الساعة الآن هي التاسعة صباحًا، في مدينة طنطا المصرية التي تتوسط دلتا النيل، يجلس بعض الموظفين والعمال لتناول قهوة الصباح، أو بعض أنفاس الشيشة، على رصيف مقهىً يحتل إحدى النواصي المعروفة في المدينة. من رابع المستحيلات أن ينجح أحد هؤلاء، أو بعض المارة في المكان، في وصف ما حدث بدقة أمام ناظريهم ولم يستغرق سوى ثانيتين فحسب، وكأنها صاعقةٌ صفعت الأرض حولهم في لمح البصر، فذابت.

بعد استيعاب الصدمة الأولى، قد يخبرك أحدهم مفرداتٍ من قبيل سيارة، سيدة طارت في الهواء، ذهول، صدمة. ورغم انجلاء الموقف في الدقائق التالية، وتبيُّن سيناريو ما حدث، يظل هناك سؤالٌ شديد الإلحاح عن السبب الذي يدفع سيدة لتقود سيارتها داخل المدينة، في هذا الصباح الباكر، بسرعة جنونية، تنتهي بها وقد اصطدمت بأحد الأرصفة بقوة شديدة، بعد أن أطاحت بسيدة تمر في الطريق، ودفعت جسمها بضعة أمتار عبر الهواء. ولكن كما قال العرب، إذا عُرِفَ السبب، بطُل العجب. 

خلال ساعات، عرف عشرات الآلاف من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، ممن صدمهم مشهد الحادث كما التقطته كاميرا المراقبة التابعة للمقهى، السبب الكامن وراء تلك الفاجعة. لقد أصيبت قائدة السيارة بغيبوبة سكرية أثناء القيادة، مما أفقدها السيطرة، فحدث ما حدث.

بعد بضعة أسابيع، وعلى مسافة مائة كيلومتر جنوبًا، وفي إحدى ضواحي محافظة الجيزة، كان شابٌ مصري في الخامسة والعشرين من عمره يقود سيارتَه، ويرافقه أحد أصدقائه. فجأة يصاب قائد السيارة بما يشبه التشنجات، وفقدان الوعي، وينجح صديقه بأعجوبة في إيقاف السيارة قبل التسبب بحادث مروع على الطريق، ثم يهرع بصديقه إلى إحدى المشافي القريبة، لكن لسوء الحظ لم تنجح جهود إسعافه، ووافته المنية. كانت تلك هي واقعة وفاة الابن الأصغر للرئيس المصري الأسبق محمد مرسي، والتي اهتزت لها مصر مطلع سبتمبر 2019م، خاصةً عندما أُعلِن أن سبب الوفاة هو الإصابة بسكتة قلبية مفاجئة، يثيرُ الكثيرَ من الاستغراب حدوثُها لشابٍ في هذا السن.

تخيل معي ما كان سيحدث إن وقعت الحادثة الأخيرة في طريق مزدحم، أو لم يتواجد صديق يحسن التصرف يقلل خسائر الأمر، وكانت السيارة حافلةً ضخمة مكتظة بعشراتِ المسافرين؟

أوقف السيارة فورًا … لا تقتل نفسك والآخرين

من نافلة القول أن نؤكد أن القصتيْن الواقعيَّتيْن المذكورتيْن، مجرد نموذج لآلاف الحوادث المماثلة حول العالم، والتي تتسبَّب في مئات بل آلاف الوفيات، والإصابات الخطيرة، وحالات العجز المؤقت والدائم. بالطبع لا يمكن الادعاء أن كل تلك الحوادث كان يمكن تجنبها، فمنها ما لا يكون في الحسبان على الإطلاق، لكن هدفنا زيادة مساحة الوعي، لتجنب أكبر قدرٍ منها، أو على الأقل تخفيف آثارها. هناك ملايين المصابين بأمراض مزمنة كالسكر والتدخين والضغط وارتفاع دهون الدم، وقصور شرايين القلب والصرع .. إلخ، والذين قد يتعرضون لمضاعفاتٍ طارئة خطيرة، تتفاقم كارثيتها عندما تحدث في زمانٍ ومكانٍ غيرِ مناسبيْن، ولن يكون هناك أسوأ من أن يكون ذلك على الطريق العام، خلف مقود السيارة.

