أمة واحدة عربية ضد الهجمة الأمريكية.

بهذه الكلمات اختار المخرج المصري خالد يوسف إنهاء فيلمه «العاصفة» الذي تناول أول تدخل عسكري مباشر للولايات المتحدة الأمريكية في الوطن العربي، للمشاركة فيما يعرف بـ «التحالف الدولي» الذي ضم 34 دولة، بينها مصر ، لتحرير الكويت من الهجوم العراقي عليها.

وبالرغم من مرور 27 عامًا على تأسيس هذا التحالف، وخروج القوات العراقية من الكويت، وإسقاط نظام صدام حسين في الغزو الأمريكي للعراق، فإن الولايات المتحدة مازالت تستخدم «التحالف الدولي» للتدخل العسكري في المنطقة العربية، ولكن هذه المرة بحجة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، إلا أن ضحايا هذا التدخل في الأغلب لا يكونون من أعضاء التنظيم، لتصبح محاربة داعش سهاما مرتدة تصيب المدنيين.


العراق

1. الموصل: جزء من خريطة الدم

أطفال بغداد الحزينة يسألون عن أي ذنب يقتلون! يترنحون على شظايا الجوع يقتسمون خبر الموت ثم يودعون.
فاروق جويدة

في 17 أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2016، أعلن الجيش العراقي عن بداية عملية تحرير مدينة الموصل الواقعة بشمال العراق، وهي ثاني أكبر المدن العراقية، من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، وبالطبع فالقوات العراقية لم تقم بالمهمة وحدها، ولكن صاحبها غطاء جوي من قوات التحالف الدولي الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية.

ومنذ ذلك التاريخ لم تتوقف المعارك في مدينة الموصل، ليجد سكان غرب الموصل أنفسهم أمام مجزرة وعملية إبادة جماعية، فقد شهدت أحياء الموصل منذ يوم الخميس 17 مارس / آذار 2017 غارات جوية تسببت في سقوط المئات من المدنيين، وهو ما اعترف به التحالف نفسه في 25 مارس/آذار، معلنا أنه سيفتح تحقيقا فيما حدث من استهداف للمدنيين.

وكعادتها في مثل هذه الأحداث، والتي أصبحت محفوظة من كثرة تكرارها أعربت الأمم المتحدة عن قلقها مما حدث بالموصل، إلى جانب توجيه تعازيها لأسر الضحايا، ولم يعد غريبا إذا ما قلنا إن بيان الأمم المتحدة قابله صمت عربي عن الشجب والإدانة.

ووفق للتقديرات المختلفة فإن عدد ضحايا المجازر المرتكبة في الموصل قد تعدى ـ700 شخص، وسط نزوح عشرات الآلاف من المدينة، ورغم تلك الجريمة عادت الغارات لتستهدف الموصل من جديد في 5 أبريل /نيسان الجاري، وتظل الموصل تحت نيران القصف الذي لا يعلم أحد متى يتوقف ومتى تنتهي معاناة أهلها.

2. داقوق: استهداف لمجلس عزاء

بعد تصاعد سيطرة تنظيم الدولة على أجزاء كبيرة من العراق، وسوريا، قررت الولايات المتحدة تدشين ما يعرف با لتحالف الدولي لمحاربة داعش، وفي 7 أغسطس/ آب 2014، ألقى الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما كلمة للشعب الأمريكي معلنا خلالها إطلاق الغارات الأمريكية ضد التنظيم، ليتوسع عدد الدول المشاركة في التحالف بعد ذلك.

وخلال ما يعرف بعمليات التحرير الذي يقودها الجيش العراقي ضد تنظيم الدولة بغطاء جوي من قوات التحالف كانت مدينة داقوق الواقعة على بعد 30 كيلومترا من مدينة كركوك العراقية والواقعة شمال العراق، على موعد مع استهداف مجلس عزاء أدى إلى سقوط عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، وهو عدد إضافي لضحايا عمليات تحرير كركوك من قبضة تنظيم الدولة.

وعقب القصف أعلنت مصادر عراقية أن عدد الضحايا نتيجة استهداف مجلس العزاء 21 شخصا غالبيتهم من النساء والأطفال، إضافة إلى عشرات المصابين.

