هذه المقالة ضمن ملف «مصر العثمانية» الذي تنشره إضاءات بمناسبة مرور 5 قرون على دخول العثمانيين مصر.

شهدت مصر والدولة العثمانية خلال القرن التاسع عشر سلسلة من التطورات التشريعية التي أملتها سياسة التحديث في الدولتين، ويبدو من خلالها تطور علاقة الدولة الحديثة بالشريعة والتي انتهت بإعادة ترسيم العلاقة على نحو جديد.

وتركيزنا هنا ينصب على دراسة واحدة من تلك التطورات التي تستبق الاستعمار الغربي وهي تتعلق بالقانون الهمايوني * [القانون العثماني] الذي صدر بُعيد عام من الإعلان عن خط كلخانة 1839م وطُبق في الولايات العثمانية كثمرة أولى من ثمار سياسة التنظيمات.

تفتح دراسة القانون الهمايوني وتطبيقاته في مصر المجال أمام بحث مسألتين على قدر من الأهمية: أحدهما تتعلق بعلاقة الدولتين بمرجعية الشريعة وكيف تم التنصيص عليها في القانون، والأخرى تختص بكيفية تضمين الشريعة في البنية القانونية للدولة الحديثة، فكيف أمكن المواءمة بين الشريعة وقوانين الحداثة وما الامكانات التي تحملها الشريعة لتطبيق العدالة.


طبيعة القانون وبنيته

تمتعت مصر منذ القرن التاسع عشر بوضعية استثنائية ضمن الولايات التابعة للدولة العثمانية، إذ استطاع محمد علي نظير خدماته العسكرية للدولة أن يستقل بعملية التشريع، ولسنا نقصد إصداره بعض الأوامر الشخصية في صيغة قانون للعمل بها وإنما نعني بها إصدار تشريع متكامل يضم مجموعة من المواد القانونية وهو ما تحقق له بإصداره «لائحة زراعة الفلاحة» عام 1830 لتنظيم القطاع الفلاحي، وهي أول قانون عقوبات مصري حديث [1]، ثم إصداره السياستنامة الأولى والثانية لتنظيم الجهاز الإداري للدولة.

جرت مفاوضات بين الجانبين المصري والعثماني انتهت بالتوصل إلى اتفاق يسمح بتطبيق القانون في مصر بعد إدخال تعديلات عليه لتلائم وضعية الحكم الذاتي التي تتمتع بها مصر.

وبطبيعة الحال لم يكن بمقدور الدولة العثمانية فرض تطبيق القانون على محمد علي وانتظرت ريثما انتقل الحكم إلى عباس (1848-1854) وضغطت لأجل تطبيقه في مصر، لكنه أبدى تمسكا باستقلاليته التشريعية متعللا بعلل شتى للرفض منها خفة العقوبة في القانون الهمايوني التي لا يمكن أن تشكل رادعا للعربان والخارجون على القانون.

وقد جرت مفاوضات مطولة بين الجانبين المصري والعثماني في الآستانة انتهت بعد وساطات أجنبية بالتوصل إلى اتفاق يسمح بتطبيق القانون في مصر بعد إدخال تعديلات عليه لتلائم وضعية الحكم الذاتي التي تتمتع بها مصر [2] وعلى هذا أدخل القانون حيز التطبيق عام 1855 وظل معمولا به حتى عام 1875 حين استبدله إسماعيل (1863-1879) بالقانون الوضعي مع إنشاء المحاكم الأهلية.

ويقع القانون في مقدمة وخمسة فصول، وقد اشتملت المقدمة على نص الخط الهمايوني الذي نشر معربا للمرة الأولى على الأرجح، وهو يركز على كفالة الدولة حقوق الأفراد الأساسية، والتزامها بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء «فكل ما صدر منه ما يُغاير القوانين الشرعية سواء كان من العلماء أو الوزراء يجازى على مقتضى قانوننامة الجزاء والتأديب اللائق على حسب جنحته بدون التفات إلى رتبته ولا رعاية لخاطره»[3].

وقد أشارت المقدمة إلى تعذر تطبيق القانون بكامله في مصر لوضعيتها المستقلة وأنه سيقتصر على «المواد الأساسية الأصلية» التي ذكر أنها تتأسس على الشرع الشريف وهي تشمل الفصول الثلاثة الأولى من القانون، أما الفصلين الباقيين وذيل القانون فقد اقتبسوا من التشريعات المصرية السابقة على صدور هذا القانون وخصوصا لائحة زراعة الفلاح وقانون عباس.

