نحن اليوم، البابا فرانسيس والبابا تواضروس الثاني، لكي نسعد قلب ربنا يسوع، وكذلك قلوب أبنائنا وبناتنا في الإيمان، نعلن وبشكل متبادل أننا نسعى جاهدين بضمير صالح نحو عدم إعادة سر المعمودية الذي تم منحه في كل من كنيستينا لأي شخص يريد الانضمام للكنيسة الأخرى، إننا نقر بهذا طاعة للكتاب المقدس ولإيمان المجامع المسكونية الثلاث التي عقدت في نيقية والقسطنطينية وأفسس.

جزء من البيان المشترك للبابا فرنسيس بابا الفاتيكان والبابا تواضروس بابا الإسكندرية حول توحيد المعمودية

لم يكن خبر اتفاق توحيد المعمودية بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية خبرا عاديًا لدى جموع الأقباط، فالاتفاق الأخير بين كنيستين هما الأكبر في العالم كان أحد الأحلام المستحيلة لدى الأقباط الحالمين بوحدة الكنيستين، سواء لتسهيل أمورهم الحياتية أو لأهداف متعلقة بإيمانهم الكنسي، لا سيما مع الخلافات العقائدية بين الطائفتين، وتأكيد الكنيسة الأرثوذكسية في كل مقام أن الإيمان الصحيح هو إيمان الكنيسة الأرثوذكسية، وهو ما جاء في الكثير من محاضرات والعظات للبابا شنودة الثالث.


مجمع خلقدونيا: بداية الانشقاق

يُنسب الانشقاق الأول للكنائس المسيحية، وظهور طائفة الكاثوليك وطائفة الأرثوذكس إلى القرن الخامس الميلادي، وتحديدا إلى مجمع خلقدونيا عام 451، وهو مجمع جمع 330 أسقفا طبقا للروايات، بدعوة من الإمبراطور الروماني مرقيانوس بناء على طلب أسقف روما.

ونشأت فكرة المجامع أيام تلاميذ السيد المسيح، وكانت تنشأ على مستوى محلي، ويجتمع فيها رعاة ومعلمو الكنيسة لمناقشة أمر يخص الإيمان، واتخاذ قرارات بحرمان من يخالف العقيدة، وتحولت إلى مجامع مسكونية – من كلمة مسكونة أي الأراضي المسكونة أو العالم- وتقرر انعقادها كلما ظهرت بدعة تخص الإيمان المسيحي كما تراه الكنيسة، وكان أولها مجمع «نيقية» الذي عقد برئاسة بابا الإسكندرية في القرن الرابع الماضي، للرد على «آريوس» الذي نادى بعدم ألوهية المسيح، وفيه تم حرمانه.

وكان سبب الانعقاد، هو عدم رضا أسقف روما والإمبراطور الروماني عن نتائج المجمع السابق «أفسس» الذي عقد عام 449، الذي قرر عدم حرمان أحد الأساقفة ويدعى «أوطاخي»، والذي نادى بامتزاج طبيعة المسيح الإلهية والإنسانية «اللاهوت والناسوت طبقاً للعقيدة المسيحية»، وهو ما رفضته الكنيسة الأرثوذكسية، حيث ترى أن «اللاهوت» و«الناسوت» اتحدا دون امتزاج، فتراجع «أوطاخي» عن رأيه، وتقرر عدم حرمانه، وهو ما لم يرض عنه بابا روما الذي كان يرى أن المسيح له طبيعتان ومشيئتان، إنسانية وإلهية، وأنهما لم يتحدا.

وقد قرر مجمع خلقدونيا عدة قرارات، كان أهمها عزل بابا الإسكندرية ونفيه لتشيعه لـ «أوطاخي»، ولم تعترف الكنيسة القبطية المصرية بقرارات هذا المجمع، وترى أن المجمع وقراراته لم يكن بدافع إيماني، وإنما بدافع سياسي لرغبة بابا روما في فرض سلطته على باقي الكراسي البابوية.

ونتيجة لقرارات المجمع الأخير فقد انقسمت الطوائف المسيحية إلى طائفتين، الأولى كنيسة روما والقسطنطينية، والثانية وهي الكنيسة المصرية وتبعها الأرمن والسريان، وبسبب هذا المجمع كان الإمبراطور الروماني هو من يرسل البطاركة إلى كرسي البابوية في الإسكندرية، ولذلك تمت تسميتهم بـ «البطاركة الملكيين»، فيما كانت الكنيسة المصرية ترسم أسقفها خارج الإسكندرية سرا حتى الفتح العربي، الذي أنهى سيطرة الإمبراطور الروماني، فعاد البابا للكرسي بالإسكندرية.

وفي القرن الحادي عشر انفصلت الكنيسة البيزنطية عن كنيسة روما، وأصبحت تعرف أيضا بالكنيسة الأرثوذكسية، وذلك بسبب قرار البابا ليو التاسع الذي طالب بأن يكون له سلطة على البطاركة اليونان الأربعة في الشرق، وإضافة عبارة على قانون الإيمان النيقاوي حول انبعاث الروح القدس من الابن أيضا، وهو ما لا تعترف به طائفة الأرثوذكس.


ما هي الاختلافات العقائدية بين الطائفتين؟

هناك عدة اختلافات عقائدية بين الكاثوليك والأرثوذكس، أهمها إيمان الكاثوليك بأن الروح القدس انبعثت من الأب والابن، وهو الاعتقاد الذى يخالف العقيدة الأرثوذكسية التي تعترف بانبعاث الروح القدس من الأب فقط.

