ضرب كثير من المعاقين مثالًا في إثبات أن الإرادة فوق العجز، وبعض هؤلاء رفضوا الاستسلام لمرارة عجزهم وقسوة واقعهم، وأصروا على ابتعاث مكامن التميز داخلهم، وقرروا المشاركة فى حركة مجتمعهم، إلا أن كثيرًا منهم وقفوا عاجزين أمام محاولات إقصائهم وتهميشهم ومن هؤلاء نانسي سعد التي تعثرت كثيرًا في طريقها نحو تحقيق حلمها أن تكون مترجمة.

وبعدما تفوقت نانسي في الثانوية العامة والتحقت بكلية الألسن لتستهل طريقها نحو حلمها، تقول لـ«إضاءات»، إنه طريقها لم يكن مفروشًا بالورود؛ نظرًا لإعاقتها البصرية وكونها كفيفة لم تستطع اللحاق بأقرانها في الجامعة، لعدم وجود كتب ومناهج مكتوبة بطريقة برايل للمكفوفين.

نانسي مثال لجميع المصريين وبخاصة المعاقون البالغ عددهم أكثر من 11 مليونًا، وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء 2020، وفي محاولة جديدة من الدولة المصرية لتخفيف معاناة هؤلاء أعلن المجلس القومي لذوي الإعاقة عن قانون جديد صدق عليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يفتح طاقة نور وأمل جديد لأكثر من 11 مليون مصري من ذوي الإعاقة، عبر تعديل بعض أحكام قانون إنشاء صندوق دعم الأشخاص ذوي الإعاقة الصـادر بالقانون رقم 200 لسـنة 2020. هذا التعديل أعاد التساؤلات حول جدوى هذا الصندوق وقُدرته على تيسير حياة المعاقين في مصر.

أهداف تعديلات القانون

في عام 2000 أعلن مجلس النواب إصدار قانون لتأسيس صندوق خيرى برأس مال مليار جنيه، يحمل اسم «صندوق عطاء لدعم ذوى الإعاقة»، وأعلنت الحكومة عن فتح باب المساهمة المجتمعية فيه بهدف تقديم الدعم المادي لذوي الإعاقة.

ونص القانون على «أن يكون للصندوق موازنة مستقلة، وتبدأ السنة المالية له ببداية السنة المالية للدولة وتنتهي بنهايتها، ويخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، ويكون للصندوق حساب خاص ضمن حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزي، وأن يكون للصندوق حساب بأحد البنوك التجارية بعد موافقة وزير المالية، ويكون الصرف من أموال الصندوق على تحقيق أغراضه، وفقًا للقواعد التي يصدر بها قرارات من مجلس إدارته».

ومن ثم جاء التغيير الذي أحدثه القانون هو أنه أصبح تابعًا لرئاسة الجمهورية بدلًا من رئاسة الحكومة وهو ما اعتبره البعض مكسبًا سياسيًا كبيرًا لذوي الإعاقة. أيضًا تم تغيير اسم صندوق دعم ذوي الإعاقة إلى صندوق «قادرون باختلاف» وإجراء تعديلات على بعض البنود، وفقًا لما أعلنته الدكتورة إيمان كريم المشرف العام على المجلس القومي للأشخاص ذوي الإعاقة.

أبرز التعديلات

ومن أبرز التعديلات على نصوص القانون، التي نشرت بالجريدة الرسمية، هو أن يكون مجلس إدارة الصندوق هو السلطة المهيمنة على شئونه وتصريف أموره، ويضع النظم واللوائح الداخلية المتعلقة بالشئون الفنية والمالية والإدارية والموارد البشرية وغيرها، وتمت إضافة بنود جديدة للقانون بأرقام (7 و8 و9 و10 و11 و12 و13 و14) وبعض هذه البنود الجديدة تنص على المساهمة في تمويل بناء وتشغيل المستشفيات ووحدات ومراكز الرعاية الصحية التي تخدم الأشخاص ذوي الإعاقة.

