هل سمعت من قبل عن «الكونتور»، ونحت الوجه، والأجفان المضيئة، وتصحيح عيوب البشرة؟ هل سمعت عن تكنيكات إخفاء تجاعيد ما حول العينين والشفاه، وإبراز الخدود أو جعلها غائرة، واستخدام الظل والنور في تنحيف الوجه أو جعله ممتلئًا؟ هل سمعت من قبل عن توحيد لون البشرة، وتفتيحها، أو جعلها داكنة أكثر؟

كل هذه الأشياء لا تنتمي إلى فئة عمليات التجميل، هي أشياء أصبحت الآن بسيطة ويمكن تنفيذها بفرشاة وقلم وبعض مساحيق التجميل المتاحة للاستخدام المنزلي، أشياء ليست إعجازية تمامًا، وما تعجز عن صنعه الفتيات في المنازل تقوم به متخصصة في الماكياج لا تتكلف أكثر من ألفي جنيه، في أمور تقارب المعجزات.

الغريب أنه رغم كل هذا التطور في فنون الماكياج العادية فإن الماكياج الاحترافي الذي نستخدمه في السينما أو الدراما لم يصله هذا التطور على الأغلب، رغم أن هذا الماكياج ليس فقط لتجميل الوجه، ولكن ماكياج السينما والدراما يستخدم في رسم ملامح الشخصية، تغيير ما يمكن تغييره حتى تقترب ملامح الممثل من ملامح الشخصية المكتوبة على الورق.


ما بين «نعمة»، و«سيد قطب»، و«خلصانة بشياكة»

جارية رقيقة تجيد رواية الحواديت وهدهدة سيدها في الفراش حتى يغرق في النوم، يقول عنها سيدها إنها آتية من بلد يدعى «إفريقة»، تقوم بواجبات الجارية في المنزل والفراش على أحسن ما يكون، حتى يقع سيدها أسيرًا لهذا الجمال المكتمل، وتترك فراغًا في قلبه ومنزله بعد هروبها، وتتوالى أحداث مسلسل «واحة الغروب».

«مها نصار» التي قامت بدور نعمة الجارية الإفريقية السوداء في «واحة الغروب»، ليست داكنة البشرة في الأساس، بشرتها قمحية اللون كأغلب المصريات، ولكن ولأنها تلعب دور جارية إفريقية فقد احتاجت مكياجًا يجعلها سمراء.

المشكلة أن وظيفة الماكياج الأساسية هي أن تتماهى مع ما تراه أمامك، وهو ما لم يحدث مع نعمة، فقد كانت تظهر بوضوح أنها مطلية باللون الأسود، رغم أن بشرتها كلها كانت نفس اللون، ولكن الطلاء كان يظهر بوضوح، كأن هناك شحمًا على جلدها يستلزم «ثنر» لإزالته حتى ترتاح عينك لمشاهدها البديعة التي برعت في أدائها.

محمد فهيم في دور سيد قطب، مسلسل الجماعة 2

ماكياج آخر بدا كاريكاتوريًا جدًا في هذا الموسم الرمضاني، هو ماكياج «سيد قطب» في مسلسل «الجماعة 2»، ساهم بالطبع أداء الممثل «محمد فهيم» في إضفاء طابع الكاريكاتورية للشخصية بنظراته وانحناءته وزمة شفتيه، ولكن إذا جنبنا الأداء فسيظل الماكياج غير احترافي بالمرة، فلا يكفي شنب صغير كشنب هتلر في جعل أي شخص قصير القامة «سيد قطب».

على الجانب الآخر، وفي نصف الكوب المملوء، يمكننا أن نرى ماكياجًا متقنًا في المسلسل الكوميدي «خلصانة بشياكة»، الكوميدي، فعلًا اهتم صناع مسلسل كوميدي بتلك التفصيلة الصغيرة، في حين تغاضى عنها صناع مسلسلات درامية مهمة. فقد حمل «خلصانة بشياكة» بعض لمسات الماكياج المتقنة كأصابع أحمد مكي مثلاً الملطخة على الدوام، كونه شخصًا همجيًا يعيش في عصر ما بعد الدمار، وهذا التلطيخ يبدو وكأنه تراب متيبس حقيقي يعلق بأصابعه وبالإكسسوار الذي يضعه في كفوف يديه، هذه هي اللمسات التي نتحدث عنها.