سارعت قوات التحالف بنفي تبعية تلك الغارة لها، لكن وزارة الدفاع الروسية أعلنت في 22 أكتوبر / تشرين أن التحالف الدولي بقيادة واشنطن هو من نفذ الهجمات واستهدف بلدات مسالمة، وأنه لا وجود لمسلحي تنظيم الدولة في هذه الأماكن وفقا لمعلومات وزارة الدفاع الروسية، وأن عشرات المدنيين من بينهم نساء وأطفال سقطوا جراء تلك الضربات الجوية، ثم اختفت التعليقات على الحادثة بعدها بأيام نتيجة لوجود حوادث أخرى في العراق وسوريا وتصاعد وتيرة الأحداث، لدرجة يصعب معها التوقف عند كل حادثة.


سوريا

3. الرقة: شاهد على الجرائم بسوريا

من العراق إلى سوريا لم يتغير الوضع كثيرا فالحرب التي يقودها التحالف الدولي والذي تجاوز عدد أعضائه 60 دولة، ضد تنظيم الدولة الإسلامية لم يكن هدفها معاقل التنظيم في العراق فقط، وإنما سوريا أيضا.

ونتيجة للوضع المتداخل في سوريا، وتزايد أطراف الصراع، يظل المدنيون هم الضحايا في كل الأحوال، وخير نموذج على هذا التداخل مدينة الرقة السورية والتي تقع على الضفة الشرقية لنهر الفرات شمال شرقي العاصمة السورية دمشق، وفي ديسمبر /كانون الثاني من العام 2015 اتخذها التنظيم عاصمة للخلافة.

وكان عدد سكان محافظة الرقة يقارب مليون شخص بينما عدد سكان مدينتها والتي تحمل نفس الاسم أقل من 200 ألف شخص، وذلك قبل اندلاع الأحداث بها، فمنذ اندلاع الحرب على تنظيم الدولة أصبحت الرقة مثل سائر المدن والقرى السورية هدفا من أهداف طائرات التحالف.

في مدينة الرقة السورية، ففي 22 مارس/ آذار من العام الجاري،أعلنت ما تسمى تنسيقية المعارضة السورية عن سقوط 50 قتيلا خلال غارات للتحالف على مدرسة في ريف الرقة، صاحبها للمرة الأولى إنزال جوي لقوات أمريكية ومقاتلين سوريين لدعم العملية العسكرية ومطاردة عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، ليصدر بعدها البنتاجون الأمريكي بيانا يعلن فيه إجراء تحقيقات حول الحادث، وتظل هذه الجملة هي الرد الذي تصدره الولايات المتحدة الأمريكية مع كل جريمة ترتكبها في حق المدنيين.

4. دير الزور وحلب: روسيا وأمريكا يتفقان على الدم العربي

هل فكرت أن الولايات المتحدة الأمريكية والدب الروسي يمكنهما في يوم ما أن يتفقا؟ نعم فالظاهر أن الخلافات بينهما حادة بما فيها الخلاف على سيطرة كل منهما على الشرق الأوسط، إلا أنهما اتفقا على إراقة دم المدنيين في سوريا.

ويبدو أن شهر مارس/ آذار من العام الجاري هو شهر الدماء العربية في سوريا والعراق، فقد ارتكبت قوات التحالف الدولي، وكذلك القوات الروسية ثلاث مجازر بحق المدنيين في محافظة دير الزور وريف حلب الغربي.

وشنت تلك الطائرات غارات خلفت أكثر من 20 قتيلا وأكثر من 100 جريح، وفي يوليو/ تموز من العام الماضي أيضا كانت حلب على موعد مع مجزرة أخرى من مجازر التحالف الدولية، عقب استهداف قرية النواجة شرقي مدينة منبج بريف حلب الشرقي قتل خلالها 30 من المدنيين ليظل المبرر هو استهداف عناصر تنظيم الدولة الإسلامية.

وفى منتصف العام الماضي فقد رصدت تقارير صحفية سقوط 872 قتيلا في شهر واحد فقط بسوريا، ليظل شعبها يدفع فاتورة الصراع العالمي الذي انتقلت أطرافه إلى الداخل السوري بمبررات مختلفة.


