للآثار المصرية سحرها وعشاقها اللذين هما على أتم الاستعداد لدفع الغالي والنفيس من أجل اقتنائها، وتسخير اللصوص من أجل تحقيق مآربهم.

تخبرنا أوراق البردي المحفوظة بمتحف فيينا وجدران المقابر والمعابد أن عمليات نهب آثار مصر ليست قرينة العصر الحديث فحسب، بل إنها ظلت مطمعًا للعصابات على مر القرون. كانت أقدمها العصابات التي انتشرت في عصر الأسرة 20 والأسرة 21، أي منذ حوالي 1168 عامًا قبل الميلاد، كانت تتكون من نجاريين وفلاحين وعبيد يُسخرهم كبار الموظفين بتحريضهم على سرقة محتويات مقابر الملوك، ثم يقدمونهم بعد ذلك ككبش فداء، إذا ما أُلقي القبض عليهم.

بيد أن الآثار المصرية كانت آنذاك تُسرق وتُحفظ في مصر ولا تُهرب إلى الخارج. إلا أنها في العصر الحديث، شهدت عمليات سرقة ونهب بصورٍ عديدة؛ إما رسمية عن طريق تقديمها كإهداءات للملوك والرؤساء كما فعل محمد علي وجمال عبد الناصر والسادات، أو بشكل غير شرعي عن طريق السرقة والاحتيال، وبمساعدة كبار موظفي الدولة في كثير من الأحيان.

تشير وزارة الآثار في تقرير أعدته إدارة المخازن المتحفية في 17 أغسطس/آب 2017، بأن هناك نحو 33 ألف قطعة أثرية من تماثيل نادرة صغيرة الحجم، قد اختفت من مصر خلال الخمسين عاماً الماضية في ظروفٍ غامضة لم يُعرف حتى الآن كيف هُربت إلى الخارج. حقيقة الأمر لا تدلنا تلك الأرقام على الحقيقة كاملة، إذ قال سعيد شبل، رئيس إدارة المخازن المتحفية بوزارة الآثار، إن:

هناك الآلاف من القطع الأثرية غير مسجلة داخل وزارة الآثار، فثمة مخازن أثرية كاملة لم يتم جردها من قبل، ومن دون تسجيلها وتوثيقها في سجلات وزارة الآثار لن تستطيع الوزارة استردادها مرة أخرى.

مسلة معبد الأقصر: الأثر الأقدم على أرض باريس

في مفارقة عجيبة، أن يتحول العالم الفرنسي شامبليون، الذي لطالما كتب عن ضرورة حماية آثار مصر، وصاحب الفضل في فك رموز حجر رشيد، إلى سببٍ في أن يقدم محمد علي مسلتي معبد الأقصر هدية إلى ملك فرنسا لانبهاره الشديد بهما، وذلك خلال زيارته لمعبد الأقصر عام 1828.

فبفضل علاقة شامبليون القوية بمحمد علي، تمكن من إقناعه بأن تكون هديته للملك الفرنسي شارل العاشر مسلتي الأقصر، كهدية لا تضاهى عدوتها بريطانيا. جاءت بعثة بحرية لنقلها من مصر عام 1831، فاجتثت المسلة من جذور معبدها لتُنصب في ميدان كونكورد خلال القرن التاسع عشر.

ويُذكر أن مسلة الأقصر هي أقدم الآثار على الأراضي الباريسية، وتعود إلى عهد الملك رمسيس الثاني، أشهر ملوك الأسرة الـ19، الذي أمر بتشييدها أمام معبد الأقصر تخليدًا لذكرى انتصاراته في حملات عسكرية أنقذت مصر من اعتداءات خارجية.


مومياء رمسيس الأول

ذات يوم في عام 1871، بينما كان «محمد عبد الرسول» وأخوه «أحمد» يتجاذبان الحوار وإلى جانبهما أغنامهما ترعى في الجوار، إذ بهما يسمعان صوت انهيار أرضي أعقبه انزلاق نعزة من قطيعهما، فذهبا لإنقاذها، فحاول أحمد عبدالرسول النزول لاستكشاف تلك الحفرة التي ظهرت من العدم، ليجد أمامه كنزًا من الآثار الفرعونية.

