يلجأ سكان بعض البلدان إلى استغلال مياه الأمطار، من خلال تقنيات حصد وتجميع هذه المياه لاستخدامها لاحقًا، بسبب قلقهم من آثار تغير المناخ على إمدادات المياه في بلدانهم، أو بسبب الطلب المتزايد على المياه في عدَّة مناطق من هذه الدول.

على سبيل المثال، يبحث مواطنو سنغافورة، وهي دولة صغيرة تواجه زيادة مستمرة في عدد السكان، دائمًا عن مصادر وأساليب مختلفة لتجميع مياه الأمطار، وذلك من خلال استخدام أسطح المنازل ثم تخزين كميات المياه في خزانات لاستخدامها في المهام اليومية.

أما النظام الأكثر تعقيدًا فهو المستخدم في مطار «شانجي»، حيث يجمع النظام مياه الأمطار ويعالجها ويقوم بتخزينها في اثنين من الخزانات الكبيرة، وتمثل هذه الكمية من المياه من 28 إلى 33% من إجمالي المياه المستخدمة في المطار. توفر هذه البنية التحتية للمطار أكثر من 275 ألف دولار سنويًّا، لاستخدامات المياه التي لا تتضمن الشرب، مثل المراحيض والمياه المستخدمة لمكافحة الحرائق.

والوضع مشابه في طوكيو باليابان، حيث يساعد حصد مياه الأمطار على تجنب نقص إمدادات المياه، وتوفيرها في حالات الطوارئ، وفي السيطرة على الفيضانات. وكذلك في أستراليا، يمكنك أن ترى خزانات مياه الأمطار بجوار كل منزل، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًّا.

لكن السؤال الذي سنحاول إجابته: ما هي التقنيات والبنية التحتية المُستخدمة في حصد مياه الأمطار، وكيف تُحتسب كمية المياه التي يمكن تجميعها، وهل يمكن أن تساعدنا مياه الأمطار في ظل أزمة مياه متوقعة في المستقبل القريب بسبب سد النهضة في إثيوبيا؟

تقنيات وبنية تحتية

تشمل عمليات حصد مياه الأمطار تقنيات مختلفة، مثل جمع المياه من أسطح المنازل ومن سطح الأرض، وكذلك تجمعات الصخور. وتستخدم هذه التقنيات على نطاق واسع في دول آسيا لتلبية احتياجات مياه الشرب ولأغراض الري والاستخدامات اليومية. تتكون الأنظمة الأكثر شيوعًا عادةً من ثلاثة عناصر رئيسية، وهي سطح تجميع المياه، ومنطقة التخزين، ونظام نقل المياه.

في أبسط شكل من هذه التقنية، يتم جمع مياه الأمطار من خلال سطح المنزل أو جزء منه، حيث يتم تصريف مياه الأمطار في المزاريب على حافة السطح إلى منطقة التخزين، من خلال مواسير للأسفل توضع لغرض نقل المياه، أو يمكن أن تمر المياه بمرحلة سابقة على فلاتر لتنقيتها قبل أن تُنقل إلى خزانات الاستخدام.

تعتمد كمية ونوعية مياه الأمطار التي جُمِعت على مساحة سطح المنزل المُستغلة، وعلى نوعية المواد المستخدمة في هذا السطح، وكذلك على درجة انحدار السطح.

الطريقة الأخرى من خلال جمع المياه من سطح الأرض وهي طريقة أقل تعقيدًا، وتنطوي على حفر منطقة من سطح الأرض لتجميع المياه، ثم تُنقَّى هذه المياه، وتوجه إلى خزان باستخدام مواسير الصرف حيث تُجمَع ويُحتَفظ بها لاستخدامها في المستقبل. ومقارنة مع أسطح المنازل، تقدم هذه الطريقة فرصة للحصول على كمية أكبر من المياه من خلال استخدام مساحة سطحية أكبر لتجميعها، ولكن ترتفع معدلات فقدان المياه بسبب التسرب إلى الأرض، وتتناسب هذه الطريقة في الأساس لتخزين المياه لأغراض الزراعة.

