محتوى مترجم
المصدر
bigthink
التاريخ
2016/06/14
الكاتب
ديريك بيريس

من بين جميع الوعود المستقبلية التي تدفع المجتمع قدمًا، تقع السيارات ذاتية القيادة قرب قمة العديد من القوائم. الطرق السريعة الأكثر أمنًا مضمونة، حتى مع بقاء بعض أجزاء التشريعات غير واضحة – مثل ذلك الرجل الذي تذكر تقارير أنه تم القبض عليه لنومه عند المقود- وليس بالمعنى المجازي. فإن كانت السيارة مستقلة، هل يهم أن يكون هو في وعيه؟

أصبحت السيارات ذاتية القيادة علامة دالة على الاستقلالية. فهناك جماعة ضغط متحمسة مكونة من شركات فورد، جوجل، أوبر، ليفت، وفولفو تعد المستهلكين لطرقٍ سريعة مزينة بروبوتات حذرة. سيكون اهتزاز السيارة للتوقف بسبب النظر لأسفل لإرسال الرسائل النصية أمرًا من الماضي – الآن يمكنك إرسال تلك الرسائل مع النظر عند مستوى العين! تذكر تقارير أن جماعة الضغط تعمل على القضاء على مشكلات العلاقات العامة التي قد تشغل بال السائقين القلقين بشأن أمن وكفاءة هذا التحول التكنولوجي.

تظهر دراسة أجريت مؤخرًا أن المشاركين يعتقدون أنهم يفحصون هواتفهم 37 مرة يوميًا؛ لكن العدد الحقيقي هو 85 مرة.

لكن هل هذا هو مصدر القلق الوحيد؟ لا يعتقد ماثيو بي كروفورد ذلك. يقدم كتابه، (The World Beyond Your Head)، شهادةً على سبب أن الفردية تتطلب وجود المجتمع؛ فالفرد ليس جزيرة منفصلة عن البقية، حتى في هذا العصر من الاستقلالية المفرطة المفترضة. يتوقع مؤلف كتاب (Shop Class as Soulcraft)، الذي يقول فيه إن العمل الجسدي – الحرف اليدوية – ينمي الأخلاق والمسئولية الشخصية، المزيد من الاغتراب مع مجيء السيارات ذاتية القيادة.

الانفصال – أي أن تضغط زرًا لتجعل شيئًا يحدث – يسهل تجربةً لإرادة الفرد كأمرٍ غير مشروط بجميع هذه الحالات الطارئة التي تدخل بين النية والتحقيق.

تمثل السيارات أطرافًا صناعية نتجول بها في أنحاء بيئتنا. مع خلق صناع السيارات لتجربةٍ أشبه بقيادة لعبة فيديو في غرفة معيشتنا أكثر منها تجريب لساحةٍ اجتماعية والتي يكون العفوية والانتباه مطلوبين فيها، يكون الانفصال عن غيرنا من المسافرين مطلوبًا. يمتد هذا الفكر بسهولة إلى المجالات العامة الأخرى.

حيث يقدر أن 430,000 شخص يتعرضون لحوادث سنويًا بسبب تشتيت الانتباه أثناء القيادة، وهو رقم يزداد فقط.

ربما يرجع ذلك إلى نسياننا للعقد الضمني الخاص بالمساحات العامة. فعدم احترام الآخرين أمرٌ مستمر، والذي قد يتمثل في فحص تطبيق «إنستجرام» أثناء صعود السلالم المتحركة، تقليم الأظافر في عربات المترو، مناقشة أمورٍ ليست ذات أي أهمية محتملة بصوت عالٍ عبر الهاتف أثناء ركوب القطار. تظهر دراسة أجريت مؤخرًا أن المشاركين يعتقدون أنهم يفحصون هواتفهم 37 مرة يوميًا؛ لكن العدد الحقيقي هو 85 مرة. الانفصال الناتج عن الأنماط الاعتيادية يعيق التقدم في جميع المجالات.

ليس الأمر أن السلامة ليست مصدرًا للقلق. حيث يقدر أن 430,000 شخص يتعرضون لحوادث سنويًا بسبب تشتيت الانتباه أثناء القيادة، وهو رقم يزداد فقط. ولكن، هل يمكن التحايل على المشكلة باستخدام المزيد من التكنولوجيا؟

يقول كروفورد إن المشكلة ليست بالتكنولوجيا. فأجهزتنا تستغل فقط أنماط التنمية الاجتماعية السيئة. ومع ذلك فإن السيارات الرقمية على نحو متزايد تتنافس على نيل اهتمامنا مع الأجهزة الأخرى. فيصبح التوقف مستحيلًا؛ ويصبح التأمل الذاتي من مخلفات الماضي.

