محتوى مترجم
المصدر
Middle East Eye
التاريخ
2017/11/08
الكاتب
Richard Silverstein

على مدار الساعات الأربع والعشرين الماضية، بدا أن طبول الحرب في الشرق الأوسط تدق بشكل محموم. وأثارت المملكة العربية السعودية أزمة داخلية محلية وخارجية تسمح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان بتحقيق رؤيته العظيمة للدولة السعودية.في الشأن الداخلي، أنشأ سلمان فجأة لجنة لمكافحة الفساد، وأمر في غضون أربع ساعات باعتقال بعض كبار الأمراء الملكيين في المملكة، بمن فيهم أربعة وزراء سابقين على الأقل وابن ملك سابق. وكان الاسم الأكثر شهرة في القائمة، وأحد أغنى الرجال في العالم، هو الوليد بن طلال.


تحت الإكراه

أعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري – بعد ساعات قليلة من استدعائه إلى السعودية لإجراء مشاورات – في مقابلة مع التلفزيون السعودي، أنه سيستقيل بسبب «التهديدات بالقتل». إلا أنه لا يمكن تفسير سبب استقالة رئيس وزراء دولة ما في عاصمة دولة أجنبية.أشارت تغطية بيان الحريري إلى تحدثه بتردد أمام الكاميرا، حيث كان ينظر أغلب الوقت بعيدًا عنها، مشيرة إلى أن البيان يمكن أن يكون قد كُتب له وأنه تسلمه تحت الإكراه.بالنظر إلى التكتيكات العنيفة التي استخدمها بن سلمان لتأمين منصبه كولي للعهد، وما أعقب ذلك من اعتقال عشرات السعوديين البارزين، الذين اعتبرهم غير موالين له بشكل كافٍ، فإن استدعاء زعيم أحد الولايات الموالية وإنذاره: إما الاستقالة أو العزل المهين (حرفيًا) لا يعد شيئًا هينًا على الإطلاق.يتفق ديفيد هيرست، رئيس تحرير ميدل إيست آي، على أنه «من الصعب التغاضي عن الاستنتاج بأنه عندما غادر الحريري لبنان، لم يكن ينتوي الاستقالة، ولم يعرف أنه سيستقيل، وأنه أُجبر عليها من السعوديين».دعا حسن نصر الله، زعيم حزب الله، الحريري بـ «رئيس وزرائنا» في خطابه للأمة بعد «الاستقالة». هذا لا يبدو كرجل يريد خروج الحريري من السلطة. وأعلن الرئيس اللبناني أنه لن يقبل استقالة الحريري إلا بعد عودته شخصيًا لتأكيدها. علاوة على ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية أنه لن يعود إلى لبنان بسبب ما يسمى بالتهديدات على حياته، ولكني أشتم رائحةً كريهة.حقق الحريري ووالده الراحل ثروتهما بفضل الرعاية السعودية. كما يعود الفضل إليها في دورهما الرائد في السياسة اللبنانية. جاء اغتيال رفيق الحريري عام 2005 بعد تهديدات وجهها إليه الرئيس السوري «بشار الأسد»، مما يفسر قليلاً العداء المستمر بين النظام السوري والأسرة المالكة السعودية. كان هذا العداء على الأرجح دافعًا قويًا للمملكة العربية السعودية لتصبح الممول الرئيسي لجماعات المعارضة السورية المسلحة، بما في ذلك بعض من أكثر المتشددين الدمويين التابعين لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتنظيم القاعدة.


