لا يهم إن كان طقس اليوم صيفيًّا حارًّا أو باردًا يستلزم إشعال المدفأة والاحتماء بها من البرد القارس، سيدفع الجلد ثمن الحرارة وانخفاض الرطوبة في الحالتين. لا يخفى على أحد كم يصيبنا جفاف الجلد بشعور من عدم الراحة، لكننا -وللعجب- نميل لاعتباره مشكلة عابرة أو جانبية، ويعتبر البعض علاجها نوعًا من الرفاهية. فبينما لا يعد جفاف الجلد عرضًا مرضيًّا، فإنه يتسبب في الكثير من المشاكل اللاحقة من صعوبة علاج البثور والتشققات المؤلمة، وحتى صعوبة في شفاء الجلد عند تعرضه لإصابات، هذا بالإضافة للشعور السخيف بالجفاف بالطبع.

اكتشف البشر حل مشكلة جفاف الجلد منذ زمن طويل، ولكن للأسف كان الحل الأكثر كفاءة والقادر على تقليل خسارة الجلد لرطوبته بمعدل 98% حلًا دهنيًّا بشكل لا يسمح باستخدامه على نطاق واسع أو مكثف. كان هذا هو الفازلين أو White Petroleum.

ولأن أقل القليل من الفازلين سيشعرك أنك مغلف بشرنقة أو أنك قد سقطت في عبوة من السمن، كان على صانعي المرطبات إيجاد بدائل وحلول أخرى، المهمة التي ربما تكون قد تمت بشكل مبالغ فيه قليلًا إذا نظرت لعدد المنتجات المتاحة.

فيما يلي سنتعرف على المكونات الأساسية للمرطبات وطرق عملها. ستساعدك هذه الخطوط العريضة على اختيار المرطب المناسب لاحتياجات جلدك.


الهروب العظيم

تتعرض خلايا الجلد لظروف أكثر تطرفًا بكثير من خلايا بقية أعضاء الجسم الداخلية، لأنه الأكثر تفاعلًا مع البيئة الخارجية، وهو كذلك العضو الأكبر مساحة. لهذا فإن خلايا الجلد لا تلبث أن تجف، وتتقشر، وتسقط، أو تتكتل، وتتصلب، وتسبب طبقات ذات ملمس خشن.

ما السبب؟ قصة نبدؤها من البداية.

يتكون الجلد من ثلاث طبقات هي البشرة الخارجية epidermis، والأدمة الباطنية dermis، وأخيرًا الطبقة الدهنية تحت الجلدية Hypodermis. تمد الأوعية الدموية طبقة الأدمة فقط بالماء ليتسرب بدوره منها إلى الطبقة الأعلى والطبقة السفلية.

تكمن مشكلة الجفاف في هذه الزاوية بالذات. يجب أن يشكل محتوى الجلد من الماء 10% فأكثر لنشعر بأنه ناعم ورطب. وعندما يتبخر الماء بسرعة ويتسرب من البشرة إلى الجو وتقل نسبته، فإنه يترك الخلايا جافة وعطشة لتموت بسرعة وتنفصل تاركة الجلد بلا ترطيب ولا حماية من الميكروبات.

في الواقع، لا يمكن اعتبار أن الخلايا الميتة غير مرغوب فيها بجملتها.تتكون الطبقة العليا من البشرة من خلايا تعرف باسم corneocytes وهي خلايا ميتة عديمة النواة. تساعد محتويات هذه الخلايا على الحفاظ على رطوبة الجلد وحبس الماء في الجلد. كذلك فإن الماء يعمل على تنظيم عملية التخلص من هذه الخلايا بشكل دوري صحي وطبيعي.

بمجرد أن تقل نسبة الماء عن الـ 10% يختل هذا النظام ولا يصبح بمقدور الجلد التخلص من خلايا طبقة البشرة الخارجية تلك. تتراكم الخلايا الميتة التي لم تعد قائمة بوظيفتها ليصبح الجلد متصلبًا ومتقشرًا وجافًّا.

بذلك تكون قد عرفت كيف أن عملية ترطيب الجلد لا تتوقف فقط على إمداده بالماء، بل الحفاظ على الرطوبة والحيلولة دون تسربها أيضًا.


