أحداث عدة شهدتها المملكة على مدى الأيام القليلة الماضية، لعل أبرزها استضافتها لفعاليات المصارعة الحرة بمدينة جدة، ومنحها المرأة مزيدًا من الحقوق والحريات عبر السماح لها بالنزول في الفنادق دون محرم. وبينما يظل الرابط الرئيسي بين تلك الأحداث أنها تصب في ذلك المسار الانفتاحي الذي بدأه ولي العهد محمد بن سلمان، يبقى وضعها حجر الأساس لمشروع «القدية» الترفيهي الحدث الأبرز والأهم بين تلك الفعاليات.

فمن خلاله بدأت القيادة الشابة في ترجمة وعد من الوعود الكثيرة التي قطعتها على نفسها في رؤيتها للمملكة 2030، ومن خلاله ترسي المملكة خطوة جديدة في طريقها نحو الترفيه. فما أبرز جوانب هذا المشروع؟ وهل يعني ذلك أن الأمر قد استتب لتنفيذه فعليًا أم أن هناك تحديات من المحتمل أن يواجهها؟


صممه الابن وأخرجه الأب

في مشهد جديد ضمن سياسة العاهل السعودي سلمان بن عبدالعزيز وابنه ولي العهد وضع الملك، يوم 28 أبريل/نيسان 2018،حجر الأساس لمشروع «القدية» الترفيهي في المملكة، ليُقدم الأمير الشاب للداخل والخارج على أنه رجل الإصلاح، وليتخلص من عقدة اتهام أسرة آل سعود بالتشدد، إلى جانب الظهور في ثوب المصلح الاقتصادي.

ظهر القدية إلى النور حينما أعلن محمد بن سلمان، في إبريل/نيسان 2017، عن إطلاق مشروع ضخم، قيل إنه سيتضمن بناء مدينة ثقافية ورياضية وترفيهية بالمملكة، على مساحة 334 كم بمنطقة القِدِيّة جنوب غرب العاصمة.

جازف بن سلمان بمواجهة التيار الديني في المملكة، خاصة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعمل على تحجيم دورهم. وقد لاقى الأمر دعمًا شبابيًا، وآتى الأمر ثماره وأصبحت مشاريع الترفيه مدخلًا جيدًا للأمير الشاب لتقديم نفسه لشريحة واسعة في الداخل، بخلاف الخارج، الذي لم يتوقف عبر العقود الماضية عن تصدير تهم التطرف والإرهاب للنظام السعودي.

تفاخر الأمير الشاب بأن «القدية»، الذي يأتي ضمن مشاريع أخرى، له جوانب ترفيهية وأخرى اقتصادية. فبالنسبة للجانب الترفيهي، يضم «القدية» 4 مجموعات رئيسية، هي: الترفيه، ورياضة السيارات، والرياضة، والإسكان والضيافة، بخلاف إنشاء سلاسل لأشهر المطاعم والماركات والفنادق العالمية.

وبالنسبة للجانب الاقتصادي، روّج الأمير الشاب لأن المشروع ليس ترفيهيًا فقط، وإنما اقتصادي وتنموي، ومن المنتظر افتتاح المرحلة الأولى من المشروع خلال عام 2022، بينما ستتم المرحلة الثانية خلال عامي 2023 و2025 لتطوير المجمعات الرئيسية الأربع السابق ذكرها، أما المرحلة الثالثة فمن المقرر أن تتم خلال الفترة من 2026 إلى 2035، وبهذا تكون المدينة الترفيهية وصلت لطاقتها القصوى.

يستهدف المشروع توفير 30 مليار دولار، ينفقها السعوديون سنويًا على السياحة خارج المملكة، كما يستهدف المشروع جذب ثلثي مواطني المملكة تحت سن الـ 35 عامًا، وأكثر من 7 ملايين سائح سعودي سنويًّا.

كما زعم المشروع أنه سيوفر 11 ألف وحدة سكنية، ناهيك عن زيادة الناتج المحلي الإجمالي بقيمة 17 مليار ريال، وتوفير 57 ألف وظيفة، والعمل على رفع زوار المدينة الترفيهية إلى 31 مليون زائر سنويًا.


