ممنوع… حرام… مرفوض؛ هذه الكلمات التي تهرب منها النساء السعوديات كل يوم حتى باتت أخبارهن تجوب العالم، وسط تساؤلات كثيرة عن خطورة الوضع الذي يعيشنه، ليُفضلن عليه مواجهة المخاطر على الحدود، وفي المطارات، ويبِتن في ساحات الانتظار باحثات عن الرأفة في قلوب المسئولين في دول أخرى بقارات أخرى، ليقبلوا دخولهن، وعيش حياة كريمة، قبل أن ترصد السلطة السعودية مكانهن عن طريق هواتفهن، واسترجاعهن بقوة الشرطة كالمجرمين.

لم تفكر الفتيات اللواتي هربن من المملكة العربية السعودية في أخذ علبة هاتفهن، ولم يكن أحد يعرف أنها ستكون الطريقة الجديدة للعثور عليهن؛ وكأنهن يشكلن تهديدًا للأمن القومي بقدر تهديد الإرهابيين. فقد شرعت المملكة العربية السعودية في استخدام تقنية متقدمة للبحث عن الفتيات الهاربات خارج الحدود، وهي التقنية التي يستخدمها الجيش في تتبع أهدافه التي ينوي ضربها بالطائرات بدون طيار، وربما يعد هذا أول استخدام لهذه التقنية ضد المدنيين؛ ولا سيما تعقبهم، وتظهر هذه التقنية الجديدة مدى جدية السعودية في استرجاع الأعداد المتزايدة من النساء التي فرت من مجتمعهن، والسلطة الأبوية.


من ساحة المعركة لتعقب الفتيات

وفقًا لمصادر متعددة تحدثت لصحيفة Business insider، تسعى السعودية لاستعادة فتياتها الهاربات، واللواتي وصلت أعدادهن لنحو 1000 فتاة هاربة كل عام؛ وذلك عن طريق عبوات هواتفهن المحمولة، والمسجل عليها رقم الهوية الدولية للهواتف أو IMEI، والمكون من 15 رقمًا، وتعقبه باستخدام معدات تجسس عسكرية؛ وهي الطريقة التي لم يخرج استخدامها عن الجيوش وأجهزة المخابرات، وقد استخدمتها وكالة الأمن القومي الأمريكية سابقًا لتتبع أهدافها في أفغانستان لتوجيه الضربات الجوية لهم بالطائرات بدون طيار.

وقد تم اكتشاف استخدام السعودية لهذه الطريقة المبتكرة عن طريق أربع نساء فَررن من السعودية في أوائل عام 2019، وعرفن بذلك بعد زيارة الشرطة السعودية لمنازلهن، بقارة أخرى، بعد خبر هروبهن، وطلبت الشرطة من الأهل البحث عن علب هواتفهن المحمولة، وأخبرت الشرطة عائلاتهن أن رقم IMEI المدون على العلبة هو سبيلهم للعثور على فتياتهم إذا أرادوا رؤيتهن ثانية.

بالفعل نجحت خطة السعودية مع امرأتين هربتا من المملكة وعاشتا في جورجيا في العام الماضي 2018؛ حيث أبلغهما محاميهما أن المخابرات السعودية استطاعت تحديد مكانهما، بعدما عثرت على رقم IMEI، وعملت مع الشرطة الجورجية لتتبعهما بطلب من الحكومة السعودية للقبض عليهما، وإرجاعهما لدولتها حيث هما الآن. وتكررت قصص نجاح هذه التقنية الحديثة – نسبياً- مع امرأة أخرى هربت إلى أستراليا، والتي كانت على وشك الحصول على حقها في اللجوء، ولكن عثور السلطات السعودية عليها منعها من ذلك.

وتشير قدرة السلطات السعودية على استخدام هذه التقنية مع مدنيين – وليس مجرمين أو إرهابيين- إلى نتائج أبعد من ذلك، حيث تستطيع شركات الاتصالات السعودية العثور على عناوين المواطنين السعوديين عن طريق هواتفهم، ليس هذا فحسب، بل إنها تشارك هذه البيانات مع الحكومة. حيث أشارت تقارير سابقة إلى أن الحكومة السعودية قامت باختراق الهواتف المحمولة لمعارضين سياسيين، ووصل الأمر إلى مقاضاة شركة أمن إسرائيلية تدعى NSO Group، لبيعها برنامج اختراق الهواتف Pegasus؛ ولكن المتحدث الرسمي للشركة أكد أن الهدف من البرنامج ليس تتبع اللاجئين أو المعارضين السياسيين مثلما فعلت الحكومة السعودية.


جوجل وآبل شركاء في اضطهاد المرأة السعودية

لا تعد الطريقة الحديثة علامة فقط على يأس السلطة؛ بل هي مؤشر على التهديد الذي تواجهه العشرات وربما المئات من النساء اللاتي هربن واعتقدن أن لعبة المطاردة قد انتهت، والمستقبل ينتظرهن فاتحًا ذراعيه؛ فبعد تولي ولي العهد محمد بن سلمان زمام السلطة، توسعت المملكة في طرق تتبع منتقديها باستخدام بعض برامج التجسس الأكثر تقدمًا، بما في ذلك التي أنشأتها شركة التجسس الإسرائيلية، والتي تم استخدامها في جريمة قتل الصحافي جمال خاشقجي.

