منذ فترة ليست بالقصيرة حاولت بعض الفئات المخربة في مراحل متعددة إحداث فتنة طائفية بين أبناء الأمة وعملت جاهدة للقضاء على وحدتها الوطنية، مستعملة في سبيل تحقيق أغراضها بعض الشعارات المضللة والوسائل غير المشروعة؛ نفسية ومادية، لتعويق مسيرة الشعب في طريق تنميته وازدهاره وديمقراطيته، وقد تصدت الحكومة لهذا كله بالإجراءات العادية تارة والنصيحة مرة أخرى، وبالتوجيه والإرشاد مرات.
من نص بيان الرئيس السادات يوم 5 سبتمبر/أيلول 1981

وقف الرئيس الراحل «محمد أنور السادات» أمام أعضاء مجلس النواب، يوم 5 سبتمبر/أيلول 1981م، ليخطب فيهم بخصوص ما أسماه محاولات إثارة الفتنة الطائفية مستشهدًا ببعض بيانات الجماعات الإسلامية عامة وجماعة الإخوان المسلمين خاصة، ملقيًا بيانًا يحتوي على ثمانية قرارات مختلفة، مستندًا على المادتين 73 و74 من الدستور الدائم «دستور 71» وقتها.


السادات يعتقل الوطن والمواطنين

ضبط العناصر المحرضة على الفتنة الطائفية من المسلمين والمسيحيين- أجهزة الداخلية قامت أمس بضبط عناصر الفتنة لتقديمها للتحقيق- العناصر المشبوهة تمادت في تصرفاتها والتقت تحت ستار الدين مع عناصر معادية لضرب الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.
أحد عناوين جريدة الأهرام المصرية يوم 3 سبتمبر/ أيلول 1981م

في يوم 3 سبتمبر/ أيلول 1981م قام الرئيس السادات بمعاونة وزير داخليته «النبوي إسماعيل» بحملة اعتقالات موسعة بدأت الساعة الثانية ظهرًا، شملت ما يقرب من 1500 شخصية مصرية ما بين شخصيات معارضة ومثقفين وأعضاء جماعات إسلامية، لم يكن الأمر مقتصرًا هذه المرة على أنها حملة اعتقالات موسعة أو على كبر عدد المعتقلين بل شمل الأمر اعتقال عدد كبير من الأساقفة ورجال الكنيسة، كان على رأسهم «البابا شنودة الثالث» بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية.

وعلى الرغم من الزعم بأن تلك الحملة من الاعتقالات هدفها وقف الفتنة الطائفية والداعين لها، إلا أن وراء تلك الحملة هدف آخر وهو إسكات المعارضين لاتفاقية «كامب ديفيد»، فكان هؤلاء المعارضون يرون أن تلك الاتفاقية ما هي إلا ادعاء لسلام وهمي بين مصر وإسرائيل، وأن من حق فلسطين استعادة باقي أراضيها التي تضع قوات الاحتلال يديها عليها، ولما كانت الاتفاقية تنص على انسحاب إسرائيل من «شبه جزيرة سيناء». فأراد السادات قمع هؤلاء المعارضين حتى لا تتذرع إسرائيل حجة أن هناك معارضين للاتفاقية ولا تنفذ انسحابها.

أحداث الزاوية الحمراء، قرارات ضرب الفتنة

كان السادات في خطابه أمام مجلس الشعب عقب حملة اعتقالات 3 سبتمبر/ أيلول 1981م برر ذلك بأنه ألقى القبض على عدد من مثيري الفتنة الطائفية في مصر، وكانت تلك الأحداث التي استند عليها السادات هي أحداث «الزاوية الحمراء» والتي وقعت في شهر يونيو/ حزيران من نفس العام، بدأت الأحداث بشجار بين مجموعة من المسلمين والمسيحين على قطعة أرض أراد المسيحيون أن يبنوا عليها كنيسة – وفق رواية المسيحيين – وقالت المصادر المسيحية أن عدد ضحايا ذلك الشجار الذي استمر ثلاثة أيام بلغ 81 مسيحيًا، وفي نفس الحين أعلنت الدولة المصرية على لسان الرئيس أن الشجار كان قد بدأ بين سيدتين مسلمة ومسيحية بسبب ماء غير نظيف ألقته أحداهما على الأخرى وبلغ عدد الضحايا 9 مسيحيين.

وفي يوم الاعتقالات أصدر السادات قرارًا بعزل البابا شنودة من منصبه، وتحديد إقامته بدير «الأنبا بيشوي» في وادي النطرون وتولية لجنة باباوية لإدارة شئون الكنيسة، كما أصدر قرار اعتقال بحق 16 أسقفًا من قيادات الكنيسة الأرثوذكية في مصر.

