التربية هي تأهيل الطفل على اتخاذ القرارات (الحكيمة) في حياته، والحكمة اختيار القرار المناسب في وقته ومكانه الصحيحين، وحتى يشب الطفل قادرًا على القيام بهذه المعادلة، يحتاج لعقل منطقي وروح فطرية.

فكيف نربي إنسانًا (إنساني)، عقله منطقي وروحه فطرية؟


القواعد السبع لتربية إنسان

1. الطفل ليس ملكك

هو لم يطلب منك شيئًا في الأساس كي يصبح مدينًا لك. أنت (اتخذت/لم تتخذ) قرارَ إيجاده، لكن الحقيقة أنك من أوجده، بإرادتك أو رغمًا عنك أنت السبب في وجوده، لذلك أنت مسئول عنه بالتبعية. وليس لأنك غير مهمل في تربيته، فأنت تتفضل عليه، أنت تفعل ما يريح ضميرك، وضميرك لا يستريح إلا بإحكام التربية، من ربى جيدًا ربى لأنه إنسانٌ جيد، من ربى بطريقة مختلفة رائعة ربي لأنه إنسانٌ مختلفٌ رائع. الطفل غير مدين لك كي تمتلكه فهو إنسان لا يُمتلك.

2. الطفل حر

لا يحق لك إجباره على شيءٍ اختياري في الأصل، ليس معنى أنه غير واعٍ بدرجة كاملة أن تمحو حريته، مريض التوحد غير واعٍ بدرجة كاملة، المريض النفسي بمرض انفعالي غير واعٍ بدرجة كاملة، فهل يحق لإدارة المصحة إطعامهم قسرًا أو إجبارهم على ارتداء ملابس معينة دونًا عن أخرى فقط لأن شكلها أفضل؟، لا. إذن غياب الوعي لا يبرر الانتهاك المتكرر للحرية طالما الأمور لا تمس الحياة والموت.

لذلك ما تريده منه وما يريده منك، أمور تخضع للنقاش والمنطق ومحاولات الإقناع وربما الإلحاح وكل الأفعال الإنسانية غير الجبرية المتاحة، لكن الإجبار وفرض الآراء لأنني أرى هذا، فكل إنسان يحق له رفض ما يشاء وطفلك إنسان.

3. هو ليس أنت

لم يأت في هذه الدنيا كي ينفذ رغباتك ولا ليحقق لك نفسك التي لم تستطع تحقيقها في حياتك الخاصة بك، حياته ليست حياتك وأحلامك ليست أحلامه، فلا تسقط عليه نفسك ولا تطلب أن يكونك أو يكون ما تراه أفضل له، وظيفتك أن تساعده برصف طريقه ووضع العلامات الإرشادية المفيدة له على جانبي الطريق، علمه القيادة بمهارة واصقله بالمهارات والمواهب، واترك له السير والتجربة والخطأ والإعادة والاستفادة والمرور بالطريق الإنساني الطبيعي للحياة، فابنك إنسان.

4. استخدام العنوّة

تعريف الطفل على القوة الجسدية كأحد وسائل الحل، وإمكانية توظيف القوة في إجبار الآخرين على تنفيذ ما نريد، هو عونه في المستقبل ضد أقربائه الصغار وزملاء الصف الأصغر أو الأضعف، ضد أخيه الرضيع الذي لا يحب وجوده ولا استيلاءه عليكم.

عندما تنزع من يده شيئًا عنوّة أو تحمله وتضعه في مكان آخر بشكل إجباري، مبروك، سيفعل المثل مع أخيه الأصغر منه، بينما عدم استخدامك هذه القوة من البداية، تجهيز وتهيئة للطفل كي يبحث عن وسائل منطقية وعقلانية أخرى لتحقيق ما يريد، مما سيجعله ويجعلك في أمان من التعرض لمراحل عنف الأطفال غير المبررة.

5. الطفل ليس وعاءً لتلقي انفعالاتك

كلنا نمر في الحياة بضغوط ضخمة، أعرفها مثلكم، فالعمل والمنزل والحياة والأقرباء والواجبات والعوائق المادية والأحلام المهدرة وخيبات الأمل والألف أمر المطلوبين يوميًا، كل هذه أمور تضغط علينا وتشحننا حد الانفجار، وصدقني هذا الكائن الصغير مغرٍ جدًا للانفجار! فتفريغ الشحنة في وجهه مضمون العواقب، فماذا سيفعل؟ يبكي! هو لا يملك من أمره ولا أمري شيئًا! لكن صدقني هذه النقاط في وجهة نظر أخرى، أوْلى منا بالعناية الفائقة والرحمة.

