نحن مع ولاة أمرنا في كل ما يرونه مصلحة للبلاد والعباد، وهذا مقتضى البيعة الشرعية.
تغريدة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربيةالسعودية

أصدر الملك سلمان بن عبد العزيز، أمس الثلاثاء،قرارًا يخص واحدة من أكثر القضايا الاجتماعية الشائكة في المملكة العربية السعودية، حينما أمر بإصدار رخص قيادة السيارة للمرأة، بعد حرمان عدة عقود، لينطلق وسم «الملك ينتصر لقيادة المرأة» في التحليق عالميًا.

أشار الأمر الملكي إلى أن موافقة أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة والتأكيد على أن الحكم الشرعي في ذلك هو (من حيث الأصل الإباحة) وأنهم لا يرون مانعًا من السماح لها بقيادة المركبة في ظل إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة.

وعلى الرغم من الإشادة الدولية الواسعة التي حظي بها قرار الملك، إلا أنه وضع رجال الدين بالمملكة في مأزق «شرعي» كبير، إذ إن حرمان المرأة من قيادة السيارة لعقود من الزمن لم يستند على قرار سياسي فقط، بل بالأساس على رؤى فقهية لطالما أسهبت في تبيان أضرار قيادة المرأة للسيارة واستعرضت المحاذير الشرعية في هذا الأمر.

وبالطبع مع إعلان جهات دينية سعودية ورجال دين مباركتهم للقرار، على عكس آراء سابقة لهم حرمّت قيادة المرأة للسيارة، توافدت آلاف التعليقات الغاضبة التي تسابقت على اتهامهم بتوظيف الدين لخدمة أغراض وأهواء السلطة.

أكثر المؤسسات الدينية التي نالت قدرًا يسيرًا من تلك الاتهامات كانت هيئة كبار العلماء بالمملكة، ليس فقط بسبب إشارة الأمر الملكي لموافقة غالبية أعضائها على القرار، وليس أيضًا للمباركة الصريحة التي جاءت عبر حسابها الرسمي على موقع التدوينات القصيرة «تويتر»،وجاء فيها:

حفظ الله خادم الحرمين الشريفين الذي يتوخى مصلحة بلاده وشعبه في ضوء ما تقرره الشريعة الإسلامية.

ولكن بسبب الموقف المتحجر الذي تبنته الهيئة كما سنرى، لم تترك أغلب فتاوى هيئة كبار العلماء وأبرز رجال الدين بالمملكة مجالًا للاجتهاد في مسألة قيادة المرأة للسيارة – ذلك القرار الذي أكسب المملكة سمعة حقوقية سيئة باعتباره البلد الوحيد في العالم الذي يمنع المرأة من قيادة السيارة – إذ أصدرت الهيئة على وجه الخصوص عشرات الفتاوى التي ردت بها على خطابات دينية أخرى أتاحت للمرأة هذا الحق، وهو الموقف الذي تبنته الهيئة ذاتها بالأمس فقط دون أن تتطرق لسبب التحول في الموقف الفقهي تاركة المجال لاتهامات نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

في السطور القادمة، سنتعرض أبرز الفتاوى التي حرمت قيادة المرأة للسيارة، والتي وضعت أصحابها في مأزق بعد قرار الملك.


هيئة كبار العلماء

أصدرت هيئة كبار العلماء عدة فتاوى حرمت فيها قيادة المرأة للسيارة، وذلك عبر اللجنة الدائمة للفتوى، والتي تتفرع عنها وتعمل تحت إشرافها، بموجب المرسوم الملكي رقم (أ/137) في 8/7/1391هـ، ويتولى رئاستها مفتي عام المملكة العربية السعودية ورئيس هيئة كبار العلماء في الوقت ذاته.

وفي إحدى فتاوى اللجنة، تحت رئاسة المفتي السابق عبد العزيز بن عبد الله بن باز، قالت إنه:

لا يجوز للمرأة أن تسوق السيارة في شوارع المدن ولا اختلاطها بالسائقين؛ لما في ذلك من كشف وجهها أو بعضه، وكشف شيء من ذراعيها غالبًا، وذلك من عورتها، ولأن اختلاطها بالرجال الأجانب مظنة الفتن ومثار الفساد.

مفتي السعودية عبد العزيز آل الشيخ

في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2013، وعلى هامش محاضرته في جامعة طيبة بالمدينة المنورة،دافع مفتي عام المملكة العربية السعودية، ورئيس هيئة كبار العلماء، عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ عن قرار منع المرأة من قيادة السيارة، بأنه «حماية للمجتمع من الشر».