احتوت تلك الخبيئة خمسين مومياء تضم في معظمها علامات ملكية وأواني حفظ الأحشاء، أطلق عليها أحد أفراد أسرة عبد الرسول «كهف المساخيط». تكتمت العائلة على ذلك الخبر، وبدأت في استخراج وبيع تلك الآثار لهواة جمع الآثار والتحف في باريس، وظل الأمر سراً إلى أن اختلفوا في أحقيتهم بالمسروقات. ليقرر أحد أفراد الأسرة «محمد عبد الرسول» إبلاغ السلطات التي داهمت المنزل وتسلمت ما بقي من آثار المقبرة.

كان أشهر تلك المومياوات المُهربة هو مومياء رمسيس الأول، ففي عام 1879، استطاع القنصل العام لإنجلترا في الأقصر «عبد الرحمن أغا» أن يشتري مومياء الفرعون رمسيس الأول من أسرة عبد الرسول، والتي استقر مقامها بمتحف «نياجرا فولز» في كندا.

وظلت في مكانها إلى أن اكتشف عالم الآثار الألماني «آجا برخت» عند زيارته للمتحف حقيقة الأمر، صرخ حينها كما يحكي زاهي حواس قائلاً: «هذه مومياء ملكية… كيف لم نسمع بها من قبل؟!». وبعد دراسة وفحص من قبل العلماء المتخصصين، تبين لهم أن تلك المومياء هي لرمسيس الأول جد الفرعون الشهير رمسيس الثاني. وبعد رحلة استغرقت أكثر من مائة عام، نجحت محاولات مصر بإعادة المومياء إلى متحف الأقصر.


تمثال نفرتيتي

بحيلةٍ ابتدعها عالم الآثار الألماني «لودفيج بورشاردت» تمكن من خلالها من سرقة تمثال رأس نفرتيتي وضمه إلى متحف برلين بألمانيا، إذ ادعى أن لديه اتفاقًا مع الحكومة المصرية يتضمن حقوقًا له في نصف اكتشافاته.

وما أن اكتشف بورشاردت في عام 1912 تمثال نفرتيتي، الذي يعود إلى القرن الـ14 قبل الميلاد، ضلل السلطات المصرية عن التمثال، وكتب في مذكرة الحفائر الخاصة باقتسام الآثار المكتشفة، أن التمثال الذي عُثر عليه مصنوع من الجبس، ويعود إلى أميرة ملكية.

في حين أن وثائق تشير إلى أن بورشاردت كان يعلم جيدًا حقيقة أن التمثال مصنوع من الحجر الجيري، لكنه قصد التضليل كي تحصل ألمانيا عليه. ولا تزال ألمانيا إلى الآن تصر على ملكيتها لنفرتيتي رغم محاولات مصرية لاستعادته.


مقبرة توت عنخ آمون

للمرة الأولى في تاريخ علم الآثار المصري، استطعنا أن نكتشف بالضبط كيف دُفن فرعون مصر.

قالها المكتشف «هوارد كارتر» تعبيرًا عن فرحته باكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، كان الجميع مندهشًا فتلك هي المرة الأولى التي يرى فيها العالم مومياء مضجعة في تابوتها الذهبي، والمرة الأولى أيضًا التي تتعرض فيه مومياء إلى فحص طبي بعد الوفاة بثلاثة آلاف سنة.

كتب «توماس هيوفنج» مدير متحف المتروبوليتان سابقًا في كتاب له بعنوان «القصة التي لم تُقل عن توت عنخ آمون»، أن كارتر واللورد كارنارفون قد سرقا بعض القطع الأثرية من المقبرة، وأن كثيرًا من تلك القطع موجودًا في متحف المتروبوليتان.

بعضها كان عبارة عن إهداء والبعض الآخر اشتراه المتحف، هذه القطع كانت عبارة عن صولجان وخاتم ذهبي وتمثال من العاج وآنية عطر من المرمر. كما عثر أيضًا على أربع قطع أخرى في متاحف أوروبية. وفي رواية أخرى، أن كارتر لم يهدِ تلك الآثار إلى هذه المتاحف، بل باعتها عائلة كارتر إلى شخص غير معروف.


