محتوى مترجم
المصدر
University of Chester
التاريخ
2016/04/30
الكاتب
Talal Asad

طلال أسد هو منظّر وأنثروبولوجيّ له إسهامات مهمة في الدراسات المتعلقة بمرحلة ما بعد الكولونيالية، من بين جيل من العلماء الذين تأثرّوا بشدّة، وأيّدوا بشكل ملحوظ أعمال بعض العلماء مثل المفكر الفرنسي الشهير ميشيل فوكو (1926-1984)، والمفكر الفلسطيني-الأمريكي (على الرغم من أنّه وُلِد في القدس وترعرع في القاهرة، مصر، وفلسطين) وأستاذ الأدب المقارن، إدوارد سعيد (1935-2003).


كيف تصف الجدال أو الحوار القائم الآن عن الدين والمجال العام؟

لم أتابع حقًا النقاشات الأكاديمية حول هذا الموضوع بقدر كبير من التفصيل. لكن أعتقد أنّ الحديث (لا يمكنني أن أصفه بالجدال) عن الأحداث المروّعة التي وقعت في باريس متعلقة بسؤالك، وهذا شيء أنا مهتم به بطبيعة الحال. أدركُ أنَّ ثمة أشخاصًا يطالبون بطريقة أكثر انفتاحًا للتفكير في الدين وعلاقاته الممكنة بالسياسة والسياسة الاجتماعية. وكثيرًا ما سُئلتُ: كيف يمكن أن يرتبط ذلك بالأنثروبولوجيا؟

أحد الأشياء التي ربما يغفل عنها الكثير من الناس هو أنَّ الأنثربولوجيا تطوّرت وأصبحت أكثر إنتاجيةً وخصوبةً، عندما امتلكَتْ دفعات من الأفكار والمناهج والأسئلة من خارج تخصّصها وحقلها. أنا متأكد أنك على إطلاع جيد على التاريخ. في القرن التاسع عشر، جلبَ مفكّر من أهمّ المفكريّن في الدين، وفيما أصبح يسمّى فيما بعد بالنظريّة الأنثربولوجيّة للدين، وهو روبرتسون سميث، منظورًا دينيًّا حقًّا إلى الأنثربولوجيا. يمكن للمرء أن يفكر في ذلك بأنّه نوع من تسرّب اللاهوت إلى الأنثروبولوجيا. ثمّ ظهرت الماركسية والنسويّة والبنيويّة (ليفي شتراوس) وهلمّ جرّا. لقد كان من بين علماء الأنثروبولوجيا الأكثر إثارة للاهتمام أولئك الذين إما تبنوا الأفكار أو قبلوا بتأثير التخصصات الأخرى [غير الأنثربولوجيا]. وكانت حقيقة أن علماء الأنثروبولوجيا يميلون إلى العمل الميداني (ملاحظة المشارك) مهمّة أيضًا في تشجيعنا للنظر إلى ما هو خصوصيّ، بالتفصيل، والانفتاح على ما يبرز كعنصر مهمّ في مجرى الزمن. أعني أنّه ينبغي على المرء عدم دخول هذا الحقل وهو محمّل بأسئلة مُفصّلة تشكّلت بالفعل. يجب أن يتمّ تشجيع المرء على أن يستمع وينصتَ إلى ما سيقوله النّاس والمكان لبعضهما البعض. وبهذه الطريقة، أعتقد أنَّ بعضًا من أكثر الأمور المثيرة للاهتمام التي تطوّرت في أنثروبولوجيا الدين ظهرت من الرغبة في البحث عن أسئلة جديدة وعدم الاقتناع بالافتراضات المسبقة. اهتمامي بالعلمانية والدين هو برأيي جزء من ذلك؛ إذ يبدو لي أنَّ العلمانية كعقيدة سياسية تعتمد على مظهر العلمانيّ: أي الحساسيات والمواقف والافتراضات غير المدروسة، وغير ذلك.

أفترض أنَّ إحدى الطرق للحديث عن هذا الموضوع وإثارته حتى الآن هي التطرق إلى نوع الأسئلة التي تعتقد أنّه ينبغي طرحها حول الدين. وربما ربط ذلك بأحداث باريس إذا بدا ذلك ذا صلة أو لا.