ليس الأول في سلسلة الترفيه

لم يكن المشروع أول استثمار في مجالات الترفيه، فقد سبقه افتتاح أول دور السينما بالمملكة وعرض أفلام أجنبية فيها، بخلاف البدء في إنشاء أول أوبرا بالمملكة، واستضافة مطربين، سواء عربًا أو عالميين، وصولًا للمشروع الأضخم وهو «نيوم»، الذي يعتبر نسخة أكبر من القدية، وقد أعلن عنه ابن سلمان في أكتوبر/تشرين أول 2017، وهو عبارة عن منطقة ضخمة لها تشريعاتها وأنظمتها الخاصة.

ووفقًا للخطط الموضوعة حتى الآن تم تصميم مشروع نيوم ليكون على سواحل البحر الأحمر، بالتعاون مع الأردن ومصر، ليحقق أقصى استفادة من الشواطئ الممتدة للمملكة على ساحل البحر الأحمر، حيث سيمتد المشروع بطول 125 ميلًا وعبر 50 جزيرة، ومن المقرر البدء في المشروع عام 2019.

ويهدف المشروع لجذب السائحين إلى المناطق الأثرية والطبيعية المحيطة به، وقد قيل إن له أهدافًا اقتصادية أيضًا، ومنها توفير 35,000 فرصة عمل جديدة، وتعزيز الدخل القومي بما قيمته 15 مليار ريال سنويًا عند الانتهاء منه.

لكن يبدو أن القدية جاء كخطة استباقية تحسبًا لفشل أو على الأقل تأخر مشروع نيوم المبالغ فيه، بخلاف دخول أطراف خارجية فيه، قد تعرقل إتمامه، ناهيك عن حلفاء ابن سلمان الغربيين الذين لا يريدون تأجيل إدارة التحولات الاجتماعية في المملكة أكثر من ذلك.


ماذا عن المردود الشعبي؟

كما هو المعتاد في أي خطوة أو قرار يتخذه ولي العهد تنوعت ردود الفعل الشعبية بين مؤيد ومعارض؛ فالبعض رحب بالخطوة معتبرًا إياها حلقة جديدة في مسلسل التغيير والإصلاح بالمملكة برعاية قيادتها الشابة، فيما رآها البعض الآخر تجاوزًا للواقع الاجتماعي والديني، وأنه كان من الأولى تحويل تلك النفقات لتحسين أوضاع المواطنين وتحسين المشاريع الخدمية الأساسية.

بدا هذا الاختلاف أكثر وضوحًا على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر». فما إن وضع العاهل السعودي حجر الأساس للمرحلة الأولى من المشروع، حتى انتشرت هاشتاجات «#الملك_يضع_حجر_أساس_القدية»، «#المجدد_محمد_بن_سلمان» إلى لائحة الهاشتاجات الأكثر تداولًا بالمملكة. وانطلق السعوديون إلى التباهي بالمشروع وما سيتلوه من خطوات تنموية، وتمجيد دور ولي العهد أو (البطل خلف الأضواء كما وصفوه) في تغيير المملكة وقيادتها نحو الأفضل.

https://twitter.com/abdullah_najar/status/990513329763438592

وفي المقابل، ركزت الانتقادات بشكل أساسي على مشكلة البطالة والوعود بحلها دون جدوى، وضرورة توجيه تلك الأموال للاستثمار في تحسين معيشة المواطن، لا صرفها على أمور تعتبر من الكماليات.

كذلك اعتبر البعض المشروع مخططًا لتغريب المجتمع، ودعوا لتفعيل صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف للتصدي لما وصفوه بالتجاوزات الأخلاقية التي انتشرت في المملكة، مستدلين على ذلك بظهور النساء بصور غير لائقة خلال استضافة المملكة لفعاليات مهرجان «أعظم رويال رامبل» للمصارعة الحرة.

وبينما رأى كثيرون أن السعودية ليست بحاجة إلى هذا النوع من السياحة، وأنه يمكنها تطوير خدمات القطاع الديني، أكد البعض الآخر أن ابن سلمان يهدف من ذلك إلى تقديم نفسه للولايات المتحدة والدول الغربية على أنه مصلح سياسي واقتصادي واجتماعي في المملكة، وهو ما ظهر أثناء زيارته الأخيرة إلى واشنطن ومقابلته عددًا كبيرًا من الفاعلين في صناعة الترفيه.