تشمل الطريقة الثالثة تجميع المياه من خلال تجمعات صخرية، حيث توفر النتوءات بين الصخور الكبيرة أسطحًا مناسبة للتجميع وزيادة المياه العذبة. في هذه الطريقة، يتم توجيه الجريان السطحي للمياه على طول مزاريب من الحجر والإسمنت، والتي تُوضع على سطح الصخور، إلى خزانات السدود الخرسانية.

كيف تُحتسب كمية المياه؟

تتوقف هذه الكمية على عوامل مختلفة، مثل نمط هطول الأمطار على الدولة أو المحافظة التي تعيش بها، وعلى مساحة السطح الذي سيجمع المياه، وعلى معامل انحدار السطح، وكذلك نوع الطريقة المستخدمة لتجميع المياه.

وعادةً تُحتَسب كمية المياه المُجمَّعة باستخدام المعادلة التالية: (Q = RC × R × A)، حيث إن (Q) هي كمية المياه بالمتر المكعب، (RC) هو معامل الجريان السطحي، (R) هو معدل هطول الأمطار الكلي بالمللي متر لكل سنة، (A) هي مساحة سطح تجمع المياه بالمتر المربع.

حسنًا لنطبق المعادلة على مثال حي، لنفرض أنك تعيش في محافظة الإسكندرية التي يكون فيها متوسط ​​كمية الأمطار السنوية (R= 197 mm)، ولنفرض أن مساحة سطح منزلك (A= 100 m2)، ومعامل الجريان السطحي (RC= 0.8) وهو النسبة بين حجم الماء الذي ينحدر من سطح ما إلى حجم الأمطار التي تُهدر من على نفس السطح، فمثلًا معامل الجريان السطحي الذي يساوي 0.8 يعني أن 80% من كمية مياه الأمطار ستُجمَع وستُفقد نسبة 20%.

إذا طبقنا المعادلة على هذه الحالة سنجد أن كمية المياه المُجمعة (Q= 0.8×0.197×100) تساوي 15.76 متر مكعب أي 15760 لتر في العام، وإذا ضاعفنا مساحة السطح لنجعلها ( A= 200 m2) سنحصل على ضعف كمية المياه أي 31520 لترًا سنويًّا.

قد لا يبدو الرقم كبيرًا، لكننا هنا احتسبنا مساحة منزل أو منزلين فحسب، إذا زادت المساحة المستخدمة وتنوعت طرق تجميع المياه، ستتضاعف كمية المياه كذلك.

هل يمكن أن تساعدنا مياه الأمطار في حل أزمة المياه؟

تضمنت اتفاقية مياه النيل عام 1959 بين السودان ومصر للاستخدام والتحكم الكامل في مياه النيل أن تكون حصة مصر من مياه النهر نحو 55.5 مليار متر مكعب، ولكن مع بناء سد النهضة وإصرار إثيوبيا على ملء خزانات السد في غضون ثلاث إلى خمس سنوات فحسب، ستتأثر حصة مصر من مياه النيل بصورة كبيرة، حيث سيصل نحو 35 مليار متر مكعب من المياه لدول المصب كل عام بينما يُمْلَأ السد.

سيؤثر هذا الانخفاض بشكل كارثي على الزراعة والري، وكذلك على استخدامات ونصيب الفرد من المياه كل عام. لذا إن فشلت المفاوضات بين مصر وإثيوبيا فسيتعين علينا البحث عن مصادر أخرى لتعويض نقص المياه من نهر النيل.

يمكننا استغلال مياه الأمطار في موسم الشتاء، وتخزينها واستخدامها في وقت لاحق، بدلًا من استخدامها في الري في مواسم هطولها فقط. حيث يمكن استخدامها في ري المحاصيل الزراعية في أي وقت، وكذلك في الاستخدامات اليومية مثل الغسل والاستحمام وصرف المرحاض وري الحدائق الخاصة، كما يمكن لمحطات غسل السيارات استخدام هذه المياه في عملية الغسل بدلًا من إهدار كميات هائلة من المياه العذبة. كما يمكن معالجتها لتصبح صالحة للشرب إذا تفاقمت أزمة المياه. وهي عملية سهلة وغير مكلفة وجديرة بالاهتمام والدراسة، وقد تكون أحد الحلول لأزمة نقص المياه الوشيكة.