لقد شعرت بالقلق وتأثرت بشدة بما حدث في باريس، وكنت في حيرة من أمري وربما لم أستغرب العديد من ردود الأفعال. هناك هذا الافتراض الشائع بأنَّ ما هو ضروري الآن أكثر من أي وقت مضى هو إصلاح التقليد الإسلاميّ لتسهيل إدانة الجهادويّة (Jihadism). وكثير ممَن هم على دراية بمشكلة الدين والعنف (العنف في «المجال العام») يعتبرونها مشكلة مصيرية. ويجري استنساخ هذا الرأي من قِبل الكثير من المسلمين أيضًا.

أتدري، لقد كان أحد مخاوفي هو استشكال الرغبة في إنتاج تعريف كونيّ للدين في الأنثروبولوجيا، والنظر في الطريقة التي تُستخدم بها «اللغة الدينية»، بما في ذلك مفهوم «الدين» نفسه، في مختلف الحالات لأغراض مختلفة، سواء كانت روحية أو سياسية أو أيًا كان.

لذلك، أنا لستُ مُتفهّمًا للافتراض القائل بأنّنا نعرف بالضبط ما هو الخطأ في تقاليد ديني معين، وأنّه لا بُدّ من تصويب هذا الخطأ من قِبل أتباع الدين في المقام الأول. أتفق أنّه في أي تقليد ديني قائم، هناك حاجة مستمرة للتفكير بطرق إبداعية في ظلّ مواجهة المرء لتحديات عالَم مُتغيّر. لكنني لا أعتقد أن هذا له علاقة مباشرة بفهم أحداث باريس، أو الوحشية التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية. يبدو لي أنّه من السذاجة والضلال أن نتصوّر أن الإصلاح اللاهوتي للدين، والذي ينتسب له أكثر من مليار شخص -على الأقل اسميًا- سوف يكبح جماح الشبان الذين يريدون ممارسة فعل القتل. هذا يبدو سخيفًا بالنسبة لي. وبعد ذلك، كما تعلم، يقول الناس إنَّ: «العنف لا مكان له في الدين». ولكن ماذا يعني قول ذلك؟

لقد كان العنف جزءًا من الدين كما كان جزءًا في كل جوانب الحياة البشرية منذ الأزل. لا يمكن للمرء أن يشرّع على هذا النحو ويقول إنّ العنف جوهريًّا يتمثل في الدين أم لا. وفيما يتعلق بالقتل العامّ في باريس، فالناس بحاجة إلى أن يسألوا أنفسهم لماذا ينتشر هذا النوع من السلوك الآن، بعد مرور ما يقرب من 1500 سنة على التقاليد الإسلامية، وبعد أن شهدت إصلاحات وانشقاقات وكذلك انخراط في، وانسحاب من، «المجال العامّ» (أستخدم هذا المصطلح على نحو غير منضبط بالطبع) ولكن هذه الظاهرة الجهادية الحديثة هي ظاهرة جديدة. لماذا؟ نحن نعيش في عالَم حيث تغذي أنواع مختلفة من العنف بعضها البعض، وكذلك الجدل حول ما هو مسموح وغير مسموح في المجال العامّ.

هل هناك علاقة مميزة تتطوّر في القرن الحادي والعشرين بين الدين والمجال العامّ لم نكن على دراية بها أو لم نتوقعها في القرنين التاسع عشر والعشرين، وأعتقد أن إحدى طرق التعبير عن ذلك هو مفهوم «ما بعد العلمانيّ». لقد دخلنا، بطريقة أو بأخرى، في مرحلة «ما بعد علمانيّة» بعد أن وضعها وطوّرها أشخاص مثل يورغن هابرماس. ولأنّه منتشر جدًا في الوقت الراهن، أتساءل ما إذا كنت ترى أنَّ مفهوم «ما بعد العلمانيّ» جيّد لوصف أو تحليل العلاقة الحالية بين الدين والمجال العامّ؟

نعم ولا. أعني بقدر ما يشكّك هذا المفهوم في افتراضات مسبقة، أعتقد أن هذا شيء جيّد. إنّه لأمر مدهش ومُبشّر أن نرى هابرماس وهو يطرح هذه الفكرة منذ سنوات عديدة ويحاول التفكير في طرق يمكن من خلالها قبول ما يفكر فيه على أنّه دينيّ في ما يسميه المجال العامّ. وأعتقد أن هذا شيء جيّد، ولكن يحتاج المرء أيضًا إلى التفكير بشكل نقدي في مفهوم العلمانيّ نفسه، وعدم اعتباره أمرًا مسلمًا به. وعندما نستطيع أن نقول إنّنا نعرف ما هو «العلمانيّ»، أو ما كان، والتأثيرات والافتراضات التي يشير إليها، يمكن أن نقول حينها إنّنا في موقف «ما بعد علمانيّ». أنا لستُ متأكدًا من أنّه تم إنجاز هذا العمل على نحوٍ ملائم، وقد قمنا بدراسة منهجية لما تبدو عليه الإقامة في «المجال العام»، ولماذا قد يشعر المرء بالقلق إزاء شخص مختلف يقطن فيه. أعتقد أن طرح أسئلة معينة غالبًا ما يكون شيئًا محل شكّ أخلاقيًا.