اقرأ: دليلك الشامل للتعامل مع حالات الطواريء الطبية العاجلة.

هناك العديد من الحالات المرضية (الأمراض العصبية التي تؤثر على الوعي وكفاءة الحواس بكافة صورها) أو العارضة، والتي قد لا يُسمح لأصحابها بقيادة السيارات من الأساس، وهي ليست مدار حديثِنا الآن، إنما ما سنركز عليه في السطور التالية هو أحوال خطيرة قد تُعاجِل من يقودون سياراتهم بشكلٍ اعتيادي.

1. غيبوبة السكر

هناك عدة أنواع من حالات الغيبوبة المرتبطة بمرض السكري، لكن أهمها هنا هي غيبوبة نقص السكر، والتي تُعتبَر من أكثرها شيوعًا. يحدث السيناريو كالآتي في غالب الأحيان: يصحو المريض متأخرًا عن موعد عمله مثلاً، فيتعاطى دواء خفض السكر سواءً كان الأقراص أو حقن الأنسولين، ولا يتناول إفطارًا جيدًا، مما سيعرضه لهبوطٍ مفاجئ في سكر الدم في خلال الدقائق القادمة.

يصاحب نقص تركيز السكر في الدم أعراضٌ يعرفها أغلب مرضى السكري: عرق غزير، وتسارع في ضربات القلب والتنفس، واهتزاز في رؤية العين .. إلخ، قبل أن تتطور الأعراض إلى حدوث الفقدان التام لدرجة الوعي. إذا شعرت بالأعراض الأولية السابقة، أوقف السيارة فورًا، وتناول أي طعام أو شرابٍ بحوزتك يحتوي على السكر (قطعة من الحلوى – تمرة – عصير .. إلخ)، ولا تعد إلى القيادة إلا عند زوال الأعراض تمامًا، وشعورك أنك بحالة عامة جيدة.

اقرأ أيضًا: كيف تتعامل مع مريض بالسكري مقبل على غيبوبة.

2. جلطات شرايين القلب، والذبحات الصدرية

في السنوات الماضية، تفاقمت أعداد المصابين بأمراض شرايين القلب التاجية، نتيجة تفشي تدخين السجائر، والإصابة بالضغط والسكري، وزيادة الوزن .. إلخ، إذ تسبب عوامل الخطر السابقة تلف جدران الشرايين، وترسب الدهون فيها، مما يضيق تجويفها، ويعوق سير الدم الطبيعي، خاصة عند بذل المجهود، وتزايد الحاجة لكمياتٍ أكبر من الدم. 

كذلك، قد يتطور الأمر في أية لحظة، ودون بذل أي مجهود بدني، فيصاب المريض بجلطة في شريان القلب، وهي من أخطر الحالات الطارئة في الطب، وتستدعي التدخل الفوري بعمل القسطرة القلبية العاجلة. 

إذا كنت تقود سيارتك – بالأخص إذا كنت من المصابين بأحد أو بعض علامات الخطر المذكورة – وشعرت بألم شديدٍ في منتصف صدرك (شعور حارق، أو ثقل شديد، أو اختناق في الصدر) مع ألم في الكتف الأيسر أو العضد، أو الكتفين، مصحوبٍ بعرقٍ غزير أو ميل للقيء، أوقف السيارة فورًا، واطلب الإسعاف في الحال. أسوأ المضاعفات العاجلة للإصابة بجلطات القلب، هي الاضطرابات الكهربية الشديدة في القلب، والتي قد تصل إلى حد توقف عضلة القلب، وانقطاع الدم فجأة عن المخ وغيره من الأجهزة الحيوية. إذا حدث هذا، وأنت لا تزال في منتصف الطريق، ستفقد الوعي فجأة، ومعه تفقد السيطرة مطلقًا على سيارتك، ويحدث المزيد مما لا يُحمَد عُقباه.
اقرأ: مرض العصر .. قلوبٌ شابة في مرمى الموت.

اقرأ أيضًا: قلوبٌ شابة في مرمى الموت .. هل يعودون من البرزخ؟.