الماكياج ليس رفاهية في العمل الفني

في عام 1981 تلقت الأكاديمية الأمريكية لعلوم الصورة والمسئولة عن منح أرفع جائزة في صناعة الفن «الأوسكار»، شكاوى من المهتمين بهذه الصناعة والنقاد، أن الأكاديمية لا تخصص جائزة لفئة الماكياج، خاصة بعد فيلم «Elephant Man» الذي استحق تقدير الماكياج الرهيب الذي كان هو البطل الحقيقي للفيلم، فخصصت الأكاديمية فئة جديدة لتكريم الفيلم، واعتمدت فن الماكياج كعنصر أساسي لنجاح العمل الفني يستحق أن يحصد جائزة أوسكار في كل عام.

العمل الفني البصري دون ماكياج ينقصه الكثير، لن تستطيع أن تتماهى مع شخص مريض مثلًا دون أن يضع ماكياجًا شاحبًا، لن تستطيع أن تتعاطف مع فتاة فقيرة على الشاشة وأنت ترى خدودها متوردة وممتلئة، لن يكون بإمكانك أن تصدق سيرة حياة شخص قرأت عنه كثيرًا ورأيت صوره مرارًا وأنت لا ترى ملامح تقترب من ملامحه على الشاشة.

الماكياج شريك أساسي في نجاح العمل الفني البصري، يجب ألا تغير ملامح الممثل أو أن تجعله محروقًا أو مشوهًا كي يسمى الماكياج مكياجًا، ولكن يكفي أن تضفي لمسات بسيطة تقرب الملامح التي تراها لمتطلبات الشخصية التي يؤديها هذا الممثل الذي تراه.


هم يجيدون صنع الماكياج

محمد فهيم، سيد قطب، مسلسل الجماعة، وحيد حامد

على الجانب الآخر من الكرة الأرضية هناك صناع فن يجيدون ما يفعلونه حقًا، يعرفون قيمة فن الماكياج ويحترمون المشاهد الذي يجب أن يستمتع بكل تفصيلة في العمل الفني، فتجد ماكياجًا عبقريًا بإمكانه أن يغير الملامح ويضيف قسمات الشخصية، بل يستدعي الموتى أحيانًا في أفلام السير الذاتية.

مثلًا فيلم «La vie en rose» الذي جسد حياة المطربة الفرنسية «إيديث بياف»، من كان يصدق أن هذه التي على الشاشة هي الفاتنة «ماريون كوتيارد»، التي تلعب دور مطربة عظيمة ولكنها لا تتسم بالجمال، أما فيلم «Les miserable»، فقد كان بإمكانك أن ترى ملامح الشقاء والثورة على ملامح الممثلين، الطين والغبار الذي لا يشبه الشحم والطلاء، بل تراه طينًا حقيقيًا كالوحل الذي يغرسون فيه، وهم يمشون في شوارع فرنسا المنهكة من الظلم والفقر والثورة.

حتى في الأفلام الكوميدية هناك مجهود حقيقي مبذول في الماكياج، فلم يستطع أحد أن يتعرف على «روبرت داوني جونيور» في فيلم «Tropical Thunder» سوى من بوستر الفيلم المكتوب عليه أسماء الأبطال الثلاثة، أما في الفيلم نفسه فلن تراه.

الكثير من النماذج الرائعة للاحتفاء بالتقدم في صناعة الماكياج لتخدم الفن، يمكننا أن نذكر أيضًا «براد بيت» في «The curious case of Benjamin button»، الماكياج الذي جعلك ترى براد بيت الوسيم رجلًا عجوزًا متغضنًا، وتراه في الوقت نفسه مراهقًا لم يتجاوز السابعة عشرة، وهناك أيضًا مكياج «خافيير بارديم» في فيلم «Love in the time of cholera»، وسامة أخرى تمحى لأجل خاطر الفن.

وحتى في أفلامهم التجارية لا يغفلون أهمية فن الماكياج، فترى «كريستين ستيوارت» في أحد أجزاء «Twilight saga» عندما تحولت لمصاصة دماء تلد كائنًا غريبًا، شحوبها وخدودها الغائرة وعيناها الشاخصتان، هذا فيلم فانتازي تجاري صنعوه لكي يدروا الملايين، ولكن لا بأس من إتقان صناعته حتى يدر ملايين أكثر.

الفرق بين هذا الجانب من العالم والجانب الآخر ليس فقط الاهتمام بكل تفاصيل صناعة السينما ومن بينها الماكياج، ولكن قلب الحقيقة أنهم يعتبرونها صناعة حقيقية يجب أن يتقنوها ويتفننوا فيها ويمنحوا كل تفاصيلها الجوائز الرفيعة، بينما نحن مازلنا نعتبرها ترفًا غير مهم على الإطلاق، وهو ما يحيلنا إلى الجدال الموسمي الذي يتجدد في رمضان كل عام حول كم الأموال المصروفة على صناعة الفن، وأنها لابد أن تنفق في أوجه أكثر جدية.