في نوفمبر/تشرين الثاني فوجئ العالم بفضائح جنسية «بالجملة» وقصص مؤلمة كان رجال السلطة أبرز أبطالها. انتهاكات صدمت العالم وطرقت أبواب تلك المنشأة العريقة القابعة في سان فرانسيسكو تشرف على مئات من منظمات حقوق الإنسان المدافعة عن المرأة.كشفت التقارير الأممية أن التحرش الجنسي أصبح في خدمة السلطة، وباتت وسائل الإعلام البريطانية تتحدث عن صندوق جنسي فتح سياسيًا، مما يعني أن رؤوسًا كبيرة قد تطير وفضائح أكبر قد تظهر مع خروج الكثير من الوقائع من أقبية السياسة إلى وسائل الإعلام.وفي كل الأحوال، كانت وستبقى وسائل التواصل الاجتماعي تعجّ بآلاف القصص المنسية عن حكاوي سيدات ظلت طي الكتمان، سرعان ما وجدت طريقها للإفصاح، حتى وإن بدا بلا جدوى.


الياقات البيضاء: حيث ينعدم الحساب

إساءة فهم النظام الأبوي باعتباره نظاما شموليًا، تشعر فيه جميع النساء بالعجز، ويشعر فيه جميع الرجال بالقوة طوال الوقت.

هكذا فسرت ناتاشا والتر، الكاتبة والناشطة النسوية العلاقة التي تربط وقائع الانتهاكات الجنسية بذوي السلطة والنفوذ، حيث يعتقد البعض أن «هالة» الكراسي تغني عن المحاسبة، وتفتح الباب واسعًا لاستغلال المناصب في ارتكاب انتهاكات ضد المرأة في مأمن من العقاب.ذلك لأنه من الملاحظ أن الانتهاكات الأخلاقية المرتكبة من قبل دبلوماسيين في الأمم المتحدة، ترجع إلى ما تتمتع به تلك البعثات من حصانة دبلوماسية من قوانين الدولة المضيفة على النحو المنصوص عليه في اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية. فطبقًا للمادة 29 من المعاهدة التي صدقت عليها 191 دولة فإن «الدبلوماسيين محصنون من الملاحقة المدنية أو الجنائية». وقد وجد تقرير أجراه المؤتمر العام لنقابات العمال في بريطانيا أن 52% من النساء تعرضن لنوع من التحرش الجنسي في عملهن دون اتخاذ رد فعل قوي. تقول آنا نوجاليز الخبيرة الأسرية، أن أغلب السيدات اللاتي يبقين في مناصبهن رغم ما يتعرضن له من اعتداءات جنسية؛ ترجع إلى كونهن أمهات معيلات ليس لديهن مورد دخل إضافي. يتفاقم الأمر، عندما نتحدث عن وضع المرأة في دول العالم الثالث، حيث يتجلى صور العنف على أساس النوع في حالتي السلم أو الحرب، على يد فاعلين أو غير فاعلين في الدولة أو ميليشيات في ظل انعدام أمني. وفي الأنظمة الاستبدادية، يمكن اعتبار تركيز وسائل الإعلام على وقائع التحرش الجنسي التي غالبًا ما تفلت من العقاب؛ باعتبارها أداة لضبط مجتمع من «المتوحشين» في حاجة ليد غليظة تقمعهم.


فضائح هوت بمسئولين بارزين ووصلت أعتاب الأمم المتحدة

31 شكوى في شهرين، تتعلق بمزاعم استغلال وانتهاكات جنسية، أدت إلى فتح عشرات التحقيقات التي شملت 38 موظفًا في وقائع شهدتها أروقة الأمم المتحدة. كانت للمرأة النصيب الأوفر منها، حيث تشكل النساء 72٪ من ضحايا تلك الحوادث والفتيات 19٪.وقد قالت الأمم المتحدة إنها تلقت 12 شكوى ضد أفراد في عمليات حفظ السلام، و19 شكوى ضد موظفين من وكالات وصناديق وبرامج تابعة لها من بينها صندوق الأمم المتحدة للطفولة «يونيسيف» ومفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، خلال الفترة من يوليو/تموز إلى سبتمبر/أيلول من العام الحالي.الكشف عن وقائع متعلقة بانتهاكات جنسية ليس أمرًا جديدًا، بل سبقه تقارير سنوية أثبتت تلك الانتهاكات، كان أبرزها تقرير صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة السابق، بان كي مون، في مارس/آذار 2015، يقول التقرير إن «الاعتداءات الجنسية التي تورطت فيها عناصر من قوات حفظ السلام، شهدت ارتفاعًا في 2015 مقارنة بعام 2014 بنحو 69 حالة اعتداء جنسي، خصوصًا في أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية».وفي أول رد فعل، أعلن ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أنه أجرى عددًا من التحقيقات الأولية، مؤكدًا أن المنظمة الدولية أطلقت برنامجًا تدريبيًا إجباريًا لموظفيها، إضافة إلى نظام لمساعدة الضحايا. وحددت المنظمة الأممية لائحة بشأن التحرش والانتهاك الجنسية في وثيقة صدرت عام 2008 تصنف معايير الموظفين والبروتوكولات الخاصة بالوقاية والعلاج. وفيما يلي أبرز الفضائح الجنسية التي لاحقت مسئولين بارزين:

