محتوى مترجم
المصدر
Jacobin
التاريخ
2017/07/20
الكاتب
شيب جيبونز

في الـ20 من يناير/كانون الثاني 2017، وبتولي دونالد ترامب الرئاسة -بعد فوزه المفاجئ بها منذ عدة أشهر- ساور الكثيرين القلق حول ما قد ينتظرهم في الأيام المقبلة، فقد تحول ترامب في حملته الانتخابية من نجم تلفزيوني إلى منافس قوي في الانتخابات الرئاسية، وظهرت ميوله الاستبدادية المترسخة بشدة مرارًا وتكرارًا.

طوال الفترة منذ فوز ترامب وحتى الآن، كانت مظاهر الحكم الاستبدادي واضحة تمامًا في شوارع العاصمة واشنطن، فقد استخدمت الشرطة القنابل الضوئية والغاز المسيل للدموع والخراطيش ضد المتظاهرين، وفي وقت مبكر من يوم تنصيبه استخدمت الشرطة أسلوب «الكماشة»، حيث قامت بحصار المتظاهرين في مناطق محدودة ومن ثم ألقت القبض عليهم بصورة جماعية، وأسفر هذا عن اعتقال أكثر من مائتي متظاهر من بينهم صحفيون ومراقبون قانونيون.

إن حملات الاعتقال الجماعية للمحتجين (والمتفرجين على حد سواء) ليست جديدة على شرطة العاصمة، ولكنها على الأقل كانت المرة الأولى التي تقوم فيها الشرطة باستخدام هذه الأساليب منذ عام 2005. حين أشعلت حملة الاعتقالات الواسعة لمناهضي البنك الدولي والحرب في العاصمة واشنطن رد فعل جماهيري عنيف، مما اضطرهم في النهاية إلى تعويض من قُبض عليهم بملايين الدولارات.

ودعا ذلك مجلس مدينة العاصمة لإيقاف مهازل الشرطة بإصدار تشريع يُعنى بحماية حق التظاهر والحد من نفوذ الشرطة، أمّا عن القمع الذي حدث في يوم تنصيب ترامب، فبالرغم من أنه لم يكن مجرد رد فعل لما حدث قبله، إلا أنه وبنهاية اليوم كان قد تم القبض على 214 شخصا، وُجهت لهم تهم جنائية علق عليها محامو المدينة بأنها لم يسبق لها مثيل.

وتضمنت هذه التهم الإضرار بالممتلكات والزعم بإصابة أحد ضباط الشرطة، ومع أن الشرطة والنيابة العامة والمتظاهرين قد اتفقوا على أن جميع المتهمين لم يكونوا من المشاركين في الاحتجاجات، إلا أن أحدهم اتُهم ببساطة بالمشاركة في التخطيط.

وقد كان للنيابة العامة يد في القمع؛ بادعائها أن مجرد تواجد المتهمين في المسيرة أو انضمامهم عامةً إلى هتافات الناشطين يجعلهم متهمين بارتكاب عدة جرائم مثل المشاركة في أعمال الشغب، والتواطؤ، والتحريض أو الحث عليها. ونتيجةً لاتهامهم بالعديد من الجرائم الجنائية؛ فإنه قد يواجه بعضهم أحكامًا بالسجن تصل لخمسة وسبعين عامًا.

مثل هذا الاعتداء الفاضح على الحقوق الديمقراطية -والذي قد يُرى بمثابة دُفعة افتتاحية لموجة جديدة من الاستبداد- يُعد الانفجار الأول في معركة ترامب ضد الحركات الاحتجاجية. وفي حين أن وجود ترامب في البيت الأبيض يرسل إشارة قمعية قوية إلى جميع فئات الحكومة والمجتمع، إلا أنها نتاج لميوله الاستبدادية كمرشح لهم.


القمع المؤيَّد من الحزبين

وتتزامن عمليات الاعتقال الجماعية والمحاكمات التي تجرى لمحتجي الـ 20 من يناير مع زيادة التشريعات التي يرعاها الجمهوريون، والتي تهدف إلى قمع التظاهرات. ففي هذا العام تم اقتراح ما لا يقل عن تسعة عشر تشريعًا قانونيًا فى المجالس التشريعية للولايات فى جميع أنحاء البلاد. وأغلب هذه التشريعات تهدف إما لزيادة العقوبات الجنائية على الممارسات الاحتجاجية أو لمحاولة السيطرة على المتظاهرين والمنظمين المسؤولين عن هذه الممارسات. وهذا تحديدًا ما سعت لتحقيقه ملاحقات الـ20 من يناير.

