أصبحت إزالة اللوزتيْن في مصر أشبه بفلكلور شعبي تخطى كثيرًا الجانب الطبي المفترض أنه الأهم في هذا الأمر! وأصبح إجراء عملية إزالتهما tonsillectomy هو مرحلة ثابتة في تطور حياة الطفل المصري، حتى قد يسأل عنها الأقارب والمعارف بإلحاح للاطمئنان علي الطفل.. ( هو شال اللوز ولا لسه ؟! ) كأنهم يسألون مثلًا ( هل دخل المدرسة؟!) … وصيغة السؤال تكسب الأمر رداءً من الحتمية، فالأطفال نوعان في هذا التصور .. منهم من قضى على لوزتَيْه بالفعل، ومنهم من ينتظر .. وما بدلوُّا تبديلا !

بل قد ينتقل للطفل من هذا الضغط المحيط، إحساس بالنقص أو الحرمان لكون ابن خالته مثلًا أو صديقه بالمدرسة قد قام بإزالتهما، وحظي دونَه بالجرعة المشهورة من المثلجات والآيس كريم، والتي أصبحت أشبه بالعيدية أو كحك العيد في كرنفال إزالة اللوزتيْن!


لماذا خلق اللهُ اللوزتيْن ؟؟!!

تمثل هذه اللوز جميعًأ أبراج حراسة متقدمة تابعة لجهاز المناعة بالجسم، تحمي ثغريْن مهمين للولوج إلى الجسم من خلال الأنف والفم.

قد يتفاجَأ البعض أن اللُّوَز tonsils أكثر من اثنتيْن. فهناك اللوزة اللسانية lingual tonsil داخل نسيج الجزء الخلفي من اللسان، وهناك اللوزتان البلعوميتان tubal tonsils، وهاتان أقل شهرة من ضحايا عملية إزالة اللوز، وهما اللوزتان الحَنَكيَّتان palatine tonsils المنتصبتان في مدخل الفم ( الحنك ) الخلفي من جهة البلعوم oropharynx، واللحمِيَّتَان adenoids القائمتان في مدخل الأنف من جهة البلعوم nasopharynx.

تمثل هذه اللوز جميعًأ أبراج حراسة متقدمة تابعة لجهاز المناعة بالجسم، تحمي ثغريْن مهمين للولوج إلى الجسم من خلال الأنف والفم. ولذا فتكوينها النسيجي مشابه جدًا للعقد الليمفاوية، ويسيطر عليها بالأساس كُرَيَّات الدم البيضاء WBCs، والتي تمثل القوات الدفاعية الأساسية عن جسم الإنسان. وعند وصول البكتيريا أو غيرها من مسببات المرض إلى اللوز، يبدأ في ساحتها معركة حقيقية مع خلايا المناعة، فتؤدي الأسلحة التي يستخدمها كلا الطرفين من مواد سامة ومحفزة للالتهاب .. الخ إلى تضخم اللوز أثناء المعركة، وقد ترتفع درجة الحرارة الجسم ككل. ثم تعود الأمور إلى الوضع العادي في أكثر الأحوال بانتصار المناعة، خاصة مع الالتزام بالتعليمات الطبية المساعدة كالراحة، والطعام الصحي الجيد، والمضادات الحيوية على قدر الحاجة بناء على استشارة طبيب مختص، يتأكد من وجود العلامات المرجحة لوجود إصابة بكتيرية كظهور الصديد على اللوز مثلا .. الخ.

ومن أهم أنواع كُريَّات الدم البيضاء التي تتواجد باللوز، وللأخيرة دورٌ مهم في نموَها وتطورها، الخلايا الليمفاوية تي T-lymphocytes، والتي تمثل العمود الفقري لعمل جهاز المناعة. فمنها خلايا تي المساعدة T-helper والتي تمثل مايسترو تنظيم عمل جهاز المناعة، وخلايا تي القاتلة T-cytotoxic التي تقتل خلايا السرطان، والخلايا المصابة بالفيروسات .. الخ. وكان الشائع حتى عهد قريب، أن تطور هذه الخلايا يحدث في الغدة الثيموسية Thymus والتي اشتق من اسمها حرف الـ T في اسم هذه الخلايا، حتى أثبتت دراسات حديثة حدوث مثل هذا التطور في اللوز أيضًا.


عملية إزالة اللوزتيْن واللحمية في الميزان

لو كنت في مصر، وقمت بعمل إحصاء عشوائي سريع في محيطك، ستجد أنه على الأقل أكثر من نصف من تجاوزوا مرحلة الطفولة، قد تعرضوا لعملية إزالة اللوزتيْن. وللأسف فإن الكثرة الكاثرة من هؤلاء، لم يكونوا فعلًا بحاجة طبية لإزالة عضو من أجسامهم لم يُخلَق عبثًا، وكانوا في غنىً عن التعرض لمثل هذه العملية الجراحية، والتي يتهاون البعض في تقدير حجمها، رغم وجود مضاعفات معروفة لها.

وهذا من آثار فوضى الممارسة الطبية في بلادنا، وعدم وجود قواعد طبية حاكمة Guidelines ملزمة للجميع، وشيوع طب المجرب عن الخبير المتابع لجديد الطب، والملتزم مبادئه.

والقاعدة الطبية المشهورة، والتي تتفق تمامًا مع الإيمان بخالق البشر الذي كل شيءٍ عنده بمقدار، ومبادئ العقل البدهِيَّة، وأهمية صون الجسد الإنساني، تقرر أنه لا يجوز الانتقال من التدخل الطبي الأبسط والأقل اختراقًا less invasive للجسم، إلى ما هو أعقد، وأشد اختراقًا more invasive ومنه بالطبع الإزالة الجراحية لعضو ما، إلا لحاجة طبية واضحة.