شجرة العائلة

يتكون أي مرطب من خليط من عدة مواد تندرج ضمن 3 عائلات أساسية، مضافًا لها بعض المعادن أو الفيتامينات (بنسب مختلفة لكنها في العادة أقل من إحداث أي فارق حقيقي مهما تخبرك الإعلانات). تحاول المرطبات إمداد الجلد بالماء والزيوت معًا لأن كليهما له دور في الحفاظ على طبقات الجلد متماسكة ومرنة، وبالتالي فإن فئات مكوناتها الثلاثة تعمل معًا لإتمام هذه المهمة والحفاظ على نتائجها.

1. وتدعى Humectants، والتي يمكن اعتبارها مغناطيس الرطوبة.

يعمل الهيوميكتانت كإسفنجة، يسحب الماء ويمتصه من الهواء أو من الأدمة ويتمدد ويحافظ على هذا المخزون من الماء في الجلد مانعًا إياه من الفرار. يحتوي الهيوميكتانت على مجموعة هيدروكسيل OH محبة للماء مما يساعدها على امتصاص الماء والاحتفاظ به.

يظهر من كيفية عمل الهيوميكتانت أنه قد يسبب مشكلة إذا لم يجد رطوبة يمتصها من الهواء أو الأدمة، حيث سيتسبب في امتصاص الماء من الخلايا الأخرى، لهذا فإنه كثيرًا ما يتم خلطه بنوع آخر من المرطبات. يعد الجليسرين ومشتقاته من أعضاء هذه الأسرة الكريمية.

2. وتدعى Occlusives أو مواد السد المنيع.

تشكل هذه المواد سدًّا سميكًا من جزيئات طويلة ومتشابكة على الجلد ليمنع الماء من التسرب إلى الجو ويقوم بعزله. إلى هذه النوعية من المرطبات ينتسب الفازلين لدهنيته وسماكته التي تعيق استخدامه رغم فعاليته المثالية في الحفاظ على مخزون الجلد المائي.

3. وتدعى Emollients أو المواد الملينة.

تتغلل هذه النوعية من المرطبات بين خلايا الجلد لتعطي الشعور باللين والنعومة. لا تؤثر هذه المواد على كميات الماء إلا أنها تساعد على ملء الفراغات بين خلايا الجلد الجافة والميتة، وبالتالي تجعل ملمسها أكثر ليونة وتحميها من هجوم الميكروبات من خلال الوديان الجافة بين الخلايا التي تركها الماء وذهب.


احتياجات متنوعة

يمكن اعتبار كريمات الترطيب كمستحلب Emulsion زيت في ماء. يتغلغل الماء إلى خلايا الطبقة العليا من البشرة التي تمتصها كما أسلفنا الذكر، ويحافظ الزيت على الماء محبوسًا في الجلد ويحول دون هروبه. تقوم المركبات الدهنية والشمعية مثل اللانولين والبارافين والكحولات الدهنية بدور الزيت.

تختلف احتياجات البشر حسب نوعية جلدهم وغرض الترطيب. فمثلًا نجد أن بعض أنواع البشرة تحتاج إلى مرطبات خالية من الزيوت بسبب طبيعتها الدهنية أصلًا. هنا تتم إضافة مركبات مبنية على بوليمرات السليكون مثل Dimethicone ليقوم بدور الزيوت. أما إذا كنت بحاجة إلى مرطب لعلاج حكة ما، فإن عليك إيجاد مرطب يحتوي على زيت المينثول.

أما إذا كانت المشكلة أكثر صعوبة، كجفاف الكعب مثلًا، فإن هدفك سيكون المرطبات المحتوية على حمض اللاكتيك والذي يجب استخدامه بعد محاولة التخلص من طبقات الجلد الميت المتراكمة قدر المستطاع.

بهذا نكون على استعداد جيد للذهاب إلى أقرب صيدلية واستقصاء المرطب المناسب للمشكلة التي يعاني منها الجلد بدلًا من تركه يجف ويسوء أكثر وأكثر. لم يتبق إلا أن تتذكر ألا تستخدم مرطب اليد أو الجسم للوجه، قد لا يتحمل جلد الوجه الرقيق كميات الزيوت التي يتطلبها ترطيب جلد بقية الجسم الأكثر سمكًا. كذلك لا تقلق إذا وجدت مواد حافظة في كريم الترطيب، تعمل هذه المواد على الحفاظ على جلدك من هجوم الميكروبات والبكتيريا التي قد تصيبك بالبثور والحبوب.