حليف ابن سلمان الجديد

بعد خسارته في اليمن وسوريا، يبدو «بن سلمان» على استعداد لمحاولة ثالثة، وتحويل لبنان إلى كرة القدم السياسية مع العديد من الأعداء الأجانب. ولسوء حظ «الحريري»، ومثله والده من قبل، يتم الضغط عليه وتحديد خياراته. وهذه المرة، من قبل السعوديين بدلاً من السوريين.يبدو ولي العهد السعودي حريصًا على تصعيد الصراع مع إيران، حيث يبدو كحليفه الجديد، رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، مستعدًا لاستغلال واستخدام العداوة ضد الأعداء الأجانب لتعزيز مكانته المحلية. ونظرًا لتهوره في فرض سيطرته على السياسة الداخلية السعودية، فإن مثل هذا العدو مفيد جدًا في القبض على منافسيه في الخليج.وجاءت استجابة إسرائيل مماثلة، حيث أرسلت وزارة الخارجية أمس الإثنين برقية عاجلة إلى جميع الدبلوماسيين تطالبهم بالإعلان عن تأييدهم للسعودية فيما يتعلق باستقالة «الحريري». وغرّد مراسل صحيفة هآرتس «باراك رافيد»حول محتويات البرقية:

وهذا يشير إلى أن إسرائيل والمملكة العربية السعودية يطوران نوعًا من العلاقة «الخفية» التي كان القادة الإسرائيليون يلجأون إليها مع نظرائهم الأمريكيين. ويمكن أن تشكل هاتان الدولتان، بدمج قوتهما العسكرية وثروتهما النفطية معًا، أداة شديدة القابلية للاحتراق.تعلم «بن سلمان» أيضًا درسًا آخر من إسرائيل: أنه لا جدوى من طلب المساعدة من القوى الخارجية في شن مثل هذه الصراعات. فقد رأى أن نتنياهو أمضى سنوات دون جدوى في التوسل لرئيسين أميركيين للانضمام إليه في جولة عسكرية ضد إيران. قد يوفر تحالفه الجديد مع السعودية الضربة العسكرية التي يحتاجها لبدء سلسلة ناجحة من الهجمات على الأعداء الإقليميين.شهد كل من السعوديين والإسرائيليين بأسى الاتفاق النووي الإيراني السابق للرئيس الأمريكي «باراك أوباما»، _والذي تم التفاوض عليه على الرغم من معارضة «نتانياهو» الصاخبة_ مما أزال هذه البطاقة من ملعبهم السياسي. وكان «نتانياهو» قد استخدم هذه البطاقة منذ سنوات لينشئ المعارضة للبرنامج النووي الإيراني المزعوم. وكان غاضبًا لأنه لم يعد قادرًا على استخدامها لمواجهة التحديات السياسية المحلية أو إثارة الأزمة الوطنية. وعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، فقدت الدولتان «بطاقة» إقليمية حاسمة أخرى، مما حد من انتشار حلفائهم الإسلاميين السوريين تحت هجمة مشتركة من النظام السوري وداعميه الإيرانيين والروس.قبل سنوات قليلة، انضم نتانياهو إلى السعودية للتدخل في سوريا، بمهاجمة المنشآت العسكرية التابعة لإيران أو حزب الله. واتبع هذه السياسة كوسيلة للردع، لتقليل الترسانة المتاحة للإسلاميين اللبنانيين لاستخدامها في الحرب المقبلة مع إسرائيل، لكنه لم يتصرف من أجل تعزيز أمنه بحسن نية بين الإسرائيليين المهووسين بالأمن.ولكن مع تراجع حدة الحرب الأهلية وفشل الوكلاء السعوديين الإسرائيليين، لم يعد بإمكان نتانياهو أن يقدم الفزاعة السورية للناخبين الإسرائيليين. كما أنه يواجه أربع فضائح فساد كبرى. فيما يتم جر المزيد والمزيد من أصدقائه المقربين في تحقيقات الشرطة. نتانياهو بحاجة ماسة إلى مصدر تشتيت. وتعتبر الحرب ضد لبنان هي مجرد تذكرة. وسيفعل المستحيل لتوحيد البلاد لفترة طويلة بما يكفي لرؤية التهم تتبخر في الهواء.يوجد اختلاف كبير في تلك الحرب القادمة: فستنضم المملكة العربية السعودية إلى هذه المعركة على وجه التحديد لجعل إيران تظهر بمظهر سيئ. لذلك فإن مهاجمة لبنان ليست إلا جزءًا من مخطط، في حين أن مهاجمة إيران مباشرة ستكون الهدف السعودي الحقيقي. ومع انضمام إسرائيل إلى المعركة، يمكن أن تبدأ الدولتان حربًا إقليمية بشن هجمات ضد أهداف في لبنان وسوريا وإيران، والتي قد تثير هجمات مضادة شرسة ضد السعودية وإسرائيل ودول الخليج.