في حياتي الشخصية ربيت قططًا كثيرة، عندما تكسر ابنتي شيئًا في نفس اللحظة التي أنظف فيها في التو آثار إلقائها للطعام على الأرض في الوقت المطلوب مني فيه إرسال عمل الأمس المتأخر وعمل اليوم الجديد، والهاتف يرن، وصوت أمي اللائم لعدم اتصالي بها يوم كامل فقد نسيتها ولم تطرح تربيتها في. تزاحم هذا الانفعالات في تلك اللحظة مغرٍ جدًا للانفجار مثل الكوب الذي انفجر لتوه لشظايا في كل مكان.

لكنني دربت نفسي على تخيلها كالقط الأليف الذي يعبث بالأشياء وربنا يحطم منها، هو ضعيف هو الآخر ومغرٍ للانفجار، لكنه حيوان أليف ضعيف، فما بالك بابنتي؟ أليفة ضعيفة وإنسان!

لذلك أتراجع، ليست هناك فائدة من الانفجار في وجه قط جميل يلهو ويضحك هناك ويكسر بعض الأشياء من وقت لآخر. فما بالك إن كان إنسانًا؟

6. الولاية الجسدية

هل يحق لشخص استخدام الإجبار الجسدي في مواجهة آخر لتقويمه حتى لو كان الآخر على درجة أقل من الوعي؟، هل يحق للأخ الأكبر استخدام القوة لتقويم أخيه الأصغر؟، هل طفلك لو شب قويًا مُصقلًا بالتجربة واعتراك الحياة فبات حكيمًا وأضعف عقلك الكِبر فانعكست الآية؛ هو الأقوى الأنضج وأنت الأضعف، هل يحق له إجبارك على الصواب بالإجبار والعنف؟ فيما لا يهدد حياتك بالخطر، لا.

كذلك وهو طفل وأنت كبير، كلاكما إنسان لا يحق لآخر الجور لأن الولاية له، في دول العالم المتقدم، لو ضربت طفلك لأي سببٍ كان، سيأخذونه منك. هذه تصرفات الإنسانية السليمة التي تليق بمعاملة الإنسان للإنسان، لكنها ليست لدينا هنا.

7. التجربة حق إنساني

من حق الطفل أن يخطئ ويجرب ليصل لحلوله الخاصة، هل سبق ونصحت أخاك الصغير أثناء مروره في طريق سبق ومررت أنت فيه، وباعتبار أنه لن يخرج بنتائج مختلفة عن التي خرجت أنت بها فهل استمع لك أم أصر على الاستمرار وإكمال الطريق ولم يختصره على نفسه بنصيحتك؟، بالضبط مثلك عندما مررت بطريق آخر مر فيه أبوك وحاول نصيحتك بعدم جدوى هذا الطريق ولم تستمع لأحد سوى لتجربتك الخاصة التي أصررت على استكمالها، حتى أنك بعد وقت من تخطيك هذه التجربة تعجبت أنك لم تر النهاية التي كانت واضحة مرأى الشمس.

النهاية التي أخبرك بها صديقك، أبوك، وربما خمسة أشخاص آخرين، لكنك لم تستمع لأن الإنسانية كل إنسان يسعى لتجربته الخاصة، كذلك طفلك مثل أخيك ومثلك، انصح وأقنع ومنطق الأمور وضع كل العلامات الإرشادية المُضيئة في طريقه، لكن لا تتخيل أن تحل محل (الطريق) فتحجر عليه من اعتراك الدنيا.

طفلك سيمر بكل الطرق التي يرى وجوب مروره بها، هذا أمر حتمي، وسينفصل عنك ليمارس تجربته الخاصة عن قريب، لذلك استغل الوقت الآن في تأسيسه وتقوية ساعده ليبات صلبًا في مهب الحياة، كن عونًا وملجأ في الفشل قبل النجاح، يسر الطريق وابنِ مكانًا آمنِا يلجأ له طفلك في كل مراحل حياته. لا يهم ماذا حدث أو يحدث، فـ(بابا/ماما) هنا ملجآن أخيران موجودان طالما على قيد الحياة.

وسيستمر السعي الإنساني لاكتساب الخبرات طوال استمرار الحياة، وسيستمر طفلك.


في النهاية، طفلك أمانة لديك، هو لنفسه، ما تفعله له هو له، ما سيكونه لا نريد نحن الآباء شيئًا منه، فقط رضى الله وبذل كل استطاعتنا له، ورضانا عن أنفسنا، بينما عملية تأهيله نفسها، المقصود والهدف بها (هو)، لا نريد شيئًا منه إلا الدعاء بعد الموت.

نربي إنسانًا ليكون إنسانًا في دنيا ندرت فيها الإنسانية، علّه يكون شفيعًا يوم القيامة.