يُذكر أن البابا شنودة الثالث كان قد عارض زيارة الرئيس السادات إلى «الكنيست الإسرائيلي» عام 1977م وعارض أيضا توقيع اتفاقية «كامب ديفيد» مع رئيس الوزراء «مناحم بيجين»، فرفض البابا السفر مع وفد الرئيس إلى إسرائيل كما أصدر المجمع المقدس بتاريخ 26 مارس/ آيار 1980م قرارًا يمنع المسيحيين من السفر والحج إلى القدس والأراضي الفلسطينية الواقعة تحت سيطرة قوات الاحتلال، وهو ما أعتبره السادات تحديًا لسياساته.

ماذا عن الباقين؟

469 جماعات تكفير وهجرة، 235 جماعات إسلامية، 100 تطرف ديني من الإخوان المسلمين وأعضاء جمعيات دينية إسلامية وأئمة مساجد متطرفين، 259 مثيري شغب وتعصب واعتداءات متبادلة مسلمين ومسيحيين، 107 قيادات مسيحية متعصبة ومتطرفة، 240 مثيري شغب ومجرمين من أصحاب السوابق الجنائية، 57 متهمين بحوادث الزاوية الحمراء، 36 من الأحزاب التي أسماها المناهضة «المعارضة» منهم 16 حزب التجمع، 7 من حزب العمل، 3 الوفد، إضافة إلى 12 مضبوطين بتهمة التخابر مع السوفييت، هكذا صنف السادات المعتقلين في حملة 3 سبتمبر/ أيلول.

قال السادات في خطابه أنه تم إلقاء القبض على ما يقرب من 1500 شخصية معارضة تسعى لإثارة الفتن والمعارضة، إلا أن الكاتب الصحفي الراحل «محمد حسنين هيكل» – من ضمن المعتقلين في تلك الحملة – أكد أن عدد المعتقلين قد بلغ ما يقرب من 3000 آلاف معتقل.

يبدو أن السادات كان مقررًا لتلك الحملة من قبلها بكثير، فيقول نقيب الصحفيين السابق «مكرم محمد أحمد» أنه قد صاحب الرئيس السادات في رحلته إلى الولايات المتحدة التي سبقت تلك الحملة مباشرة وخلال تلك الرحلة أخبرهم السادات بأنه فور عودته سوف يعمل على عودة الأمور إلى نصابها.

يضيف مكرم أن قوائم الاعتقال كان يتم إعداداها بشكل عشوائي وتم وضعها في منزل السادات بقرية «ميت أبو الكوم» حيث طلب السادات من بعض قياداته والمقربين إليه من الصحفيين بأن يبدؤوا بوضع قوائم لمن يريدون اعتقالهم، كما طلب من مكرم أن يبدأ بحملة صحفية ضد هيكل، وليزداد الأمر عشوائية فمن طلب منهم السادات كتابة تلك القوائم كانوا يكتبون أسماء خصومهم الشخصيين.

شملت الحملة العديد من المعارضين البارزين للنظام ولاتفاقية كامب ديفيد، فكان من بينهم: «محمد حسنين هيكل»، الكاتب الصحفي «صلاح عيسي»، «عبد العظيم عطا» وزير الري السابق في عهد السادات، «صافيناز كاظم»، «نوال السعداوي»، «شاهندة مقلد»، «عبد المنعم أبو الفتوح» و«حمدين صباحي» من القيادات الطلابية حينها واللذين عارضا السادات وتجادلوا معه بخصوص الاتفاقية داخل حرم جامعة القاهرة، مرشد جماعة الإخوان «عمر التلمساني»، والشيخ «عبد الحميد كشك»، «أحمد فؤاد نجم»، «جابر عصفور»، «أبو العز الحريري»، «مصطفى بكري»، بالإضافة إلى عزل البابا شنودة كما ذكر من قبل.

وعلى الرغم من أن السادات كان قد قال أن تلك الاعتقالات لوأد الفتنة الطائفية نجد أن التهم التي وجهت للبعض بعيدة تمامًا عن تلك التهمة، فعلى سبيل المثال الكاتبة الصحفية «صافيناز كاظم»اتهمت بإنشاء وتكوين تنظيم شيوعي.