كما طالب المفتي المجتمع ألا يجعل قضية قيادة المرأة السيارة همه الشاغل، داعيًا الشبان والفتيات إلى الحذر من «شر القنوات الإعلامية المغرضة التي تتقصد الدولة، وتعد منبرا للفساد ونشر الشبهة والضلال»، بحسب تعبيره.

وفي 10 أبريل/نيسان 2016،جدّد مفتي السعودية – الذي وافق بالأمس على قرار الملك بالسماح للمرأة بقيادة السيارة بصفته رئيس هيئة كبار العلماء – تحذيره من «فتن قيادة المرأة للسيارة»، وطالب «بعدم السماح بذلك».

وقال المفتي:

قيادة السيارة قد تفتح على المرأة أبواب شر ولا تنضبط أمورها، فالواجب والمطلوب منا إلا نقرَّ هذا؛ لأن هذا أمرٌ خطيرٌ يعرِّضها للشرور؛ ولا سيَّما من ضعفاء البصائر الذين يتعلقون بالنساء، وربما سبب خروجها وحدها وذهابها إلى كل مكان من غير علم أهلها بها شرور كثيرة، نسأل الله السلامة والعافية.

وأضاف في معرض إجابته في برنامج «مع المفتي» في قناة المجد، عن حكم قيادة المرأة السيارة: «المسلم يفكر في تعاليم الشريعة وحمايتها للمسلم من الرذيلة ووقايتها من الشر، وأن الشرع أغلق الوسائل المُفضية للشرور»، مشيرًا إلى نهي المرأة عن أن تسافر من غير محرم، وأن يدخل عليها أحد من غير محرم، وأمرها بالحجاب وحثّها على ذلك.


مفتي السعودية السابق عبد العزيز بن عبد الله بن باز

كان لمفتي المملكة السابق، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، رأي واضح في حكم قيادة المرأة للسيارة، وقد عبر عنه قائلًا:

كثر حديث الناس في صحيفة الجزيرة عن قيادة المرأة للسيارة، ومعلوم أنها تؤدي إلى مفاسد لا تخفى على الداعين إليها. منها: الخلوة المحرمة بالمرأة، ومنها: السفور، ومنها: الاختلاط بالرجال بدون حذر، ومنها: ارتكاب المحظور الذي من أجله حرمت هذه الأمور، والشرع المطهر منع الوسائل المؤدية إلى المحرم واعتبرها محرمة، وقد أمر الله جل وعلا نساء النبي ونساء المؤمنين بالاستقرار في البيوت، والحجاب، وتجنب إظهار الزينة لغير محارمهن لما يؤدي إليه ذلك كله من الإباحية التي تقضي على المجتمع.
وأضاف ابن باز
قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما، فالشرع المطهر منع جميع الأسباب المؤدية إلى الرذيلة بما في ذلك رمي المحصنات الغافلات بالفاحشة وجعل عقوبته من أشد العقوبات صيانة للمجتمع من نشر أسباب الرذيلة. وقيادة المرأة من الأسباب المؤدية إلى ذلك، وهذا لا يخفى ولكن الجهل بالأحكام الشرعية وبالعواقب السيئة التي يفضي إليها التساهل بالوسائل المفضية إلى المنكرات
مع ما يبتلى به الكثير من مرضى القلوب من محبة الإباحية والتمتع بالنظر إلى الأجنبيات؛ كل هذا يسبب الخوض في هذا الأمر وأشباهه بغير علم وبغير مبالاة بما وراء ذلك من الأخطار.

الشيخ محمد بن عثيمين

أسهب الشيخ محمد بن صالح العثيمين، أحد أبرز أئمة المملكة السابقين، في شرح مفاسد قيادة المرأة للسيارات، ومنها:

  • نزع الحجاب، فبحسب قوله «قيادة السيارة سيكون بها كشف الوجه الذي هو محل الفتنة، ومحط أنظار الرجال، ولا تعتبر المرأة جميلة وقبيحة عند الإطلاق إلا بوجهها».
  • نزع الحياء منها، وإذا نزع الحياء من المرأة فلا تسأل عنها.
  • قيادتها للسيارة سيكون سببًا لكثرة خروجها من البيت، والبيت خير لها كما قال ذلك أعلم الخلق محمد صلى الله عليه وسلم.
  • إن المرأة ستكون طليقة تذهب إلى ما شاءت ومتى شاءت وحيث شاءت إلى ما شاءت من أي غرض تريده لأنها وحدها في سيارتها متى شاءت في أي ساعة من ليل أو نهار، وربما تبقى إلى ساعة متأخرة من الليل.
  • سبب لتمرد المرأة على أهلها وزوجها، فلأدنى سبب يثيرها في البيت تخرج منه وتذهب بسيارتها إلى حيث ترى أنها تروح عن نفسها فيه.
  • سبب للفتنة في مواقع عديدة، مثال ذلك: الوقوف عند إشارات الطريق، وفي الوقوف عند محطات البنزين، وفي الوقوف عند نقط التفتيش، وفي الوقوف عند رجل المرور عند تحرير مخالفة أو حادث.
  • كثرة ازدحام السيارات في الشوارع، أو حرمان بعض الشباب من قيادة السيارات، وهم أحق بذلك من المرأة وأجدر.
  • كثرة الحوادث، لأن المرأة بطبيعتها أقل من الرجل حزمًا وأقصر نظرًا وأعجز قدرة، فإذا داهمها الخطر عجزت عن التصرف.