اقرأ أيضًا: كيف تنقذ حياةَ مريضٍ بجلطةٍ في القلب؟

3. النوبات الصرعية

من أخطر ما يمكن أن يُصاب به المرء على الطريق، النوبات الصرعية بشتى أنواعِها. يُحظَر تمامًا على مصاب الصرع قيادة السيارة، ما لم يكُن منتظمًا على أدوية الصرع الفعالة لـ 6 أشهر كاملة على الأقل، دون حدوث نوباتٍ. هناك محفزات عديدة تزيد فرص حدوث الإصابة بالنوبات الصرعية، مثل الضغط العصبي، والإجهاد الشديد، ونقص ساعات النوم، والإصابة بالحمى … إلخ. 

قد تسبق حدوث النوبة الصرعية، بعض الأعراض الاستباقية، كالإصابة بالصداع أو الميل للقيء، أو الشعور ببعض الأحاسيس الغريبة غير المفسَّرة، أو الدوار .. إلخ. إذا شعرت بتلك الأعراض، فالزمْ مكانًا آمنًا، حتى لا تسبب لك النوبة أذىً جسمانيًا. وإذا عاجلتْك تلك الأعراض أثناء قيادة السيارة، توقف جانبًا على الفور، وأغلق السيارة جيدًا، وهدئ من روعِك، وأرخِ ظهرَ مقعدِك. غالبًا ما يعقب نوبة الصرع فترة من الغيبوبة الجزئية أو الكلية. لا تَعُدْ لقيادة السيارة إلا بعد استعادة كامل وعيِك وتركيزك، وارجعْ لطبيبِك، وغيّر خطة العلاج، ولا تعُد لقيادة السيارة إلا بعد السيطرة التامة على الأعراض لأكثر من 6 أشهر جديدة.

4. هجمات الصداع النصفي الشديدة

لحسن الحظ، دائمًا ما يسبق نوبات الصداع النصفي أعراضُ إنذارية، تبدأ خلال دقائق أو ساعات – أحيانًا يومٌ أو اثنين – تنبه المرء إلى قرب حدوث النوبة. من أهم تلك الأعراض: الميل للقيء، الإجهاد الشديد، التثاؤب المستمر، الاكتئاب المفاجئ، بعض الهلاوس البصرية .. إلخ. لا ننصح بقيادة السيارة لمسافات طويلة عند ظهور أي من هذه الأعراض، إذ إن نوبة الصداع النصفي تؤثر على كفاءة قيادة السيارة بشكلٍ جذري. فمن بإمكانه أن يقود جيدًا بينما يشعر بضرب المطارق في رأسه؟ بل قد تصل شدة أعراض النوبة إلى حدوث تشوشٍ كبير في الرؤية، قد يصل إلى حد الإصابة بما يشبه العمى المؤقت.

عندما تشعر بالأعراض الإنذارية، تجنب قيادة سيارتك، وإن كنت مضطرًا للنزول، فاستقل وسيلة مواصلاتٍ آمنة.

5. تغير مفاجئ في درجة الوعي

هناك حالات مرضية عديدة قد يصاحبها اضطراب مفاجئ في درجة الوعي، مثل الإصابة بجلطة في المخ، أو التعرض لغيبوبة كبدية لدى مرضى تليف الكبد المزمن … إلخ. بالطبع يتعارض هذا تمامًا مع قيادة السيارة. من الجيد أن الأمر لا يصل إلى حد الغيبوبة فجأة في أحيانٍ كُثُر، وقد يحتاج إلى ساعاتٍ حتى يتطور. إذا شعرت بالأعراض الأولى لاضطراب الوعي، مثل الشعور بالدوخة، أو الغثيان، أو اهتزاز الرؤية، أو اضطراب التركيز .. إلخ، أوقِف السيارة فورًا، واطلب المساعدة العاجلة، ولو بمجرد إخبار بعض أصدقائك أو أهل بيتك بموقعك وحالتك الحالية، لا تُكابر وإلا حدث ما لا يُحمَد عقباه لك ولغيرِك على الطريق. 

اقرأ أيضًا: كيف تنقذ حياة مريض الكبد؟

الخلاصة ..

لا تقُد السيارة، خاصة في المسافات الأطول، إلا وأنت في أفضل أحوال اللياقة البدنية والذهنية والنفسية، وتذكر دائمًا أن المكابرة قد تودي بكَ، وبغيرِك إلى حتفكم.