ووفقًا لما أعلنته رئيس المجلس القومي لذوي الإعاقة في تصريحات للتلفزيون المصري، يسعى الصندوق ببنوده الجديدة لإحداث طفرة في حياة المعاقين عبر تمويل بناء المستشفيات وبرامج التأهيل لإدماجهم في المجتمع وبرامج التدريب المهني وتغطية تكلفة التقارير الطبية للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة وإعطاء الفرصة للأشخاص ذوي الإعاقة في الحصول على فرص العمل ودعم المشروعات متناهية الصغر حتى يصبح لهم دور كبير في التنمية وتمكينهم اقتصاديًا.

وأوضحت استشارية شؤون الإعاقة داليا عاطف لـ«إضاءات»، أن تعديلات القانون الخاص بالصندوق تضمن الإسهامات العديدة في تمويل المشروعات ومراكز الرعاية الصحية للاكتشاف والتدخل المبكر والأجهزة التعويضية والوصول لتمكين صحي ذات جودة، وتنفيذ برامج تعزيز الوعي المجتمعي بحقوق المعاقين ومتطلباتهم ودمجهم، لذلك سيصبح هذا الصندوق طاقة أمل ونور للمعاقين في مصر إذا تم توسيع مصادر دخله وتنفيذ بنوده على نطاق واسع».

تعديلات القانون تثير جدلًا

تضمن القانون بعض البنود والأنشطة المصاغة في تعريفات «فضفاضة”، مثل المادة 11 التي تنص على بند «المساهمة في تأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة للتكيف والاندماج في المجتمع، وتوفير برامج التدريب المهني لهم»، ومن ثم يحتاج هذا البند وغيره للائحة تنفيذية تشرح كيفية عمله ومصادره وكيفية الإنفاق عليه.

وأوضح الدكتور أيمن طنطاوي المدير التنفيذي لجمعية «كيان» لرعاية وتأهيل المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، في تصريحات لـ«إضاءات» أنه لم يلمس أي تغيير منذ إصدار القانون منذ عامين، وأن المعاقين لا يحتاجون في الأساس لقوانين جديدة، ولكن يكفي أن تعمل الوزارات والجمعيات على تنفيذ بنود تلك القوانين مثل التعاون لتوفير فرص عمل لذوي الإعاقة.

وأضاف الدكتور أيمن، «موقف مجلس النواب ومثابرته لمدة عامين لتغيير المسمى من دعم ذوي الإعاقة لـ«قادرون باختلاف» يعد مخالفة لاتفاقية حقوق الإنسان التي وقعتها مصر مع الأمم المتحدة تحت مسمى «اتفاقية الأشخاص ذوي الإعاقة» وهو اعتراف ضمني من الدولة بمصطلح ذوي الإعاقة، وينص الدستورالمصري 2014 في المادة (93) على أن «تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي تصدق عليها مصر».

دور الدولة أكبر من تلك النصوص التي حملها تعديلات القانون لأن تلك الأنشطة المنوط بها الصندوق من المفترض أن تقوم بها منظمات المجتمع المدني، وفقًا لما نوه إليه رئيس جمعية «كيان».

وتابع، «كما أن مخصصات الصندوق ضعيفة جدًا مقارنة بأهدافه حيث تصل ميزانيته لمليار جنيه، فمثلًا من ضمن أهداف الصندوق إصدار بطاقات يستفيد منها 13 مليون شخص من ذوى الإعاقة، للحصول على  تأمين صحي، ومعاش وتوفير فرص عمل، وتم إصدار الدفعة الأولى التى يصل عددها إلى 500 ألف بطاقة فقط للأشخاص الذين خضعوا للكشف الطبى الوظيفى المميكن الذى يثبت الإعاقة ويحدد نوعها ودرجتها، لذلك سيحتاج الصندوق إلى دعم مالي أكبر لتغطية نفقات تلك الخدمات».

وتحتاج منظمات المجتمع المدني إلى دور أكبر للدولة في رعاية ذوي الإعاقة، من خلال وضع معايير للجودة، ودعم عملية دمج المعاقين في التعليم، فدور الصندوق يجب أن يكون أكبر من إصدار بطاقة خدمية وإعفاءات من رسوم، وفقًا لتصريحات الدكتور أيمن طنطاوي.

وفي تصريحات لـ«إضاءات» أيد حسام المساح، الناشط في مجال حقوق المعاقين والحاصل على دبلومة في القانون الدولي من لاهاي، وجهة النظر القائلة بعدم دستورية تغيير اسم القانون، كما أن التسمية لا تغني عن جدية الخطوات التي يجب اتخاذها حيال الدمج المجتمعي للمعاقين.

