محتوى مترجم
المصدر
العلمي الأمريكي
التاريخ
2016/02/14
الكاتب
جون هورجان

لقد انفجرت القضية القديمة المتعلقة بالجينات والعِرق والذكاء مرَّة أخرى. والزناد، هذه المرَّة، هو العالم الاجتماعي جيسون ريتشواين (Jason Richwine)، الذي شارك مؤخرًا في تأليف دراسة عن الهجرة لصالح هيرتدج فاونديشن (Heritage Foundation)، وهي مؤسسة فكرية محافظة. وقد ادَّعت الدراسة أن منح العفو للمهاجرين غير الشرعيين قد يكلِّف الولايات المتحدة أكثر من 5 ترليون دولار.

عقب إصدار الدراسة، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن ريتشواين أكد في أطروحته لنيل درجة الدكتوراه من جامعة هارفارد، في عام 2009، والتي جاءت بعنوان «معدَّل الذكاء وسياسة الهجرة – IQ and Immigration Policy»، أن متوسط معدل ذكاء المهاجرين لدى الولايات المتحدة «أقل بكثير من ذلك الذي لدى السكان الأصليين البيض». معتبرًا أن «مجمل الأدلة تشير إلى مكوِّن وراثي للاختلافات الجماعية في معدل الذكاء»، وأضاف ريتشواين: «لا أحد يعرف ما إذا كان سيصل اللاتينيين إلى التكافؤ في الذكاء مع البيض، لكن التنبؤ بأن المهاجرين الجدد من أصل إسباني سيكون لديهم أطفال وأحفاد يمتلكون معدل ذكاء منخفض من الصعب أن يجادل ضده». واقترح ريتشواين أن ينظر إلى الذكاء باعتباره عاملًا في فحص المهاجرين.

لا أحد يعرف ما إذا كان اللاتينيون سيصلون إلى التكافؤ في الذكاء مع البيض، لكن التنبؤ بأن المهاجرين الجدد من أصل إسباني سيكون لديهم أطفال وأحفاد يمتلكون معدل ذكاء منخفض من الصعب أن يجادَل ضده

ومن ثمَّ يتبدَّى برنامج جديد لتحسين النسل من اقتراح الباحث المكرَّس في هارفارد الذي يعمل لدى مركز أبحاث بارز. نأت هيرتدج فاونديشن بنفسها بسرعة عن ريتشواين، مشيرة إلى أن الدعاوى التي تشتمل عليها أطروحته في جامعة هارفارد «لا تعكس بأية حال مواقف هيرتدج فاونديشن». وقد استقال ريتشواين من المؤسسة الأسبوع الماضي.

صفَّق بعض النقاد لسقوط ريتشواين وهاجموا البحث الذي أجراه في هارفارد. وقد أحببت بصفة خاصة الكيفية التي قام بها مدون ذي أتلانتك، تا نهيزي كوتس (Ta Nehisi Coates)، بجمع الأدلة التاريخية على أن العرق ظاهرة اجتماعية أكثر منها بيولوجية. ودافع آخرون عن فرضية أطروحة ريتشواين – أن للجينات اعتبار على الأقل في بعض الاختلافات في درجات معدل الذكاء بين الجماعات العرقية المختلفة – واستنكروا الهجمات التي تعرض لها على أنها أخطار تهدد حرية التعبير والبحث العلمي. يقول الصحفي أندرو سوليفان (Andrew Sullivan) إن «الرفت المؤثر» لريتشواين «يجب أن يرفع فورًا الأعلام الحمراء بشأن الحرية الفكرية».

هذه هي نفس الأشياء التي قيلت، في عام 1994، عندما جادل الباحثان في جامعة هارفارد، ريتشارد هيرنستاين (Richard Herrnstein) وتشارلز موراي (Charles Murray)، في ذي بل كيرف (the Bell Curve) أن برامج تعزيز الأداء الأكاديمي للسود قد تكون غير مجدية لأن السود هم بالفطرة أقل ذكاءً من البيض؛ وفي عام 2007، عزا عالم الجينات والحائز على جائزة نوبل، جيمس واتسون (James Watson)، المشاكل الاجتماعية في أفريقيا إلى العَوز الوراثي عند الأفارقة. (واتسون أيضًا أستاذ سابق في جامعة هارفارد. ما المشكلة في هارفارد؟ هل يمكن أن يكون هناك شيء في مياه الشرب؟).