اليمن

5.البيضاء: الولايات المتحدة على خطى السعودية

وبالطبع لم تغب اليمن عن عيون الولايات المتحدة الأمريكية، المراقب لكل ما يحدث في الشرق الأوسط، فأوضاع اليمن التي لا تختلف في تعقيدها عن سوريا والعراق، كانت كفيلة لأن تجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يتخذ قرارا ليس فقط بتوجيه ضربة عسكرية لليمن، ولكن، بأول عملية إنزال بري من نوعها للقوات الأمريكية، في محافظة البيضاء وسط اليمن.

وقد أقرت واشنطن في بيان لها في 2 فبراير/شباط من العام الجاري، أن مدنيين بينهم نساء وأطفال قتلوا في اليمن أثناء عملية إنزال عسكرية قامت بها الولايات المتحدة مستهدفة تنظيم «القاعدة»، وقد أفاد مراسل الجزيرة في صباح الأحد 29 يناير/ كانون الثاني أن تلك العملية قد خلفت ما يزيد عن عشرين شخصا ما بين قتيل وجريح، فيما أكدت دراسة أنه منذ عام 2002 عقب أحداث مركز التجارة العالمي، وحتى الآن لم تتوقف غارات الطيران الأمريكي، التي خلفت 42 قيادة للقاعدة إضافة إلى المئات من مقاتلي التنظيم و100 ضحية من المدنيين.

وتأتي العملية الأمريكية استكمالا لما تعانيه اليمن من استهداف، أصبح جزءا من حياة الشعب اليمني اليومية، خاصة منذ انطلاق ما يعرف بعاصفة الحزم التي قادتها المملكة العربية السعودية، في 26 مارس/ أذار من العام 2015، وعلى طريقة التحالف الدولي فقد أسست السعودية التحالف العربي ضد الإرهاب، وذلك بهدف دعمها في حربها ضد الحوثيين المدعومين من إيران ومساندة النظام الحاكم لتشن المملكة ضربات جوية على اليمن استمرت منذ إعلان ما يسمى بعاصفة الحزم، لتأتي غارات الولايات المتحدة وتستكمل ما بدأته السعودية ليصبح اليمن السعيد رهينة أخرى لصراعات النفوذ بالمنطقة العربية.

ويأتي إ علان البنتاجون مقتل 229 مدنيا منذ بداية غارات التحالف على العراق وسوريا منذ عام 2014 وحتى أبريل/نيسان 2017 كاعتراف من التحالف بجزء من جرائمه بحق الشعوب العربية، وخاصة أن العدد لا يشمل ضحايا الموصل، ولا ضحايا اليمن، وبالقطع فإن الرقم الذي أعلنه البنتاجون وفقا لرؤيته هو وليس توثيقا للأرقام الحقيقية، سواء من القتلى أو الجرحى أو حتى النازحين الذين تركوا.

تلك المجازر التي استهدفت المدنيين من قبل قوات التحالف هي مجرد نموذج للعديد من عمليات القتل التي نالت من العرب، ومع كل غارة تستهدف ما سمي بتنظيم الدولة الإسلامية أو تنظيم القاعدة تخلف وراءها قتلى وجرحي من المدنيين والآلاف من الأسر النازحة،لتظل الشعوب ضحية الصراع على السلطة وضحية صراعات الدول الكبرى التي ترى في الشرق الأوسط أرضا خصبة لنقل صراعاتها إليها بعيدا عن شعوبها.

المراجع
  1. العراق.. أكثر من 100 قتيل ومصاب مع نهاية عملية كركوك الأمنية
  2. أطراف الصراع في سوريا: لا غالب ولا مغلوب
  3. الرقة من مدينة وادعة إلى عاصمة لخلافة "تنظيم الدولة الإسلامية"
  4. أكثر من 100 شهيد في مجزرة جديدة لطيران التحالف الدولي على قرية التوخار بريف حلب
  5. بعد ساعات من مجزرة المطب قوات التحالف وقوات سوريا الديمقراطية تسيطر على الجزرات الثلاث شرقها
  6. ما هو التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة
  7. قتلى بقصف جوي على مجلس عزاء جنوبي كركوك
  8. الرقة "عاصمة الخلافة".. ديوان مظالم ورؤوس بالشوارع
  9. واشنطن تقر بمقتل مدنيين خلال عملية إنزال بري نفذتها في اليمن
  10. الملك سلمان يطلق عملية "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين