ببطء، لكن بثقة.
مثل إنجليزي

سيكون هذا المثل الإنجليزي الرائع، والذي يراه البعض من أهم أسباب هيمنة الإنجليز – الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس – قديمًا، هو المبدأ والمُنتهى في مواجهتنا للسمنة، وباء العصر، فالتغييرات الأكثر قوة واستدامة هي التي تأسست على أرضيةٍ صلبة، وأخذت ما تستحق – وقتًا وجهدًا – لترسيخ قواعدها. أما ما يأتي سريعًا وإن بُذل فيه ما بذل من الجهد، فلا يلبث أن يذهب سريعًا، كطيف المنام.

ولا أبالغ إذا قلت أن السمنة الناتجة عن العادات الغذائية السيئة التي جلبتها الحياة الحديثة، هي أحد أوجه العبودية. فأجسامنا أثقلَتْها سلاسل وأغلال من عشرات الكيلوجرامات من الدهون، فكبَّلت حركتنا، وأقعَدَت همتنا.

وضغوطات الحياة المتضاعفة، تدفعنا للهروب النفسي إلى تناول الأطعمة الشهية كثيفة الدهون والسكريات، لتحسين الحالة المزاجية. ويتزامن هذا مع الطوفان الاستهلاكي الذي غمر حواسنا وأرواحنا بالإعلانات المبهرة اللحوحة، عن أطعمة – مما خفَّت قيمته الغذائية، وثقلت سعراته الحرارية، وأضراره الصحية – تسيل اللعاب، وتذهب بعقل اللبيب، وعزيمة الحازم!.


كيف تعرف أنك مصابٌ بداء العصر؟

قياسان هما الأكثر أهمية:

1. حساب معامل كتلة الجسم Body Mass Index BMI، بقسمة الوزن بالكجم على مربع الطول بالمتر. وهو أدق من الوزن فقط؛ لأنه يحترم تناسب الطول والوزن. فوزن 90 كجم مع طول 195 سم، يختلف تمامًا عن طول 150 سم.

وعلى حسب الـ BMI،يصنف الناس:

– الوزن المثالي المستهدَف: 18.5 لـ <25.

– نحافة زائدة: أقل من 18.5.

– وزن زائد: من 25 لـ < 30.

– السمنة: 30 فأعلى.

– السمنة المفرطة: 40 فأعلى.

2. محيط البطن (قياس الخصر): والذي يعبر عن كثافة الدهون بالبطن، والحد الأقصى للأمان من المضاعفات هو 102 سم للرجال، و88 للنساء.


لماذا «الحمية»؟

رغم أن الكلام عن أخطار السمنة، وفوائد إنقاص الوزن، أصبحَ مكرَّرًا ومملولاً، فإن التكرار تذكرة للعاقل، وتنبيه للغافل. وسأقتصرُ على ما هو معلوم من الطب بالضرورة.

1. مرض مزمن + السمنة = زيادة كبيرة في المضاعفات واحتمالات الوفاة، وصعوبة في العلاج.

2. عملية جراحية + السمنة = خطورة أعلى، واحتمالات أكبر لمخاطر التخدير، ومشاكل التنفس، والقلب أثناء وبعد العملية.

3. لزيادة دهون البطن علاقة وثيقة بحدوث وتفاقم النوع الثاني من السكري، وأمراض الشرايين التاجية للقلب، ,وارتفاع كولسترول وضغط الدم.

4. علاقة السمنة وثيقة بالنوع الثاني من السكري، ويمكن لإنقاص الوزن والتريض أن يعالجا جذريًا دون دواء، درجاته البسيطة والمتوسطة.

5. كل 1 كجم يُنقص من الوزن، يقلل ارتفاع ضغط الدم الأولي الشائع (الذي ليس له سبب محدد كالفشل الكلوي واختلال الغدد يجب علاجه أولًا) درجة، مما قد يعالجه جذريًا أو يسهل كبح جماحه بالأدوية، وبالتالي تقليل مضاعفاته الخطيرة كجلطات ونزيف المخ، وجلطات القلب، والفشل الكلوي، ..إلخ.

6. السمنة تسبب خشونة المفاصل وتلفها، خاصة حاملة الثقل كالركبتين.

7. السمنة تسبب حصوات المرارة والتهاباتها.

8. السمنة من عوامل الخطر التي تسهل حدوث جلطات الشرايين التاجية للقلب، وجلطات أوردية الساقين والرئة.


«الحمية الغذائية» بين التجارة والطب

مؤخرًا، أصبح إنقاص الوزن ثقافة عامة. فبدأت صالات الألعاب الرياضية، وعيادات التغذية والتخسيس تكتظ بآلاف الزبائن الذي ملُّوا أسرَ دهونهم، وتتشوق حسابات مواقع التواصل الاجتماعي لهم لصور أجسامهم الممشوقة، خاصة صورة تقسيمات البطن الأمامية الشهيرة!.

لكن بسبب استعجال قطف الثمرة، والأداء التجاري من مقدمي الخدمة، فإن الغالبية العظمى لا تلبث أن ترتد بعد فترة إلى الوضع السابق … أو أسوأ.