العدو الأجنبي

كما ذكرتُ أعلاه، يبدو أن بن سلمان قد تعلم درسًا سياسيًا حاسمًا من حليفه الإسرائيلي: فأنت بحاجة إلى عدو أجنبي لزرع الخوف داخل دائرة انتخابية محلية. ويجب تصوير هذا العدو كقوة خفية مشؤومة للشر في الكون.هذا أحد الأسباب التي دفعت «بن سلمان» للتدخل في الحرب الأهلية اليمنية. وعلى الرغم من المجزرة السعودية التي تسببت في المجاعة الجماعية ووباء الكوليرا، تمكن «بن سلمان» من التذرع بالانشقاقات الإسلامية لإظهار إيران في دور «المعتدي» وتهديد المصالح السعودية.في الآونة الأخيرة، أعلن أن جيرانه في قطر غير مرغوب فيهم لعدم تأييدهم للسعوديين ضد إيران بما فيه الكفاية. فعند «بن سلمان»، إما معه أو ضده. ليس هناك أرضية مشتركة. ولحسن الحظ، فإن معظم بقية الجنس البشري يسعى إلى تحقيق أرضية مشتركة. أولئك الذين يتجنبون الحل الوسط يصبحون ديكتاتوريين أو مجنانين. ويبدو أن هذا هو الاتجاه الذي يرأسه الملك السعودي.في لبنان، يبدو أن إستراتيجيته تثير أزمة سياسية ومالية. وتوفر المملكة العربية السعودية مستوى هائلاً من الدعم المالي والتجاري للبنان. يبدو أن بن سلمان يعتقد أنه إذا سحب هذا الدعم، فإنه سيجبر اللبنانيين على كبح جماح حزب الله. على الرغم من أنه ليس من الواضح كيف يفترض أن يكبح اللبنانيون الحد من حركة سياسية هي واحدة من الحركات الأكبر والأكثر شعبية في البلاد.يجرب الأمير السعودي نفس الإستراتيجية التي فشلت حتى الآن مع قطر، وأعلن المقاطعة، وسلح بسخاء جميع الدول التي اعتمدت عليه لإعلان الحصار، وأغلق الحدود، وألغى الرحلات الجوية، وأوقف التجارة. ولكن بدلا من الاستسلام، فإن القطريين (مع التشجيع الإيراني بلا شك) قد أخذوا قضيتهم إلى العالم وقاتلوا، ولم يظهروا أي علامات للاستسلام.