فعلى سبيل المثال؛ نظرت الهيئة التشريعية لولاية مينيسوتا خلال دورتها في تشريع قانون كان من شأنه أن يسمح لمجالس المدن بمقاضاة المشاركين في «التجمعات غير المشروعة» لما يلحقوه من خسائر للشرطة. وبالرغم من فشل المشرعين في تمريره، إلا أنهم وافقوا على آخر يزيد من عقوبة من يتسبب في إعاقة حركة المرور.

وفي ولاية واشنطن، قدم أحد أعضاء مجلس الشيوخ التابعين للحزب الجمهوري قانونًا يسمح للدولة باتهام المتظاهرين الذين يعيقون حركة المرور بـ«الإرهاب الاقتصادي»، وهي جريمة جنائية. وفي ولاية أريزونا ناقش المشرعون مشروع قانون يسمح للنيابة العامة باتهام المتظاهرين بـ«الابتزاز»، والقبض على المنظمين المسؤولين عن الجرائم التي يرتكبها الأفراد -غير الأعضاء- في الاحتجاجات.

وربما كانت ولاية داكوتا الشمالية هي أكثرهم ترويعًا. حيث اقترح المشرعون الجمهوريون إعفاء السائقين من العقوبة إذا ما دهسوا المتظاهرين بسياراتهم عن غير قصد.

هذه السلسلة من التشريعات، والتي تُعرف عادة بتشريعات مكافحة الاحتجاج، هي من إنتاج الجمهوريين. في ذات الوقت الذي انشغل فيه نظراؤهم الديمقراطيون بمحاولاتهم لخنق حرية التعبير.

ناقشت المجالس التشريعية في الولايات المتحدة الأميريكية منذ عام 2014 عددًا كبيرًا من القوانين التي تهدف بها إلى مهاجمة حركة المقاطعة، التي تطالب بسحب الاستثمارات، والعقوبات على إسرائيل، واعتمدت في ذلك على المعارضة السلمية ضد الانتهاك الإسرائيلي لحقوق الإنسان الفلسطيني. وقد تم اقتراح هذه القوانين من قبل أعضاء من الحزبين في جميع المجالس التشريعية إلا أنه في المجالس التشريعية للولايات ذات الثقل مثل ميرلاند ونيويورك وكاليفورنيا تم اقتراحها من قبل أعضاء الحزب الديمقراطي فقط!

ولم يقتصر هذا التوجه على مستوى الدولة فقط. فقد نظر الكونغرس الأمريكي في عدد من التدابير لمكافحة حركة مقاطعة إسرائيل، بما في ذلك القانون الذي نوقش مؤخرًا والمسمى بـ «قانون إسرائيل لمكافحة المقاطعة». وتماشيًا مع التقليد الذي يتبعه الحزبان، فقد شارك كلاهما في تقديمه. وبدأ ذلك روب بورتمان، الجمهوري، وبين كاردين، الديموقراطي. وكان كل أعضاء مجلس الشيوخ المعارضين ممثلين لحركة مقاطعة إسرائيل.

وفي حين أن وسائل الإعلام تعاملت مع الأمر على أنه ظاهرة منفصلة، إلا أنه لن تكون الصورة كاملة إذا تحدثنا عن قانون مكافحة الاحتجاج دون تضمين قوانين مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل. فقد اختير مناظروهم ليقوموا بتهدئة النقاش عن طريق استهداف جوانب غير مهمة من التظاهرات والتجمعات الطبيعية، إن هذه التشريعات تستهدف ما هو أكبر من الاحتجاج، في هذه الحالة إنها تستهدف المقاطعة.

وبصفة عامة، فإن تشريعات مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل تهدف إلى صنع قائمة سوداء من الأفراد والكيانات التي تقاطع إسرائيل، ومستوطناتها غير القانونية (التي يشار إليها بشكل غير قانوني بـ «الأراضي الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية»). وسيترتب على ذلك حرمانهم من منافع عامة والتي عادة ما تكون عقود حكومية، ومن المحتمل أن تساعد هذه القوانين على زيادة نفوذ الدولة لتتمكن من معاقبة الجمعيات الأكاديمية أو المجموعات الطلابية بحظر تمويلهم.

تعتبر المقاطعة أسلوب اعتراض تقليدي كما هي المسيرات والاحتجاجات، ومن حركة الحقوق المدنية الأمريكية إلى حركة جنوب أفريقيا المناهضة للعنصرية إلى الحركة الشيلية المناهضة للنظام العسكري، إن المقاطعة دائمًا أداة قيّمة لتحدي المؤسسات الظالمة وتحقيق التضامن الدولي. لذا فإن معاقبة شخص ما على المشاركة في المقاطعة، هو حرمان من حقه الأساسي في الاحتجاج.