مخاوف وتحديات

بالرغم من تلك الانتقادات، فإنه لا يمكن إنكار دور هذه المشروعات في تحقيق شعبية كبيرة للأمير، خاصة بين فئة الشباب التي تسعى بأغلبيتها لهذا النوع من الانفتاح. ومع ذلك فالأمر لا يخلو من مخاطر. فهي شعبية مبنية على توقعات مهمة وكبيرة من ولي العهد ومرهونة بالوفاء بتلك التوقعات ضمن الجدول الزمني المحدد لها.

كما ترتبط كذلك بقدرته على تحقيق إنجازات حقيقية في حياة المواطن وتقليص الإجراءات التقشفية التي اتخذتها المملكة مؤخرًا. فضلًا عن مواجهة مشكلات البطالة والفقر المتفاقمة.

فقد بلغت نسبة البطالة وفقًا للإحصاءات الرسمية نحو 12.3% في الربع الثاني من عام 2016 للرجال و32.8% للنساء.

أما نسبة الفقر، فبالرغم من التكتم والتعتيم من قبل الدوائر الرسمية السعودية وعدم توافر أرقام دقيقة عنها، فإن عددًا من التقديرات والشواهد تشير إلى تفشي الظاهرة بين فئات المجتمع السعودي؛ حيث يوجد أكثر من 1.5 مليون مواطن يستفيدون من خدمات الضمان الاجتماعي بالمملكة. وهناك ما بين 2 و4 ملايين سعودي يعيشون على أقل من 530 دولارًا شهريًا، أي (17 دولارًا يوميًا). طبقا لما أشارت إليه صحيفة واشنطن بوست في تقرير لها.

أخيرًا، فالأمر برمته يتوقف على إذا ما كانت المملكة قادرة بالفعل على التحول لدولة سياحية. فالخطة السعودية تعول على استثمار ما كان مُهملًا من موارد طبيعية لتحويل البلاد إلى ساحة جذب سياحي، وتوجيه الأموال التي ينفقها السعوديون سنويًا على السياحة الخارجية إلى الداخل. خاصة بعدما بلغت قيمة إنفاق مواطنيها بالخارج نحو 98.8 مليار ريـال عام 2016 مقارنة بـ84 مليار ريـال عام 2015، أي أنها سجَّلت ارتفاعًا 17%، لتمثل أعلى نسبة زيادة خلال ثلاثة أعوام.

وهكذا فالحكومة الآن تستهدف رفع نسبة مساهمة هذا القطاع السياحي في الناتج الإجمالي المحلي إلى 3.1% بحلول 2020. ولكن هل يمكنها تحقيق هذا في ظل أزمة انهيار أسعار النفط، والتي دفعتها لسحب حوالي 200 مليار دولار من رصيد الاحتياطي الخارجي؟

هل ستتمكن المملكة من توفير التمويل اللازم في ظل استنزافها ماليًا في حربها باليمن، تلك الحرب التي لم يظهر في الأفق حتى الآن سقف إغلاق ملفها؟ ماذا عن المنافسة التي ستواجهها من جاراتها الخليجية التي تنفذ نفس الأفكار ونفس المشروعات، كما هو الحال في الإمارات؟ وماذا عن منافسيها خارج الخليج؟

فهناك تركيا بما تملكه من مقومات سياحية كبيرة، حيث السعر والثروة السياحية المتنوعة، وهناك دول أخرى استفادت من التجربة وبدأت في إعطاء مزايا، مثل سهولة الحصول على تأشيرة الدخول ومدة الإقامة التي تمتد لنحو 3 أشهر، ما جذب جزءًا كبيرًا من السياحة الخليجية، حيث أصبحت زيارة تركيا من خلال برامج شاملة لدول أخرى، وأبرزها جورجيا.

هل ستنجح المملكة في تغيير قناعة مواطنيها بأن المشروعات الجديدة ستعوضهم عن البلدان الأخرى بأبعادها الحضارية وثرائها من حيث السياحة الثقافية أو الشواطئ والجو المعتدل؟ أسئلة كثيرة وتحديات عديدة تحملها الخطوات السعودية المتوالية يومًا بعد الآخر نحو الترفيه، فهل ستتمكن المملكة من مواجهتها؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام القادمة.