معابد نوبية: هدايا بأمر جمهوري

من الجيد أن تشعر بالعرفان لمن هو صاحب فضل عليك، فتحاول أن تعبر عن امتنانك هذا بتقديم خدمة أو هدية، بشرط أن يكون ما تهديه هو ملكٌ لك بالأساس. لكن ما فعله جمال عبد الناصر عكس ذلك.

ففي خمسينات القرن العشرين، دشنت اليونيسكو حملة عالمية لتمويل مشروع إنقاذ معبد أبو سنبل الذي كان من المتوقع أن يكون مصيره الغرق بسبب بناء السد العالي. تكلف المشروع آنذاك 40 مليون دولار، تم تمويلهم من جانب هولندا وأمريكا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا.

وتعبيرًا عن امتنان عبد الناصر لذلك، قام بإهداء مجموعة معابد نوبية إلى تلك الدول. فكان من نصيب أمريكا معبد دندور، الذي شُيد من أجل إيزيس وأوزوريس، ونُقل إلى متحف الميتروبوليتان بنيويورك عام 1978. و معبد دابود الذي شيده الملك النوبي آزخر آمون، والذي أهداه عبد الناصر إلى إسبانيا، ووُضع في القصر الملكي بمدريد عام 1972. و«معبد طافا» الذي بناه الرومان خلال احتلالهم لمصر، ومنحه عبد الناصر هدية لهولندا، وأعيد تركيبه بمتحف الآثار بمدينة ليدن.


لغز لوحة زهرة الخشخاش

في أجواء غامضة ومثيرة، اختفت اللوحة ثم عادت إلى المتحف في مكانها كما كانت بعد أربع سنوات من اختفائها، وذلك لتوبة سارقها، الذي قرر أن يعترف بما اقترفه من جرم. ثم تختفي مرة أخرى في ظروف أشد غموضًا لكنها هذه المرة لا تعود.

ففي 21 أغسطس/آب 2010، سُرقت لوحة زهرة الخشخاش من متحف محمد محمود مختار وحرمه في محافظة الجيزة. أثارت تلك الحادثة ضجة في الصحافة المصرية والعالمية، فلوحة كتلك كان يتخطى ثمنها التقديري آنذاك أكثر من 50 مليون دولار، علاوة على أنها للرسام «فنسنت فان جوخ»، أبرز فناني الحداثة الأوروبية.

لم تسفر التحقيقات حتى اليوم عن حل لذلك اللغز، الذي تسبب في الإطاحة بالمسئولين، وفتح الباب للحديث عن الثغرات الأمنية في متاحف مصر كافة.


متحف ملوي بالمنيا: أكبر سرقة في تاريخ مصر الحديث

خلال الأزمة السياسية التي شهدتها مصر عام 2013، وأثناء تظاهرات 30 يونيو/حزيران، تعرض متحف ملوي بالمنيا لأكبر عملية سرقة آثار في تاريخ مصر الحديث، إذ سرق اللصوص أكثر من ألف معروضة، من بينهامنحوتة من الحجر الجيري يعود تاريخها إلى 3500 عام، إلى جانب مجوهرات مُرصعة قديمة العهد، وقطع نقدية إغريقية ورومانية ذهبية وبرونزية، وقطع فخارية عبارة عن تماثيل لحيوانات وتمثال على شكل إنسان برأس طائر أبي المنجل.

استمرت عمليات النهب والتخريب أسبوعًا كاملاً، حطم خلاله المراهقون وأحرقوا مومياوات ومعروضات فنية أخرى لم يتمكنوا من حملها نظرًا لثقلها. كما قُتل بائع التذاكر أثناء عمليات التخريب.

إلا أن عالمة الآثار «مونيكا حنا» قد تمكنت مع مسئول أمني من إنقاذ حوالي 40 معروضة؛ من بينها خمسة توابيت فرعونية ومومياوتان وبعض المعروضات الأخرى التي خلّفها السارقون في الشارع.

المراجع
  1. محسن محمد، سرقة ملك مصر، دار الشروق، الطبعة الأولى،2000