فقبل سنوات قليلة من اليوم، ساعدت الحكومة الأسر السعودية في تتبع نسائهم والتحكم في تنقلهن وسفرهن بمنح الإذن لهن أو إلغائه، وإرسال إشعارات للرجال عندما تستخدم السيدة جواز سفرها، عن طريق تطبيق من متجر Google تحت اسم (أبشر- Absher). ويوجد التطبيق على بوابة الخدمات الإلكترونية الحكومية منذ عام 2011، وعلى هواتف الأيفون والأندرويد منذ 2015، وتتبع خاصية تتبع النساء بند فرعي على تطبيق اسمه «خدمة التابعين».

ويُعد تطبيق Absher وسيلة سهلة لربط الأوصياء على النساء بالحكومة، بوجوده ضمن خدمات النقل بوزارة الداخلية، للسعي خلف النساء الهاربات، وتحديد عناوينهن، والمسافات التي قطعنها، والمدة التي احتجنها للتنقل، وأقرب المطارات التي يمكنهن الهرب عبرها، وهناك يتم منعهن، واحتجازهن بأمر من الأهل، دون الحاجة لأكثر من ضغطة بالموافقة على التطبيق.

بعد إطلاق التطبيق والبدء في عمله،رفضت Google دعوات عملائها لحذفه، وكان مبررها أنه يفي بجميع الشروط والأحكام؛ وصرف كل من Apple وGoogle النظر عن الضرر المباشر للتطبيق على حياة النساء في السعودية، رغم مبادئ الأمم المتحدة المُوجَهة للشركات بتوخي العناية بحقوق الإنسان، وحذف التطبيقات التي تروج للعنف، أو تحرض على الكراهية ضد الأفراد، أو الجماعات على أساس العرق، أو الدين، أو الإعاقة، أو العمر، أو الجنسية، أو الميل الجنسي، أو الجنس، أو الهوية الجنسية، أو أي خاصية أخرى مرتبطة بالتمييز المنهجي أو التهميش؛ لكن هذه التوجيهات غير ملزمة للشركات في الواقع.


بين حق اللجوء والضغوط الحكومية السعودية

تبذل المملكة العربية السعودية قصارى جهدها لتعقب النساء اللاتي يهربن بحثًا عن الحياة والحرية خارج الحدود؛ فقد شكلت ظاهرة هروب النساء المتنامية مصدر قلق للسلطات السعودية، وأصبح التعامل معها بجدية ضرورة تحتاج لحشد الرأي العام خلف تحركات الحكومة في المستقبل؛ ففي فبراير/شباط 2019 أنتج أمن الدولة السعودية شريط فيديو يشبه فيه النساء اللواتي هربن من البلاد بالإرهابيين والجهاديين الذين يعملون لصالح جماعات من أمثال داعش.

جاء ذلك بعد ما سجلت رهف محمد القنون، أشهر الهاربات من المملكة العربية السعودية هذا العام، لنجاحها في الحصول على اللجوء، بعد اعتقالها في تايلاند وهي في طريقها إلى أستراليا، ثم اعترضت السلطات السعودية طريقها، وتمت مصادرة جواز سفرها في مطار بانكوك، فناشدت رهف العالم ومنظمات حقوق الإنسان لدعمها، كي لا تعود لأهلها خشية قتلها، خاصة بعد أن تلقت تهديدات بشنقها لتكون عبرة للفتيات السعوديات ممن يفكرن في الهرب؛ وقد جاء استخدام رهف السريع لوسائل التواصل الاجتماعي في صالحها، فحصلت على حق اللجوء إلى كندا، حيث تعيش الآن بحرية كاملة.

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشئون اللاجئين قد صرحت بأن عدد طالبي اللجوء السعوديين قد ارتفع بنسبة 318% في عام 2017، مقارنة بعام 2012؛ لكن لا تعكس أعداد طالبي اللجوء عبر المفوضية حقيقة الوضع بالنسبة للراغبين في الرحيل، ومن تتعرض حيواتهم للتهديد؛ لأن طلب اللجوء هو خطوة لا يسهل على الكثير من السعوديين -وخاصة النساء- اتخاذها وهم في وطنهم، وهو النهج الذي اتبعته رهف محمد، مؤخرًا، بالهرب أولًا ثم طلب اللجوء وسط المطاردات.

وكانت القضية الأخيرة هي للشقيقتين دعاء ودلال اللتين فرتا من المملكة العربية السعودية إلى تركيا طلبًا للجوء، وهربًا من سلسلة الانتهاكات التي تعرضتا لها من والدهما وشقيقهما، واللذين يحاولان مطاردتهما في تركيا. وكانت الشقيقتان قد أكدتا في مقطع فيديو قصير، على تويتر، تعرضهما لانتهاك حقوقهما، بما في ذلك الاغتصاب، والاعتداء الجنسي، والضرب، والإكراه على الزواج؛ ولا شك أن حياتهما في خطر وشيك إذا ما أُعيدتا إلى السعودية.

وما زالت مشكلة الشقيقتين قائمة، وفي حاجة للمساعدة، بعد أن تم تعليق حساباتهما على تويتر فور نشرهما محنتهما خمس مرات؛ مما قد يكون نتيجة لضغط من جانب المساهمين السعوديين الذين يحاولون إسكات نداءات الأختين وطلبهما المساعدة، خاصة بعد قيام عائلتهما بتقديم شكاوى ضد حسابهما على تويتر؛ وهناك شكوك بأن ملاحقة تويتر لحساباتهما بسبب أوامر من الملياردير السعودي، الوليد بن طلال، ثاني أكبر مساهم في تويتر.