هذا المزج بين التشريع العثماني والتشريع المصري ضمن قانون واحد قد انعكس على العقوبة ودرجتها في قسمي القانون إذ بينما التزمت الفصول الثلاثة الأولى العقوبات الشرعية وبخاصة البدنية البالغ مقدارها 79 جلدة [4] فإن الفصلين التاليين يجنحان إلى توقيع عقوبات أكثر صرامة تصل إلى مائتي جلدة [المادة الثانية عشر من الفصل الرابع، المادة التاسعة عشر من الفصل الرابع]..

ويتألف القانون من خمسة وثمانون مادة موزعة على خمسة فصول وبيانها كالتالي: الأول وهو يقع في (17 مادة) ويتناول قضايا القتل والجروح وبعض القضايا، والثاني (7 مواد) يناقش القذف والتعزير والأفعال الذميمة، والثالث (22 مادة) يختص بالجرائم المالية كاغتصاب أموال الغير والرشوة ومخالفات الجهاز الإداري للدولة، والرابع (27 مادة) يعالج جرائم القطاع الفلاحي كالاستيلاء على الأراضي وكسر الجسور وإتلاف المزروعات، والخامس (11 مادة) يعالج قضايا غير متجانسة موضوعيا كهدم الآثار القديمة وإسقاط الحوامل والملتزم الذي يخالف شروط الالتزام.

ويطرح القانون عددا من القضايا كعلاقة الدولة بأتباعها والحقوق التي تمنحها لهم، وكيفية معاقبة الخارجين على القانون، وفلسفة العقوبة وأنماطها وعلاقتها بالشريعة، وإشكالية العدالة أم المساواة القانونية أيهما يكرسها القانون.


الحقوق والحريات

عني القانون الهمايوني – كما لم يعنى أي قانون مصري سابق – بمسألة التأكيد على حقوق الأفراد بغض النظر عن جنسياتهم وأديانهم وأعراقهم ولا غرابة في ذلك إذ أنه يأتي كحلقة أولى من حلقات الإصلاح العثماني أما قوانين محمد علي فلم تكن سوى محاولة لإحكام السيطرة على القطاعات الانتاجية للدولة، وقد أجمل الخط الهمايوني هذه الحقوق ثم فصلتها بنود القانون، وهي على صنفين: حقوق عامة لجميع الخاضعين للدولة وحقوق خاصة تتمتع بها فئات معينة.

والحقوق العامة الممنوحة للجميع بلا تمييز هي: الأمن على النفس ولحمايتها شرع القانون القصاص والسجن من الجاني بعد المحاكمة العادلة «من غير ميل ولا غرض عن سنن الحق»، وحفظ العرض والناموس وقد تم تطبيق حد القذف عقوبة رادعة لأجل صيانتهما [المادة الأولى من الفصل الثاني].

الأمن على المال الذي شدد القانون على حمايته بقوله أنه لا يحق للدولة العلية أو الحكومة المحلية في مصر أو واليها أو رجال الإدارة وحكام الأقاليم «أن يضعوا أيديهم على مال أحد أو ملكه، ولا يجوز بوجه من الوجوه لشخص ما كبيرا كان أو صغيرا أن يتعرض أو يتسلط أو يتداخل في مال شخص آخر أو ملكه بغير حق ولا أن يجبره مباشرة أو بواسطة أن يعطيه إياه أو يبيعه له» [المادة الأولى من الفصل الثالث].

وأخيرًا، يضمن القانون حق المعاملة القضائية العادلة لجميع المتقاضين «فكل إنسان، كبيرًا كان أو صغيرًا، يعتبر في مجلس الشرع بطريق المساواة، ولا يجوز الانحراف عن إجراء الحق في الأحكام الشرعية»[5].

