على الرغم من أن فلسفة منتسوري وضعت قبل مائة عام، فإن اكتشافاتها لطرق تعلم الطفل وتأثير البيئة المحيطة عليه أكدت صحتها الدراسات والأبحاث العلمية الحديثة[1]، مما يضعها على قائمة أفضل طرق التعلم على مستوى الفلسفات والمناهج. وإحدى تلك النقاط التي أكدتها هي «الحافز الذاتي».

في منتسوري لا توجد امتحانات / جداول تقييمية / هدايا / مكافآت، لا يوجد أي شيء مقابل عمل الطفل. من هنا يُحسن طلاب فصول منتسوري التصرف ويدرسون بكفاءة دون أي تحفيز خارجي، والسبب في ذلك الحافز الذاتي ليس الخارجي، فقد رفضت د. ماريا منتسوري منهج الثواب والعقاب واعتبرته تدخلًا في عملية التعلم، وأنه يفشل الهدف المرجو منه، ويقلل الدافع الذاتي / الشخصي، والوظائف الفكرية، وعملية الإبداع برمتها.

ولاحظت «منتسوري» في مرة من المرات أن الأطفال لا يميلون إلى الهدايا التي قدمت إليهم بعد اجتيازهم لقراءة عدة كلمات واقتراح الهدايا من جانبها، وعلى العكس من ذلك شعروا بالإنجاز الداخلي وطلبوا المزيد من التمارين، وفي مرة أخرى أحبت أن تكافئ طالبًا أجاد الإنصات في لعبة الصمت (مادة الحياة العملية في نهج منتسوري) بحلوى، فرفض وتنحى جانبًا.


الثواب والعقاب: إلهاءٌ عن الغرض

تخلق المدارس العادية فرصًا كثيرة للحافز الخارجي لأن طلابها لا يجدون الحافز الداخلي لاستكمال مهامهم التعليمية. إذا فرضنا أننا أخبرنا طلاب تلك المدارس أنه لم يعد هناك ثمة اختبارات ولا درجات تقييمية، ترى ماذا سيفعلون؟ سيهملون دراستهم، وهذا بسبب أن حافزهم الذاتي قد دُمِّر من قبل، فأصبحوا يجيدون عملهم لأن هناك ما ينتظرهم من نجوم ذهبية أو مكافآت أو درجات مرتفعة.

المنشأ

ظهرت في أمريكا عام 1912 على يد عالم النفس الأمريكي واطسون كمقولة من مقولات المدرسة السلوكية في علم النفس التي طرحت فكرة أن تلقّي التحسينات والمكافآت بصفة عامة يدعم السلوك ويثبته، في حين أن العقاب ينتقص من تدعيم وتثبيت السلوك، واعتبرت أن الكائن الحي آلة ميكانيكية معقدة لا تحركه دوافع موجهة نحو غاية، وإنما مثيرات دون وجود دوافع واستعدادات فطرية، فيمكننا طبقًا لهذه المدرسة أن نشكل الطفل حسب غايتنا بوضع بعض القوانين التي تخص عقابه ومكافأته.

الانتقادات

انتُقدت المدرسة السلوكية من قبل العديد من علماء النفس، وبدأت موجة جديدة لتفسير السلوك البشري ودوافعه على يد ألفرد أدلر الطبيب النمساوي، وهو من رواد مدرسة التحليل النفسي، ود. ماريا منتسوري، الطبيبة النفسية. وتوالت الدراسات في ذلك الحين، يذكر منها دراسة أوضحت أن عمل الشخص المحفز خارجيًا أو المنتظر للمكافأة يتأثر لاحقًا بقيامه بهذا النشاط.

إحدى الدراسات أقيمت على فصل من فصول أطفال الروضة (من 3 – 5 سنوات)، وقسّم الباحثون الأطفال إلى ثلاث مجموعات. كانت تفاصيل الدراسة أنهم وضعوا مجموعة من أقلام التلوين الجديدة أمام الأطفال وأخبروا المجموعة الأولى أنهم سيحصلون على جائزة إذا رسموا بالأقلام الجديدة ولم يخبروا المجموعتين الأخريين بأي شيء، فقط ودعوهم يستخدمون الأقلام، وبعد أن انتهوا جميعهم من الرسم لمدة 6 دقائق، أعطوا المجموعة الأولى جوائزهم المتوقعة، وأعطوا جوائز أخرى غير متوقعة لأطفال المجموعة الثانية، أما المجموعة الثالثة فظلت بدون أي جائزة، وكانت النتيجة:

1. قيِّمت رسومات المجموعات الثلاثة ووجد الباحثون أن رسومات أطفال المجموعة الأولى التي أخبرت بالجوائز مسبقًا أقل في الكفاءة من المجموعتين الأخريين.

2. بعد مرور عدة أسابيع على ملاحظة الباحثين لسلوك الثلاث المجموعات في الفصل، وجد أن المجموعة الأولى (التي أخبرت بالجائزة مسبقًا) أقل استخدامًا لأقلام التلوين، وأقل في المشاركات الفنية، وعنصر الإبداع، التطوع في النشاط المعني.

لكن كي نوضح الصورة علينا ذكر أن المكافآت في العموم ليست ضارة، وإنما تصبح ضارة عندما تكون مشروطة بالقيام بفعل ما، أن تكون مُتوقعة، ملموسة كالمال أو الهدايا العينية. وبالرغم من أن هناك العديد من الدراسات في هذا النحو التي شملت أعمارًا مختلفة من أطفال ما قبل المدرسة إلى طلاب الجامعة، فإن جميعها أوضحت أن الأكثر تأثيرًا هم الأطفال الأصغر عمرًا، وأنها غير منطقية في أحوال الحلول المفتوحة، وغير المفسرة بشكل واضح أو بخطوات محددة، كمثال الرسم بأقلام التلوين في الدراسة السابقة، فيصبح إعطاء المكافآت رهنًا بتقييم المعطى.


المنتسوري يفوز

يتفوق أطفال منتسوري (الذين قضوا في فصول منتسوري فترة من الزمن) على أطفال المدارس العادية عندما ينتقلون إلى هناك في هذا الجو التنافسي الشرس غير المألوف بالنسبة إليهم، لجاهزيتهم بالبناء النفسي والداخلي الذى يعمل كبوصلة لنجاحاتهم، دون الاعتماد على شيء ما يحفزهم للحصول على قيمة ما لعملهم، وربما يكون من الصعب على طلاب المدارس العادية أن ينتقلوا إلى فصول منتسوري التي لا تعتمد على المحفزات الخارجية.

إذن كيف يقيم الطالب في فصل منتسوري؟

صمّمت د. منتسوري الأدوات ووضعت بها عاملاً مهمًا وهو ضابط الخطأ، لكي يصحح الطفل لنفسه بنفسه دون الرجوع إلى المدربة. وعن طريق مبدأ التكرار الذي يلعب دورًا مهمًا في البناء المعرفي للطفل، والدرس الثلاثي المراحل، وملاحظة المدربة لأداء كل طالب، تقيِّم المدربة أداء الطالب عن طريق كتابة وصف دقيق لطريقة أدائه، والوقت المستغرق، وحتى تعابير وجهه، فيصبح تقييمها وصفيًا لا رقميًا أو تقديريًا كما في التعليم التقليدي، ويصبح لكل طالب مساحته الخاصة التي يتعلم طبقًا إليها دون الرجوع إلى قوائم معدة مسبقًا ودون الرجوع إلى مقارنته بباقي الطلاب.

المراجع
  1. Stoll, Angeline, Montessori – The science behind the genius, USA, R.R. Oxford university , 2017