من نسائه أمهات المؤمنين (رضي الله عنهن) فخُضن تجربة الزواج مرة أو اثنتين قبل الاقتران به، من رجال تباينت سيرتهم ومواقفهم قُربًا أو بُعدًا من الإسلام ونُصرة الرسول، فمنهم مَن صاحب النبي ومات نصرةً للدين، ومنهم من كفر بالدعوة وحاربها حتى قُتل في سبيل ذلك.

في هذا التقرير، نستعرض أبرز سِير الرجال الذين اقترنوا بنساء النبي قبل زواجه منهن.


خديجة بنت خويلد

قبل زواجها بالرسول عرفت «الطاهرة»، كما كانت تُسمَّى قبل الإسلام، الاقتران من رجلين كانا من أصحاب المال ورثت عنهما ثروة استغلتها في التجارة لاحقًا. وفقًا لما رواه ابن إسحاق في سيرته، كان عتيق بن عائذ المخزومي أول حظها من الرجال.

وكما روى ابن حزم في كتاب «جمهرة أنساب العرب»، فإن والد عتيق هو عائذ بن عبدالله بن عُمر بن مخزوم تزوَّج من برَّة بنت أسد بن عبد العزى بن قصي [1]، وأنجبا بخلاف عتيق: أميَّة، وعبدالله، وصيفي الذي كان يُكنَّى بأبي السائب.

يتفرد السهيلي في كتابه «الروض الأنف» بأن خديجة أنجبت من زوجها الأول صبيًا أسموْه عبد مناف، وهو الرأي الذي لا يتفق معه معظم كتب التاريخ التي مالت إلى أن خديجة ولدت له فتاة وحيدة مات عنها أبوها وهي في سن الزواج [2]، اسمها هند، اقترن بها أحد أبناء عمها، وولدت له «محمدًا»، فكُنِّيت بِاسمه وصارت «أم محمد». حارب زوجها ضد النبي في بدر مع إخوته ومات على غير الإسلام، أما هند نفسها فأسلمت واعتُبرت ضمن صحابيات الرسول، لكنها لم تروِ عنه شيئًا.

أما زوج خديجة الثاني فهو أبو هالة التميمي (له اسم آخر هو النبَّاش أو هند بن زُرارة) الذي خلف عليها عقب وفاة عتيق. هو من بني أسد بن عمرو بن تميم [3]، وأنجبت له 4 أبناء، هم: هند، هالة، الطاهر، والحارث؛ جميعهم ذكور أسلموا وحسنت سيرتهم.

أما الأخير فهو أول شهيد بالإسلام في الركن اليماني بالكعبة، بعدما أمره النبي أن يصدع بالقرآن داخل المسجد الحرام فقتله المشركون فورًا، فيما بعث الرسول الطاهر إلى اليمن ضمن صحبة معاذ بن جبل ليُعرِّف أهلها بالإسلام.

ويروي ابن كثير في «السيرة النبوية» أن هندًا الابن حكى أشهر ما رُوي عن وصف الرسول، وهو حديث وصف فيه شكله وخُلقه ببلاغة وكيف أنه كان «فخمًا مفخمًا يتلألأ وَجهه تلألؤ الْقَمَر»، اعتنت كتب التاريخ بقوله واعتمدت عليه كمرجع أساسي في معرفة خِلْقة النبي. حارب مع الإمام علي في موقعة الجمل فمات قتيلًا بها.


سودة بنت زمعة

اقترنت بالسكران بن عمرو، وهاجرت معه إلى الحبشة. ويقول ابن إسحاق في سيرته بشأنه إنهما كانا أولاد عم، تزوجها بكرًا، هاجرا معًا وهناك رأت [4] سودة رؤية فسَّرها رجلها بأنه سيموت وأنها ستتزوج من بعده النبي، وهو ما حدث، فلما عادا معًا إلى مكة اشتكى من عِلة مات على إثرها. وزعمت بعض المرويات أنه ارتدَّ عن الإسلام وتنصَّر، لكن لم يثبت صحتها بإسناد قوي.


حفصة بنت عمر

اقترنت قبل زواجها بالنبي بالصحابي خنيس بن حذافة السهمي (رضي الله عنه) الذي شهد معركة بدر ومات في المدينة [5]، وهو أخو الصحابي عبدالله بن حذافة الذي بعثه النبي برسالة إلى كِسرى يدعوه بها للإسلام، وشهد فتح مصر ومات بها.

في كتابه «حلية الأولياء وطبقات الأصفياء» ذكره الأصبهاني ضمن أهل الصُّفَّة، وعدَّه من المهاجرين الأوائل في الإسلام، فكان ضمن من سافروا إلى الحبشة، ولما عاد منها تزوج حفصة وهاجرا سويًّا إلى المدينة [6] حيث حارب مع النبي في بدر.

لم ينجبا أبناءً طوال سنين زواجهما إلى أن توفي خنيس متأثرًا بجراحه الثمانية [7] التي أصابته يوم أُحُد. صلَّى عليه النبي ودفنه بالبقيع.


