في صباح يوم مشرق؛ استعدت الأم «مريم» لاصطحاب أطفالها «محمد 5 أعوام، وسارة 8 أعوام» إلى مكتبة الإسكندرية في رحلة ترفيهية. هذه الرحلة مختلفة كثيرًا عن بقية الرحلات التي تصطحب فيها الأم عادة أطفالها إليها. اليوم تذهب مريم وطفلاها إلى مهرجان الأفلام العلمية؛ الذي يقام في المكتبة في ظهيرة الثالث من ديسمبر/ كانون الأول للعام 2017. لكن هنا يستوقفنا سؤال مهم: لماذا تصطحب أم طفليها إلى فعالية أو مهرجان علمي بدلًا من مدينة ملاهٍ مثلًا؟


العلم في الأفلام

تكمن الفكرة دائمًا لأي فعالية علمية في سهولة ممارسة العلم والتعلّم، وإيصال العلوم لمختلف فئات الناس العمرية بطريقة ممتعة وبسيطة. وبالنسبة للأفلام؛ فهناك أنواع متعددة منها تستطيع إيصال العلم بسهولة ومتعة؛ سواءً أكانت أفلامًا وثائقية أو سينمائية أو أفلامًا قصيرة، وغيرها.

فالأفلام الوثائقية فيها من الحقائق العلمية الكثير، والأفلام السينمائية تحت تصنيف «خيال علمي» -تحديدًا – تثير نظريات وأفكارًا علمية بطريقة مذهلة. الفكرة الأخرى هي أن هذه الأفلام تستطيع مخاطبة جميع العقول؛ من ضمنهم الأطفال.

ولأجل هذا؛ نظّم معهد جوته الألماني في مدينة الإسكندرية بالشراكة مع مكتبة الإسكندرية، ومركز القبة السماوية العلمي فيها؛ مهرجان الأفلام العلمية في دورته الثالثة في الـ3 من ديسمبر/ كانون الأول الجاري.


مهرجان الأفلام العلمية

منصة خشبية يتم تركيبها يديويًا تحتوي على كيسين من السماد والتربة، و4 حبات من الذرة والفول، وعلبتين صغيرتين لتجربة زراعة هذه الحبوب. إرشادات الزراعة وطريقة التركيب متوفرة على العلبة الخارجية لمساعدة الأطفال.

هو عبارة عن احتفالية تقدم العلوم بأبسط وأمتع صورها؛ من خلال الأفلام والعروض التلفزيونية. يتمتع المهرجان بجماهيرية وقيمة مميزة في مناطق مختلفة من العالم مثل؛ جنوب شرقي آسيا، شمال إفريقيا، والشرق الأوسط.

بدأت فكرة المهرجان منذ نحو 10 سنوات في بانكوك، تايلاند في معهد جوته هناك. يقام المهرجان أيضًا في عدة أماكن في العالم، ويتوسع سنويًا لمدى أبعد ليصل لمناطق أكثر عمقًا؛ مثل أفريقيا هذا العام.

هذا العام كانت السنة الـثالثة التي يقام فيها المهرجان في مصر بالتعاون مع مكتبة الاسكندرية. والذي ميّز مهرجان هذا العام؛ هو أن هناك العديد من الشركاء الجدد الذين انضموا لإقامته، ليقام المهرجان بمشاركة كل من:كاريتاس مصر، آيس أليكس، والأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، ومؤسسة Youthinkgreen، وWESC، وجمعية رؤية في القصير في محافظة البحر الأحمر.

في مهرجان هذا العام؛ تم اختيار نحو 23 فيلمًا وثائقيًا في موضوعات علمية مختلفة؛ مثل التغير المناخي، والتاريخ، والثقافات المتنوعة. وتمثل دور المعهد في هذه الفعالية في دبلجة وترجمة هذه الأفلام إلى اللغة العربية.

يتم اختيار الأفلام كل عام وفقًا لرؤية اللجنة المجتمعة في بلد إقامة المهرجان. تتضمن هذه الاجتماعات مناقشة نوع الفيلم، واستخدام اللغة العربية المناسبة للفيلم؛ سواء كانت العربية الفصحى، أو العامية، أو أي لهجة عربية مناسبة لتكون مفهومة لجميع الجمهور العربي.

السبب الذي دفع مكتبة الاسكندرية للشراكة مع المعهد بجانب الشركاء الآخرين؛ هو أن المحتوى الذي يقدمه المعهد هو محتوى علمي موثق، ومدعوم باللغة العربية المناسبة للجمهور العربي مختلف اللهجات.

«م/ أيمن السيد» مدير مركز القبة السماوية العلمي في مكتبة الإسكندرية

غطى المهرجان فعالياته منذ شهر أكتوبر الماضي ليصل إلى نحو 11000 طفل في جولات متعددة في مناطق ومحافظات مختلفة في مصر؛ مثل القاهرة، البحيرة، طنطا، الزقازيق، الإسماعيلية، والمنيا. يتم تنظيم جولة المهرجان سنويًا برعاية أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا؛ بحيث يغطي المهرجان محافظات جديدة لم يشملها المهرجان في السنة التي تسبق إقامته مجددًا.