وتعترف الكنيسة الكاثوليكية بالمطهر، وهو مكان يتعذب فيه المؤمن على قدر خطاياه ثم يدخل الملكوت، بينما ترى الكنيسة الأرثوذكسية بأن الملكوت للأبرار التائبين فقط، ويبقى الأشرار غير التائبين في الجحيم للأبد، ويرون أن المطهر يخالف عقيدة الفداء، كما ترى الكنيسة الكاثوليكية، كما أن الكنيسة الكاثوليكية تؤمن بخلاص غير المؤمنين بالمسيح، وأن خلاصهم متوقف على نيتهم وأفعالهم الحسنة طبقاً لقرار المجمع الفاتيكاني في 1969، وهو ما ترفضه الكنيسة الأرثوذكسية إذ تؤمن بأن الخلاص فقط للمؤمنين.

كما يختلف الكاثوليك والأرثوذكس في مكانة السيدة العذراء مريم، فالكاثوليك يرون أن العذراء ولدت بغير دنس، وأنها لا تحمل وزر خطيئة آدم الأولى، وشريكة المسيح في الفداء، ويعتقدون أنه لا تأتي نعمة إلى البشر إلا عن طريق العذراء، ويسمونها “سيدة المطهر” لطلب شفاعتها في المطهر.

بينما يرى الأرثوذكس أنها وريثة لخطيئة آدم مثل باقي البشر، وتحتاج المسيح للخلاص، ولكنها ولدته ولها كرامة عظيمة.


ليس الاتفاق الأول: هل تم إقراره؟

السبت 29 ابريل2017 بابا المحبة يلتقي بابا السلام (15)البيان المشتركلقداسة البابا فرانسيسولقداسة البابا تواضروس…

Gepostet von ‎المتحدث الرسمي بإسم الكنيسة القبطية الارثوذكسية‎ am Samstag, 29. April 2017

منذ انشقاق الكنيستين وهناك محاولات كثيرة لمحاولة الوحدة بين الكنائس مرة أخرى، ولا يعد اتفاق وحدة المعمودية هو الاتفاق الأول بين الكنيستين، فقد سبقه اتفاق كريستولوجي بين الكاثوليك والأرثوذكس، فيما يختص بطبيعة المسيح، وكان ذلك في عام 1988، ونص على: «نؤمن كلنا أن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة -اللوغوس – المتجسد هو كامل في لاهوته وكامل في ناسوته، وأنه جعل ناسوته واحدا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا تشويش، وأن لاهوته لم ينفصل عن ناسوته حتى إلى لحظة أو طرفة عين، وفي نفس الوقت نحرم كلا من تعاليم نسطور وأوطاخي».

ورغم هذا الاتفاق، الذي وقعه البابا شنودة الثالث ظلت الكنيسة الأرثوذكسية على عدائها للكنيسة الكاثوليكية، وخصص البابا شنودة عددا من محاضراته في اللاهوت للرد على المذهب الكاثوليكي باعتباره هرطقات وخروجا عن الإيمان، وكان منها محاضرة «خلافاتنا مع الكاثوليك»، والتى رد فيها على إعادة المعمودية للكاثوليك المنضمين للكنيسة الأرثوذكسية للاختلاف العقائدي.

في الوقت ذاته تجد اختلافا بين صيغة الاتفاق التي تم إعلانها، ففي حين استخدمت الكنيسة الكاثوليكية لفظ «قررنا» في نص البيان المنشور على موقعها، تعمدت صفحة المتحدث الرسمي باسم الكنيسة الأرثوذكسية القس بولس حليم استخدام لفظ «نسعى»، وهو ما يعني عدم إقرار توحيد المعمودية بعد.


على أرض الواقع.. ماذا يعني الاتفاق؟

يعد اتفاق توحيد المعمودية خطوة مهمة لحل أزمة «الزواج المختلط»، فالكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بطقوس الزواج الكاثوليكي، وتعتبره زنا، وفي حالة رغبة الأرثوذكسي الزواج من أي طائفة أخرى، وبينها الطائفة الكاثوليكية، فأمامه خياران، إما الخروج من الطائفة الأرثوذكسية، أو تعميد الطرف الثاني طبقا للتقليد الأرثوذكسي.

وطبقًا للتقليد الأرثوذكسي، فإن التعميد يتم عن طريق تغطيس الشخص عاريًا في الماء ثلاث مرات على يد كاهن، ويجوز للفتاة أن ترتدي ملابس بيضاء للحفاظ على حشمتها أمام الكاهن، وبذلك تصبح الفتاة مؤهلة للزواج من شاب أرثوذكسي والعكس صحيح، لأن الكنيسة الأرثوذكسية لا تعترف بمعمودية الكاثوليك أو غيرهم من الطوائف. وبتوحيد المعمودية، يصبح من حق الكاثوليك والأرثوذكس الزواج دون إعادة التعميد، في حال تطبيق الاتفاق.

وحتى تحسم الكنيسة الأرثوذكسية موقفها من الاتفاق كملزم أو غير ملزم، يبقى أقباط مصر في انتظار مزيد من التوحد بين الكنائس المختلفة لتسهيل أمور حياتهم، سواء في الزواج أو غيرها.

المراجع
  1. ما أهم الاختلافات بين الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية؟
  2. لزواج المختلط عند المسيحيين "ثمرة آدم المحرمة"..الأرثوذكس يحرمون الزواج بغيرهم..والكاثوليك يطلبون تعهدات خطية..والإنجيليون الأكثر انفتاحا..وأبناء الزيجات المختلطة يروون قصص الصلاة فى الكنائس المختلفة
  3. محاضرة البابا شنودة …. خلافاتنا مع الكاثوليك
  4. كتاب لماذا نرفض المطهر … البابا شنودة الثالث
  5. أخطاء طائفة الكاثوليك الذين نشأوا بعد الانشقاق في القرن الخامس الميلادي