زينب بنت خزيمة

يقول خالد الحمودي في كتابه «أم المؤمنين زينب بنت خزيمة» إنها تزوجت من الطفيل بن الحارث بن عبد المطلب، ولمَّا هلك عنها تزوجها أخوه عبيدة، وكلاهما ابن عم الرسول، وأمهما هي سخيلة بنت خزاعي الثقفية.

كان عبيدة أكبر من الرسول بعشر سنوات، وكان «مربوعًا أسمر حسن الوجه»[8]، أسلم مبكرًا بعد «ساعة واحدة» من لقائه مع النبي قبل أن يبدأ النبي دعوته في دار الأرقم بمكة [9] . وهاجر إلى المدينة حيث آخى الرسول بينه وبين بلال بن رباح. قاد أولى مناوشات قتالية بين المسلمين والمشركين قبل موقعة بدر، وذلك بعدما أرسله النبي بصحبة فريق من المسلمين منهم سعد بن أبي وقاص، لاعتراض عِير قريش في منطقة تُدعى رابغ، فتراموا بالأسهم ولم يكن بينهم مسايفة [10]، لذا وصفه ابن إسحاق بأنه صاحب «أول راية في الإسلام».

شهد بدرًا، وكان من الثلاثة الذين اختارهم النبي للتبارز، بصحبة حمزة بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب، قبل اندلاع القتال بين الطرفين، وهو المشهد الذي نزلت فيه آية «هذان خصمان اختصموا في ربهم» (الحج: 19)[11]، لكنه لم ينجح في المبارزة وأصابه مُقاتِله شيبة بن ربيعة بجرحٍ بالغ في ساقه وكاد أن ينهي حياته لولا تدخل حمزة وعلي، لكن هذا لم يمد في عمره إلا ساعات فمات في نهاية يومه على إثر هذه الإصابة [12] بين يدي الرسول [13]، فدفنه بـ «الصفراء» وهو ابن 63 سنة.


هند بنت أبي أمية (أم سلمة)

زوجها هو ابن عمها عبد الله بن عبد الأسد بن مخزوم المعروف بأبي سلمة، وهو ابن «برَّة» بنت عبد المطلب عمة الرسول وأخوه في الرضاعة بعدما رضع كلاهما من ثويبة مولاة برَّة [14]، وأحد المسلمين الأوائل الذين آمنوا بالنبي أيضًا في جلسة «الساعة الواحدة». كان أول من هاجر بصحبة زوجته إلى الحبشة [15]، وأنجبا 4 أبناء هم: برَّة (أسماها الرسول زينب)، سلمة، عمر ودرَّة.

رُوي عن النبي بحقه أنه «أول من يُعطى كتابه بيمينه»[16]. شهد بدرًا وأحدًا وأصيب فيها بسهم بعضده لكنه برئ منه، وبعدها بسنتين أمَّره النبي على سرية محدودة من 150 رجلًا إلى منطقة تُسمى «فيد» فاشتد عليه جرحه مجددًا ومات سنة 4هـ، فدعى له الرسول قائلًا: «اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين»[17]. ولما توفي، دعت أم سلمة: «اللهم اغفر له وأعقبني منه عُقبى حسنة»[18]، فتزوجها النبي.


صفيَّة بنت حيي بن أخطب

أول من تزوجها هو سلام بن مشكم سيد يهود بني قريظة وفارسهم وشاعرهم، وقد ارتبط اسمه في كتب التاريخ بمحاولتين لقتل الرسول، الأولى كانت عن طريق إحدى زوجات سلام وهي زينب بنت الحارث التي حاولت قتل النبي بشاة مسمومة خلال فتح خيبر [19]، أما الواقعة الأخرى فكانت حينما أراد اليهودي عمرو بن جحاش النضري أن يلقي صخرة فوق رأس الرسول فنهاه ابن مشكم قائلًا: «والله ليُخبَرن بما هممتم به، وإنه لنقض العهد الذى بيننا وبينه»[20]، وهو ما حدث بالفعل.

وفي تفسيره لآية: «وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ» (التوبة: 30)، يروي الإمام فخر الدين الرازي بكتابه «التفسير الكبير» عن ابن عباس أن من زعم هذا الرأي هو جماعة يهودية أخبرت النبي بذلك، وهم: سلام بن مشكم، نعمان بن أوفى، شاس بن قيس، مالك بن الصيف.

وفي تفسير الطبري لآية «وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به» (البقرة: 89)، أنها نزلت تعقيبًا على مناقشة حادة بين معاذ بن جبل وسلام عابَ عليه فيها الأول على الثاني عدم إيمانه بالنبي رغم أنه كان يخبره بصفته سابقًا، فأجابه سلام: «ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو بالذي كنا نذكر لكم!».