وتهدف تشريعات مكافحة المقاطعة إلى الحفاظ على الهدوء أكثر من تحقيق الأهداف المباشرة للقوانين. ونظرًا لأن عددا من منظمات المجتمع المدني -كالكنائس والنقابات والروابط الأكاديمية- تناقش وتنظر في قرارات حركة مقاطعة إسرائيل، فإن الدفع إلى تدابير ضد المقاطعة سيؤثر بلا شك على هذه النقاشات. كما أنه إذا خشي كل شخص من أن يكون عرضة لتحمل المسئولية الجنائية أو المدنية عن ممارسات شخص آخر متورط في الإضرار بالممتلكات، فإنهم على الأغلب سيتجنبون الاحتجاجات تمامًا.


جذور القمع

لا تنشأ أي من هذه القوانين من الفراغ. ففي حالة القوانين المكافحة للمقاطعة، يوضح مؤيدوها أن هدفهم هو نشطاء التضامن الفلسطيني. وغالبًا ما تكون التدابير المضادة لاحتجاجات الشارع ما هي إلا محاولات مباشرة لتقويض الحِراك الاجتماعي الناجح.

فقد جاء مشروع قانون مكافحة الاحتجاج فى مينيسوتا فى أعقاب تظاهرات كبرى ضد قتل شرطي لـفيلاندو كاستيل. وفي ولاية داكوتا الشمالية تم تقديم مشروع قانون لمكافحة الاحتجاج وسط مقاومة جماعية لمد خط أنابيب داكوتا. وتستهدف قوانين مكافحة المقاومة المقترحة في ميتشيغان 15 حملة احتجاجية متصاعدة. أما عن بقية التشريعات المكافحة للاحتجاج فأغلبها يتمنى بوضوح القضاء على الاحتجاجات المتزايدة لحركة «الحياة للسود».

يعتبر قمع الحراك الاجتماعي هو الأصل في الولايات المتحدة الأميركية على وجه الخصوص. سواء كانت حركة مقاطعة إسرائيل أو حركة الحياة للسود، وأي تلميح بأن الحِراك تحت السيطرة يعني أن القمع ليس ببعيد عنها. ولكن بعض القضايا والمجموعات تجتذب اهتمامًا خاصًا.

فالاحتجاجات التي يقودها السود للمطالبة بحقوقهم غالبًا ما تتصدى لها الشرطة العسكرية، والتي هي أشبه ما تكون بجيوش الاحتلال. وبينما كافحت جميع الحركات «الحياة للسود» و«نشطاء التضامن الفلسطيني» و«حماة الماء في قبيلة ستاندينج روك» ضد العنصرية، إلا أن الدولة أطلقت العنان ليدها اليمنى ردًا على ذلك. ولكن نشطاء الستاندينج روك والتضامن الفلسطيني، استمروا في إغاظة الدولة باستمرارهم في تحدي الاستعمار الاستيطاني.

إن تهديد الربحية الرأسمالية هي طريقة مؤكدة لاستحضار مطرقة الدولة. ولأن الصراعات التقليدية بين اليد العاملة ورأس المال بطبيعتها مدمرة للأعمال. لذا فقد قامت حركة الحياة للسود بتعطيل حركة المرور وغلق الطرق الرئيسية مما عطل العمل وجعل احتجاجاتهم فعالة جزئيًا. كما تمكن حماة مياه الستاندينج روك من إعاقة بناء خط أنابيب مما جعلهم عائقا لمؤسسة قوية جدًا.

بالرغم من أن الالتزام بفكرة الفصل العنصري الإسرائيلي هو الحافز الأساسي لوجود قوانين تستهدف نشاط التضامن الفلسطيني إلا أنه في بعض الحالات وجدت النقاشات الاقتصادية المعاكسة مكانًا لها ضمن أسلحة المؤيدين.

وكثيرًا ما استشهد مؤيدو قانون مكافحة حركة مقاطعة إسرائيل في ماريلاند بدعم الدولة لمركز التنمية الماريلاندي الإسرائيلي. وتتباهى الدعايا الترويجية على موقع المركز بوجود مقاولين للدفاع في الولاية مثل لوكهيد مارتن ونورثروب غرومان وجينيرال ديناميكش وبوز ألن هاملتون.