أحس أنني ممزق فيما يتعلق بكيفية الرد على البحث المتعلق بالعرق والذكاء. يريد جزء مني القيام بدحض علمي للدعاوى المتعلقة بالذكاء عند هيرنستاين وموراي وواتسون وريتشواين. على سبيل المثال، أحد أهم الاستنتاجات المتعلقة بالجدل حول الذكاء والصفات الوراثية هو الارتفاع الكبير في درجات معدل الذكاء على مدى القرن الماضي. وهو ما يسمى بتأثير فلين، الذي تم اكتشافه من قبل عالم النفس جيمس فلين (James Flynn)، وهو أمر يقوض مزاعم أن الذكاء ينبع في المقام الأول من الطبيعة وليس التنشئة.

لكن يتساءل جزء آخر مني ما إذا كانت البحوث حول العرق والذكاء – بالنظر إلى استمرار العنصرية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى – يجب أن تكون ببساطة محظورة. لا أقول هذا على محمل الجد. بالنسبة للجزء الأكبر، أنا مدافع شرس عن حرية التعبير والعلم. بيد أن الأبحاث على العرق والذكاء، بغض النظر عن استنتاجاتها، تبدو لي غير ذات قيمة تعويضيًا.

بقطع النظر، يمكن أن تصبح دعاوى باحثين مثل موراي وهيرنستاين وريتشواين بسهولة متحققة ذاتيًا، من خلال دعم تحيزات العنصريين وبإقناع أطفال الأقليات وآبائهم ومدرسيهم أن هؤلاء الأطفال هم بالفطرة وبشكل قاطع أقل ذكاءً. (انظر ما بعد حاشية أدناه).

لماذا، في ضوء كل مشاكل واحتياجات العالم، قد يختار شخص ما التحقيق في هذه الأطروحة؟ ما الأمر الجيد الذي يمكن أن يأتي من ذلك؟ هل نحن حقًا في طريقنا لتقعيد سياسات الهجرة والتعليم وغيرها من البرامج الاجتماعية على الاختلافات العرقية الفطرية المزعومة؟ حتى هيرتدج فاونديشن لا تدعو للعودة إلى سياسات تحسين للنسل من هذا القبيل.

ربما بدلًا من الجدل حول الأدلة التي مع أو التي ضد النظريات التي تربط بين العرق والذكاء، يجب أن نرى أن ذلك ببساطة لا علاقة له بالخطاب الفكري الجاد. أنا متعاطف تجاه الموقف المنصوص عليه من قبل نعوم تشومسكي (Noam Chomsky) في كتابه الصادر عام 1987، اللغة ومشكلات المعرفة (Language and Problems):

«من المؤكد أن الناس يختلفون في صفاتهم المحددة بيولوجيًا. وعند التأمُّل نجد أن العالم سيكون فظيعًا جدًا إذا لم يكونوا كذلك. لكن اكتشاف وجود علاقة بين بعض هذه الصفات ليس له أهمية علمية ولا أهمية اجتماعية، إلا عند العنصريين والجنوسيين (sexists)، وأولئك الذين يزعمون أن هناك علاقة بين العرق والذكاء والذين ينكرون هذه الدعوى يسهمون في العنصرية وغيرها من الاضطرابات، لأن ما يقولونه يقوم على افتراض أن الإجابة على السؤال تصنع فارقًا؛ إنها لا تصنع فارقًا، إلا عند العنصريين والجنوسيين ومن شابههم».