الشيخ صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء

لم يبخل الشيخ صالح الفوزان – عضو هيئة كبار العلماء بالسعودية التي باركت قرار الملك بالسماح للمرأة بقيادة السيارة –هو الآخر بتوضيح مفاسد قيادة المرأة للسيارة.

أبرز هذه المفاسد من وجهة نظر «الفوزان»: أنها ستضطر إلى خلع الحجاب، ستختلط بالرجال لاسيما إذا حصل حادث، أو حدث أعطال في سيارتها، هنا ستتوقف في أثناء الطريق وستضطر إلى طلب مساعدة الرجال كما يحصل بين الرجال فيما بينهم من السائقين فتكون المرأة معرضة للاختلاط المسبب للفتنة، كذلك ستتضاعف السيارات وبالتالي يتضاعف الخطر والزحام الشديد، كذلك فالقيادة خطر على أنوثتها وعلى عفتها وحيائها.

وفي فيديو شهير على موقع «يوتيوب» أجاب «الفوزان» على سؤال يدور حول إجازة القيادة للنساء، ليحيب قائلًا: «قيادة المرأة للسيارة فيها خطر، وفيها محاذير كثيرة فالمرأة إذا ملكت سيارة، وصار معها مفتاح سيارة، صارت تذهب لما شاءت بالليل أو نهار».

وأضاف: «الآن.. معها مفتاح سيارتها، ولا أحد يمنعها، وليس للرجل عليها سلطة، وقد يتصل بها فاجر، أو فاسق، يتصل بها يواعدها، وايش ليمنعها أنها تأخذ مفتاح السيارة وتشغل وتروح في الموعد، لأنها أخذت حريتها، فهذا فيه مفاسد خطيرة».

ورغم كل تلك المفاسد الذي ذكرها «الفوزان»، لم يبين للناس كيف تحولت إلى منافع بين ليلة وضحاها قرر فيها الملك السماح للمرأة بقيادة السيارة!

وفي رده الشهير على الشيخ يوسف القرضاوي، رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، بشأن خطاب وجهه لملك السعودية السابق عبد الله بن عبد العزيز حثه فيه على الترخيص للمرأة السعودية بقيادة السيارة على أساس أنه لا يوجد نص صريح يمنعها من ذلك، انتقد «الفوزان» طلب القرضاوي قائلًا: «هل يريد أن توجد آية أو حديث يقولان لا تجوز قيادة المرأة للسيارة بصريح العبارة؟ أين دلالة العموم ودلالة القياس ودلالة الإجماع وقاعدة سد الذرائع، هل هذه كلها لا يستدل بها؟».

وواصل «الفوزان» هجومه قائلًا:

إن الواجب على الشيخ القرضاوي وعلى أمثاله من العلماء أن ينظروا فيما يقولون ويكتبون قبل أن يقدموا على الفتوى، ولا سيما وأن هذه المسألة ليست من الضروريات التي تتوقف عليها الحياة فدولتنا حرسها الله عاشت من أحسن الدول بدون قيادة المرأة السيارة فيها، وليس من مصلحة المرأة قيادتها للسيارة، لأن قيادة السيارات اليوم لا يستطيعها أحذق الرجال وأقواهم إلا بمشقة وخطر كبير.

ربما يحتاج الآن عضو هيئة كبار العلماء إلى توجيه خطاب جديد للقرضاوي، ولكن بمضمون مختلف هذه المرة، بعد مباركة الهيئة لقرار سبق وإن طالب به القرضاوي ملك السعودية السابق.


بخلاف ما سبق، بالطبع هناك عشرات من الفتاوى والآراء الفقهية التي أسهبت في شرح مفاسد قيادة المرأة للسيارة وأسباب تحريم منعها من القيادة، ربما كان أبرزها ما أفتى به رجل الدين السعودي الشيخ صالح اللحيدان، قبل أربع سنوات، بأن قيادة المرأة للسيارة تؤثر على «المبايض والحوض»، وهو ما أثار سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي، آنذاك.