ويكفل القانون كذلك حقوقا خاصة للفئات الأضعف التي تحتاج إلى دعم خاص فالعبيد والإماء الذين ارتكبوا ما يستوجب التعزير ليس لأسيادهم تجاوز الحد في التعزير بل يجب مراعاة جانب هؤلاء «المساكين» بمنع التعدي ومجاوزة الظلم عنهم [المادة العشرون من الفصل الثالث] وأما فقراء المحبوسين الذين ليس لهم أقارب تلزمهم نفقتهم مدة الحبس فنفقاتهم تكون على الميري [الجهاز الإداري للدولة] وإذا طرأ لأحدهم مرض شديد أثناء احتجازه يُسمح له بالإقامة في منزله وتحتسب تلك المدة من أيام العقوبة [المادتان السادسة عشر والسابعة عشر من الفصل الثالث].

وكذلك الفلاح الذي كان عرضة للاستغلال الدائم من رجال الإدارة الريفية وذوي الشوكة فقد جرم القانون استخدامه في السخرة بدون أجر وجعل التعويض المالي والحبس والضرب عقوبة لمن يخالف ذلك [المادة السادسة من الفصل الرابع]، وأما الذين يشاطرونه عنوة زراعة أرضه طمعا في الاستيلاء على مزروعاته وقت الحصاد فيعاقبون بدفع ثمن ما اغتصبوه والمجازاة بالحبس أو الضرب [المادة الرابعة والعشرون من الفصل الرابع].

وبينما أفاض القانون مرارا في ذكر الحقوق والتأكيد عليها فإنه لم يأت على ذكر الحرية إلا مرة واحدة؛ حين ذكر أنه يحق لأتباع الدولة جميعا المطالبة بحقوقهم «بمقتضى الحرية الشرعية لا مطلق الحرية» [المادة الأولى من الفصل الثاني]، وتلك الإشارة المقتضبة توحي بعدم ارتياح الدولة لمبدأ الحرية وهو ما نستشفه من بنود القانون الذي لم يشر -ولو تلميحا – إلى أيا من الحريات الفردية أو العامة.

في المقابل دعا إلى تكريس الطاعة السياسية، فتحدث مرارا عن وجوب طاعة المستخدمين بالمصالح للقوانين والانقياد لأوامر الوالي والذوات [المادة السابعة من الفصل الخامس]، وعن وجوب الخضوع لطاعة حكام الأقاليم والمديرين الحكوميين [المادة الحادية عشر من الفصل الخامس]، وعمن «ارتكب ذنب عدم الطاعة للضابط المسئول عن الضبط والربط» [المادة السادسة عشر من الفصل الأول].


أنماط العقوبة وفلسفتها

يضمن القانون حق المعاملة القضائية العادلة للجميع «فكل إنسان، كبيرًا كان أو صغيرًا، يعتبر في مجلس الشرع بطريق المساواة، ولا يجوز الانحراف عن إجراء الحق في الأحكام الشرعية»

العقوبات الواردة في القانون هي: القصاص، والحد، والتعزير بالضرب، والسجن، والقيد بالحديد، والاستخدام في الخدمات الدنية، والنفي، والفصل من الوظيفة، وتخفيض الرتبة المدنية، والتعويض المالي، ورد المغصوب، وهي كما نرى مزيج من العقوبات الشرعية والعقوبات الوضعية، وغايتها تأديب المذنب وزجر غيره، وهي الغاية التي كرستها تشريعات محمد علي وتواصلت في هذا القانون.

ويسترعي النظر أن بعض مواد القانون التزم المساواة العقابية كالقتل التي ذكر أنه يستوجب «المساواة من غير تفريق بين كبير وصغير» [المادة الأولى من الفصل الأول]، وبعضها الآخر كرس مبدأ التمييز في العقوبة -وبخاصة ضمن مواد التعزير التي ليس فيها عقوبة مقررة- إذ يجعل عقوبة من أسماهم «وجوه الناس وأرباب الرتب» تختلف عن أوسطهم وعن عامتهم، وليس القانون بدعا في ذلك فقوانين محمد علي جنحت إلى شيء من ذلك.

لم ينطلق القانون من فلسفة المساواة بقدر ما انطلق من الموازنة المفترضة بين المنافع والمضار المترتبة على العقوبة بمعنى أن غاية العقوبة ليست الإضرار بالمذنب وإنما هي تأديبه.