قمع ما تبقى من معارضة

لم تكن قرارات الاعتقال وقرار عزل البابا شنودة هى القرارت الوحيدة التي أتخذها السادات في تلك الجلسة، بل شملت قراراته حظر استغلال الدين للأهداف السياسية واستغلال دور العبادة لذلك الغرض فلا سياسية في الدين ولا دين في السياسة، ويبدو أن ذلك هو القرار الوحيد الذي يبدو منطقيًا في شان وقف حالات الفتنة التي زعم أنه يحاول إخمادها، كما كان من بين تلك القرارات التحفظ على أموال بعض الهيئات التي تورطت في أعمال مهددة للوحدة الوطنية ويمكن الذهاب إلى أن ذلك القرار كان بخصوص بعض الجمعيات التي كانت تعمل في المجال الخيري والإغاثي التابعة للإسلام السياسي، يضاف إلى ذلك السبب القرار التالي والخاص بحل بعض الجمعيات المشهرة، فمن لم يصيبه قرار الحل؛ يُتحفظ على أمواله ويُجمد نشاطه.

وبعد القبض على القيادات الصحفية المعارضة صدر قرار بحل الصحف القائمين عليها وسحب تراخيصها،ولم يقتصر الأمر على المؤسسات الأهلية أو الصحف الخاصة، فكان للصحفيين في الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون نصيبهم حيث تقرر نقلهم إلى هيئة الاستعلامات أو أي من الهيئات التي يحددها لهم مجلس الوزراء وإبعادهم عن أي عمل صحفي أو إذاعي، كما صدر قرار مشابه فيما يخص أعضاء هيئة التدريس ولكن ترك أمر تحديد وظائفهم إلى وزير التعليم العالي.

أراد السادات أن يغلق المجال العام تمامًا في وجه أي طريق لمعارضة سياساته عامة ومعاهدة السلام خاصة، وليضمن خلو طريقه من المعارضين الواقفين كالشوكة في حلقه، فجردهم من أية وسائل يمكن من خلالها إيصال آرائهم أو يتعاملوا بها مع المواطنين.


سياسات السادات القمعية

أراد السادات بقراراته تلك تأميم المجال العام لأجله وضمان خلو طريق من معارضيه خاصة بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد.

لم تكن تلك المرة الأولى التي يلجأ إليها السادات في حملات الاعتقالات الموسعة وإن كانت تلك أكبرهم، فسبق وأن اعتقل عددًا كبيرًا من القيادات الطلابية أثناء انتفاضة الطلبة في يناير/ كانون الثاني 1972 وكان على رأسهم «أحمد عبد الله رزة» رئيس اتحاد طلاب كلية الاقتصاد حينها ورئيس اللجنة الوطنية العليا للطلاب والتي قادت تلك الانتفاضة، إلى جانب إلقائه القبض على عدد من الشعراء المساندين لتلك الانتفاضة مثل «أحمد فؤاد نجم» و«الشيخ إمام» و«زين العابدين فؤاد».

كما تكرر الأمر مرة أخرى عام 1977م في انتفاضة الخبز، عندما غضب الشعب من سياسات رفع الدعم وقرروا النزول إلى الشارع، فما كان من السادات سوى فرض حالة الطوارئ وإنزال قوات الجيش إلى الشارع، كما صاحبها حالة من الاعتقالات العشوائية للمشاركين في تلك التظاهرات إلى جانب اعتقال عدد كبير من القيادات اليسارية، وعلى الرغم من تراجع السادات عن قراراته تلك إلا أنه أسماها انتفاضة الحرامية لما صاحبها من أحدث شغب.

لم يكن غريبًا أن يقوم السادات بتلك الحملة من الاعتقالات والقرارات القمعية، فطالما كان يسعى إلى أن يكون الوحيد على الساحة ولا يسمح لأحد أن يأخذ حيزًا أكبر من ذلك الذي كان يرسمه له، مثلما فعل من الجماعات الدينية في الجامعات عندما أراد كسر شوكة اليساريين والشيوعين، مستغلا انتصار أكتوبر 1973 على العدو الإسرائيلي بقيادته، لينفرد بالسلطة والحكم كحق طبيعي لانتصاراته.

المراجع
  1. احتكاكات مسلمي مصر وأقباطها
  2. الفتنة الطائفية في مصر.. حرائق سياسية «تتنكر» تحت عباءة الدين
  3. تفاصيل40 شهرا من الإقامة الجبرية للبابا شنودة في ديرالأنبا بيشوي
  4. ذكرى اعتقالات سبتمبر 1981.. الجميع داخل السجون
  5. اعتقالات سبتمبر.. خريف رئيس
  6. فى الذكرى الـ 30 لاعتقالات «سبتمبر» ..القشة التى قصمت ظهر «السادات»
  7. الطلبة والسياسة في مصر