بعد ذلك، طلَّق سلام صفية، وتزوجت من كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري، الذي كانت عروسًا له حين حلمت بقمرٍ يقع في حجرها، وهي الرؤيا التي تلقت بسببها لطمة من أبيها بعدما فسَّرها على أنها تطمع في الزواج من النبي [21]. وكلا زوجي صفية لعب دورًا في تحريض أهل مكة على غزو النبي في المدينة [22]، فكانا سببًا في وقوع غزوة الاحزاب، وكلاهما مات خلال فتح خيبر.

الأخير نزل بسببه قرآن أيضًا، فيروي ابن هشام في سيرته أنه كان أحد جماعة اليهود الذين علموا بنبأ تغير القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة فسألوا النبي: «ما ولَّاك عن قبلتك التي كنت عليها»، فنزل قوله تعالى: «سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم» (البقرة: 142).


زينب بنت جحش

تزوجت قبل الرسول بزيد بن حارثة أحد أشهر الصحابة الذين لازموا النبي، وهو الوحيد من ضمن صحابته الذي ذُكر بِاسمه في القرآن. تربَّى على يدي النبي منذ أن اشترته خديجة غلامًا ووهبته له، وكان يُدعى زيد بن محمد حتى نزلت آية «ادعوهم لآبائهم». وكان الرسول يثق فيه ويسمِّيه «الحِبّ»[23].

من أوائل الرجال الذين آمنوا بالنبي، شهد المشاهد معه حتى مات شهيدًا في غزوة مؤتة. تروي عائشة أنه «ما بعثه الرسول في جيش إلا وأمَّره عليه، ولو بقي بعده لاستخلفه».


جُويرية بنت الحارث

كانت متزوجة من ابن عمها مسافع بن صفوان بن أبي الشفر. عادى الإسلام بضراوة، وتوفي في غزوة بني المصطلق على أيادي جيش المسلمين [24].


رملة بنت أبي سفيان (أم حبيبة)

زوجها الأول هو عبيد الله بن جحش بن رئاب الأسدي الذي أنجبت منه ابنتها «حبيبة» التي كُنِّيت بها، ذُكر عبيد الله في جماعة الأحناف قبل البعثة، وكان ضمن أصحاب ورقة بن نوفل الذين تمردوا على عبادة الأصنام، فآمن بالرسول مبكرًا وهاجر إلى الحبشة، لكنه ارتدَّ عن الإسلام وتنصَّر [25] وتوفي هناك.


ميمونة بنت الحارث

تزوجت أولًا من رجل يُدعى مسعود بن عمرو الثقفي قبيل الإسلام، ولما فارقها، تزوجها أبو رُهْم بن عبد العزى العامري لا نعرف عُمره لكن رواية ابن سعد في «الطبقات الكبرى» أن أبا رُهْم كان صغيرًا حين توفي جد النبي هاشم في غزة، وأنه تحديدًا عاد بِتركته لأهله، وتؤكد أنه كان طاعنًا في السن لحظة الاقتران بها. ولدت له ميمنونة أبا سبرة، وهو صحابي حسن إسلامه وشهد بدرًا وأحدًا والمشاهد كلها. ولما مات أبو رُهْم اقترن بها النبي عقب فراغه من العمرة سنة 7هـ.

المراجع
  1. مصعب بن عبد الله الزبيري: «نسب قريش»
  2. السيد الجميلى: «نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم»
  3. يعقوب بن سفيان الفسوي: «المعرفة والتاريخ»
  4. أسامة الجعافرة‎: «موسوعة الصحابيات»
  5. صحيح البخاري (حديث رقم 3259)
  6. علاء الدين مغلطاي بن قليج والبكجري الحنفي‎: «الإشارة إلى سيرة سيدنا محمد المصطفى (ص)»
  7. «الرياض النضرة في مناقب العشرة»: في مناقب خليفة رسول الله أبي بكر الصديق
  8. ابن سعد: «الطبقات الكبرى» (الجزء الثالث)
  9. المرجع السابق
  10. صحيح البخاري (حديث رقم 3555)
  11. صحيح البخاري (حديث رقم 3783)
  12. كمال علي المنتصر: «سرايا وغزوات الرسول»
  13. المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (حديث رقم 5071)
  14. علي الصلابي: «السيرة النبوية – دروس وعبر في تربية الأمة وبناء الدولة»
  15. الشريعة للآجري (حديث رقم 1125)
  16. الأوائل للطبراني (حديث رقم 82)
  17. صحيح مسلم (رقم الحديث: 1534)
  18. رياض الصالحين (حديث رقم 920)
  19. محمد حبيب الله بن عبد الله الشنقيطي : «زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم»
  20. صفي الرحمن المباركفوري‎: «الرحيق المختوم»
  21. ابن كثير: «البداية والنهاية»
  22. ابن القيم: «زاد المعاد»
  23. محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي: «سير أعلام النبلاء»
  24. المستدرك للحاكم النيسابوري
  25. سيرة ابن هشام