إن العلماء والنقاد الذين يصرون على إعادة تدوير النظريات العنصرية عن الذكاء يصورون أنفسهم كمدافعين شجعان عن الحقيقة العلمية. لكنني لا أراهم كأبطال وإنما فتوات، يركزون على أولئك الذين يحصلون بالفعل على صفقة باردة في مجتمعنا. حان الوقت لدفن هذه النظريات الهدامة مرَّة واحدة وإلى الأبد.

تنبيه عن سخرية: ظهر لي للتو أن فيلمين حديثين، غاتسبي العظيم (The Great Gatsby) وجانغوا محررًا (Django ununchained)، أظهرا أشرارًا ينبثق خطابهم من نظريات علمية زائفة عن التفوق الأبيض. تدل تلك الأفلام على أن هذه النظريات بمثابة آثار سخيفة من ماضينا العنصري والتي لا يمكن لإنسان معاصر أن يصدقها.

* توضيح: قد يتساءل بعض القراء عما أعنيه بـ «الحظر» [:حظر هذا النوع من الدراسات]، لذلك اسمحوا لي أن أعبر عن الأمر بوضوح. أتصور حظرًا فيدراليًا للخطابات أو المنشورات التي تدعم النظريات العرقية حول الذكاء. وأن جميع الأوراق والكتب وغيرها من الوثائق التي تدعو لمثل هذه النظريات يجب أن تحذف أو تدمر أو خلاف ذلك. وأولئك الذين لا يزالون يتبنون مثل هذه النظريات إما علنًا أو سرًا (على النحو الذي يحدده رصد البريد الإلكتروني أو المكالمات الهاتفية أو الاتصالات الأخرى) سيتم احتجازهم إلى أجل غير مسمى في غوانتانامو حتى تفصل محكمة سرية أشرف عليها بنفسي وتقول إنهم قد أعربوا عن الندم كفاية وبالتالي يمكن الإفراج عنهم.

** توضيح على التوضيح: ترك هذا التوضيح أعلاه بعض القراء في حيرة حول ما إذا كان كلامي كله مزحة. التوضيح (كما اعتقدت) ساخر تمامًا، وبقية كلامي (كما اعتقدت) جدي تمامًا. فما الذي أعنيه في الواقع بفرض الحظر على هذه الدراسات؟ هذه واحدة من الاحتماليات. مجالس المراجعة المؤسسية (IRBs)، التي يجب أن توافق على البحوث التي تجرى على الإنسان التي تقوم بها الجامعات والمنظمات الأخرى، يجب أن ترفض اقتراح البحوث التي من شأنها أن تعزز النظريات العرقية حول الذكاء، لأن الضرر من هذه البحوث – من حيث هي تعزز العنصرية حتى لو لم تكن بدافع عنصري – يفوق كثيرًا أي فوائد مزعومة. توظيف مجالس المراجعة المؤسسية في الأمر سيكون مناسبًا، لأنها تشكلت في جزء منها كرد فعل على أحد أكثر الأمثلة شهرة للبحوث العنصرية في التاريخ، دراسة توسكيجي سيفيلس (Tuskegee Syphilis Study)، التي نفذتها دائرة الصحة العامَّة في الولايات المتحدة 1932-1972.

ما بعد الحاشية: نشرت ساينتفيك أمريكان (Scientific American) مادتين ممتازتين عن «تهديد الصورة النمطية»، والذي هو نوع من العلاج الوهمي العكسي أو رد الفعل السلبي؛ ضحايا النمطية السلبية قد قاموا بأداء مخيب لأنهم يصدقون الصورة النمطية. انظر هنا وهنا. بعض النقاد الأذكياء لما كتبته قد يتهمونني بالنفاق، لأن هذه المواد تقدم بحثًا على أساس العرق وينبغي أن تخضع للحظر المقترح من قِبلي. من الواضح أنني أحاول القضاء على البحوث التي تعزز العنصرية بدلًا من تلك التي تواجهها. أعني، كفاية.

تنبيه عن الانتحال الذاتي: بعض من المواد المذكورة أعلاه يعاد تدويرها من كتابي عام 1999، العقل غير المكتشف (The Undiscovered Mind).