والآن من خلال بضعة أسئلة وأجوبتها، ستثبت الرؤية أكثر في هذا الأمر.

ما هي عملية إزالة اللوزتين ؟

آداة ماكنزي التي تستخدم لإزالة اللوزتين منذ القرن التاسع عشر

العملية المشهورة باسم «عملية اللوز» تتضمن إزالة اللوزتيْن الحنكيَّتيْنِ اللتيْن تظهران من آخر الفم في بداية الحَلْق. وغالبًا ما يتم معها إزالة اللحمية الموجودة في نهاية الأنف جهة الحَلْق. وفي الأحوال الجيدة، قد لا تستغرق أكثر من نصف ساعة.

متى نحتاج لإزالة اللوزتيْن ؟!

هناك ظروف معينة تُغَلِّبْ كفة مصالح عملية إزالة اللوزتيْن عن مفاسدها، وأشهرها الآتي:

  1. التهاب اللوزتيْن المتكرر ( ليس مجرد التهاب الحلق )، أكثر من 7 مرات في نفس العام، أو أكثر من 5 مرات في العام لعاميْن متتالييْن، أو أكثر من 3 مرات في العام لثلاثة أعوامٍ متتالية.
  2. حدوث دمل صديدي مزمن في اللوزتيْن.
  3. مشاكل تنفسية ناجمة عن التضخم الزائد للوزتيْن، خاصة الاختناق أثناء النوم obstructive sleep apnea.
  4. مشاكل في بلع الطعام الصلب نتيجة تضخم اللوزتيْن.
  5. نزيف دموي من اللوزَتيْن.
  6. سرطان اللوزتيْن ( نادر جدًا ).

( الإصابة بالحمى الروماتيزمية لا يلزم معها إزالة اللوزتيْن، والأهم فيها المواظبة على جرعات البنسيللين طويل المفعول ).

وهذا مقطع فيديو مبسط عن أسباب إزالة اللوزتين، وطريقة حديثة للقيام بالأمر بمضاعفات أقل.

ما هي مضاعفات عملية إزالة اللوزتيْن ؟

قد لا يحدث أيٌّ من هذه المضاعفات، أو قد يحدث بعضها، أو معظمها ..

  1. ألم شديد في مكان العملية في الساعات الأولى بعد زوال أثر التخدير، خصوصًا مع بلع اللعاب.
  2. مضاعفات التخدير: وأشهرها الغثيان، والقيء، واضطرابات التنفس، والصداع .. الخ، وأخطرها تضرر الكبد، أو المخ، أو الفشل التنفسي، وقد تصل في حالات نادرة إلى الوفاة.
  3. تورم شديد بالحلق، أواخِر اللسان، أو سقف الفم، قد يؤدي إلى صعوبة في التنفس.
  4. نزيف من مكان العملية، قد يحدث أثناء العملية أو في الأيام التالية لها.
  5. تلوث بكتيري infection في مكان العملية، نتيجة استخدام أدوات غير معقمة جيدًا.
  6. مضاعفات بعيدة المدى: زيادة نسبية في معدلات حدوث التهابات الحلق، والجهاز التنفسي العلوي، نتيجة إزالة الوحدات المحلية من قوات المناعة التي كانت تتمركز في اللوزتيْن واللحمية.
  7. عودة اللحمية للتضخم مرة أخرى إذا تمت إزالتها قبل عمر 7 سنوات.

ما أهم التعليمات الشخصية للتعامل مع اللوزتيْن؟

اللوز، عملية اللوز، سخونية الأطفال، التهاب الحلق، مرض،طب
اللوز، عملية اللوز، سخونية الأطفال، التهاب الحلق، مرض،طب
  1. المتابعة الجيدة للطفل، والتوثيق الدقيق لمرات حدوث التهاب اللوزتيْن، والتفريق بين التهاب الحلق والتهاب اللوزتيْن، فالأخير هو ما يهمنا.
  2. مراجعة الطبيب في السبب الطبي لاقتراحه إزالة اللوزتيْن، والمناقشة الجيدة معه لأبعاد الأمر.
  3. عدم الإلحاح على الطبيب في إزالة اللوزتيْن بسبب تكرار التهابات الحلق واللوزتيْن، طالما لم تصل للحد المطلوب الذي بيناه بالأعلى. وللأسف فإن عددًا ليس بالقليل من الأطباء يرضخ بسهولة لضغوطات الأهل في هذا الشأن، ولو بِلَي عنق الطب.
  4. عدم الإنكار على الطبيب إذا لم يصف مضادًا حيويًا لعلاج التهاب اللوزتيْن، فالكثير منها تكون إصابات فيروسية لا بكتيرية، لا تحتاج للمضاد الحيوي. وإنما يكفي لعلاجها الراحة والغذاء الصحي الجيد، وترطيب التهاب اللوزتين بتناول الآيس كريم، أو الماء الدافيء مع العسل، أو الشاي الدافيء .. الخ، وجرعات يصفها الطبيب من المسكنات الآمنة كالباراسيتامول أو الإيبوبروفين، لتخفيف الألم وخفض الحرارة.

  5. بعد إجراء عملية إزالة اللوزتيْن يفضل القيام بما يلي:
  • شرب كميات وافرة من الماء والسوائل.
  • تناول الآيس كريم لترطيب الألم مكان الجراحة.
  • تناول الأطعمة سهلة البلع في الأيام الأولى، كالبودينج والمهلبية، وأنواع الحساء المختلفة.
  • تجنب الأطعمة الصلبة والحارة والمقرمشة في الأيام الأولى تجنبًا لحدوث النزيف والألم.
  • الراحة لأسبوع على الأقل، وتجنب الأنشطة المرهقة كالجري ولعب الكرة .. الخ.