سفير روسيا

ومن غير الواضح كيف يعتقد السعوديون أنه سيجبر دولة أكبر بكثير وشديدة الاختلاف مثل لبنان على الخضوع. يمكنه إغلاق المنافذ وإعلان المقاطعة. والواقع أن البحرين، إحدى الولايات السعودية، وجهت مواطنيها للعودة من لبنان وأعلنت حظر سفر مثل الحظر القطري الذي سبقه.كل هذا سيعزز فقط دور حزب الله. كما سيكون بمثابة دعوة ضمنية لإيران للعب دور أكبر بكثير في لبنان. عندما يكون هناك فراغ ستشغله.هناك أيضًا قوة أكبر تلوح في الأفق وراء كل هذا؛ ألا وهي روسيا. أتاحت الأزمة في سوريا بين المتمردين الممولين من السعودية والأسد لبوتين التدخل بشكل حاسم والتأثير على النتيجة النهائية لهذا الصراع. إذا كان بوتين ينظر إلى إستراتيجية سعودية مماثلة في لبنان، فإنني أرى أن هناك سببًا ضعيفًا وراء عدم تعاون إيران وروسيا بنفس الطريقة لدعم حلفائها على الأرض.ومن المثير للاهتمام أن نلاحظ أن الملك سلمان قام بأول زيارة كملك سعودي إلى موسكو خلال الشهر الماضي، وأجرى محادثات مع فلاديمير بوتين. ألم يرغب أحد في معرفة ما ناقشه؟، من المؤكد أنه كان يجب أن يكون قد تناول موضوعي سوريا ولبنان؛ لأن هذين المكانين اللذين تتعارض فيهما المصالح السعودية، أو من المحتمل أن تتعارض مع روسيا.ولعل الملك السعودي حذر بوتين من عدم استغلال الفوضى في لبنان كما فعل في سوريا. وأشك إن كان بوتين سيخاف كثيرًا بسبب الفشل السعودي في سوريا. وسوف تتحدد الإجراءات المستقبلية لروسيا تبعًا لحجم ما يشعر به بوتين حول المكاسب التي سيتعين عليه أن يحققها إذا ما ارتبط بحزب الله وإيران في صراع مستقبلي في لبنان.من المهم أن نتذكر أنه خلال أيام الاتحاد السوفييتي، حين كانت الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة على المنطقة، دعمت معظم الدول العربية التي كانت على خط المواجهة في صراعها مع إسرائيل. بوتين مشهور بسعيه لاستعادة المجد السابق للإمبراطورية السوفييتية. ومما لا شك فيه أن الإعداد لعودة روسية كاملة إلى السلطة والنفوذ في الشرق الأوسط سيسعده جدًا.


الإستراتيجيون العسكريون في الرياض وتل أبيب

إسرائيل هنا هي الفيل في الغرفة. فهي تحد لبنان وتقاتل في حربين كبيرتين هناك، مع احتلال فاشل لمدة 20 عامًا للجنوب. يُذكر أن حزب الله هو العدو اللدود لإسرائيل وإيران هي أكبر داعم للحركة، وتعد أيضًا أحد خصوم إسرائيل الرئيسيين.لدى السعوديين الموارد المالية لدعم الصراع الذي طال أمده في لبنان (كما أنفقت مليار دولار لدعم حملة التخريب الإسرائيلية ضد إيران). قد يكونون أكثر استعدادًا لتمويل غزو إسرائيلي آخر.من جهتهم، قد يكون السعوديون مستعدين لإنشاء حكومة لبنانية أخرى تم انتقاء أعضائها من المتعاونين والسياسيين الذين تم شراؤهم، وإنهاء السلطة السياسية لحزب الله. وبالمثل، فإن تاريخ التدخل الإسرائيلي مليء بهذه الهياكل السياسية المزيفة. ففي الضفة الغربية، أنشأوا «المجالس القروية». وفي جنوب لبنان، أنشأوا جيش الجنوب اللبناني. وفي سوريا، مولوا مقاتلي النصرة الذين يقاتلون النظام في مرتفعات الجولان.ولا يسع المرء إلا أن يأمل في أن يكون الإستراتيجيون العسكريون في الرياض وتل أبيب غير مجانين بما يكفي للتفكير في مثل هذا السيناريو. ولكن بالنظر إلى التاريخ البشع للبنان، ودوره ككبش فداء في الصراعات بين القوى الكبرى، لا يمكن للمرء أن يستبعده.وأخيرًا، فإن الولايات المتحدة التي لعبت دورًا حاسمًا في منع أي هجوم إسرائيلي على إيران لسنوات، يقودها الآن رئيس مفتون بإسرائيل والمملكة العربية السعودية. كانت زيارة ترامب الخارجية الأولى كزعيم للبلاد إلى المملكة العربية السعودية. كما أن علاقاته الحميمة مع «نتنياهو» ودعمه لسياسات إسرائيل الأكثر تطرفًا معروفٌ أيضًا. لا ينبغي لأحد أن يتوقع من هذه الإدارة كبح جماح السعوديين أو الإسرائيليين، وإذا ما حدث أي شيء لربما يثورون في غضبتهم.