وبما أنني أفكر في طرح أسئلة وفق المبادئ الليبرالية، أليس من المفترض أن يتحدث المرء بحرية وينتقد الأفكار العامة، وأن يقول بأنّه لا توجد أسئلة محظورة؟ ما المقصود بالضبط عندما يقول هابرماس، على سبيل المثال، إنّه يعتقد أنَّ للدين دور شرعيّ في المجال العامّ الحديث ولكن بشرط أن يستطيع المؤمنون ترجمة أفكارهم إلى لغة مفهومة ومقبولة عند غير المؤمنين؟ هذا يبدو معقولًا ولكن فقط لأنَّ «المعقولية» هي ما يجده العلمانيون معقولًا. ولكن ماذا عن غير المؤمنين؟ هل من الضروريّ أن ترجم غير المؤمنين أفكارهم إلى لغة يفهمها المؤمنون في المجال العامّ؟ وماذا لو أنَّ المؤمنين يعتقدون أنَّ أفكارهم أصبحت مشوّهة أو أنها ببساطة لا يمكن التعبير عنها بشكلٍ ملائم بلغة علمانيّة؟ هل كل من اللغة «الدينية» و «العلمانيّة» لديها حق متساوٍ في الوصول إلى المجال العام في هذه الظروف؟ أعتقد أنَّ هناك الكثير من الأسئلة التي يجب طرحها حول الدين في المجال العام قبل أن نتحدث عما إذا كان «ما بعد العلمانيّ» هو شيء جيّد أم لا.

يمكنني أن أضغط عليك بلطف في هذه المسألة. برأيك أي نوع من الأسئلة تعتقد أننا يجب أن نطرحها والتي ربما لا نطرحها حاليًا عن الدين؟

سأغيّر مسار الحوار قليلًا وأقول إنّه يمكن للمرء أن ينظر إلى الطريقة التي تُستخدم بها اللغة، والمفردات المستخدمة لتحديد ما يفكر فيه الناس على أنّه دين أو دينيّ. هذا هو مصدر قلق الأنثروبولوجيا. وأعتقد أنّنا لم نقم بما يكفي بشأن اللغة الدينية، تلك اللغة المستخدمة في وعن الأنشطة الدينية كذلك.

هناك شخص أعجبتُ به كثيرًا وهو ويلفريد كانتويل سميث (يمكنك مطالعة مقالة كتبتها عنه منذ بضع سنين). لقد كنت أفكر فيه مرة أخرى في الآونة الأخيرة. كان ويلفريد على دراية بحقيقة أنَّ المرء كان يكونن، ويُشيّئ reifying، وبالتالي يجوهر الدين [أي يُضفي عليه صفاتٍ جوهرانيّة]. وأعتقد أنّهَ هذا مهمّ للغاية، وأود أن نبحث ليس فقط في تشييء الدين، ولكن أيضًا في كيفية يمكن أن تغيّر اللغة التي نستخدمها الطريقة التي نفكر بها في (ونمارس) ما نسميه «الدين».

أعتقد أن هذا كلام مهمّ للغاية. لقد تحدثنا عن إعادة تخيّل الدين والمعتقد في سياسة وممارسة عامة. ومن الواضح أنَّ السياسة العامة هي واحدة من مجالات الدراسة والمشاركة التي تجوهر وتشيّئ الدين عندما تجوهر وتشيّئ كل شيء لأنها تعتقد أنها بحاجة إلى إجابة بسيطة على مجموعة معقدة من الإشكاليات. أحد الأهداف الرئيسية لهذا المشروع هو تقديم فهم أكثر دقةً وتعقيدًا للدين في القرن الحادي والعشرين كما كان لأناس تتمثل مهمتهم في التعامل مع الدين بطريقة ديمقراطية ليبرالية. لذلك سنرى ما سيحدث. برأيك، أين سيصل هذا النقاش في السنوات الخمس أو العشر القادمة؟ ما الذي تشعر به حيال مسار هذا النقاش؟

حسنًا، أن تأمل حدوث شيء ما هو أمر مختلف تمامًا عن معرفة ما سيحدث في المستقبل. أحد الأشياء التي يتمناها المرء على وجه الخصوص هي التفكير في التقاليد الدينية المختلفة التي صنعت العالم الحديث، وتلك التقاليد التي يحظرها العالم الحديث. نحن نجد طرق تبدو فيها تلك التقاليد منطقية ويمكن أيضًا أن تعيش معًا، وبهذا لا أعني فقط العيش براحة معًا، ولكن حيث يمكننا تحدي بعضنا البعض، من دون عنف، عنف الدولة، فضلًا عن عنف الأفراد والعصابات، التي نشهدها اليوم. ولا أعرف ما إذا كان ذلك سيحدث أم لا.