وقد علل القانون بالقول «أن أنواع التعزير وكيفياته تتفاوت بحسب أحوال الناس» [المادة الثانية من الفصل الثاني]، وليس في هذا انتقاص من حقوق العامة لصالح النخبة كما يظن فقد كانت عقوبة شيخ القرية [المسئول الإداري عن القرية أمام الدولة] تفوق عقوبة الفلاح رغم أن الجرم واحد.

على سبيل المثال، إذا تعصب شيخ القرية مع الفلاحين ضد بلدة أخرى، كان جزاؤه الضرب مائتي جلدة على حين يجازى الفلاح بمائة جلدة [المادة الثانية عشر من الفصل الرابع]، وهذا التمييز أقرب إلى تحقيق معنى العدل من المساواة إذ لا يستقيم مساواة المسئول الأول عن البلدة بالفلاح الذي لا يملك من أمره شيئا ولا يسعه مخالفة أمر شيخه.

ويتخير القانون العقوبات وفق فلسفة خاصة، وهو ما نلاحظه على وجه الخصوص في ترجيحه بين عقوبتي الضرب والسجن، إذ رغم ما يشاع من كون الضرب عقوبة لا تتفق مع الاعتبارات الإنسانية ولا تشكل رادعا لجميع المذنبين فبعضهم قد يتمتع ببنية جسدية قوية يمكنه معها تحمل الضرب بصورة جيدة فلا يصبح الضرب معها عقوبة رادعة.

بعضهم ربما كان ضعيف البنية يتضرر من الضرب وربما أفضي به إلى الموت أحيانا، وفي هذه الحالة يصبح الضرب عقوبة تفوق الجرم الذي اقترفه، وهذا ما جعل بعض رجال الإدارة والقانون آنذاك أميل لعقوبة السجن على اعتبار أنه يحقق المساواة العقابية ولا ينطوي على المخاطر التي ينطوي عليها الضرب.

غير أن القانون لم يكن ينطلق من فلسفة المساواة بقدر ما ينطلق من الموازنة المفترضة بين المنافع والمضار المترتبة على العقوبة بمعنى أن غاية العقوبة ليست الإضرار بالمذنب وإنما هي تأديبه وهو ما لم يكن يحققه السجن دوما، وعلى سبيل المثال فإن الباعة الذين ينقصون الميزان أو يبيعون بزيادة عن السعر المقرر ليس السجن بعقوبة مناسبة لهم لما ينطوي عليه من إضرار بهم وبذويهم الذين ربما فقدوا عائلهم بإيداعه السجن.

لذلك يؤكد القانون أن هؤلاء ارتكبوا ما يستوجب التعزير الشديد «لكن حيث كان تأديبهم بالحبس يلزم عليه غلق دكاكينهم وتعطيل بيعهم وشرابهم فيجري في حقهم التعزير بالوجه الشرعي بأن يضربوا على حسب جنحتهم من ثلاث عصي إلى تسع وسبعين» [المادة التاسعة عشر من الفصل الثالث].

ولم يشأ القانون أن يقر استخدام الضرب دون وضع ضوابط تضبط ممارسته فاشترط الالتزام بقواعد الشرع التي تقضي أن يكون ضربا متوسطا بين المؤلم والجارح حتى لا يفضي بالمذنب إلى الموت [المادة الخامسة من الفصل الثاني] وأن يكون «حسب ما يتحمله جسمه» [المادة الحادية عشر من الفصل الرابع].

وعلاقة الشريعة بالقانون جلية ولا تحتاج إلى تدليل فكثير من العقوبات الواردة به – وخاصة القسم الأول منه – هي عقوبات شرعية وروح الشريعة تسري في مواده وفي فلسفته العقابية التي ترى أن المساواة أحد الطرق المؤدية للعدالة وليست الطريق الوحيد، وهو من هذه الناحية يغاير تشريعات محمد علي التي كانت تبتعد عن الشريعة وتنحو بمضي الوقت نحو الاقتباس من التشريع الغربي.

هذا ما نلحظه في قانون «السياستنامة» الذي استفاضت مقدمته في الحديث عن التشريع الغربي ومدى ملاءمته للبيئة المصرية، وأكدته لائحة «الجمعية الحقانية» وهي المؤسسة التشريعية للدولة التي أشادت بتفوق الغربيين في مجال التشريع وصرحت أننا «مجبورون على الاقتدا بهم»[6].