بريطانيا: وزراء وبرلمانيون «أوكار للرذيلة»

انتقلت فضائح التحرش إلى الطبقة السياسية البريطانية، والتي تشهد توترًا هذه الأيام، مع تداول تقارير صحافية تتهم 36 برلمانيا، بـالقيام بمحاولات جنسية، الأمر الذي دفع النائب العمالي بريندان شيلتون للقول إنه «من غير المقبول أن يتحول البرلمان وكرًا للرذيلة». ومع تصاعد الشكاوى داخل المجلس النيابي بلندن، أعلنت أندريا ليدسوم، رئيسة مجلس العموم البريطاني تعليق عضوية النائب كلفن هوبكنز «76 عاما» على خلفية سلوكه المشين تجاه ناشطة شابة، وجه إليها رسائل نصية تتضمن إيحاءات جنسية. وفي ذات الوقت طالبت رئيسة الوزراء تيريزا ماي، مجلس الوزراء بفتح تحقيق مع مارك غارنييه، المسؤول في وزارة التجارة للشؤون الدولية، ويحمل رتبة وزير، بعد أن اعترف بطلبه من مساعدته شراء ألعاب جنسية. الأمر ذاته تكرر مع وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون «65 عاما» حين قدم استقالته لفضيحة أخلاقية،وأصبح أول وزير يستقيل على خلفية جنسية في تاريخ البلاد.

الدبلوماسية السودانية: «الثعلب الذي يحرس الدجاج»

بعد وصفه بـ «الثعلب الذي يحرس الدجاج»، ارتفعت وتيرة المطالبات للأمم المتحدة باستبعاد الدبلوماسي السوداني حسن إدريس صالح عضو البعثة الدائمة السودانية بالأمم المتحدة، والمتهم بالتحرش بفتاة تبلغ من العمر 23 عاماً في حانة بمنهاتن. وبمجرد أن ألقت الشرطة الأمريكية، القبض على الدبلوماسي السوداني، عند افتضاح أمره بواسطة ضحيته، حاول الفرار وسرعان ما أطلق سراحه بعد إثبات صفته الدبلوماسية.يشار إلى أن الحادثة هي الثانية من نوعها في حق بعثة السودان بنيويورك، وكانت الأولى في يناير/ كانون الثاني الماضي، حيث قام دبلوماسي سوداني محمد عبد الله علي، بالتحرش بامرأة في القطار (رقم 4) في محطة «غراند سنترال»، وكذلك، تم إطلاق سراحه، ولم تجر له أي محاكمة.

نجوم لامعة في سماء السياسة والرياضة والمال

رؤوس كبرى تسقط إثر فضائح تسببت في أفول وميض أسماء لامعة اعتلت عوالم السياسة والإعلام والرياضة والمال والأعمال، منها:عزل هارفي واينستين المنتج السينمائي الأشهر في هوليوود من منصبه، الواقعة التي تعتبر من أبرز قضايا التحرش التي طفت على السطح مؤخرًا، بعد الكشف عن تورطه في عمليات ابتزاز مورست ضد 50 امرأة، لتنتهي حصيلة ثلاثة عقود من النجاح منقطع النظير. وفي 2016، استقال روجر ايلز رئيس قناة «فوكس نيوز» من منصبه، بعد اتهامات عدة بالتحرش الجنسي، تلاه المقدم الشهير بيل أورايلي في إبريل/نيسان الماضي. كما أكدت بطلة الجمباز الأميركية السابقة مكايلا ماروني الأسبوع الماضي، أنها كانت من ضحايا لاري نصار الطبيب السابق لفريق الإناث الذي كان يستغلها جنسيًا، وهي الفضيحة التي طالت أكثر من 350 رياضيًا. كما يعج ميدان السياسة الأمريكية، بفضائح لشخصيات نافذة، منها سلسلة الانتهاكات الجنسية التي تمت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، ومؤخرًا، اتهم الرئيس السابق جورج بوش الأب «93 عاما» بسلوك غير لائق قام به إزاء ممثلة في عام 2013.وفي أكتوبر/تشرين الأول 2016، أثار مقطع مصور يظهر فيه الملياردير دونالد ترامب الرئيس الأمريكي الحالي، وهو يتباهى بقدرته على التحرش بالنساء وفعل ما يحلو له معهن.


«Me Too»: السوشيال ميديا حائط الصد الأول للمرأة

واكتسح مواقع التواصل هاشتاج تحت عنوان «Me Too» بمئات القصص عن التحرش والاعتداء الجنسي، استجابة للحملة التي أطلقتها الممثلة الأمريكية أليسا ميلانو، الأحد 15 أكتوبر/تشرين الأول.وبعد نحو يومين من إطلاقه، بلغ عدد التغريدات عبر هذا الهاشتاج حوالي مليون تغريدة شارك فيها مغردون من شتى أنحاء العالم؛ بفضل دعم «تويتر» للهاشتاج من خلال الترويج له على «مومينتس» وهو منصة لنشر الروايات المختارة.وتدعو حملة «وأنا أيضًا» إلى التصدي لثقافة الصمت تجاه التحرش الجنسي ضد النساء، الحملة التي دعمتها المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة بومزيلي ملامبو، مستنكرةً ما تتعرضن له النساء حول العالم من مضايقات جنسية في أماكن العمل وخارجها.