كثيرًا ما نسمع عن الأقليات الدينية اليوم، سواء على مستوى السياسة العملية (كيف يمكن للمسلمين في أوروبا وأمريكا أن يتوقفوا عن توليد التطرف؟)، وكذلك الخطاب النظري (كيف، في دولة ديمقراطية ليبرالية، يمكن لأقلية دينية أن تدخل المجال العامّ؟) من المؤكّد أنّ هذه مساحة ينبغي التفكير والتساؤل فيها ونأمل أن يُتمّ هذا التساؤل. وما سيفعله هذا النقاش، إذا أُخذ على محمّل الجد، هو طرح أسئلة جوهرية حول الدولة الحديثة ذات السيادة وعدم قدرتها البنيوية للتعامل مع الأقليات الدينية على قدم المساواة، أو مع أي أقليات.

هناك الكثير من النقاشات عن نهاية الدولة ذات السيادة ولكني أعتقد أن هذا أمر مربك إلى حد ما: الدول القوية تصرّ على سيادتها، في حين أنَّ الدول الضعيفة لا يمكنها فعل ذلك. الحركات الاقتصادية الحقيقية تتجاوز الحدود الوطنية، ولكن ما يحركها هي فكرة أنّه يمكنهم الحصول على الكثير من المكاسب في بلد معين وليس في بلد آخر. لقد كان الدين مهمًّا في بناء الدولة القومية الحديثة في أوروبا وأمريكا. ولكن هل يمكن أن يساعد الدين في تجاوز المشاكل الناتجة عن الدولة القومية؟

يجب علينا أن نجد طريقة يستطيع من خلالها مثل هذا التفكير أن يساعد في مواجهة الأزمات التي يدركها الجميع الآن. أنا متشائم جدًا حيال كل ذلك، سواء كان ذلك تغيّر المناخ، أو تراكم مخاطر الأسلّحة النووية والطاقة النووية، والنظام المالي العالمي الذي لا يمكن السيطرة عليه، وتزايد الفقر والاستغلال والعنف. هل يمكن أن تساهم التقاليد الدينية واللغة التي ورثها أشخاص مختلفون بطرق مختلفة عن تلك التقاليد في تنويرنا بطرق تساعدنا على تسوية الخلافات واستيعاب بعضنا البعض، وفي الوقت نفسه تحدي بعضنا البعض. لذلك كما قلتُ، لا أعرف إلى أين تتجّه هذه المناقشات ولكني آمل أن تنطوي على طرح أسئلة حول العلمانيّ والدينيّ كذلك.

هل لديك إدراك بما هي المثبطات الرئيسية في هذا النقاش الحالي وما يحتاج إلى تغيير؟

مرة أخرى، هناك حاجة إلى تغيير المواقف؛ مواقف الضحايا من ناحية، ومواقف الجناة ومن ناحية أخرى، الكبيرة والصغيرة، وإحساسهم بأننا نمتلك إجابات مطلقة. نحن نعرف ما يتعيّن علينا القيام به. ونعلم أننا نريد نوعًا من التكيّف وتسوية الخلافات. ولكن كيف نصل إلى ذلك؟ إنَّ التطبيقات العملية هي التي تهزمنا.