في الأسبوع الماضي، بعد العودة من مدينة نيويورك، استقليت أنا وصديقتي سيارة أجرة. في نيويورك يمكنك إطفاء الشاشات في المقعد الخلفي لسيارات الأجرة. على خلاف الحال في لوس أنجلوس. كان أمامي خيار أن أطفئ الصوت، وليس الصور. وفي ضوء أن ذلك كان في العاشرة مساءً، أضطررت لقضاء الرحلة التي استمرت عشرون دقيقة إلى المنزل أصد هجومًا من الإعلانات والأخبار غير الهامة، والتي تمثل فقط صورة أخرى فقط من الدعاية. والأسوأ من ذلك أنني قد دفعت مقابلها. إضافة إلى حقيقة أن السائق يقلب بين رسائله النصية أثناء مروره بشارع سيبولفيدا الرئيسي، فأخذت تلك الوصفة الملائمة لحدوث كارثة تختمر.

يغطي كروفورد التاريخ التطوري والعصبي لجنسنا من خلال كتابه الاستثنائي، باستخدام تشكيلة من المهن لتسليط الضوء على نماذجٍ للإدراك المجسد: نفخ الزجاج، إصلاح الدراجات النارية، صنع آلة الأرجن. يناقش كروفورد «قدراتنا الحساسة بشكل رائع على التنقل في بيئتنا، التي يتم استقطابها من قبل «تقدماتٍ» مثل السيارات ذاتية القيادة، ويتابع: يتمثل مبدأٌ للتصميم الجيد في محاولة استغلال هذه القدرات، بدلًا من قطع الصلات بين التصور والعمل، حيث يبدو الجيل الحالي من مهندسي السيارات عازمًا على فعل ذلك».

إن لم تعرف كيف وصلت، فكيف ستعرف أبدًا موقعك الحقيقي؟ يقترح الطاويون التركيز على الرحلة، وليس الهدف، لكن صناع السيارات على ما يبدو ليسوا طاويين

إن لم تعرف كيف وصلت، فكيف ستعرف أبدًا موقعك الحقيقي؟ يقترح الطاويون التركيز على الرحلة، وليس الهدف، لكن صناع السيارات على ما يبدو ليسوا طاويين – الأمر أشبه بأن يناقش جوجل اليقظة، وهي ممارسة متناقضة مع نموذج عمله. تعيق الاضطرابات في «بيئة الانتباه» خاصتنا، علاقاتنا بالأشياء والأشخاص الآخرين. وينتج توجهنا المكاني عن التوافق مع الواقع أمامنا. ومع كوننا غير قادرين على ضبط الانحرافات، نلعب لعبة الكرة والدبابيس بإهمالٍ بأجسادنا عبر المساحة أمامنا. ونخرج من سياراتنا ذاتية القيادة لنستمر على وضع الطيار الآلي.

مثلما يكتب نيكولاس كار، يدمر هذا قدرتنا على تطوير عواطف عليا مثل التعاطف والشفقة. ويتوقف تفاعلنا العاطفي بينما تظل مستويات القلق مرتفعة بفضل نظامٍ عصبي محفز بشكل مفرط. تفسح الصناعات اليدوية المنحوتة بواسطة عقل منضبط المجال للتطبيقات التي ترن كلما ضغط أحدهم زر الإعجاب على مقطع فيديو القطة خاصتنا. والنتيجة، وفق كروفورد، تتمثل في نوعٍ من التوحد يتم تضمينه في نسيج المجتمع، مع مجموعة فريدة وسليمة من المبادئ الاقتصادية والسياسية. لأنه، حسبما يوضح:

«تجاربنا مصنعة من أجلنا على نحو متزايد، ويستنتج من ذلك أن انتباهنا منظم على نحو متزايد بواسطة التصميم.»

يضيع «الشعور» بالطريق، تمامًا مثل، كما يناقش لاحقًا، «شعور» العزف على آلة الأرجن، في خضم عملية الأتمتة. هل هذا الفقدان للاتصال يمثل تضحية جديرة بالاهتمام من أجل السلامة؟ مع وضع كل ما يضيع في الاعتبار، سوف أقول لا، على الإطلاق.