تبهرنا جميعًا إعلانات مثل (نظام غذائي يجعلك تفقد 30 كجم في شهرين!) .. ولأن الإنسان ضعيف، فهو يحتاج دائمًا إلى إنجاز سريع، ويصاب غالبًا بوسواس الميزان المرضي، الذي يدفعه لقياس وزنه قبل الأكل وبعده ليعرف هل فقد وزنًا أم اكتسب!. ومقدم السلعة (الطبيب، المدربين .. إلخ) غالبًا ما يريد النتائج السريعة قصيرة الأمد ليتحدث الزبائن عن إنجازه، دون النظر لأبعد من هذا.

ما أسهل أن نتبارى كأطباء في التضييق على طالبي الحمية، وأن نتفنن في وضع أنظمة غذائية تصلح في المنافسة على مسابقات السادية أو المازوخية. في الإفطار ربع رغيف وزيتونة و30 جم جبنة، وفي الغداء سلطة خضراء، وشريحة من صدور الدجاج المسلوقة، ولا عشاء أو نصف تفاحة كحد أقصى.

من يمتلك الإرادة للالتزام بهذا شهرًا أو اثنيْن، غالبًا لن يكمل الثالث. نعم قد يفقد فيهما ربع وزنه، لكن ماذا بعد؟!، ومن يحمل نفسه على الحق جملة، قد يفقده جملة، وهذا كارثي.


ما هو النظام الأمثل إذًا؟

ما أشبه الحمية بالثورة. إذا فشل، كان أسوأ كثيرًا مما لو كان لم يحدث أبدًا. فالقليلون هم من يستطيعون استجماع الإرادة المهزومة، وإعادة المحاولة. إذ في حالاتٍ كثيرة يرتد الشخص إلى وزن أسوأ مما كان في بداية الحمية الأولى.

وهذه خطوطٌ عريضة مبسطة، تصلح خطةً طويلة الأمد للتغيير المتدرج الراسخ في نظام حياتنا ككل.

معلومات سريعة لابد منها أولًا:

1. يختلف حرق الدهون من جسم لآخر، فلا يحسن عقد المقارنات.

2.للعوامل الوراثية دور مهم في حدوث السمنة (اختلاف معدلات حرق الدهون – العوامل النفسية – الإشارات العصبية المتحكمة في الجوع والشبع .. إلخ)، ولكن بالعادات الصحية يمكن التخفيف من هذا الدور. وما لا يُدرَك كلُّه، لا يُترَك جُلُّهْ.

3. يقل استجابة الجسم للحمية تدريجيًا بزيادة العمر، فاغتنم شبابك.

4. كلما اقتربت من وزنك المثالي، تقل الاستجابة للحمية، فلا تقلق إن بدأ معدل انخفاض وزنك في التناقص مع مرور شهور الحمية.

5. يمكنك تقريبيًا حساب السعرات الحرارية – وهي وحدات الطاقة التي يستخدمها الجسم، ويخزن فائضها عن حاجته كدهون – التي تحتاجها يوميًا لتثبيت وزنك أو إنقاصه من هنا. فقط أدخِل عمرك ووزنك الحالي، وطولك، والجنس، وحجم نشاطك اليومي.

6. معظم الأطعمة المعلبة مدون عليها كمية السعرات الحرارية فيها، وتوزيعها. وأفضلها ما قلت سعراته، وكان أكثرها من البروتين، وأقلها من الدهون والسكريات.

7. الحمية أصعب قليلاً في النساء. فأجسامهم تميل هرمونيًا للاحتفاظ بالدهون، ولذا يحتجْنَ إلى مجهود أكبر لفقد الوزن.

8. كل كجم مختزن في أجسامنا من الدهون = 7.5 آلاف سعر حراري فائض عن الحاجة.

9. النوم مبكرًا حيوي جدًا؛ لأن السهر يزيد إفراز هرمون الليبتين المسبب لإحساس الجوع.

ما هدفنا؟

خسارة حوالي 2 كجم شهريًا، حتى الوصول إلى الوزن المثالي طبقًا للـ BMI؛ أي إنقاص حوالي 15 ألف سعر شهريًا؛ أي 500 سعر يوميًا عن معدل التثبيت، وهو هدف ليس بالسهل، لكن يمكن التعود عليه دون عناء.

القواعد الذهبية العشرة:

ريجيم، إنقاص الوزن، صحة، طب،
ريجيم، إنقاص الوزن، صحة، طب،

القصة بسيطة، نريد تقليل مدخلات الطاقة (الطعام )، وزيادة المخرجات (الأنشطة المستهلكة للطاقة كالرياضة). فيبدأ الجسم في حرق احتياطي الدهون المخزنة لتعويض عجز الطاقة. وهذه هي القواعد التنظيمية الأهم:

1. لا جوع: فهو العدو الأكبر للحمية. وللتغلب عليه، يتم توزيع الطعام على 4-6 وجبات صغيرة على مدار اليوم، على أن يكون آخرها قبل النوم 3-4 ساعات. بجانب الإكثار من الأطعمة المُشبعة كالفول.