وهذا الاختلاف في موقف الدولتين من الشريعة له ما يسوغه، فالدولة العثمانية هي دولة الخلافة والشريعة المصدر الرئيس لشرعية الدولة وعملية التشريع عليها أن تراعي مصدر شرعية الدولة، على حين تستمد دولة محمد علي شرعيتها من مصادر مغايرة في مقدمتها القوة وما تفرضه من أمر واقع ولذا كانت لديها الحرية الكافية للاستفادة من التشريع الغربي بصورة أكبر من الدولة العثمانية التي بدأت بدورها تتجه تدريجيا نحو الاقتباس في مراحل تالية وبدا ذلك في قانون التجارة العثماني.

وهذا الحضور القوي للشريعة في القانون الهمايوني لم يكن يعني التطبيق الكامل لأحكام الشريعة الإسلامية، ولنأخذ مثالا بالحدود الشرعية التي اكتفى القانون بتطبيق اثنين منها وهما حد القذف وحد الخمر اللذان يتعلقان بالمسائل الأخلاقية على حين توقف في تطبيق بقية الحدود التي ترتبط بمسائل حيوية.

من جهة أخرى نحا القانون -في عدد من الحالات- نحو تغليظ العقوبة الشرعية بإضافة أخرى وضعية إليها؛ ففي حالة ثبوت تهمة القتل العمد على المتهمين تقضي الشريعة بسقوط القصاص إن حصل عفو من ورثة القتيل لكن القانون يذهب إلى أن من سقط عنهم القصاص لا يخلى سبيلهم وإنما يجري حبسهم لمدة تتراوح من خمس إلى عشر سنوات، ومثل هذا في القتل الخطأ إذ يفترض القانون أنه إن صدر ممن لا يُظن فيه السوء فيكتفى في حقه بما تقتضيه الشريعة، أما إن صدر ممن يظن فيه ذلك فيجازى بالقيد بالحديد لمدة عام أو النفي [المادتان الحادية عشر والثالثة عشر من الفصل الأول].

استخلاصا مما سبق يمكن القول أن القانون الهمايوني كان نهاية مرحلة تشريعية شعارها التوفيق بين الشريعة وبين القوانين الوضعية الحداثية التي كان العمل بها ضروريا أحيانا ومحدودا بحيث لم يكن يضاد مرجعية الشريعة، وهو المحاولة الأخيرة لدولة ما قبل الاستعمار لدمج الشريعة ضمن البنية القانونية للدولة إذ حملت التطورات اللاحقة إقصاء مرجعية الشريعة وتقلص حضورها القانوني في قوانين الأحوال الشخصية.


* نشر فيليب جلاد هذا القانون كاملا في كتابه «قاموس الإدارة والقضاء»، الإسكندرية: 1890، ج2.[1] تستبق لائحة زراعة الفلاح صدور القانون الهمايوني بعقد كامل، ويعتقد بعض الباحثين أن تلك الاسبقية سمحت بتكون خبرة قانونية مصرية افتقدتها الدولة العثمانية، وبخاصة أن مصر في الفترة من عام 1830 وحتى عام 1855 شهدت صدور عدد من التشريعات المتكاملة، ويستخلصون من ذلك أن القانون الهمايوني ليس «أرقى» من التشريعات المصرية السابقة عليه لا من حيث الصياغة أو الفلسفة العقابية، راجع: عماد أحمد هلال، وثائق التشريع الجنائي المصري: سجل محموع أمور جنائية، دار الكتب والوثائق القومية، 2011، ص62.[2] جابرييل بير، دراسات في التاريخ الاجتماعي لمصر الحديثة، ترجمة؛ عبد الخالق لاشين وعبد الحميد فهمي الجمال، القاهرة: الهيئة العامة لقصور الثقافة، 2006، ص 198-201[3] فيليب جلاد، قاموس الإدارة والقضاء، 2/495.[4] ورغم ذلك تعد تلك العقوبة أقل كثيرا من العقوبات البدنية الواردة في قوانين محمد علي حتى أنها بلغت خمسمائة جلدة في السياستنامة.[5] ذيل القانون، «صورة حركات الأفندية حكام الشرع في إجراء الأحكام الشرعية»، المادة الثالثة، فيليب جلاد، المرجع السابق، 2/508.[6] أحمد فتحي زغلول، المحاماة، القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، ط2، 2015، ص171-175، 183.