هناك عبارة أصبحت أكثر وعيًا بها وهي فكرة التنوير الجديد التي أعتقد، كما تقول، أنها تحرك الايمان بالله قليلًا بين نوع من الضحية المبالغ فيها ولكن أيضًا فكرة متغطرسة مبالغ فيها بأنَّ الإبستمولوجيات الخاصة بنا تفوق إبستمولوجيات أي شخص آخر. لذلك أعتقد أنَّ هناك طريقة ما لإعادة صياغة، والحفاظ على العناصر التقدميّة للتنوير ولكن في الواقع إعادة صياغة كيف نفهم هذه المستويات والأنواع المختلفة من المعرفة ومحاولة منحها مكانة متساوية بدلًا من إعطاء الأولوية لأحدهما على الآخر. هل هناك أي شيء آخر ترغب في إضافته لهذا الموضوع لم تتح لك الفرصة قوله حتى الآن؟

ببساطة، أود أن أضيف مرة أخرى إلى ما قلته عن الحُجج التي قدّمها فوكو بشكل خاص. الكثير مما قاله فوكو ساوَى فكرة أنّه من المهم إيجاد طرق مختلفة في «مشروع الحرية». وهذه ليست مسألة بسيطة؛ إذ أنَّ التنوير بالنسبة لفوكو كان مهمًّا لكنه حذّر أيضًا ضد ما أسماه «ابتزاز التنوير». وقد يكون من المهمّ أن نفكر في الطرق المختلفة التي كان من الممكن أن يتخذها التنوير. ليس كافيًا أن نشير إلى الأشكال المختلفة للتنوير (العلمانيّ والدينيّ) التي حدثت في مختلف البلدان الأوروبية -الأمريكية. يمكن للمرء قبولها والتفكير بشكل نقديّ حول هذا الموضوع. لا أعرف، أنا متشائم للغاية حول مستقبلنا جميعًا.

أعتقد أننا نعيش في حالة من الجمود حيث الكثير من الناس لا يعرفون ما هو الخطأ في المأزق الذي نعاني منه، ولكن من المستحيل أن نرى كيف يمكن للشخص أن يفلت من هذا المأزق. وهنا، أعتقد أنّه يجب علينا أن ننظر في الممارسات فضلًا عن التفكير والتحدث والكتابة عن الدين والسياسة، والدين والمجال العام. نحن قد نفكر في ما يمكن أن نطلق عليه «القابلية للإقناع»: القدرة على الاقتناع بحقيقة ما عندما ندركها. وهذا بالطبع يقع في مركز الخبرة الدينية، والتحوّل الديني، بل والسياسة الفعّالة أيضًا. ومن هناك يبرز السؤال التالي: كيف نتصرف حتى نتمكن من المضي قُدمًا دون تدمير أنفسنا والأجناس الأخرى أيضًا؟ كيف نفعل ذلك؟

أظنّ أنَّ بارقة الأمل الوحيدة هي أنني أعتقد أنَّ القرن الحادي والعشرين مغاير تمامًا للصورة التي كانت متوقعة. أعتقد أن هناك اعتراف متزايد بأنّنا ليس لدينا الأدوات المفاهيمية التي ورثنا الكثير منها من القرنين التاسع عشر والعشرين. تلك الأدوات المفاهيمية لم تعد تناسب هدفنا لمحاولة تحليل عودة ما أطلق عليه بيتر بيرغر: «الدين الغاضب»، والافتراضات التي تمّ إجراؤها أثناء عصر التنوير. ولكني أعتقد أنَّ الأكثر أهمية، كما قلتَ، هو كيف نتصرف من أجل منع مختلف أزمات التدمير الذاتي؟ وربما نجد الإجابات عن الأسئلة من خلال طرحها وضبطها بدلًا من التفكير فيها. وأعتقد أن هذا انعكاس إبستمولوجي في البداية. لكنَّ الإجماع الجديد يدور أكثر حول: نحن لا نعرف ما هي الإجابات، ولكن لدينا أولوية أخلاقية في أن نكون عمليين (بمعنى التجريب معًا)، ومعرفة ما يمكن عمله. وأعتقد أنَّ معظم الناس يدركون أنَّ هذا يقتضي وجود إرادة لتفريغ النفس من الأيديولوجيات والفهومات لما يشكّل الحدود، والثقة للعمل جنبًا إلى جنب مع الآخرين. لذلك أعتقد أن هناك حركة مضادة، سياسيًا وفكريًا. وأعتقد أنّه مع كسر جميع الكتل الجامدة للمعرفة التي لدينا حتى الآن نحن نخلق فضاءات جديدة حيث يسمح لنا هذا التقارب الجديد أن نعمل وفق طريقتنا الخاصة؛ لكنها مهمة صعبة.

كما تقول، بطرق مختلفة تمامًا، لأنّه كما تعرف كانت المواجهة والعنف اسم هذه اللعبة لعدة قرون، ولا يزال الأمر كذلك.

لذلك يمكن أن نقول أنَّ هناك شيئًا غبيًا بشكل وبائي في البشر يجعلهم لا يتعلمون أبدًا من التاريخ.

زوجتي تقول إنَّ البشر هم خطأ تطوريّ.