لوكهيد مارتن هو شريك وراع لمركز التنمية الماريلاندي الإسرائيلي. ووفقًا للمركز فإن لوكهيد -الذي يعمل في بيثيسدا- يفخر بالدور الذي قام به منذ عقود في دعم دولة إسرائيل وقوات الدفاع الإسرائيلية. حيث كانت طائرات الشركة من طراز (C-130) و(F-16) جزءًا من سلاح الجو الإسرائيلي منذ السبعينيات والثمانينيات، وقد احتفلت إسرائيل مؤخرًا بوصول الجيل الخامس من طائراتها المقاتلة من طراز (F-35 Adir).

وبالنظر إلى سلطة المجمع الصناعي العسكري على السياسيين الأمريكيين، فإنه ليس من المفاجئ أن المشرعين في ولاية ماريلاند على استعداد لحرمان ناخبيهم من الحقوق الديمقراطية الأساسية من أجل ضمان أن المستفيدين المحليين من الحرب سيستمرون في الاستفادة من الاحتلال الاستعماري لفلسطين.


القمع السياسي يظل سياسيًا

ومن المفارقة أنه في ذات الوقت الذي انكشفت فيه محاولاتهم لتجريم المعارضة، فإن مناقشة وطنية دائرة حول حرية التعبير تحاول إلى حد كبير حجبها من الظهور. وبالنسبة لأولئك الذين يحاولون إثبات أن خطاب اليمين مهدد بشكل خاص أو أن البيض من محبي الأعراق الأخرى منبوذون، فإنه من السهل أن نرى سبب تجاهل هذه الحقائق غير المريحة.

ومع ذلك، فمن الواضح أن الليبراليين أيضًا يعانون في فهم الأسباب الرئيسية لتهديد حرية التعبير. وتفترض الليبرالية أن قمع حرية التعبير ينبع من ميل طبيعي مترسخ لدى أصحاب النفوذ لرغبتهم الشديدة في استغلال سلطتهم. وتحاول تفسير سبب الهجمات على حرية التعبير بأنه رغبة في القضاء على الأفكار التي لا تحظى بشعبية أو الأفكار التي يختلف الناس معها شخصيًا.

ولكن محاولة تصنيف هذا القمع الفاضح من حيث شعبيته هو أمر مضلل تمامًا. والقمع السياسي هو في نهاية المطاف سياسي. وهياكل السلطة يتم تنظيمها فقط من أجل الحفاظ على قوتها.

فمجتمع البيض الذين يعتقدون أنهم الأفضل ينظرون إلى أي حركة تدعو إلى العدالة العرقية كتهديد، لأنه إذا نجحت إحداها فستقوم بتفكيك التدرجات العنصرية وهياكل القمع التي تميز ذلك المجتمع. ومن المؤكد أن النظام الاقتصادي الذي يعتبر حمَلة الثروة الخاصة هم الأفضل لن يكون له أي مخاوف بشأن تمزيق الحقوق الديمقراطية إذا ما استخدمت لتهديد الثروة الخاصة. والاقتصاد الذي لا يزال المستفيدون من الحرب فيه هم أحد أركانه الرئيسية سينظر إلى أي حركة تهدف إلى نزع سلاح المشروع الاستعماري باعتبارها خطرًا وجوديًا. والحركات التي تهدف إلى إعلاء النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي السائد هي في الواقع خطرة أيضا من وجهة نظر ذلك النظام.

ولهذا السبب، تحملت الحركات الاشتراكية والمضادة للرأسمالية العبء الأكبر من القمع الذي تمارسه الدولة. كما أنها حاربت أثناء كفاحها من أجل البقاء دفاعًا عن الحقوق الديمقراطية وتوسيع نطاقها -والتي ستؤثر على الناس بشكل جيد بعيدًا عن اليسار. وبينما يتجاهل اليمين والليبراليون هذه الحقيقة، فإن الكثيرين من اليساريين قد نسوا ذلك للأسف.

إن الكثيرين من أصحاب النفوذ لا يريدون أن تكتسب حركات مثل «الحياة للسود» أو «التضامن الفلسطينية» زخمًا. كما لا يريدون لعمال الوجبات السريعة أن يتمتعوا بأجور أعلى أو أن يتمكن سكان قبيلة ستاندينج روك من منع مد خط الأنابيب. لذا فإنهم لا يريدون لفكرة المقاومة الفعالة الانتشار. خصوصًا بعد أن لاقت تلك الحركات نجاحًا كبيرًا، مما دعاهم لاستخدام أجهزة الدولة القمعية.

إن أي محاولة جادة لمواجهة حملة القمع الحالية على المعارضة يجب أن تعرف جذورها جيدًا لتتمكن من النجاح. فتلك الجذور أعمق بكثير من دونالد ترامب.