يسعى المعهد إلى توسيع دائرة إقامة المهرجان في المناطق البعيدة والصغيرة في مختلف البلدان التي يقام فيها في العالم. الهدف من ذلك؛ هو الوصول للأطفال في تلك المناطق، حيث لا تتوفر لديهم الأدوات أو الظروف المناسبة لحضور الفعاليات في المحافظات الكبيرة، أو المشاركة فيها.

أضاف المعهد في بانكوك للمهرجان فكرة «كُتيّب الأنشطة» مترجم للغة العربية. يتضمن هذا الكتيب بعض التجارب والتطبيقات العلمية. ميزة هذا الكُتيّب هو سهولة الحصول عليه، ويستطيع أي شخص التعامل معه وفهمه وشرحه للأطفال؛ خصوصًا في المناطق البعيدة عن الأنشطة الكبيرة في المحافظات.

أحد تطبيقات المهرجان؛ هو «علبة الزراعة» التي وزعت على الأطفال لتعليمهم كيف تتم زراعة بذور ما. تحتوي العلبة على 5 شرائح خشبية يتم تركيبها لتصبح منصة؛ ثتبت داخلها علبتان صغيرتان. توضع في هاتين العلبتين سمادًا وتربة، وتتم زراعة البذور فيها. تعليمات الزراعة والتركيب متوفرة على العلبة.

يمكنك زيارة صفحة المهرجان لمتابعة الأنشطة والفعاليات على موقع مؤسسة جوته من خلال الرابط هنا:مهرجان الأفلام العلمية


جولة داخل المهرجان

تجربة تحدي الجاذبية
من فعاليات المهرجان تجربة علمية «تحدي الجاذبية» توضح استخدام الثلج الجاف والماء لدفع الزجاجات الفارغة في الهواء.

استقبلت قاعة المؤتمرات في المكتبة نحو 3 آلاف طفل وطفلة؛ تتراوح أعمارهم بين 5 – 16 عامًا، توزعوا في مجموعات صغيرة على أنشطة علمية مختلفة. فكرة المهرجان هذا العام هو مشاهدة فيلم علمي، وتطبيق الفكرة العلمية الواردة فيه. يتم تطبيق هذه الأفكار من خلال ورش علمية جهزّت خصيصًا لتناسب فكرة الفيلم.

انتشرت الورش العلمية في مناطق مختلفة من قاعة المؤتمرات، واحتوت كل ورشة على مجموعة صغيرة من الأطفال لا يتجاوز الـ20 طفلًا في الورشة الواحدة لمدة نصف ساعة على الأقل، ومن ثم يتم تغيير المجموعة للانضمام لورشة أخرى، أو مشاهدة فيلم.

السيدة «تيكلا فرش أمبارا» مديرة معهد جوته في الإسكندرية مشاركة في إجراء تجربة تفاعل بيكربونات الصوديوم مع الخل المنزلي.
السيدة «تيكلا فرش أمبارا» مديرة معهد جوته في الإسكندرية مشاركة في إجراء تجربة تفاعل بيكربونات الصوديوم مع الخل المنزلي.

أبرز التجارب العلمية كانت تجربة تفاعل كيميائي بين بيكربونات الصوديوم والخل المنزلي لنفخ البالونات. وبالتركيز على أهمية العمل الجماعي وكيف يمكن إيصال فكرته للأطفال؛ أقيمت ورشة علمية لتعليم الأطفال كيف يقوم النحل بإنشاء مستعمراته السداسية، والتعاون جميعًا في تجهيزها وإنتاج العسل.

كما كانت للفيزياء نصيب في التجارب العلمية. وكانت الجاذبية وإطلاق الصواريخ الفكرة الأكبر؛ حيث نفذّت تجربة «تحدي الجاذبية» باستخدام الثلج الجاف (غاز ثاني أكسيد الكربون مجمد) لإطلاق الزجاجات (الصواريخ) الفارغة. قام على تنفيذ المهرجان، وإنشاء الورش وإجراء التجارب للأطفال نحو 150 متطوعًا من الشباب من مختلف التخصصات العلمية.

أخيرًا؛ تنوع الوسائل التي يتم من خلالها توصيل العلوم؛ خصوصًا الوسائل التطبيقية للأطفال يعمل ذلك على زيادة وعيهم، وتفريغ طاقتهم الإبداعية فيها، واكتشاف المزيد من الأسئلة حول العلوم. فالأطفال بحاجة ماسة دائمًا لصقل مواهبهم في التعلم، والتفكير. والممارسة اليدوية هي أفضل تلك الوسائل.