2. الرياضة المستمرة: ولو كانت المشي لنصف ساعة يوميًا بخطوة سريعة، وكرة القدم مرة أسبوعيًا. ستساعدك الرياضة على الحفاظ على الوزن المثالي بعد أن تصله. كما أنها ستقلل فرص إصابتك بأمراض القلب والضغط والسكر. وأن تُكثر من الرياضة، وتزيد في الطعام قليلًا، خيرٌ من أن يقل طعامك ونشاطك معًا. واجعل نشاطك جزءًا من برنامجك اليومي، كالمشي ذهابًا وعودة من العمل … واستخدم التطبيقات التي تقوم بحساب الخطوات ومسافة المشي، لتشجعك على المداومة والاستزادة بالمنافسة مع نفسك وغيرك.

3. مساعدة الجسم على حرق الدهون: قد تحدث الحمية القاسية نتيجة عكسية. إذ يخشى الجسم من حالة شبه المجاعة التي يتعرض لها، فتبدأ الخلايا بتقليل الحرق، لضمان الحفاظ على مخزون الطاقة. ولذا فالتخلص من الجوع كما ذكرنا، وعدم حرمان الجسم تمامًا من النشويات والسكريات، بجانب ممارسة الرياضة .. إلخ، سيدفع الجسم إلى حرق الدهون بثقة.

4. لا عشاء: أخطاء عديدة يمكن التغاضي عنها في الحمية، ليس من بينها تناول العشاء وإن لم يكن ضخمًا!؛ لأن معظم ما فيه من طاقة سيتم اختزانه. واجعل الإفطار صديقك، إذ أمامك يومٌ طويل سيحتاج جسمك فيه للطاقة حتمًا، خاصة بممارسة الرياضة. ولذا يمكن فيه أن تكافئ نفسك ببعض الممنوعات، ولكن ليس يوميًا.

5. أسطورة اليوم (الفري): بدعة باطلة، وقد تفسد مجهود 4 أو 5 أيام. ولو تم الالتزام بطريقتنا المعتدلة، فلن تحتاج نفسيًا لمثل هذا اليوم. إنما الصواب أن تتذبذب حول معدلك صعودًا وهبوطًا؛ لأن هذا يخدع الجسم، ويدفعه لزيادة الحرق.

مثال: قمت بحساب السعرات اليومية لكي تفقد الوزن فوجدتها 2000 سعر. تناول في يوم 1800، والذي يليه 2200، والذي يليه 1700، ثم 2400 … إلخ.

6. اجعل أعمدة طعامك الخضروات والفواكه والأسماك واللحوم منزوعة الدهون، والأجبان والألبان قليلة وخالية الدسم، وخبز القمح الكامل (الخبر السن). فهذه الأطعمة عالية الفائدة، ومشبعة، وسعراتها الحرارية أقل، وأساسها من البروتين.7. لا مانع من المُحَلِّيات خالية السعرات (السكر الدايت)، فالسكر المعتاد يمكن أن يذهب بما نفعل أدراج الرياح. لكن لا تسرف منها، لوجود بعض علامات الاستفهام، والآراء المتضاربة حول أمانها على المدى الطويل.

8. قلِّص قائمة الممنوعات: كل ما تريد ولكن بذكاء. مثال: 100 جم بطاطس تحتوي 100-150 سعرًا، فإذا تم تحميرها بالزيت أصبحت 500-600!. قم بتحميرها في الفرن مثلًا بكمية قليلة من الزيت، أو بدونه. وبهذه تكون فزت ببعض القرمشة ولم تخسر الحمية!. كذلك لا مانع كل يومين أو ثلاثة من قطعة من الحلويات، ولكن اجعلها في أول اليوم. وبدلًا من (بولتيْن) من الآيس كريم المفضل لك، اجعلها واحدة.

لا ترد دعوةً على الغداء، وكُل من كل شيءٍ باقتصاد، وعوِّضها بزيادة نشاطك. بدلًا من طبق كبير من المكرونة على الغداء، اجعله طبقًا صغيرًا. وبالصلصة الحمراء بدل البيضاء.

9. لا تجلد ذاتك: فهذا سيضغطك نفسيًا، ويجعلك أقل صبرًا على التحمل. فإذا انهارت دفاعاتك في يومٍ، اجتهد في ضبط اليوم التالي جيدًا، وزيادة النشاط فيه. وتذكر دائمًا أن بعض الحق خيرٌ من لاشيء. فإذا تجاوزت حد إنقاص الوزن من السعرات، فلا تتجاوز حد التثبيت. وإن تجاوزته، فلا تتجاوزه كثيرًا، ليسهل عليك التعويض. وإن اختل النظام يومًا، فلا تجعله اثنيْن .. إلخ.

10. وتعاونوا على البر والتقوى: كلما أحطْتَ نفسك بمن يريدون نفس هذا الهدف، زاد نجاحكم جميعًا، وقلَّت فرص الإغراءات السلبية، وتضاءل الملل والفتور، وأذكت المنافسة الروح.

وكل تغيير في أوله مُستصعَب، لكن الوقت كفيل بجعله جزءًا من العادة.