ربما هناك اتفاقية سلام مع مصر، ولكن ليس بالضرورة أن يكون السلام مع شعب مصر.

هكذا قال الحاخام صموئيل إلياهو[1]، حاخام مدينة صفد، متحدثًا مع «ليات رون» مذيعة في راديو الشمال 104.5FM التابع لكيان الاحتلال الصهيوني، كما نقلته جريدة «معاريف» الإسرائيلية.

صدى الحادثة في الصحف الإسرائيلية

كتبت الأقلام الإسرائيلية العديد من التقارير ومقالات الرأي على ما حدث في وسائل التواصل الاجتماعي، بعد ما قام به الشرطي المصري «محمد صلاح» على الحدود المصرية الإسرائيلية، فجاءت معظمها ترفض وصفه بالبطل أو الشهيد، ونددت به ونعتته بـ«الإرهابي»، ولكن عَلت بعض الأسئلة التي سلطت الضوء على جزء من الفكر الإسرائيلي السائد حاليًّا، فنقرأ ما ذكره الدكتور أوفير وينتر، الباحث البارز في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، في حديثه مع جريدة يديعوت أحرونوت الإلكترونية، «السؤال الذي يجب أن يطرح هو كيف يتم تثقيف الجمهور في مصر لرؤية إسرائيل بعد أكثر من 44 عامًا من السلام؟!» وحالة الخوف التي تنتاب الجنود في حالة تكرر مثل ذلك الحدث على الحدود المشتركة، التي تعتبر حدود السلام!

وأكمل حديثه مع الصحفي الإسرائيلي « دانيال سلامة» أن مصر بحاجة إلى إسرائيل في جهودها لإحباط الإرهاب في سيناء، والذي أسفر منذ 2013 عن مقتل أكثر من 3200 من الأمن المصري، ثم حادثة إسقاط طائرة ركاب روسية في عام 2015، وإلحاق أضرار جسيمة بالسياحة الوافدة.

 ومن جانبها تحتاج إسرائيل إلى مصر لمنع العناصر الإرهابية من ترسيخ نفسها والحفاظ على السلام والاستقرار، وأشار وينتر إلى أن «مصر لديها روايتها الخاصة لما يُزعم أنه حدث – ولكن على شبكات التواصل الاجتماعي – يمكنك أيضًا العثور على أصوات أخرى، ويرى البعض في الإرهابي بطلًا وينسب مؤامرات مختلفة إلى الجانب الإسرائيلي، وربما عدم الحديث عنه بكثرة في الصحف والتلفزيون المصري يشير إلى الحرج المصري، وربما الرغبة في منعه من أن يصبح رمزًا وطنيًّا وبطلًا.

في حين كتبت الصحفية «دانا بن شمعون» في موقع «ישראל היום» «يسرائيل هايوم»، مظاهرة دعم للإرهاب: حدادًا على – الإرهابي – المصري في نابلس وجنين؛ حيث تجمع الفلسطينيون للتعبير عن دعمهم للشرطي المصري الذي قتل ثلاثة جنود إسرائيليين.

تم تزيين مدخل بيت العزاء في نابلس بالعلم الفلسطيني بجانب العلم المصري، ولافتة عليها صورة – الإرهابي – محمد صلاح، بجانب نقش يصف الشرطي المصري بـ «البطل» و «الشهيد»، «الوطن العربي» علق عند مدخل البيت وظهر في الإعلان رمز حركة فتح، حركة أبو مازن، وقال ناشطون إن الحدث (تقصد حدث العزاء) يقام تحت رعاية «القوى الوطنية والإسلامية»، وهي منظمة جامعة لبعض الفصائل الفلسطينية، وفي تلك الفصائل الفلسطينية حركة فتح.

ووقع حدث مماثل في مخيم جنين للاجئين، وفي رام الله أقام نشطاء فلسطينيون جنازة رمزية تكريمًا – للإرهابي – كما حظي صلاح باهتمام كبير في الرأي العام الفلسطيني، وقام مصممو الجرافيك بوضع صور صلاح على خلفية المسجد الأقصى.