نقطة تحول

بلغت نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة في مصر 10.6% من تعداد السكان حتى ديسمبر من العام الماضي بحسب بيانات وزارة التضامن الإجتماعي، فيما أشارت البيانات الرسمية الصادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، إلى أن ذوي الاحتياجات الخاصة يشكلون نحو 10.67% من إجمالي عدد السكان وفقًا للتعداد السكاني الذي أجراه لعام 2017، لذلك فإن قانون «قادرون باختلاف» ربما يكون نقطة تحول فارقة في حياة أكثر من 11 مليون معاق بمصر، ويجب اعتماد استراتيجية دامجة للوصول للفئات الأكثر فقرًا عبر تبني مبادرات قومية مثل مبادرة «حياة كريمة».

لمن ستوجه رعاية الصندوق؟

في المقابل، ترى داليا عاطف مسؤول إدارة المرأة والطفل بالمجلس القومي لشئون الإعاقة، في تصريحات لـ«إضاءات»، أنه سيكون من مكتسبات صندوق «قادرون باختلاف» توسيع قاعدة ممارسة الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية ورعاية المتفوقين والموهوبين ونشر الوعي المجتمعي بحقوق أصحاب الهمم، للتوقف عن انتهاك حقوقهم. ومن أهم مكتسبات هذا القانون أيضًا قرار إنشاء مصنع لصناعة الأجهزة التعويضية للمعاقين.

وأفادت بأنه لضمان تحقيق مكتسبات هذا القانون جرى تعيين مستشار رئاسي لشؤون الإعاقة لتسهيل مهمة التواصل مع رئاسة الجمهورية مباشرة.

وجاء قرار تشكيل مجلس أمناء للصندوق بعدد من الأعضاء لا يزيد عن أربعة عشر عضوًا، يجب أن يتم اختيارهم بطريقة مثلى، بحسب «داليا عاطف» استشارية شؤون الإعاقة، ويجب أن يكون هناك ممثل من كافة الوزارات المعنية مثل وزارة الصحة والتضامن داخل اللجنة، كما يجب أن يكون هناك مسؤولية مجتمعية عبر مشاركة البنوك والشركات لجمع تبرعات وموارد دخل لهذا الصندوق.

 وترى داليا، أن الأم ذات الإعاقة والأم المعيلة لأطفال ذوي إعاقة من أكثر الفئات احتياجًا، لذلك سيوفر لهم هذا الصندوق فرصة للتنمية الاقتصادية عبر تمويل مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر بفوائد بسيطة، ويشمل البرنامج خدمات تأهيل وتدريب أيضًا لهن.

برنامج صندوق قادرون باختلاف

التمكين الاقتصادي هو أهم ما يسعى إليه ذوو الهمم، فعند التقدم لوظيفة أو للحصول على منحة دراسية تكون الأفضلية للأصحاء جسديًا، وهو ما واجهته نانسي سعد، بحسب ما صرحت به لـ«إضاءات»، فعندما أتمت دراستها في كلية الألسن وحاولت الالتحاق بمعهد «جوتة» للحصول على دورة في اللغة الألمانية، رفضوا طلبها بشدة وبعد إلحاح وإصرار منها تم قبولها بعد اجتيازها عدة اختبارات للتحقق من قدراتها نظرًا لأنها كفيفة.

وتعد نانسي وحلمها الصغير أن تصبح موظفة خدمة عملاء في إحدى شركات الاتصالات بمصر، مثالًا لملايين من أصحاب الهمم الذين يجدون عثرات في كل خطوة يخطونها لتحقيق ذاتهم. 

وتحكي نانسي أنها تقدمت لفرص عمل بكثير من المدارس إلا أن الفرص محدودة مقارنة بعدد المتقدمين، وأضافت، «نحن غير قادرين على التعامل مع الأشخاص الأسوياء فحين التقدم لوظيفة يتم إقصاؤنا حتى من دون اختبارنا، كما أن التدريب والمنح الدراسية فرص غير متاحة بالنسبة لنا نحن المعاقين».