ونُشر العديد من المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أمطرت عليه بالثناء ومجدت الهجوم الذي نفذه، كُتب بها «نحن فخورون بك»، كَتب المحلل السياسي الفلسطيني «مصطفى الصواف» في مقال له أن «لا شيء مستحيل ولا يمكن السكوت عما يقوم به الاحتلال وما يقوم به من نهب للأراضي ومن الشباب العرب مَنْ يدافع عن أرضه وشعبه ودينه، في النهاية سنصل إلى ما نرغب فيه».

حالة الشرطي «محمد صلاح»

لم تكتفِ الصحافة العبرية بالتنديد بما فعله، ولكن خرجت بعض التحليلات التي توضح حالة الشرطي المصري «محمد صلاح» قبل تنفيذه للعملية، وأعاد ما فعله إلى ثلاثة دوافع وهي: دافع قومي، وديني، وربما الشرطي المصري كان يعاني من مشاكل نفسية، فمن المؤكد أن الظروف الجوية والخدمة في العزلة لفترة طويلة في منطقة صحراوية وغير مأهولة في جبل حريف جعلت الوضع أصعب مما يكون، فتظهر التجربة السابقة مع حالات مماثلة[2] مع الجنود المصريين أن هناك عادة مزيجًا من هذه الدوافع الثلاثة.

لا شك في أن الجندي المصري خطط لأفعاله واستغل الضباب والحرارة للتوغل داخل الأراضي الإسرائيلية والقيام به، خطة مع سبق الإصرار فكانت جريمة قتل بدم بارد، وعلى السلطات المصرية أن تعترف بها، نقلًا عن الصحفي الإسرائيلي «رون بن يشي» في جريدة يديعوت أحرونوت  وأن أفراد الأمن المصري المتمركزين على طول الحدود مع إسرائيل من منطقة كرم أبو سالم إلى إيلات، بما في ذلك جبل النقب ليسوا جنودًا في الجيش المصري، ولكنهم ينتمون إلى وحدة منفصلة في الشرطة المصرية هدفها حراسة الحدود ومنع التهريب، يتم إرسال ضباط هذه الوحدة إلى مواقع معزولة؛ حيث تبقى مجموعة صغيرة لأسابيع وحتى أشهر، وتعتبر الخدمة هناك صعبة للغاية وليست مرموقة، غالبًا ما يتم إرسال الأشخاص ذوي التعليم والتدريب المحدود.

كما كتب الصحفي «دانيال سلامة» في جريدة يديعوت أحرونوت الإلكترونية، أن المجندين الجُدد، غالبًا من مستوى معيشي صعب: هؤلاء هم رجال الشرطة المصريون على الحدود مع إسرائيل إنهم ينتمون إلى مديرية الأمن وليس الجيش، ويحملون أسلحة خفيفة فقط، لا يمكنهم الوصول إلى الأدوات الثقيلة، من الواضح أن حرس الحدود المصري، الذي جاء منه «الإرهابي»، لا يتطلب منهم سوى أن يكون معدلهم التعليمي 60 % في المدرسة الثانوية، وأن تكون عائلتهم بدون سابقة إجرامية ولا ينتسب لأي فصيل ديني متطرف من المتعارف عليه أو مدرجين من ضمن الإرهابيين، وذلك لحساسية موقعهم على الحدود، وهكذا هو الوضع على حدود السلام في سيناء!

ويتابع سلام: لا ترسل الوحدة المصرية المسئولة عن الحدود ضباط شرطة ذوي كفاءة عالية، ولمعرفة السبب الحقيقي وراء عبور الإرهابي للحدود، يلزم إجراء تحقيق جاد، فقط ستجعل من الممكن الحفاظ على التعاون الذي يخدم كلا الجانبين ضد المهربين وداعش، يحتاج الجيش الإسرائيلي أيضًا إلى التحقق من نفسه.

وهنا يُكمل الصحفي سرده بأن العلاقة بين الشرطة المصرية وجنود جيش الدفاع الإسرائيلي – وأحيانًا القوات الخاصة – الذين يخدمون في المنطقة عادة ما تكون جيدة ولكنها ليست قريبة جدًّا، موجة هنا (يقصد اتصال لاسلكي) فنجان قهوة عبر السياج الأمني هناك، ولا شيء غير ذلك، ومن المعروف أن الشرطة المصرية مُهدَّدة بشدة من قبل المهربين، وأيضًا من قبل عناصر داعش، الذين ما زالوا أيضًا في مجموعات صغيرة على الحدود.

وصرح جهاز الأمن الإسرائيلي بأن الشرطي المصري قام بتلك العملية بشكل مستقل (وهذا ما يسبب لهم الأرق)، فهو غير منتسب لأي منظمة إرهابية، ولا يزال الجيش يتحقق مما إذا كان أحدهم قد ساعده في عبور مخرج الطوارئ، وفي إطار التحقيق المشترك بين إسرائيل ومصر، وصل ممثلون من وزارة الدفاع المصرية يوم الأحد إلى منطقة الهجوم ونشر الجيش الإسرائيلي اليوم صورة نادرة الحدوث، تظهر الصورة قائد الفرقة المقدم «ايتسيك كوهين» بجوار وزارة الدفاع المصرية خلال تحقيق أجروه ميدانيًّا.

فيما كتب كلٌّ من الصحفي الإسرائيلي «جاكي حوجي» و«ينيف قوفوفيتش»، في جريدة «هآرتس»، أنه وفقًا لبعض التقارير، فقد أعرب صلاح مؤخرًا عن تعاطفه مع النضال الفلسطيني، وأصبح أقرب إلى الدين، وكان من المفترض أن ينهي خدمته في بضع أسابيع، ونقلًا عن أصدقاء صلاح بأنه انطوائي، ويعاني من صعوبات نفسية، ادعى البعض أنه غير راضٍ عن وضعه في منطقة نائية بالقرب من الحدود مع إسرائيل وينتظر إطلاق سراحه.

ماذا تتعلم إسرائيل مما حدث؟

نُشر تقرير في صحيفة «هآرتس» أن عدة فرق من جنود الجيش الإسرائيلي هرعت إلى نقطة الانطلاق بعد وقت قصير من العثور على جثتي الجنديين «ليا بن نون» و«إيلوز»، لكنهم انتظروا قرابة ساعتين حتى تنقلهم مروحية إلى الموقع، ولم يعرف السبب حتى الآن، مدة الرحلة من نقطة الانطلاق إلى مكان الحادث تقدر بحوالي 20-40 دقيقة، لذلك إذا وصل المقاتلون إلى مكان الحادث على الفور قبل حوالي ساعتين من المواجهة مع الشرطي المصري الذي قتل فيه الجندي الثالث أوهاد دهان، لكان من الممكن إنقاذ الموقف.

كما تحدث عضو الكنيست «داني دانون» مع «عنات دافيدوف» و«جدعون أوكو» المذيعين على إذاعة الاحتلال (103FM)، حول الهجوم على الحدود المصرية، منتقدًا لحادث وصرح بأن هناك فشلًا عسكريًّا فجاء على لسانه: أنه يجب علينا تعلم الدرس، ويجب مناقشة مسألة فتح إطلاق النار في حادث كهذا، وعلينا تغيير قواعد اللعبة وتفتيش المنزل. (أي إعادة النظر في الوضع الداخلي الخاص بجيش الاحتلال).

المراجع
  1. [1] والجدير بالذكر أن الحاخام رُفعت ضده العديد من القضايا بسبب أقواله التي تحمل الكراهية ضد العرب، وختم الحاخام صموئيل إلياهو المداخلة بـ: «أعتقد أن وظيفتي هي منع مدينة صفد من أن تصبح ما أصبحت عليه اللد قبل ثلاث سنوات وما أصبحت عليه عكا والمدن المختلطة الأخرى».
  2. [2] بإشارة ضمنية إلى الشهيد سليمان خاطر.